"من امتى البنطلون غلب الفستان؟!"، بغض النظر عن تنميط مفهوم المرأة بالفستان والرجل بالبنطلون، لكن تلك المقولة التي كانت المحور الرئيسي لفيلم "بيت الطاعة" للراحلين يوسف وهبي وهدى سلطان، لخصت كما لخص الفيلم سر الخلاف الكبير بين الجنسين رغم أنه من إنتاج عام 1954 أي قبل المد الوهابي لمصر والدول العربية.
كان التناحر بين السلطة الذكرية ممثلة في يوسف وهبي والسلطة الأنثوية ممثلة في هدى سلطان، يمثل الفكر الطبقي والخلاف الأيديولوجي بين الجنسين ومفهوم كل منهم عن الزواج والعلاقات والحرية وغيرها، أما الآن وبعد أكثر من نصف قرن، فقد بات الخلاف يأخذ منحى آخر، وبُعداً جديداً تكون التكنولوجيا أحد أركانه.
مي تو MeToo المصرية
يقولون هناك موجة نسوية رابعة ظهرت بعد ثورة يناير عام 2011 في مصر، بحسب دراسة بحثية بعنوان "الخاص يخترق العام"، لمركز قضايا المرأة المصرية، وهي إحدى الدراسات القليلة التي فندت الحركة النسوية في موجتها الرابعة خلال عام 2020 وهو عام استثنائي خاصة مع تفشي وباء كورونا المستجد.
وبنظرة تلخيصية يمكن أن نطلق على عام 2020 اسم "عام كشف الاعتداءات الجنسية"، نظراً لثورة المصريات المستمرة بنشر شهادات عن كل أشكال الاعتداءات الجنسية، من تحرشات جماعية واغتصاب وقتل واستغلال وتلاعب جنسي.
خلال عام 2020 اشتبكت الحركة النسوية المصرية مع الموجة العالمية لحملة "مي تو MeToo" التي بدأت عام 2017 وعرّت خلالها الكثير من المشاهير ورجال الفن والسياسة والإعلام ورجال الأعمال من المتحرشين والمغتصين، وبعضهم أحيل إلى التحقيق، لتؤكد أن لا مثالية لدى النخبة مثل ما تفعله مبادرات ومجموعات نسائية مجهولة، منها مدونة "دفتر حكايات" و"Assault police" اللتان خلقتا حالة جديدة من الوعي بأشكال التلاعب والاستغلال الجنسي والانتهازية والعنف مما خلق حالة تضامن أكثر مع النساء من خلال نشر الشهادات وقصص العنف الجنسي.
وهو ما أكدته الباحثة وعضو مؤسسة المرأة الجديدة، نيفين عبيد، لرصيف22 بالقول إن قصص النخبة في "دفتر حكايات" كشفت أن ضرورة اتساق أقوال النخبة مع أفعالها أمر غير صحيح، قد يكون لدى المفكر أو الناشط طرح ما اقتصادي أو سياسي لكن هذا ليس معناه أن يكون منضبطاً أخلاقياً، مضيفة: "ليس معنى أن شخص حقوقي لا يوجد لديه سقطات وأخطاء لها علاقة بالنساء".
يمكن أن نطلق على عام 2020 اسم "عام كشف الاعتداءات الجنسية"، نظراً لثورة المصريات المستمرة بنشر شهادات عن كل أشكال الاعتداءات الجنسية، من تحرشات جماعية واغتصاب وقتل واستغلال وتلاعب جنسي
لكن وُجهت حملات ضد المدونتين المذكورتين للتشكيك بمصداقيتهما، منها أن أحد المتهمين بالاغتصاب والذين أدانتهم "دفتر حكايات" وهو صحافي استقصائي مصري فبرك شهادات ضده ونشرها بالمدونة ليثبت للجميع أن المدونة قد تخطئ في اتهام شخص برئ، وهو ما أشارت إليه عبيد بالنفي، قائلة "ليس علينا أن نتشكك في هذه الشهادات أو نسأل عن مدى دقتها، الفكرة ليست في تصديق الناجيات، فحوادث العنف الجنسي قديمة تم تأريخها بالأدب النسوي مثل فيلم 'الباب المفتوح' وآسفة أرفض الطلاق' وليست أمراً حديثاً، لكن الفكرة أنه حينما نطالب بضرورة وجود حلول لإنهاء تكرار الحالات، نجد مقاومة تقوم على إثبات الواقعة وهو صعب، فالقانون لا يعرف القرائن المعنوية كالتلاعب والاستغلال الجنسي وإنما يعرف القرائن المادية".
