شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
تعويم الجنيه... هل ينقذ الاقتصاد السوداني من الغرق؟

تعويم الجنيه... هل ينقذ الاقتصاد السوداني من الغرق؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الثلاثاء 23 فبراير 202106:33 م

أعلنت الحكومة الانتقالية في السودان حزمة إصلاحات اقتصادية تشمل توحيد سعر صرف العملة المحلية مقابل سلة العملات الأجنبية، ما يعني الشروع عملياً في تعويم الجنيه، وهو القرار الذي أثنت عليه السفارة الامريكية في السودان.

تعويم الجنيه يعني أن البنك المركزي لن يحدد سعر الدولار الأمريكي، على أن يتم تحديد سعره بناء على العرض والطلب، بصورة تقضي على تعدد أسعار الصرف.

وظلَّت الحكومة متمسكة بسعر 55 جنيهاً للدولار في تعاملاتها الرسمية، ولكن في ظل شح العملات الأجنبية بالبنك المركزي، تحوّلت السوق الموازية لأهم مصدر لتوفير العملات لعمليات الحكومة وكبريات الشركات والمصدرين والتجار، تحت وطأة إقبال من المواطنين لتحويل مدخراتهم إلى دولار، ما أدى لتهاوي سعر الجنيه حتى حدود 375.
وتطرح السياسة الجديدة سؤالاً من شقين حول قدرة الاقتصاد المحلي على تجاوز الآثار التضخمية، ومدى جاهزية الشعب السوداني -القابع معظمه ضمن نطاق الفقر- على سداد فاتورة الإجراء الذي يزيد من سُعار السوق.

جراحة طارئة

سارع وزير المالية والتخطيط الاقتصادي المعين حديثاً، جبريل إبراهيم، للدفاع عن سياسات البنك المركزي، وقال إنه اضطر إلى التدخل للحيلولة دون انهيار الاقتصاد المحلي.
وسجل التضخم 304% لشهر كانون الثاني/يناير المنصرم بحسب الجهاز المركزي للإحصاء، بينما تهاوى سعر العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي قرابة 400 جنيه.
تطرح السياسة الجديدة سؤالاً من شقين حول قدرة الاقتصاد المحلي على تجاوز الآثار التضخمية، ومدى جاهزية الشعب السوداني -القابع معظمه ضمن نطاق الفقر- على سداد فاتورة الإجراء الذي يزيد من سُعار السوق
ويتوقع جبريل أن تؤدي السياسة الجديدة لاستقطاب مدخرات المغتربين السودانيين بالخارج، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز الصادرات، بجانب استفادة السودان من مبادرة (الهيبك) لإعفاء الدول المثقلة بالديون.
وأكد إبراهيم في مؤتمر صحافي حول السياسات الجديدة، اتخاذ الحكومة كافة الاحتياطات الكفيلة باستقرار سعر الصرف، معلناً وصول مبالغ ضخمة لخزينة المركزي، بدون إعطاء توضيحات إضافية عن حجم المبالغ الواصلة أو الجهات الممولة.

الفريق المؤيد

شريحة مقدرة من الاقتصاديين تؤيد إصلاحات الحكومة، وتنوه بأن تحرير سعر الصرف هو "الكرت" الأخير لإنقاذ الاقتصاد المحلي قبل وصوله إلى مرحلة اللاعودة.
يقول رضا السيد، أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية، لرصيف22 إن إتباع سياسات اقتصادية من شاكلة تعويم الجنيه، ورفع الدعم عن السلع الإستراتيجية، بمثابة الجراحة القاسية، ولكن فرص نجاة الاقتصاد المحلي عقبها كبيرة جداً.
ويفسر رضا أقواله بأن وجود سعرين للسلع (مدعوم وتجاري) يفيد طبقة طفيلية من السماسرة وتجار العملة ولا يعود بالنفع على الدولة إلا بمزيد من معالجات سد خلل الموازنة بالعجز.
أما تعويم الجنيه –والكلام ما يزال لرضا- فيقضي على السوق الموازية، التي بات تجارها يتحكمون في الاقتصاد والأسعار بطريقة لا تقوى الحكومة على مجاراتها.
ولكن ما هي الضمانات للوصول إلى هذه الخلاصات في ظل الأوضاع الصعبة التي يعانيها معظم المواطنين. سؤال يردّ عليه رضا بالقول إن سياسة التعويم في حاجة لما لا يقل عن ثمانية مليارات دولار في خزينة المركزي، وكذلك إلى سياسات دعم مباشر للأسر الفقيرة التي تقدر بحوالى 70% من السودانيين (وفق تقديراته).
وأعرب رضا عن ثقته بقدرة الاقتصاد المحلي على تجاوز الأزمة في وقتٍ وجيز، بحسبان أن السوق الموازية بأسعارها العالية، كانت المتحكمة في تحديد الأسعار، ما يعني افقاده هذا الكرت بعملية جذب مدخرات بالعملة الصعبة إلى داخل الدورة البنكية.

