شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"يتوجب الاعتذار للنساء أولاً"... مُلصق حكومي مغربي "توعوي" ضد التحرش الجنسي يثير جدلاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 27 أغسطس 202004:18 م

تتعرض الفتيات في المغرب لأشكال عديدة من التحرش الجنسي، في الشارع، في المدرسة، وحتى على الإنترنت. وسبق أن كشفت دراسة رسمية أشرفت عليها وزارة الأسرة والتضامن سنة 2019، عن إحصائيات مهمة بخصوص تفشي هذه الظاهرة في المجتمع المغربي، حيث خلصت الدراسة إلى أن 13.4% من النساء المغربيات، اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و64 سنة، سبق أن تعرضن للتحرش الإلكتروني الجنسي على مواقع التواصل الاجتماعي، والسب والقذف، وأرسلت لهن صور وفيديوهات إباحية من مجهولين.

في نفس السياق، أطلقت وزارة الثقافة والشباب والرياضة خلال شهر آب/ أغسطس الجاري، حملة توعوية تهم الشباب بالخصوص، وتطرقت فيها لموضوع التحرش الإلكتروني، من خلال ملصق يتضمن صورة امرأة مرفقة برسالة تقول: "لكيلا تتعرض للتحرش الجنسي الإلكتروني، تجنب مشاركة صورك الشخصية وأرقام هاتفك ومعلومات خاصة مع أي كان".

ردود الفعل على هذا الملصق كانت في مجملها سلبية رافضة لمبدأ تحميل المسؤولية بطريقة غير مباشرة للضحية، وتشابهت وجهات نظر الحقوقيين والحقوقيات، باختلاف توجهاتهم، حول هذا الموضوع إلى حد كبير. ونتيجة لحملة الضغط، قامت الوزارة بسحب الملصق فيما بعد، إلا أنه ما زال محور جدل.

"نستنكر بشدة رمزية هذا الملصق"

في حديث لرصيف22 مع كريمة نادر، رئيسة ائتلاف 490، قالت: "هذه المقاربة لا تختلف بتاتاً عمّن يربطون فعل التحرش في الشارع بطريقة اللباس، وكأن الضحية تقصد استفزاز المتحرش، وكأن الموقف لم يكن ليحدث لولا أن تجرأت هذه على نشر صورها وبسط تفاصيل من حياتها، فأجبرت الشخص على التحرش بها، في تغييب صارخ لمسؤولية المتحرش ومختلف الأسباب الاجتماعية والثقافية التي قد تفسر الظاهرة".

كريمة هي فاعلة مدنية ورئيسة ائتلاف 490، والتي أطلق مبادرة "خارجة عن القانون"، التي تأسست من أجل خوض معركة حقوقية ضد الإجهاز المتواصل على الحريات والحقوق، والتي دعت لتجنب مشاركة ملصق وزارة الثقافة الإشكالي ومشاركة معلومات عنه.

وتتابع: "خاصة أن الملصق تضمّن عناصر لغوية وإيكونوغرافية تكرّس مسؤولية ضحية التحرش فيما قد تتعرض له، لأن فكرة الملصق مبنية على أن أسباب التحرش متعلقة أساساً بضحية فعل التحرش".

وتواصل: "نحن في مبادرة خارجة عن القانون، نستنكر بشدة رمزية هذا الملصق، إذ نعتبره تبريراً لفعل التحرش بدل أن يكون تنديداً به، وكأن الوزارة تعطي بذلك مشروعية لأي شخص أن يتحرش إلكترونياً بمجرد أن تكون الضحية قد شاركت صوراً لها أو معطيات شخصية، وهو موقف يضرب بعرض الحائط، الكثير من المجهودات والمعارك من أجل محاربة التحرش في مجتمعنا".

وتؤكد أخيراً أن الانزلاقات التواصلية للوزارة، حتى لو حاولت تداركها بالحذف أو تغيير الملصق، يظهر غياب رؤية متوازنة للموضوع، وتختم: "يتوجب الاعتذار أولاً لفئة واسعة من النساء اللواتي يتعرضن للتحرش الإلكتروني يومياً، والعمل على توفير الحماية اللازمة لهن بدل إلقاء اللوم عليهن".

