خلال الشهور القليلة الماضية، برز اصطحاب ملك الأردن عبد الله الثاني لنجله وولي العهد الحسين في كل اجتماعاته ولقاءاته الداخلية والخارجية، في خطوة جعلت البعض يتساءل حول احتمالية تولي الابن الحكم مبكراً.
ويتوقع محللون أردنيون أن يُكلّف الحسين خلال العامين القادمين بملفات هامة وكبيرة، سواء في الأردن أو في المنطقة التي تبرز في معظم ملفاتها أدوار لولاة العهد، كولي عهد السعودية محمد بن سلمان ونظيره محمد بن زايد في أبوظبي.
ويظهر أن ولي العهد الأردني يعمل حالياً على اكتساب خبرات سياسية من أبيه، كما أنه يحاول خلق شعبية له من أبواب عدّة، أحدها موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام. لكن المراقبون يعتبرون أن النزول إلى الشارع والاحتكاك بمشاكل الناس هو ما سيبني شعبيته الحقيقة.
مَن هو ولي العهد الأردني؟
وُلد الحسين بن عبد الله الثاني في عمّان، عام 1994، وهو الابن الأكبر للملك الحالي، وله شقيق واحد هو هاشم وشقيقتان، إيمان وسلمى، بحسب الموقع الرسمي الخاص به.
أصبح رسمياً ولياً للعهد عام 2009، عن عمر يناهز 15 عاماً، وتولى منصب نائب الملك عدة مرات.
أنهى الشاب تعليمه الثانوي في مدرسة "كينغز أكاديمي" في الأردن عام 2012، وحصل على تعليمه الجامعي في التاريخ الدولي من جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأمريكية التي تخرج منها عام 2016. كما تخرج عام 2017 من الأكاديمية العسكرية الملكية ساندهيرست في بريطانيا، وهي ذاتها التي تخرج منها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وأمير قطر تميم بن حمد. ويحمل رتبة ملازم أول في القوات المسلحة الأردنية.
عام 2015، ترأس ولي العهد الأردني جلسة مجلس الأمن الدولي المخصصة لمناقشة دور الشباب في بناء السلام وحلّ النزاعات ومكافحة الإرهاب وبذلك أصبح أصغر شخص في تاريخ الأمم المتحدة يترأس مجلس الأمن.
بعد تخرّجه، ركّز الحسين جهوده على إطلاق عدد من المبادرات ذات الطابع الشبابي من خلال مؤسسة ولي العهد، من ضمنها مبادرة حقق التي تهدف إلى تنمية مهارات الشباب للوصول إلى أعلى مستويات الاحترافية في التعاون والعمل المشترك.
يتابع ولي العهد 2.6 مليون شخص على إنستغرام الذي يستخدمه للترويج لعمله العسكري والسياسي ولمشاركة الأردنيين أسلوب حياته ومغامراته.
يمتلئ حسابه بالصور العائلية وأخرى لأوقات الاسترخاء والدراسة في المنزل، كما يظهر من خلاله اهتمام الشاب بالرياضة خصوصاً الشاقة منها، كالتسلق والملاكمة، وكرة القدم.
في كل الاجتماعات والزيارات سواء الداخلية أو الخارجية، بات يرافق أبيه الملك. يقدّمه الأخير لزعماء العالم وأحياناً يرسله في مهمات قد يكون صعباً على الملك التواجد فيها، منها نزوله إلى الشارع خلال احتجاجات شعبية في 2018، حين زار المعتصمين وتحدث معهم وتفقد القوات الأمنية.
هل يخلف والده قريباً؟
الظهور المكثف لولي العهد الأردني لفت أنظار باحثين كثيرين. وهناك مَن يقول إن الأوضاع والتقلبات التي تشهدها الأردن والمنطقة قد تعجّل بتوليه الحكم أو على الأقل ستجعله مستعداً لأي طارئ.
في مقال كتبته في مجلة "فورين بوليسي"، ناقشت الباحثة عليا عوض الله هذه القضية ورأت أنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الملك عبد الله الثاني البالغ من العمر 58 عاماً في طريقه للخروج من الحكم في أي وقت قريب.
