"عاجل… الملك: أكلتي المفضلة قلاية البندورة"... هذا ما نقلته (ثم حذفته بعد نحو 17 ساعة) صحيفة الرأي الأردنية الحكومية مساء 17 تموز/يوليو خلال بث مقابلة للملك عبدالله الثاني مع طالبات من الجامعتين "الأردنية" و"اليرموك"، مُثيرة سخريةً على مواقع التواصل.
تحدّث الملك الأردني في مقابلة طال انتظارها، وصفتها إحدى المحاورات بـ"الخفيفة اللطيفة"، عن "أمور شخصية"، بدأت بطرح إحداهنّ سؤالاً: "كيف كان رد فعلك لمّا خبرك الملك الحسين بولاية العهد؟"، فأجاب: "طلبني الملك الحسين على البيت، وأخبرني شخصياً أنه يريد تعييني ولياً للعهد. مشاعري كانت مزيجاً من المفاجأة والشعور بالمسؤولية والحزن، غير شعوري كابن شعر أنه سيفقد الأب القائد والحامي".
وأضاف أنه لا يوجد أصعب من إحساس فقدان الابن لوالده، مُشدداً على أن "الملك الحسين لم يكن إنساناً عادياً".
وتطرّقت المحاورة ذاتها إلى التفجيرات الإرهابية التي شهدتها عمّان في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2005، في ليلة أُطلق عليها "الأربعاء الأسود"، راح ضحيتها 57 شخصاً، كونها أول أزمة داخلية واجهها الأردن في عهده، ليقول إنه "لا يمكنه نسيان هذا اليوم".
وتابع الملك أنه يوم محفور في وجدانه، وكانت مشاعره فيه مزيجاً من الحزن والغضب، وأن هناك تهديداً كبيراً للوطن، وأنه يجب التكاتف استعداداً لمواجهة التهديد والتحديات الجديدة".
وعن "أكثر ما أغضبه في آخر 20 سنة"، قال: "أغضبني جداً استشهاد البطل معاذ الكساسبة، وما زاد من غضبي استغلال البعض هذا الموضوع للمزايدة على موقف الأردن. هؤلاء لا يعرفون الجهود الكبيرة التي قمنا بها لإنقاذ الشهيد".
وتابع: "لا يعرفون أننا نحن العسكر لا يمكن أن نتخلى عن زملائنا أو رفاقنا، وأننا نحن العسكر في أصعب الظروف نعرف كيف نحمي بعضناوندافع عن بعضنا مهما كان الثمن".
ورداً على ما "يُفرحه"، قال: "الأردنيين"، مضيفاً أنه يسعد بوجوده بين شعبه، والتماسه صدق مشاعره، وخاصة الشباب منه، معتبراً إياهم "مصدر طاقته وعطائه".
"بعض الناس، ونحن منهم، لا نتخيّل أنك إنسان عادي، عايش مثلنا مثله، هل قال لك أحد هذا؟"... الملك عبدالله يطل بمقابلة وُصفت بـ"الخفيفة اللطيفة"، وسط تمجيد وسخرية وانتقادات لـ"التغطية الصحافية الكوميدية"
"عاجل… الملك: أكلتي المفضلة قلاية البندورة"... تغريدة من الأكثر تداولاً منذ بث مقابلة الملك عبدالله، وهو ما اعتبره البعض "إفساداً" لها
إنسان عادي؟
وفي سؤال "تقليدي"، سألته إحداهن: "بعض الناس، ونحن منهم، لا نتخيّل أنك إنسان عادي، عايش مثلنا مثله، هل قال لك أحد هذا؟"، فأجاب أن كثيراً ما يتلقى هذا التعليق، خاصة من الأطفال قائلاً: "يعتقدون أن حياتي كملك تختلف كثيراً، ويسألونني أسئلة بدون 'فلاتر'، على سبيل ماذا تأكل وتشرب".