ضمن حملة توعوية حكومية مغربية، تطرقت للتحرش الإلكتروني، ونشرت ملصقاً يضم صورة امرأة مرفقة برسالة تقول: "لكيلا تتعرض للتحرش الجنسي الإلكتروني، تجنب مشاركة صورك الشخصية وأرقام هاتفك ومعلومات خاصة مع أي كان"... مما أثار جدلاً رافضاً لتحميل الضحية مسؤولية التحرش بها

"العنف الإلكتروني مجرّم في المغرب"

أما نبيلة جلال، محامية وناشطة حقوقية، فترى أن "الملصق يكرس العقلية الذكورية السائدة في المجتمع التي تلقي اللوم على المرأة وتحملها مسؤولية العنف الذي تتعرض له، أياً كان نوع هذا العنف، جنسي، جسدي، نفسي، إلخ...".

وبحكم عملها كمحامية وانتمائها لفيدرالية رابطة حقوق النساء لوقت طويل، تفضل نبيلة أن تناقش موضوع الملصق من جانب قانوني، وتسترسل: "إن العنف الإلكتروني عنف مجرّم في المغرب بموجب القانون 13.103. التحرش أو العنف الإلكتروني هو سلوك إجرامي أصبح من الممكن معرفة من ارتكبه ومتابعته قانونياً، رغم اعتقاد الجاني، في أغلب الحالات، أن ارتكابه الجريمة خلف حاسوب سيحول دون الوصول إليه".

"التوعية بمخاطر التحرش الإلكتروني أمر محمود، لكن كان على الوزارة أن تركز على تحسيس الطرفين، الجاني والضحية، بفداحة الجريمة وعقوبتها، أما فكرة الملصق فتظهر قصوراً كبيراً في إيصال الفكرة"، تختم نبيلة.

"خطأ جسيم لا يجب أن يتم ارتكابه"

من جهة أخرى، يصرح عبد الله عيد، عضو منتدى الحداثة والديموقراطية، عن موقفه وموقف المنتدى من الجدل الذي أثاره الملصق، مشيراً في حديثه لرصيف22، إلى أن الملصق الذي نشرته وزارة الشبيبة والرياضة والثقافة غير مقبول، وخطأ جسيم لا يجب أن يتم ارتكابه من طرف مؤسسة بهذا الحجم.

ويعتبر عبد الله أن الملصق أتى ضمن حملة توعية تتعلق بالصحة النفسية للشباب والشابات، وأن الوزارة أرادت معالجة الظاهرة من هذا المنطلق، وهي بادرة طيبة، ويتابع: "ولكن عندما تمت معالجة موضوع التحرش، عوض التوجه للمُتحرِّش وتحسيسه بخطورة هذه الأفعال على الآخرين، وبالعقوبات التي يمكن أن يواجهها، وعوض الحديث عن كيفية معالجة الآثار النفسية لدى النساء، وكيف يمكن أن يقاومن هذه الظاهرة، تفاجأنا بنشر ملصق يُحمِّلهن مسؤوليتها".

يضيف عبد الله، متأسفاً لخروج الوزارة عن أهداف حملتها، ودخولها، ولو سهواً، ضمن النسق الاجتماعي المتعلق بلوم الضحية عوض حمايتها.

مع ذلك، يطلب عبد الله من الوزارة الاستمرار في حملاتها التوعوية مع تجنب هذه الانزلاقات مستقبلاً، قائلاً: "إننا إذ نعبر عن ارتياحنا بعد حذف المنشور من موقع وصفحة الوزارة، وبعد تصريح الوزير حول أن ذلك كان خطأ تقنياً ليس أكثر، فإننا نشجع هذه الأخيرة على الاستمرار في حملاتها التوعوية الإيجابية، والتوجه نحو خلق آليات عملية على أرض الواقع لمواجهة ظاهرة التحرش، عبر عمليات توعوية وخلق نقاش وطني حول المسببات، وكذلك خلق آليات لمواكبة ومساعدة النساء ضحايا التحرش".

"يدل على جهل بالقانون"‎

من جهته، يشدد المحامي والفاعل الحقوقي حاتم بكار، على أن من يرتكب فعل التحرش فهو يرتكب فعلاً شاذاً مرفوضاً أخلاقياً ودينياً، ويعتبره القانون جريمة، وهذا ما كان يجب على الوزارة التنبيه إليه خلال حملتها، لا أن تطلب من الضحية الحد من حريتها الشخصية لتجنب التحرش.

ويتابع: "أستغرب كيف لقطاع مؤسساتي وحكومي أن ينشر ملصقاً مشابهاً، لأن هذا يدل على جهل بالقانون وبالمعطيات الحقوقية والمكتسبات التي حققها المغرب. محتوى الملصق يظهر عدم استيعاب نهائي للتشريعات المعمول بها، لأننا حالياً لدينا قوانين تحمي المرأة وتحمي الأشخاص في حياتهم الشخصية".

