يبدو أن الكلمة الأخيرة في عام 2020 كانت للنساء. فقد قدّمت مجموعة من المؤديات الشهيرات في مجال الكوميديا، وداعاً صاخباً لهذه السنة الاستثنائية، في العمل الكوميدي "Yearly Departed".
هذا الوداع هو عرض كوميدي خاص، مدته ساعة واحدة، تستضيفه فيبي روبنسون، ومن بطولة راشيل بروسنهان، تيفاني هاديش، باتي هاريسون، ناتاشا ليجيرو، سارة سيلفرمان، ناتاشا روثويل وزيوي.
العرض عبارة عن حفل تأبين لسنة 2020، تلقي فيه مجموعة من الممثلات الكوميديات الرائدات كلمة تأبين حول ما فقدناه في هذا العام، وقد تم بثه على الـ Amazon Prime. وداع كوميدي حداداً على رحيل عام حرمنا من الكثير وغيّر إيقاع حياتنا، يسهّل علينا، كمشاهدين، تحمل خسارات هذه السنة، فقدرة هذه المجموعة من النساء على التعبير عن همومنا وتشاركها معنا، يساعد في خلق حالة من التعاطف الجماعي.
في حالات معينة تساهم السخرية في تثبيت التراتبية الجندرية، وفي حالات أخرى تسعى لتحديها وتكشف عنفها
يحمل هذا العرض طاقة هائلة، تظهر قدراً نسبياً من التغيير الإيجابي فيما يتعلق بالتمثيل الجندري على الصعيد الإعلامي، فقد باتت النساء قادرات على أن يشغلن مساحة إعلامية لتقديم عروض كوميدية تقتصر عليهن. إذ تاريخياً، وضمن المؤسسة الكوميدية البطريركية، تمّ تنميط النساء بصورة ترتبط بالدموع والحزن، لذا تم تمييز النساء وإقصائهن عن المجال الكوميدي. وبحسب جانيت بينغ، تختلف أنواع الكوميديا النسوية، فليست جميعها حول سؤال الاضطهاد وتأطير الرجل كمُضطهِد فقط، فهي تعالج التجارب النسائية وتسعى للتمكين بذات القدر.
في حالات معينة قد تساهم السخرية في تثبيت التراتبية، وفي حالات أخرى تسعى لتحديها وتكشف عنفها. تقدم جانيت بينغ مثالاً يسخر من منظومة التراتبية الجندرية، كما في حال الحراك لمجموعة "فتيات الغوريلا". وهي عبارة عن مجموعة من النسويات والفنانات المكرّسات لمكافحة التمييز على أساس الجنس والعرق في عالم الفن.
وقد تشكلت المجموعة في مدينة نيويورك في عام 1985، فقد سخرت المجموعة من منظومة جائزة توني التي لم تمنح للنساء إلا نادراً، وقد عرضن منشورات ساخرة، تسأل عن عامل الشبه المشترك بين جائزة توني ودور الاصطفاف على حمامات النساء العامة، ليأتي الجواب: "الاثنان يسمحان لسيدة واحدة بالمرور في كل مرة". كذلك، غالباً ما تخلق النكتة حالة من التضامن بين المجموعة، وتجعل السخرية وسيلة لتحدي الاضطهاد، أي أنها تسلّط الضوء على العوامل التي توحّد مجموعة في مواجهة ألم مشترك.
ساهم العمل "Yearly Departed" بكشف الخلل الرهيب في المنظومة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حيث اتخذت النساء من السخرية سلاحهن، وأحرقن العفن المتراكم في 2020، على أمل أن يكون الغد أفضل للنساء
طبعاً أثبتت النساء جدارتهن في مجال الكوميديا، رغم التمييز ضدهن وإقصائهن. ومن السيدات المميزات اللواتي برزن في العالم العربي، في مجال العرض الكوميدي الارتجالي على وسائل التواصل الاجتماعي، تأتي شادن اسبرنزا، التي تبحث في قضايا سياسية ونسوية بشكل ساخر، كما نذكر ماريا عليان وبرنامجها "سمعتوها مني"، والتي استطاعت أن تفكّك تناقضات المنظومة الأبوية العنيفة. نهى كاتو والتي عبرت عن صوت الفتيات اللواتي يرتدين الحجاب، في مجابهة تمييز مجتمعي متعالٍ وكراهية من قبل سيدات يدّعين التحرر، لكنهن يمارسن التمييز ضد الآخر المختلف. وهناك الكثير من الأمثلة التي لا يتسع المجال لذكرها، عن سيدات من المنطقة العربية استطعن أن يثبتن جدارتهن في هذا المجال.