كما تنفي عبيد ما طال المدونات من هجوم، من قبيل أنها ستفتح عقول البنات على العلاقات الجنسية، وتضيف: " بالعكس، هي سترعبهن وستجعلهن يفكرن مرات عديدة قبل الدخول في علاقة مع شخص من النخبة أو أي شخص يفعل مثلما يفعل أبطال تلك الشهادات، وستدفع الفتيات إلى إقامة علاقات صحية".
الموجة الجديدة من الحراك النسوي تقوده مجموعات فردية، هذا الأمر لا يزعج عضو مؤسسة المرأة الجديدة، فهي ترى أن المؤسسات المدنية في مصر تواجه مشكلات في التضييق على عملها، وتخضع لإطار كبير هو المجتمع والدولة، لكن هذه المؤسسات تتبنى هي الأخرى قضايا رأي عام مثلما تبنت مؤسستها حملة ضد إجبار الفتيات على الحجاب بالمدارس.
قضية بسام زكي والفيرمونت
هذه المدونات كوجه جديد للموجة الرابعة للنسوية المصرية، كان لها الفضل في التأثير بالرأي العام المصري وتحرك هيئات سياسية كبرى، كما حدث في قضية المتهم بالتحرش والاغتصاب بـ100 فتاة "أحمد بسام زكي" وقضية الاغتصاب الجماعي بفندق الفيرمونت وهما القضيتان اللتان كشفتهما مدونة "Assault Police" التي ترشحت مؤسستها لقائمة بي بي سي لأكثر شخصيات عربية مؤثرة في عام 2020. فكان هناك تحرك فوري وملحوظ من المجلس القومي للمرأة والنائب العام لتشجيع الناجيات على تقديم بلاغات وحمايتهن وتقديم الدعم النفسي والقانوني لهن، كما كانت قضية "زكي" أحد الأسباب التي دفعت البرلمان المصري للموافقة على قانون "حماية سرية بيانات المجنى عليهن"، في آب/أغسطس الماضي.
عزة سليمان، مدير مؤسسة قضايا المرأة المصرية ورئيس المجموعة القانونية لدعم ضحايا أحمد بسام زكي، قالت لرصيف22 إنهم قابلوا عدة تحديات خلال عملهن على هذه القضية، أبرزها أن الناجيات كن قاصرات (أقل من 21 عاماً) ووفقاً للقانون لم يكن لديهن القدرة لعمل توكيلات لمحامين، تضيف سليمان: "هذا تناقض قانوني. فتاة الـ18 تستطيع الزواج، لكنها لا تستطيع توكيل محامٍ في القضايا القانونية".
دعم أهالي الناجيات من اعتداءات بسام زكي كان فارقاً، تؤكد سليمان قائلة: "كان هناك تخبط وخوف وقلق، لكن الفتيات اللاتي حصلن على دعم الأهل كان الأمر فارقاً بشكل إيجابي معهن"، تضيف: "كان المحامون ممنوعين من حضور الجلسات، لكن حوارهم مع النائب العام جعلهم يحضرونها، خاصة أن المجلس القومي للمرأة لم يكن لديه مشكلة في حضور المحامين".
إحدى الإشكاليات الأخرى –حسب سليمان- لقضية بسام زكي هي أنه، وفقاً للقانون، لا تزال هناك تعريفات قديمة للاغتصاب، فإذا هناك اغتصاب شرجي يتم التعامل معه كهتك عرض وليس اغتصاباً لتؤكد على قصور في التشريعات والتعريفات الخاصة بالاعتداءات الجنسية، كما أن قضيتي بسام زكي والفيرمونت اللتين اشتبكت بهما المؤسسة هما بمثابة موجة جديدة من "مي تو" فتحتا الباب لحوارات ثقافية واجتماعية". فبعض الفتيات يتحدثن على انستغرام بشكل كبير عن الاعتداءات الجنسية وتشتبك مع الخطابات الدينية المحافظة ويطالبن بتغيير القوانين.
ما شهده هذا العام من نشاط للحركة النسوية المصرية هو امتداد لحملات بدأت العام الماضي لفتح حوار مجتمعي، تقول مديرة مؤسسة قضايا المرأة المصرية، مضيفة: "العام الماضي حصل انقسام في الحركة النسائية وحوار كبير بين مؤيد ومعارض لقضايا تحرش واغتصاب حول كيفية تناولها، وكان تكملته في 2020. وهناك أيضاً سلبيات عدة، أبرزها أن الدولة لم تأخذ معاناة النساء بشكل جاد لتترجمها إلى أجندة نسائية تحتاج قانوناً لمناهضة العنف، حتى أن المجلس القومي للمرأة لم يشتبك مع السياسات التي هو منوط بالعمل عليها وإنما تعامل كما لو كان مؤسسة أهلية تقدم دعماً قانونياً فقط وكان تدخله أحياناً في بعض القضايا الكبرى مثل قضية الفيرمونت مخزياً".