التيار الرافض

تقف في التيار الرافض مكونات تضم ساسة واقتصاديين وكثيراً من البسطاء، بحسبان أن ما يجري له عواقب كارثية.
في مقابلة لرصيف22 مع ريان ساتي، متخصصة في علم الاقتصاد، إن الحكومة لجأت للحل السهل بأخذ وصفة البنك الدولي ذات العواقب الوخيمة على اقتصادات الدول النامية، وجرى رفضها في كثير من دول العالم باعتبار أنها مصدر إثراء للطبقات العليا مقابل تجويع بقية فئات الشعب.
وتابعت أن معالجة الأزمات الاقتصادية في بلد كالسودان، تتم باستغلال موارده الضخمة، بدلاً من نظام الاستدانة والقروض الذي ندفع أثمانه منذ حقبة الجنرال جعفر النميري (1969-1985).
وتبلغ ديون السودان الخارجية قرابة 54 مليار دولار، 37 مليار منها استحقاقات وجزاءات عن عدم سداد أصل الدين المقدر بـ17 مليار دولار.
وتنتقد ساتي غياب الشفافية في خطاب الحكومة الأخير عن حجم الدعم الواصل من الخارج، وقالت إن ذلك يوضح بجلاء أن المواطن هو من سيدفع الفاتورة كاملة في نهاية المطاف.

معضلة المغتربين

وصلت عائدات مدخرات المغتربين السودانيين في الخارج خلال العام 2008 إلى قرابة ثلاثة مليارات دولار، وتقلصت إلى حوالى 600 مليون دولار في العام 2018 بحسب جهاز السودانيين العاملين بالخارج.
وتحول المغتربون إلى بيع مدخراتهم البسيطة عبر وسطاء في السوق الموازية، طمعاً بتحقيق مكاسب عالية من الفرق الناجم بين السعرين الرسمي والتجاري.
ونشطت تجارة العملة بين السودانيين في معظم الدول العربية والغربية، وحقق المتعاملون فيها ثروات ضخمة، وهو ما تراه الحكومة تخريباً اقتصادياً ممنهجاً يحول دون دخول هذه المبالغ الطائلة في دورة الاقتصاد المحلي، ويصنع فجوة كبيرة بين العرض والطلب تزيد من أسعار الدولار بوتيرة جنونية.
"معالجة الأزمات الاقتصادية في بلد كالسودان، تتم باستغلال موارده الضخمة، بدلاً من نظام الاستدانة والقروض الذي ندفع أثمانه منذ حقبة الجنرال جعفر النميري"
فهل تغير المشهد بعد سياسة التعويم، وتحديد البنوك لجأسعار الدولار بناء على قاعدة العرض والطلب.
يقول أحمد ضو البيت، وهو موظف بالمملكة العربية السعودية، إنه وسواه من السودانيين شاركوا في حملة #حول_قروشك_بالبنك لا سيما أن البنوك تعرض مقابلاً مالياً مساوياً لذلك الذي تطرحه السوق الموازية.