ما سبق ينطبق على العرض الكوميدي "Yearly Departed" والذي تستخدم فيه النساء السخرية والطرفة، ليتحدين عاماً شهدنا فيه جائحة كبرى، كشفت عن اللاعدالة في المنظومة التي نعيشها. فقد بيّنت الجائحة، إضافة لكونها كارثة على البشرية، معاناة النساء ضمن المنظومة البطريركية، حيث فقدت الكثيرات حيواتهن بسبب العنف المنزلي، كما خسر بعضهن وظائفهن أو تضاعف عليهن العبء، بسبب اضطرارهن للاعتناء بأطفالهن على مدار الساعة، في غياب المدارس والدعم العائلي بسبب الحجر. وفي العرض الكوميدي لا تتوانى السيدات عن مناقشة قضايا تتعلق بحرمانهن من العلاقات الجنسية العابرة بسبب الحجر الصحي، حيث تسخر تيفاني هديش من الحرمان الجنسي الذي عاشته كعازبة، واضطرارها في نهاية الأمر إلى أن تصبح في علاقة مستقرة.
كما ودعت راشيل بروسناهان البنطلون في هذا العام الذي شهد نهاية الأناقة وانتصار الثياب المنزلية المملة.
من اللافت أن بروسناهان قد اشتهرت بدورها في الكوميديا الارتجالية The Marvelous Mrs.Maisel والذي يعرض قصة سيدة سعت لتحقيق حلمها بأن تقدم عروض كوميديا ارتجالية، في فترة الستينيات والسبعينيات، وما تعرضت له من مشاكل لتحقق حلمها، في مهنة يحتكرها الرجال.
يحمل عرض "Yearly Departed" طاقة هائلة، تظهر قدراً نسبياً من التغيير الإيجابي فيما يتعلق بالتمثيل الجندري على الصعيد الإعلامي، فقد باتت النساء قادرات على أن يشغلن مساحة إعلامية لتقديم عروض كوميدية تقتصر عليهن
ناتاشا ليجيرو ذرفت الدموع ساخرة من منظومة جعلت الأمهات حائط الدفاع الأول في فترة الحجر في عام 2020، في ظل غياب التعليم والمتاحف والحدائق وجميع وسائل الترفيه عن الأطفال، حيث باتت الأمهات مكرسات للتعويض عن كل ما سلف وحدهن، بالإضافة إلى استمرارهن في أداء وظائفهن من المنزل. تهزأ ليجيرو قائلة: "إن إقناع شخص من اليمين الرافض لارتداء القناع الطبي هو أسهل من إقناع طفلتها بارتدائه".
بالإضافة لذلك، لم تتردد السيدات في عرضهن من السخرية من عنف الشرطة الأمريكية، الذي صدم العالم في تعاملهم العنصري مع الأقليات من أصول إفريقية. وعلاوة على ذلك، لمع نجم ليندا ميندوزا وهي تسخر من شعار دونالد ترامب: "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، فوضعت ميندوزا هذه العبارة القومية تحت المجهر، لتظهر عفن هذه الشعارات الشوفينية المتعصبة. لكن في لحظات يعطي العمل انطباعاً بكونه غير عفوي، ولم تكن بعض النصوص المقدمة جيدة بالقدر الكافي. وقد يعود السبب لشرط التباعد الاجتماعي الذي فرض على الفريق إعداد العمل بحيث تم تصوير المؤديات بشكل منفصل، ولم يكن حاضرات جميعاً في ذات الوقت.
بالمحصلة، لقد ساهم العمل "Yearly Departed" بكشف الخلل الرهيب في المنظومة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حيث اتخذت النساء من السخرية سلاحهن، وأحرقن العفن المتراكم في 2020، على أمل أن يكون الغد أفضل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...