توفي اليوم، 23 شباط/ فبراير، في العاصمة البريطانية لندن، الشيخ أحمد زكي يماني، الوزير الأسبق لوزارة البترول والثروة المعدنية في السعودية، عن 90 عاماً قضى ثلثيها تقريباً في هندسة السياسة النفطية للمملكة، وساهم في صعودها عالمياً بسلاح الذهب الأسود.
ولد يماني في 30 حزيران/ يونيو عام 1930 بمكة المكرمة، وتخرج في جامعة الملك فؤاد الأول بالقاهرة عام 1951 دارساً للحقوق. ثم حصل على درجتي ماجستير في القانون، من جامعة نيويورك عام 1955 وجامعة هارفارد عام 1956.
في عمر الـ32، عام 1962، أصبح يماني ثاني شخص في المملكة يتولى وزارة البترول. قبل ذلك، عمل مستشاراً قانونياً لمجلس الوزراء، ووزير دولة، وعضو مجلس وزراء منذ عام 1960. ولاحقاً، أضحى أول أمين عام لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك).
يُحسب ليماني أنه أسس أول مكتب محاماة في السعودية، كما أسس جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في مدينة الظهران الشرقية، وكانت قد صُنفت واحدة من أفضل الجامعات حول العالم. كذلك، أنشأ منظمات لحفظ ونشر المخطوطات العربية والإسلامية القديمة. وأسس عام 1990 في لندن مركز دراسات الطاقة العالمي الذي يقدم استشارات وتحليلات متخصصة.
رجل الأزمات والمواقف الحاسمة
سيرة الراحل حافلة بالإنجازات وبالأزمات الاستثنائية التي اجتازها ببراعة بفضل قراراته الحاسمة وانحيازه للحقوق العربية.
عام 1973، حين قامت حرب السادس من أكتوبر بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، قاد يماني مع نظرائه في إيران والدول العربية المصدرة للنفط، سلسلة من تخفيضات الإنتاج وأوقف الإمدادات إلى الولايات المتحدة ودول أخرى.
وزير النفط الأهم في تاريخ السعودية ساهم في قرار حظر النفط إبان حرب 1973 وكان قرب الملك فيصل لحظة اغتياله
جاء الحظر، الذي تسبب في أزمة دولية لارتفاع أسعار النفط، رداً على دعم واشنطن لإسرائيل في الحرب. كان للموقف القومي الداعم للدولتين العربيتين دور حيوي في وقف الحرب. وقد تزامن ذلك مع جهود ناجحة من قبل الدول المنتجة للبترول لانتزاع السيطرة على قوة التسعير من شركات النفط العالمية.
مرة أخرى، في 21 كانون الأول/ ديسمبر عام 1975، كان يماني في قلب أزمة كادت تودي بحياته. كان هو أحد وزراء أوبك الـ11 الذين احتجزوا من بين 60 رهينة عقب اجتماع لأوبك في فيينا، بالنمسا، من قبل الفنزويلي إلييتش راميريز سانشيز، الذي عرف دولياً بـ"كارلوس الثعلب"، ومجموعة أخرى من معاونيه.
قال يماني، في مقابلة مع قناة "الجزيرة" القطرية عام 2013: "أنا وكارلوس كنا نتحدث ونمزح وما إلى ذلك. أعني، لقد كان لطيفاً معي، لكنه أخبرني أنه سيقتلني". أما كارلوس الثعلب، فقال في تصريحات إعلامية عقب القبض عليه وتسليمه إلى فرنسا لمحاكمته إنه كانت لديه أوامر بـ"إعدام" الوزير يماني في نهاية العملية من "رئيس دولة عربية وتنظيمين عضوين في منظمة التحرير الفلسطينية".
ويذكر أن يماني وجمشيد آموزغار، نظيره الإيراني آنذاك، كانا آخر رهينتين أُطلقا سراحهما من العاصمة الجزائر التي هبطت فيها طائرة المختطفين.
من القرارات المهمة التي سطرت السياسة النفطية للمملكة وساهمت في تعزيز وضع الرياض عالمياً، تأميم ما عُرف لاحقاً بشركة النفط الحكومية "أرامكو"، الذي أشرف عليه يماني. وكانت الشركات الأمريكية تدير إنتاج النفط في المملكة منذ أن وقعت شركة "ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا" الامتياز الأول في أيار/ مايو عام 1933.
خلال تولي يماني وزارة البترول السعودية، تحديداً عام 1972، اشترت الحكومة السعودية 25% من الشركة المحلية قبل أن تزيد حصتها إلى 60% في العام التالي، وهكذا سيطرت على أرامكو عام 1980. أرامكو حالياً مدرجة في بورصة الرياض ولديها أكبر رسملة سوقية (إجمالي سعر الأسهم) لأي شركة، باستثناء شركة "آبل إنك".
في 25 آذار/ مارس عام 1975، كان يماني شاهداً على حادثة دراماتيكية تمثل سابقة لم تتكرر في تاريخ المملكة إلى الآن - اغتيال الأمير فيصل بن مساعد لعمه الملك فيصل، بعد أن أوهم الديوان الملكي أنه يريد السلام عليه. وكان يماني وثيق الصلة بالملك فيصل، صاحب قرار تعيين اليماني وزيراً للنفط بينما كان الأول لا يزال ولياً للعهد.
بعدما شغل المنصب 24 عاماً، كأطول وزراء البترول في أوبك خدمةً، عُزل يماني من منصبه عام 1986، وهو القرار الذي رافقه انخفاض أسعار النفط الخام إلى مستويات قياسية.
أي دور لعبه عرّاب الذهب الأسود، أحمد زكي يماني، في صعود السعودية عالمياً بسلاح النفط؟
الرؤى الثاقبة والتصريحات الحكيمة
كانت رؤية اليماني وقدرته على قراءة توجهات المستقبل في شؤون الطاقة من أهم ما اشتهر به. ففيما يطمح منتجو النفط اليوم إلى الانتقال إلى طاقات أنظف، كان يماني قد صرح في سبعينيات القرن الماضي: "العصر الحجري لم ينته بسبب نقص الأحجار، وعصر النفط سوف ينتهي قبل أن ينتهي النفط" في العالم.
حتى الشهر الجاري، لا يزال النفط وفير العرض والسعودية هي أكبر مصدر له في العالم. لكن الحكومات والشركات تكثف استثماراتها في الطاقات النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين لمنع الاحتباس الحراري.
وإدراكاً منه أن رفع أسعار النفط الخام قد يؤثر على مكانته كمصدر رئيسي للوقود في العالم، سعى يماني إلى تحقيق التوازن بين رغبة المملكة في تحقيق دخل ثابت من الذهب الأسود، وبين ضغوط من دول مثل ليبيا وفنزويلا لرفع الأسعار.
علاوةً على ما سبق، قاد يماني صعود المملكة إلى زعامة أوبك عام 1976 خلال المؤتمر النفطي في الدوحة على حساب إيران آنذاك.
وفيما وصفت وسائل إعلامية أمريكية يماني بأنه "رجل اللحظة" إبان حرب عام 1973، قال عنه أليريو بارا، وزير النفط الفنزويلي الأسبق وأحد مؤسسي أوبك: "كانت سبعينيات القرن الماضي سنوات التقدم الحقيقي. كانت تلك الفترة التي سيطرت فيها أوبك والدول المنتجة على الصناعة. علينا أن ننسب الفضل إلى رجل واحد: أحمد زكي يماني".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...