إذا كان الظلام الحالك والجوّ البارد اللذان يترافقان مع كل موسم شتاء يجعلانكم تشعرون بالإحباط، الاكتئاب والرغبة في المكوث في الفراش من دون القيام بأي نشاط مهما كان بسيطاً، فهذا قد يكون مؤشراً على إصابتكم بالاضطراب العاطفي الموسمي SAD، وهو نوع من الاكتئاب المتكرر، تطرأ فيه نوبات من الكآبة في نفس الفصل كل سنة.
فما هو هذا الاضطراب، ما هي عوارضه الجسدية والنفسية، وكيف يمكن التغلّب عليه؟
حزن الشتاء
يُعرف الاضطراب العاطفي الموسمي أيضاً باسم حزن الشتاء Winter Blues لأن النمط الأكثر شيوعاً لظهور أو حدوث نوبة كآبة هو في فصلي الخريف أو الشتاء، ويخف أو يتلاشى في فصلي الربيع أو الصيف.
وبهدف تشخيص هذا النوع من الاضطراب، على الشخص أن يتعرض لجميع أعراض الاكتئاب مع تزامن حصولها في فصول معينة لمدة سنتين، كما عليه أن يمر بنوبات كآبة بتواتر أكثر من أي نوبات كآبة غير فصلية.
هذا ويُعدّ الاضطراب العاطفي الموسمي أكثر شيوعاً بين النساء، إذ إنه منتشر أربعة أضعاف انتشاره بين الرجال، أما عمر بداية ظهور المرض فقد يأتي بين عمري الـ18 والـ30.
أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي
لا يواجه كل من يصاب بالاضطراب العاطفي الموسمي نفس الأعراض، لكن بحسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسيةDSM-5، فإن الأعراض المرتبطة بحزن الشتاء قد تشمل ما يلي: الشعور باليأس والحزن، بروز أفكار انتحارية، النوم المفرط، تغير في الشهية وخصوصاً الرغبة الشديدة في أكل المأكولات النشوية أو حلوة المذاق، اكتساب الوزن، تدني مستوى الطاقة، الإرهاق، الصعوبة في التركيز، سرعة الانفعال وبعض الأعراض التي تظهر في العادة في حالات الاكتئاب، مثل: الإحساس بالذنب، فقدان الاهتمام بالأنشطة، بالإضافة إلى بعض المشاكل الجسدية كصداع الرأس وآلام المعدة.
إذا كان الظلام الحالك والجوّ البارد اللذان يترافقان مع كل موسم شتاء يجعلانكم تشعرون بالإحباط، الاكتئاب والرغبة في المكوث في الفراش من دون القيام بأي نشاط مهما كان بسيطاً، فهذا قد يكون مؤشراً على إصابتكم بالاضطراب العاطفي الموسمي
هذه الأعراض تطرأ في نفس الوقت كل سنة، من دون أن تكون نتيجة مباشرة لمؤثرات موسمية، كأن يكون الشخص مثلاً عاطلاً عن العمل في الشتاء أو ما إلى ذلك.
وفي العادة يكون هذا النوع من الاكتئاب متوسطاً أو خفيفاً، إلا أن بعض الأفراد قد يختبرون أعراضاً حادة تتركهم غير قادرين على الإنتاج وعيش حياتهم اليومية.
الأسباب المحتملة
في الواقع، إن الأسباب الكامنة وراء الاضطراب العاطفي الموسمي غير معروفة، باستثناء وجود بعض النظريات التي يرجحها العلماء، والتي تتراوح ما بين العوامل الهرمونية ونمط الحياة:
الميلاتونين: تتحدث هذه النظرية عن دور الميلاتونين في الجسم، وهو هرمون تنتجه الغدة النخامية وينظم دورة النوم والاستيقاظ، يحفز الظلام إنتاج الميلاتونين ويحضّر الجسم للنوم، ولكن مع قدوم فصل الشتاء يقصر النهار وتزداد الظلمة، فيزداد إنتاج الميلاتونين في الجسم ويميل الناس ليشعروا بالنعاس والخمول.
السيروتونين: تعتبر هذه النظرية أن بعض الأشخاص المصابون بالاضطراب العاطفي الموسمي يواجهون صعوبة في تنظيم إنتاجهم للسيروتونين، وهو ناقل عصبي يؤثر على الحالة المزاجية.
فيتامين د: أظهرت الدراسات أن الناس المصابين بالاضطراب العاطفي الموسمي قد ينتجون نسبة فيتامين د أقل، بمثابة رد فعل لضوء الشمس، إذ يلعب هذا الفيتامين دوراً في نشاط هرمون السيروتونين، ويرتبط قصور فيتامين د بأعراض الاكتئاب.
أشعة الشمس والوراثة: من الملاحظ أن هذا النوع من الاضطرابات شائع لدى الأشخاص الذين يعيشون في أطراف القطب الشمالي أو الجنوبي، حيث تكون أشعة الشمس شبه غائبة، كما أن الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي يضم أنواعاً أخرى من الاكتئاب، هم أكثر عرضة لتطوير الاضطراب العاطفي الموسمي مقارنة بالآخرين.