وتابع أن هذه الأسئلة تضحكه، وأنه يجيبهم دوماً: "مثلكم"، مضيفاً أن "أكلته المفضلة هي قلاية البندورة، وأن العسكر الذين خدموا معه يعرفون أن "ما في أحسن من قلاية البندورة واحنا قاعدين على الأرض، بجانب الدبابة"، مؤكداً: "أنا بطبيعتي أحب البساطة".
وقال الملك: "ليس كل ما يريده يحصل عليه" وإنه يتمنى أن يكون الواقع هكذا، ولكن "الموضوع أصعب بكثير"، بحسب قوله، مضيفاً: "المسؤوليات كبيرة وآثارها واضحة بين الشيبات (شيب شعره) التي كثرت".
ورداً على "كيف اختلفت حياته الشخصية بعدما تولّى قيادة الأردن"، قال: "كنت ألتقي بأصحابي أكثر، وكانت همومي ومسؤولياتي أقل… همي كان على قدّي، وأصبح الآن همي بلدي وشعبي".
الصدق...
وتحدث الملك عن أكثر صفة يحبها، قائلاً إنها "الصدق". وتابع: "أن تكون صادقاً مهما كلفك الأمر، ليس فقط مع الآخرين، بل مع نفسك"، وأشار إلى أن سمعة الأردنيين في الخارج "ترفع الرأس"، وأن "سمعة الأردن أكبر من حجمه، لأن الأردنيين صادقون أينما كانوا". ولفت إلى أن أكثر ما يزعجه "الكذب والنفاق"، معتبراً أنهما كصفة الجبانة، التي لا يتحملها.
"نشعر بالأمان بوجود العائلة الهاشمية"
"نحن الأردنيين نشعر بالأمان بوجود العائلة الهاشمية… ماذا يعني لك هذا؟"
سؤال طرحته إحدى المحاورات، ولقي الكثير من السخرية على مواقع التواصل. أما الملك، فأجاب: "يزيد علي الشعور بالمسؤولية، وليست مسؤولة عادية حينما تكون مسؤولاً عن بلد، خاصة وأن أبناءه وبناته ومستقبلهم أمانة في عنقك".
وفي سؤال "تقليدي" آخر، قالت إحدى الفتيات: "ماذا يعني لك الأردن؟"، فأجاب: "الوطن، ولدت وتربيت فيه، والأردنيين أخواتي وأخواتي وأبنائي وبناتي، وعائلتي الكبيرة، والأردن هو أجمل مكان في العالم بنظري، وما أسعى له دائماً رؤية الأردنيين مرتاحين وحياتهم أفضل".
طفولته
وتحدّث الملك عن أمنيةِ طفولةٍ لم تتحقق قائلاً إنه كان يحب الرياضة كثيراً، وإنه كان كابتن فريق المدرسة في ألعاب القوى وسباق الـ100 متر، وإنه حصل في صغره على المركز الأول في المصارعة الرومانية على مستوى 13 ولاية أمريكية، لافتاً إلى أنه كان يحب تمثيل الأردن في الأولمبياد.
ولكنه أضاف: "في آخر سنة، وقع معي حادث سيارة، ولم أكن أنا السائق، وتعرضت لإصابة في الظهر، ولهذا آخر سنة حصلت على المركز الثاني في المصارعة، ومنعتني الإصابة من الاستمرار في هذه الرياضة".
وأشار إلى أن لديه هوايات كثيرة حالياً، ولكنه لا يجد الوقت لممارستها، منها ركوب الدراجة والقفز بالمظلة والغطس.
وختم الملك المقابلة بقوله: "الأردن بلد صغير بحجمه، ولكن كبير بتأثيره. فهو على الساحتين الإقليمية والدولية يحظى باحترام كبير، وهو شريك أساسي في مختلف شؤون الإقليم، وكثيراً ما مر الأردن بظروف صعبة، وكان يخرج منها دائماً أقوى".