خلال الشهور القليلة الماضية، برز اصطحاب ملك الأردن عبد الله الثاني لنجله وولي عهده الحسين في كل اجتماعاته ولقاءاته الداخلية والخارجية، في خطوة جعلت البعض يتساءل حول احتمالية تولي الابن الحكم مبكراً
ولفتت إلى أن الملك لا يزال يتمتع بصحة جيدة، ويدعمه العديد من الحلفاء سواء في المنطقة أو العالم. ومع ذلك هنالك ضرورة للاستعداد لكل الاحتمالات، فمع انتشار فيروس كورونا، لا أحد يعرف إذا كان سيرحل عن عالمنا قريباً.
وذكرت عوض الله أن الملك الأدرني يقترب من سن الستين، ولا يمكن أن استبعاد الآثار الممكنة للضغوط التي تتعرّض لها بلاده، والتي قد تؤدي إلى تعرّضه لمشاكل صحية أو نوبة قلبية أو غيرها من المخاطر المحتملة.
في التاريخ الأردني الحديث، اغتيل الملك عبد الله الأول على يد قومي فلسطيني عام 1951، ولم يستمر ابنه طلال في الحكم من بعده لوقت طويل بسبب مرضه ووفاته، ما وضع الملك حسين مبكراً على رأس السلطة، وقد نجا الأخير من عدّة محاولات اغتيال ونجا حكمه من عدة محاولات انقلابية.
صحيح أن ملك الأردن الحالي له أشقاء وهم منخرطون في إدارة البلاد، إلا أن المحللين يستبعدون حدوث أي منافسة منهم لابنه على الحكم.
بحسب عوض الله، العائلة المالكة في الغالب تعمل معاً لإدارة البلاد، ومن المحتمل أن يحدث انتقال هادئ نسبياً للسلطة عندما يأتي ذاك اليوم.
وأضافت أن ولي العهد أُعِدّ جيداً بشكل استثنائي ومن المفترض أنه سيحصل على مساعدة من أعمامه المخضرمين بما في ذلك الأمير فيصل، الذي يلعب الدور الداعم الأبرز للملك.
من جانبه، شرح المحلل الأردني الدكتور منذر الحوارات لرصيف22 أن ظهور ولي العهد برفقة الملك بهذا الشكل اللافت يرجع إلى أن أبيه لم يكن مرشحاً لإدارة البلاد ثم تولى البلاد بشكل سريع دون أن تكون لديه خلفية سياسية جيّدة، ولهذا يُعمل على ألا تتكرر هذه التجربة مرة أخرى.
وأضاف: "أريد لهذه التجربة ألا تتكرر فبدأت خطوات إعداد ولي العهد بعناية فائقة وبشكل صارم في سلك الدولة، عبر دفعه إلى الحياة السياسية بعد تخرجه، وهو منذ ذلك الحين بدأ يتدرج في الظهور".
وتابع: "وصل إلى قمة ظهوره في تمثيل الأردن في الأمم المتحدة وهو ما أثار إعجاب الأردنيين أنفسهم وقادة في دول العالم".
ولفت إلى أن المسألة لا تقتصر على إعداد ولي العهد فحسب، وإنما تولى أهمية لعمل مؤسسة ولي العهد التي تعدّ للمستقبل مجموعة من الشباب ليكونوا قريبين من الأمير.
وبرأيه، المتوقع هو تكليف ولي العهد بملفات كبيرة في العامين القادمين لاختباره وزيادة خبراته، ولكن الآن يظهر أن دوره في صناعة القرار لا يزال تشاورياً وإطلاعياً، وهذا سيمكنّه من تكوين رؤية خاصة به ستبرز مع أول ملف يديره.
شعبية ولي العهد
يرى الحوارات أن الأمير الحسين شاب ووسيم ولديه كاريزما خاصة وقبول لدى الشباب الذين يخاطبهم من خلال إنستغرام الذي يعمل من خلاله على تشكيل نوع من قاعدة اجتماعية.
وبرأيه، لا يمكن الحكم على شعبيته الآن، فهذه المسألة مرتبطة بالقرارات التي سيتخذها والتي يترتب عليها حكم الناس عليه.
يتوقع محللون أردنيون أن يُكلّف الحسين بن عبد الله الثاني، خلال العامين القادمين، بملفات هامة وكبيرة، سواء في الأردن أو في المنطقة التي تبرز في معظم ملفاتها أدوار لولاة العهد
من جانبه، يرى المحامي والقيادي في حزب مسار الأردني محمود الخليلي أن ولي العهد ليس لديه شعبية لأنه لا يزال بعيداً عن الشارع الحقيقي والمطلوب منه هو التواصل أكثر مع الشعب وأن تصبح له مواقف في صالح المواطنين ليشعروا بأنه قريب منهم.