"العام الماضي حصل انقسام في الحركة النسائية وحوار كبير بين مؤيد ومعارض لقضايا تحرش واغتصاب حول كيفية تناولها، وكان تكملته في 2020. وهناك أيضاً سلبيات عدة، أبرزها أن الدولة لم تأخذ معاناة النساء بشكل جاد لتترجمها إلى أجندة نسائية تحتاج قانوناً لمناهضة العنف"
اعتداءات جماعية وفتيات التيك توك
مشهد أن تتجمع مجموعة من الرجال عشرات أو مئات حول فتاة، كان بطلاً لأخبار رئيسية هذا العام، فبعد دقائق قليلة من بداية العام فوجئنا بفتاة من مدينة المنصورة تتحلق حولها مجموعة من الشباب فيهتكون ملابسها وجسدها بحجة أن ملابسها مثيرة وفاضحة حتى الذين حموها من الرجال تعرضوا لضرب وتهديدات.
وليس ببعيد عن المنصورة، ففي المحافظة ذاتها مدينة ميت غمر في كانون الأول/ ديسمبر 2020 تعرضت فتاة أيضاً للأمر ذاته مع فارق أن محامي المتحرشين الذين تم القبض عليهم شن هو وأهالي المتهمين حملة ضد الفتاة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستخدمين صورها العامة والخاصة للتشهير بها وإظهار الأمر أنه بلاغ كيدي من الفتاة كأنها تريد إيذاءهم، كما تعرضت لتهديدات بالقتل والحرق وتشويه وجهها بسبب استمرارها في الإجراءات القضائية.
هذان الحادثان تصدرا مواقع التواصل الاجتماعي وأطلق كل من المؤيدين والمعارضين هاشتاغات تعبر عن آرائهم تجاه القضيتين بالتأييد أو المعارضة مثل هاشتاغ "#أدعم_بسنت" وهي ضحية ميت غمر.
وفي نيسان/ أبريل 2020، ظهرت حملات للقبض على فتيات عُرفن إعلامياً بـ"فتيات التيك توك" لأنهن ينشرن مقاطع فيديو وصوراً اعتبرها القانون "خدشاً للحياء العام" وبحسب "غوغل" كانت حنين حسام أكثر شخصية بحث عنها المصريون عام 2020 وهي شابة عشرينية كانت تنشر فيديوهاتها على "تيك توك" ووجهت إليها تُهمة "بالتعدي على قيم الأسرة المصرية" وأطلق معارضون لحبسها هاشتاغ "#بعد_إذن_الأسرة_المصرية" دعماً لها ولمنة عبد العزيز وغيرهما من الفتيات ووقّع أكثر من 250 ألف شخص للمطالبة بالإفراج عنهما.
الباحثة والصحافية إسراء صالح ترى أن هذا العام هو الأسوأ على النساء، فدوماً تتعرض النساء لأكبر نصيب من مساوئ كل حادث، لكن هذا العام كان استثنائياً بسبب وباء كورونا، وتضيف: " تعرضت النساء لحوادث عنف إضافة إلى عمل معظمهن بالقطاع الطبي". ومن خلال عملها مع مؤسسة نظرة للدراسات النسوية شاركت بإعداد تقارير حقوقية عن أوضاع النساء.
كما شاركت صالح وفقاً لتصريحها لرصيف22 في إعداد تقارير صحافية عن كورونا والنساء اللاتي تعرضت للفصل التعسفي وكيف أثرت على وضع اللاجئات والاستغلال الجنسي الذي تعرضت له الفتيات وبسبب الحملة التي طالت ناجيات من حوادث اعتداء جنسي أطلقت صالح صفحة "وقتها سكت عشان"، وأضافت: "كان هناك طول الوقت حينما تتحدث النساء عن تعرضهن لحوادث تحرش واغتصاب سؤال لماذا تحدثن بعد وقت طويل ولماذا صمتن؟ لذلك قررت إنشاء صفحة كمساحة بوح للنساء يتكلمن فيها عن وقائع العنف وللإجابة عن هذا السؤال ونجحت في نشر أكثر من 100 شهادة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...