نمط الحياة: هناك نظرية متعلقة بنمط حياتنا وتأثيره على الاضطراب العاطفي الموسمي، تحدث عنها الدكتور ألكس كورب، صاحب كتاب The Upward Spiral: Using Neuroscience to Reverse the Course of Depression، لصحيفة التايم: "من الممكن ألا تتوافق أنماط حياتنا الحديثة مع الطرق التي بنيت بها أجسامنا للتعامل مع الأيام الأقصر والأبرد"، ويضيف: "ربما نكون قد تطورنا لنكون أقل نشاطاً في فصل الشتاء من أجل توفير الطاقة"، مشيراً إلى أن حقيقة عدم تغيّر عاداتنا في العمل والنوم من الصيف إلى الشتاء، قد تساعد في تفسير حزننا.
الحلول الممكنة
في حديثه مع موقع رصيف22، أكد الأخصائي في علم النفس هاني رستم، أن الاضطراب العاطفي الموسمي هو "أمر شائع يصيب الكثير من الأشخاص، إنما ليس هناك من تشخيص واضح ومعايير محددة يمكن الاعتماد عليها لتوصيف هذه الحالة".
وكشف رستم أن هذا النوع من الاضطراب يشبه إلى حدّ كبير الاكتئاب: "يمكن أن ننظر إليه على أنه نوع من أنواع الاكتئاب، نشعر خلاله بالإحباط ونختبر اضطرابات في الأكل وغيرها من السلوكيات التي تختلف وفق كل شخص".
وأشار هاني إلى أن الاضطراب العاطفي الموسمي يرتبط عادة بفصل الشتاء، وذلك لعدة أسباب، من بينها الطقس البارد والتغيير الذي يطرأ على نمط الحياة: "بهالفترة بتصير الشمس تغيب بكير وبصير النهار أقصر والليل اطول، وبيشعر البعض بحالة نوستالجيا والبعض الآخر منسمعوا عم بيقول (طابق على صدري)، والسبب الاساسي بكون تغيّر الساعة البيولوجية والإيقاع اليومي يلي معوّدين عليه، بالإضافة للطبيعة الحزينة يلي بتخلينا نحس بهيدي الفترة إنو كل شي عم بينتهي".
هذا وأوضح هاني رستم أنه عند اختبار هذا النوع من الاضطرابات، من المهم للأفراد أن يقوموا بتعزيز الروابط الاجتماعية والتواصل مع الآخرين: "يجب استغلال هذه الفترة للتقرّب من الآخرين، كون ذلك يجعلنا نشعر بأننا لسنا وحيدين في هذا العالم، كما أنه من الضروري أن نطلب المساعدة عند الحاجة... المهم أنو ما نسكت عن الأشياء يلّي بتوجعنا".
والواقع أن هناك عدة طرق لعلاج الاضطراب العاطفي الموسمي، بما في ذلك العلاج بالضوء ومكملات فيتامين د والأدوية المضادة للاكتئاب والعلاج النفسي.
ونظراً لكون الاكتئاب الشتوي قد يكون رد فعل لقلة التعرض لضوء الشمس، فقد يستخدم خيار العلاج بالضوء، أي التعرض لضوء ساطع يشابه ضوء النهار أو الشمس لحوالي 30 إلى 60 دقيقة كل يوم، على مدى فصلي الخريف والشتاء، يتطلب ذلك استخدام صندوق ضوئي أو قناع ضوء يوضع على الرأس على شكل قبعة أو غطاء، على الفرد ارتداء هذه القبعة أو الجلوس أمام هذا الضوء لمدة معينة من الوقت كل نهار.
وعندما تصبح المعالجة بالضوء كافية لتقليل الأعراض أو تخفيفها وزيادة الإحساس بالطاقة، قد يستمر الفرد بتلقي هذا النوع من المعالجة إلى أن يعود ضوء النهار مجدداً عادة في الربيع، إذ يمكن أن يتسبب إيقاف المعالجة بالضوء في وقت مبكر جداً في عودة الأعراض.
"يجب استغلال هذه الفترة للتقرّب من الآخرين، كون ذلك يجعلنا نشعر بأننا لسنا وحيدين في هذا العالم، كما أنه من الضروري أن نطلب المساعدة عند الحاجة... المهم أنو ما نسكت عن الأشياء يلّي بتوجعنا"
أما في حال فشلت المعالجة بالضوء في تحسين الأعراض خلال أيام قليلة، يمكن حينها اللجوء إلى العلاج بالأدوية أو العلاج السلوكي.
هذا ومن المهم للمصابين بالاضطراب العاطفي الموسمي أن يتبعوا ما يلي:
- مراقبة الحالة المزاجية والطاقة.
- الاستفادة من أشعة الشمس حين تكون متاحة.
-التخطيط للقيام بأنشطة ممتعة في فصل الشتاء.
-التخطيط لنشاطات جسدية.
- الاستعداد للدخول في فصل الشتاء بمنظور إيجابي.
- طلب المساعدة من أخصائيين عند تطور الأعراض.
بغض النظر عن الطريقة التي تلجؤون إليها لمحاربة الاضطراب العاطفي الموسمي، فمن المهم أن تدركوا أن هذا المرض حقيقي ويجب معالجته بدون إهمال، فليس عليكم أن تنتظروا حتى يتغيّر الطقس لكي تشعروا بالتحسن، فالشتاء فصل وينتهي، ولكن احذروا من أن يجرّدكم من الفرح وأن تذهب مشاعركم الجميلة وأحاسيسكم الدافئة مع الرياح الشديدة الباردة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 19 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...