وتابع: "ما يميز الأردنيين هو أن معدنهم الحقيقي يظهر في أصعب الظروف".
ليست المرة الأولى
لا تعدّ هذه المرة الأولى التي يطل فيها الملك بـ"عفوية"، إذ يعد من الحكّام الأكثر قرباً من شعبه، أو هذا ما يحاول ترويجه دوماً.
ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي، ظهر رفقة عائلته في شارع الرينبو بالعاصمة عمان، لتناول الفلافل في مطعم القدس الشعبي، والتقط حينذاك صوراً مع من قصده.
وفي شهر رمضان 2018، تداول ناشطون على مواقع التواصل فيديو يظهر الملك وهو يتناول الإفطار مع دورية للشرطة في منطقة صويلح في عمان.
وفي حزيران/يونيو 2017، ظهر وهو يشارك في إطفاء حرائق اندلعت في منطقة الكمالية.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2013، ظهر وهو يساعد عدداً من المواطنين في دفع سيارة علقت بالثلج، أثناء عاصفة قوية اجتاحت الأردن حينذاك.
تفاعل الشعب مع المقابلة
انهالت آلاف التعليقات فور بث المقابلة. وبينما سخر الكثيرون من تغطية الإعلام الأردني للمقابلة، خاصة نقله "حب الملك لقلاية البندورة" بطريقة "عاجلة"، قال أحد روّاد فيسبوك: "حبك لقلاية البندورة، هاي الأكلة الشعبية، يبين مدى اندماجك وقربك من الشعب".
وقال آخر: "الحمد لله الذي رزقنا ملكاً بهذا التواضع وهذه الهيبة. نظرة متفاؤلة للمستقبل ممزوجة بنظرات تحليلية عميقة للتجارب السابقة. مواقف سياسية واجتماعية ووطنية وانسانية مشرفة تلامس القلوب وتتماشى مع أخلاقنا كنشامى نفدي الوطن بأرواحنا".
من جهة أخرى، قال مغرد بسخرية: "قلاية البندورة في لغة السياسة ترمز إلى التقشف... يعني الله يعينكم على اللي جاي. هيك قصده الملك".
وتساءلت الصحافية الأردنية دعاء المصري، هل كان الملك على دراية بأن "أبناء شعبه مش لاقيين حق البندورة"، مضيفة في تغريدة على تويتر: "تحدث عبدالله الثاني في لقائه مع 'الصبايا' عن الصدق والشجاعة، هل تعلم كم صحافياً وناشطاً دفع ثمن شجاعته وصدقه وتم اعتقاله ومحاكمته؟ طيب بتعرف أنه في مواطنين ببلدك بخافوا يحكوا بصدق وبصراحة وحاشيتك بتحفظهم شو يقولو؟ بالضبط مثل ما الصبايا حافظين؟".
وتساءلت مغردة أردنية: "شو هدف عرض أسئلة بهذا القدر من السطحية والشخصنة بدلاً من مليون ملف وسؤال يملك الأولوية في هذا الوقت؟".
الصحافة في الأردن
وسخر كثيرون من حال الصحافة الأردنية، فقال أحدهم: "الإعلام الرسمي وإعلام الديوان الملكي أفسد مقابلة الملك مع طلبة الجامعات وحولها من حوار عفوي إلى شيء لا يمكن وصفه".
وتعليقاً على "عاجل… الملك: أكلتي المفضلة قلاية البندورة"، قال آخر: "والله فكرت للحظة أنه خبر ساخر، واكتشفت للأسف أنه خبر من جريدة رسمية، عاجل جداً أنه الملك يحب قلاية البندورة؟".
واعتبر مغرد تغريدة صحيفة الرأي بـ"الإساءة للملك"، فيما قال الكاتب الصحافي الساخر في جريدة الرأي نفسها: "لون قميصي بطيخي! بالله هذا إعلام؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...