ويواصل حديثه: "كما أن النساء لديهن كامل الحق في التعبير عن الذات والتواصل مع الناس، خصوصاً وأن المجال الاجتماعي المشترك الوحيد المتوفر في هذه الفترة، بسبب الحجر الصحي، هو المجال الرقمي، الذي أصبحت تنظمه قوانين تحمي المعطيات الشخصية، وتعاقب على استعمال صور الغير، الابتزاز والتشهير... إلى آخره، وهذا هو التوجه الذي كان يجب أن تذهب فيه وزارة الشباب في حملتها التحسيسية".

يذكر أن المغرب سبق وأن صادق سنة 2018، على قانون يجرم التحرش الجنسي بأي وسيلة كانت، حتى الإلكترونية منها، وتصل عقوبته إلى خمس سنوات.

"يتوجب الاعتذار أولاً لفئة واسعة من النساء اللواتي يتعرضن للتحرش الإلكتروني يومياً، والعمل على توفير الحماية اللازمة لهن بدل إلقاء اللوم عليهن"

" فخ التعبير عن موقف قديم"

أما سامي المودني، وهو رئيس "المنتدى المغربي للصحافيين الشباب" (منظمة غير حكومية)، فقد صرّح في حديثه لرصيف22، بأن الملصق الترويجي ضد التحرش الجنسي الذي نشرته الوزارة على صفحتها يمكن أن نقرأه انطلاقاً من عدة احتمالات.

وأوضح المودني: "أي حملة توعوية تكون خاضعة لمخطط تواصلي معين، يتضمن أساساً الوسائل والأهداف والفئات المستهدفة، من أجل ضمان وصول الرسالة المراد إيصالها لمستقبليها، وخروج ملصق بذلك الشكل يعني أننا أمام احتمال أول، يتجلى في غياب هذا المخطط التواصلي من الأساس، أو أن هناك إشكالاً على مستوى تنزيله بشكل سليم، إذا افترضنا وجوده، وفي كلتا الحالتين نكون أمام غياب للاحترافية في العمل، وهذا أمر مشين اذا تعلق الأمر بقطاع حكومي".

الاحتمال الثاني، وفق سامي المودني، يتمثل في غياب المعطيات السوسيولوجية الدقيقة المرتبطة بالتحولات التي يعرفها المجتمع المغربي لدى واضعي فكرة الملصق، "وهي التحولات التي يتجلى عنوانها الأساسي في أن أغلبية أطياف المجتمع المغربي، من مختلف التوجهات السياسية والفكرية، كونت في السنوات الأخيرة حساسية كبيرة تجاه كل القضايا المتعلقة بالمرأة والنوع الاجتماعي في البلاد"، حسب تعبيره.

في السياق ذاته، يشرح المودني، أن عدداً من المشتغلين في "المجال التواصلي في المغرب تغيب عنهم هذه المعطيات مع الأسف، عندما يعمدون إلى تحديد الرسالة والفئات المستهدفة، وبالتالي يلجؤون فقط للاعتماد على بعض انطباعاتهم عن المجتمع، ويسقطون في فخ التعبير عن موقف قديم تجاوزها المجتمع منذ فترة من الزمن، بفعل تطور البناء التشريعي المرتبط بحقوق المرأة في بلادنا أساساً، والعمل الذي تقوم به الجمعيات والمنظمات النسائية".

وهذا المطب يقع فيه العديد من المشتغلين في المجال التواصلي، يضيف المتحدث نفسه، الذي يبدو أنهم لا يدركون بشكل جيد أن المجتمع المغربي تطور، ولم تكن خطيئة الملصق الوزاري هي الوحيدة، بل إن شركة معينة في إطار حملة إعلانية معينة سنة 2018، أطلقت سلسلة "باغي تزوج" وهو برنامج يكرس صورة دونية للمرأة.

ويخلص المودني إلى أنه "صحيح أن الشركة المعنية أوقفت السلسلة، وأن الوزارة سحبت الملصق المشين الذي يحمّل المرأة بشكل غير مباشر مسؤولية التحرش الجنسي، إلا أن الفعل في حد ذاته يفضح جهل البعض بأن المغرب قطع أشواطاً كبيرة جداً في الرقي بصورة المرأة في الفضاء العمومي، ومحاربة كل أشكال الصور النمطية المرتبطة بها، وهو الأمر الذي يجب أن يدركه جيداً العاملون في هذا الحقل".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image