وانطلقت حملات مكثفة في منصات التواصل الاجتماعي لحث المغتربين على تحويل مدخراتهم عبر البنوك، والتوقف عن التعامل مع تجار العملة، بل التبليغ عنهم سواء كانوا داخل البلاد أو خارجها.
وطالب ضو البيت في حديثه مع رصيف22، الحكومة السودانية بوضع سياسات تحفيزية للمغتربين، تشمل بعض الإعفاءات الجمركية، ومنح مخططات سكنية وزراعية لمن تصل تحويلاته لمبلغ معين.
 في المقابل، يرفض سالم بشير –زميل أحمد- التحويل عبر البنك، ويتساءل عن الجدوى من تقوية البنوك التجارية على حساب تاجر العملة البسيط.
ويفسر سالم بأن البنوك التجارية ستعمل على كنز هذا المال، وتضعه في مرابحات يتكسب منها البنك وكبار المتعاملين معه، من دون أن يصيبهم من الخير جانب.
وأردف بحزم: دوماً سأدعم رجل الشارع البسيط على حساب الأنظمة الرأسمالية.

أزمة السياسة

بجانب العمل في ملف الاقتصاد، تستدعي القرارات الحكومة السودانية إجراء حزمة مراجعات أخلاقية. يقول طلعت عبد الله، وهو كادر يساري شاب، إن الحكومة فقد مصداقيتها لدى الشعب، فقبل شهر من اليوم كانت تؤكد الإبقاء على سعر الدولار في قانون موازنة 2021 عند 55 جنيهاً، وتجعله اليوم نهباً لمضاربات السوق، وتلك مخالفة قانونية تستدعي الملاحقة والمساءلة.
في حين يرى الكادر الإسلامي وائل نجم الدين أن تبني الحكومة الحالية لنهج التحرير الاقتصادي، ومعارضته إبان حقبة البشير، بل اتخاذه ذريعة للمنادة باسقاطه، إنما ينم عن خلل أخلاقي يعكس مدى كذب ونفاق الممسكين بزمام الأمور (وفق تعبيره).
وقال لرصيف22 إن معظم عناصر الحكومة من حملة الجوازات الأجنبية، والعاملين في المنظمات الدولية، تتماشى حلولهم الاقتصادية مع حالة التغريب والغربة التي يعيشونها وتجعلهم يلجأون لروشتات البنك الدولي من دون مراعاة للطبقات الفقيرة.
بيد أن د. رضا السيد يؤكد أن الاقتصاد علم متحرك، ولا مكان فيه للسياسة، أو السياسات القاطعة، ويجب أن تصوب كل الجهود للمصلحة العليا.
وكان وزير المالية قد أكد أن قرارات التعويم والتحرير أملتها الظروف الاقتصادية الحرجة، ولم تتخذ كاستجابة للضغوط الخارجية.
ووجد القرار السوداني ترحيباً دولياً كبيراً، وضمت قائمة المهنئين بالقرار البنك الدولي، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي.

بعيون البسطاء

بعيداً عن جدل الساسة والنشطاء، كيف يرى المواطن البسيط قرار التعويم؟ وكيف أنعكس على معاشه اليومي؟
نادية عبد العزيز، 58 سنة، ربة منزل تقيم بضاحية بحري بالعاصمة الخرطوم، تقول لرصيف22 إنها وكثيرات غيرها لا يعرفن أثر هذه السياسات على واقعهن المعيشي، بعض صديقاتها يقلن إن هذه القرارات تصب في مصلحة البلاد والعباد، وأخريات يقلن إنها شر مستطير.
وتضيف: "على الأقل منذ بداية الأسبوع لم تطرأ زيادات جديدة على الأسعار، تعرفة النقل هي ذاتها، وأسعار الخضروات لم تتغير، والبن الذي نرتشفه أثناء النهار القائظ محافظ على سعره".
وتختم نادية بكل بساطة وعفوية: "لم نعد نطمع في خفض الأسعار الحالية، ولكن في حال ثبتت على حالها فتلك نعمة تستحق الشكر".
معركة الوقت
لمعرفة سؤال إلى أين يتجه الاقتصاد المحلي، علينا انتظار ما ستسفر عنه معركة كسر العظم بين الحكومة والبنوك التجارية من جهة، والسوق الموازية وقدرات المواطن على الصمود في وجه التضخم والغلاء من جهة أخرى، آملين ألّا تسحق عظام المواطن السوداني بين مطرقة هذا وسندان ذاك.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image