وأضاف الخليلي لرصيف22 أن الملك يُشرك ولي العهد في الاجتماعات بشكل مكثف من أجل إكسابه الخبرة بأسرع وقت، ولكن الأحداث المحلية والإقليمية أكبر من أن يستطيع ولي العهد التعامل معها لأنها أكبر من قدراته.
يُعتقد على نطاق واسع أن نصف سكان الأردن أو أكثر يتكونون من الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية، بينما يجد النظام الملكي قاعدته القوية في أوساط العشائر الأردنية.
كذلك، قدّرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن في الأردن 660 ألف لاجئ سوري مسجل، وحوالي 70 ألف لاجئ عراقي، و15 ألف لاجئ يمني، وستة آلاف لاجئ سوداني.
تشير عوض الله إلى أنه ليس من الواضح مدى شعبية ولي العهد بين القبائل الأردنية والتي يكتسب منها ملك الأردن شرعيته ويحظى بدعمها في ظل وجود هذا العدد الكبير من الأجانب.
وتضيف أنه ليس من الواضح ما إذا كان دعمهم له سيكون على نفس القدر من الأهمية كما كان في الماضي، نظراً للتنوع المتزايد للسكان الأردنيين.
ولفتت إلى أن فرضية انقلاب القبائل ضد العائلة المالكة أو فقدان الأخيرة نفوذها عليها مبالغ فيها، ولكن من الآمن التفكير في أن الملك المستقبلي لن يكون بالضرورة قادراً على الاعتماد على القاعدة التقليدية.
أبرز التحديات
الأردن مملكة لها حدود شرقية مع العراق وحدود شمالية مع سوريا وحدود غربية مع إسرائيل والأراضي الفلسطينية وكلها دول ملتهبة باستثناء حدوده الجنوبية مع السعودية والتي لا تزال هادئة.
في الآونة الأخيرة، هدد القادة الإسرائيليون بضم الضفة الغربية ووادي الأردن، وهذا الأمر لو حصل سيكون بمثابة ضربة كبيرة للنظام الأردني وللأردنيين من أصل فلسطيني، بل قد يعرض للخطر معاهدة السلام مع إسرائيل الموقعة عام 1994.
في ذات الوقت، يزداد تدهور الأوضاع الاقتصادية في ظل أزمة كورونا التي أدت إلى بلوغ نسبة البطالة 23%، وارتفاع نسبة الفقر وزيادة الأسعار.
في حديثه لرصيف22، حدد الحوارات خمسة تحديات تواجه الأردن في السمتقبل: أولاً، الإصلاح الديمقراطي والذي تعيقه مجموعة من الموظفين المحيطين بالملك ممّن يستفيدون من استمرار الوضع الحالي، وهؤلاء قد يمنعون أي إصلاح في المملكة حتى تستمر منافعهم.
والتحدي الثاني هو التعامل مع القضية الفلسطينية والتي يعتبرها معيار التقييم الشعبي لقائد الأردن، مشيراً إلى أن ولي العهد على الغالب بات مطلعاً على ملفات هذه القضية التي تتطلب فكراً جديداً واستراتيجية جديدة بعد التطورات التي جرت خلال عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
أما التحدي الثالث فهو الأوضاع الاقتصادية، فنسبة الفقر تتزايد والغضب الشعبي في ارتفاع واستمرار اعتماد الأردن على المساعدات الخارجية لم يعد ممكناً لأن المطلوب مقابلها لعب أدوار ترفض تأديتها، وعليه فإن الأمير مطلوب منه إيجاد موارد أخرى وتطوير إمكانيات الدولة.
والتحدي الرابع هو الإقليم الذي بات مقسماً إلى عدة محاور وكل طرف يبحث عن دور ونفوذ، وعليه فإن ولي العهد سيكون مطلوباً منه رسم استراتيجية جديدة تتكيف مع التجاذبات الحالية.
وقال الحوارات إن كل محور إقليمي، سواء السعودي أو الإيراني أو التركي أو الإسرائيلي، وضع عنوان "مَن ليس معي فهو ضدي"، وهذا خطر كبير على الأردن، فإذا مال نحو طرف سيعمل الطرف الآخر ضده، مع العلم أن الأردن تميل كثيراً إلى الحضن العربي.
وبرأيه، فإن التحدي الخامس والذي سيكون الأخطر في المستقبل هو الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة وسوف يُطلب من الاردن لعب دور فيها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين