شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"أرجوكِ لا تصدقيه"... عن جرائم التحرش والابتزاز والعنف الإلكتروني في الأردن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 26 أغسطس 202003:06 م

"داخلة على الله وعليك"، بهذه العبارة بدأت صبية حديثها معي على الماسنجر، عندما تواصلت معي قبل عام ونصف. لم أكن أعرفها لكنها وصلت لحسابي الشخصي في فيسبوك عن طريق صديق مشترك نصحها بالتواصل، معي معتقداً أنني أستطيع مساعدتها. وبدون حذر سردت قصتها بسرعة ظهرت في إيقاع كتابتها للرسائل بالتتالي، بأسلوب لم يعطني فرصة للرد عليها إلا بعد أن انتهت بذات العبارة التي بدأت بها محادثتها: "داخلة على الله وعليك".

اعتقدت تلك الفتاة، كآخرين ربما، أن من يعمل في الحقل الصحفي يملك عصا سحرية قادرة على حل جميع مشاكل الناس، أو هكذا تمنت في ذلك الوقت، عندما لجأت إلي طالبة مساعدتها لإنقاذها من "وحش" إلكتروني يهددها منذ أسبوعين، بأنه سيرسل لأخيها صوراً لها "في أوضاع غير لائقة" أثناء علاقتها الجنسية معه، في حال لم ترسل إليه المبلغ المطلوب، ألا وهو 3000 دينار إلى بلده، حيث مكان ولادته الذي عاد له من الأردن بعد أن اعتقد أنه "أتم مهمته".

تعود قصة هذه الصبية (طلبت إذنها بالسرد قبل إعداد هذا التقرير) أنها كانت على علاقة مع رجل من جنسية عربية تعرّفت عليه في مكان عملها، تطورت العلاقة التي تخللتها "وعود كاذبة"، بحسب قولها، بالزواج بعد أن "يكوّن نفسه" مادياً، وشملت حدوث علاقة جنسية بينهما أكثر من مرة، وحدها هي التي تعلم، كما تقول، المعاناة التي كانت تمر بها طوال عام ونصف من تلك العلاقة، من أجل أن تحارب انتصاراً لقصة حبها، وأن تجبر أهلها بأن يقبلوا تزويجها من شخص لا يحمل جنسيتها.

 "عندما سألتها لماذا لم تبلغي عنه؟ أجابت مثل إجابة أغلب من استقبل شكاويهن لجرائم جنسية إلكترونية: أهلي رح يذبحوني إذا عرفوا".

"الله بعلم المشاكل اللي كانت تصير معي مع أهلي، وأنا كل فترة أرفض استقبل عريس، وأطلع حجج عشان أضلني محافظة على علاقة حبي"، قالت تلك الفتاة خلال المحادثة عبر الماسنجر.

لن أدخل في تفاصيل العلاقة التي كشفت في أكثر من محطة كذب وزيف ذلك "الحبيب"، هي باختصار تشبه قصص حب كثيرة فشلت بسبب أقنعة لا تشبه حقيقة أصحابها، لكن ما لا يشبه هذه القصة وغيرها من "قصص الحب الفاشلة"، أن ذلك الحبيب تحوّل بين يوم وليلة إلى "وحش"، ذلك وأنه وبعد عودته إلى بلده بحجة زيارة أهله، تحوّل إلى مبتز ومستغل جنسي لتلك الصبية، يهددها على مدار اليوم الواحد أكثر من مرة، بأنها وفي حال لم ترسل إليه 3000 دينار، فإن فيديوهاتهم معاً ستصل إلى شقيقها الذي يكبرها.

أذكر خلال تلك المحادثة أنها أرسلت لي "سكرين شوت" لتهديداته، من بينها صور محادثاتهما، وأنه اتصل بأخيها وادعى أن الرقم خاطئ، كل ذلك ليثبت لها أنه قادر على مهاتفة أخيها ولينمي الخوف بداخلها، وأمهلها 48 ساعة فقط لترسل إليه المبلغ، وفي حال لم ترسله سوف يطلق صافرة الإنذار.

واستشارتني بفكرة أن ترسل إليه المبلغ مقابل ألا ينفذ تهديده، أذكر أنني توسلت إليها بألا تقوم بذلك، لأنه لا يوجد شيء يضمن سكوته مستقبلاً وعدم تكرار جريمته. استطعت إقناعها، وبفضل عاملين في وحدة الجرائم الإلكترونية لجأت إليهم، تم الوصول إلى الجاني خلال 24 ساعة وعوقب وفق تنسيق أمني بين وحدة الجرائم الإلكترونية وبين تلك الوحدة في بلده، واليوم هذه الصبية وبعد قرابة العام، تقول لكل فتاة تتعرض لجريمة جنسية إلكترونية: "أرجوكِ لا تصدقيه".

العوامل التي تساهم في استمرار الجرائم الجنسية الإلكترونية هو خوف الفتيات من التقدم بالشكوى، تحسباً للوقوع فيما يعتقدن أنه مصيبة كبرى، وهو علم عائلاتهن بذلك، وشدد مدير وحدة الجرائم الإلكترونية على أن التعامل مع هذه الشكاوى هو سري بالمطلق ويحفظ حماية الضحية

كل أنثى تتعرّض لجرائم إلكترونية

هذه القصة واحدة من قصص يومية تستقبلها وحدة الجرائم الإلكترونية في الأردن، وفق حديث لرصيف22 مع مدير وحدة الجرائم الإلكترونية، المقدم رائد الرواشدة، الذي بيّن أن الجرائم الجنسية الإلكترونية عابرة للحدود، مثل ما حدث مع تلك الصبية، كما أنها لا تقتصر فقط على الاستغلال المادي، بل تشمل أيضاً دوافع معنوية، للوصول إلى استغلال جنسي مباشر، مبيناً أن الجرائم الجنسية الإلكترونية تتخذ غالباً غطاء قبل تنفيذها، مثل استخدام أسماء وهمية لفتيات، أو من خلال مواقع تحت مسمى مواقع للتوظيف، فضلاً عن مواقع السحر والشعوذة ووعود تيسير الزواج وجلب الحبيب، وغيرها من الشعوذات، حسب تعبيره.

وقال الرواشدة إن من العوامل التي تساهم في استمرار الجرائم الجنسية الإلكترونية هو خوف الفتيات من التقدم بالشكوى، تحسباً للوقوع فيما يعتقدن أنه مصيبة كبرى، وهو علم عائلاتهن بذلك، وشدد على أن التعامل مع هذه الشكاوى من قبل وحدة الجرائم الإلكترونية هو سري بالمطلق ويحفظ حماية الضحية، مؤكداً على أن الإفصاح يحدّ من هذه الجرائم بما نسبته 80% ويضمن حماية الضحية، أكثر من اللجوء إلى مخترقي حسابات "هاكرز"، والذين يستغلون في كثير من الأحيان ضعف الضحية ويمارسون الاستغلال والابتزاز الجنسي بحقها.

"كل أنثى تتعرّض لجرائم جنسية إلكترونية"، أجاب الرواشدة على سؤال الفئات العمرية الأكثر تعرضاً لهذا النوع من الجرائم، لافتاً إلى أن حتى كبيرات السن لا يسلمن من هذه الجرائم، خصوصاً الأرامل والمطلقات.

"لماذا لم تبلغي عنه؟"

علي الصليبي، محام مختص في الجرائم الجنسية القانونية ويعمل لدى مركز "العدل للمساعدة القانونية"، قابلته رصيف22، وسرد خلال المقابلة تاريخ هذا النوع من الجرائم الذي بدأ حوالي العام 2008، أي قبل قانون الجرائم الإلكترونية الأردني الذي أقر في العام 2015، الغريب أن ضحايا هذه الجرائم كانوا في ذلك الوقت من الرجال، حيث كانوا ينجرّون لعصابات منظمة تحمل حسابات وهمية لشخصيات نسائية وهمية، ويتم استدراجهم للتعري أمام الكاميرا، ثم ابتزازهم مادياً مقابل عدم نشر صورهم، حسب تعبيره، مستشهداً بحادثة حصلت في الأردن، عندما أجبر رجل خمسيني إلى دفع 10 آلاف دينار مقابل عدم نشر فيديوهاته.

ومن ضمن القصص التي تابعها الصليبي ووصلتني نسخة من قرار المحكمة فيها، أن فتاة قاصر تعيش مع أهلها في قرية في واحدة من المحافظات الأردنية، كانت وفي العام 2017 تواصلت مع شخص بعد أن أرسل إليها طلب صداقة بحساب وهمي لفتاة عبر حساب الإنستغرام.

وبعد فترة من التواصل وبطلب من الجاني، أرسلت إليه صوراً لها وهي عارية، وبعد فترة أنشأ حساباً آخر يحمل اسم شاب، وبدأ يهددها من خلاله أنها في حال لم ترسل إليه صوراً جديدة، سوف يرسل صورها القديمة إلى صديقاتها في المدرسة، وبالفعل هذا ما قام به حيث أرسل صورها لصديقة لها.

وبعد أن تدخلت والدة هذه الصديقة بالتعاون مع والدة الضحية، وتقدمتا بشكوى ضده لدى وحدة الجرائم الإلكترونية، وانتهت القضية في العام الحالي وتحولت تهمة الجاني من جناية هتك العرض، "لأن الجريمة لا تحمل فعلاً مادياً مثل الفيديو المباشر" خلافاً لقانون العقوبات، إلى جناية فعل مناف للحياء العام، وفق المادة 15 من قانون الجرائم الإلكترونية.

ومن بين القصص التي تابعها المحامي الصليبي أيضاً كما يضيف، أن سيدة لها حساب خاص على الإنستغرام، تنشر فيه صورها، وحددت أشخاصاً قادرين على رؤية الصور، وقام "هاكر" بخرق حسابها وبدأ يهددها بنشر صورها بدون حجاب في حال لم تدفع له، وقبل أن تصل الشكوى له استمرت هذه السيدة بدفع مائة دينار له لمدة ستة شهور، وقال: "عندما سألتها لماذا لم تبلغي عنه؟ أجابت مثل إجابة أغلب من استقبل شكاويهن لجرائم جنسية إلكترونية: أهلي رح يذبحوني إذا عرفوا".

وبين الصليبي أن 50% من قضايا الجرائم الجنسية الإلكترونية تكون تحت غطاء صفحات خبيرات تجميل، توظيف، صفحات شعوذة وجلب الحبيب وتيسير الزواج، وتوقف خلال حديثه على هذا النوع من الصفحات الذي يستدرج أصحابها الضحايا بطلب صور، مثل صدورهن ومناطق أخرى من أجسادهن، بحجة أنها لإتمام عملية السحر أو الحجب.

وقال إن كثيراً من الجرائم الجنسية الإلكترونية تنتقل مع استمرار الابتزاز والتهديد إلى الواقع، لإجبار الضحية على إقامة علاقة جنسية مقابل عدم نشر صورها، مثل واحدة من القصص التي تابع قضيتها، لفتاة عشرينية وقعت ضحية قصة حب وهمية ووعود بالزواج، حيث حاول إجبارها للقائه في شقة مفروشة، وعندما ترددت هددها أنه سيرسل الصور لأخيها، وبدلاً من أن تبلغ عنه أمنياً قامت بالهروب من منزلها خوفاً من أهلها.

وبين المحامي علي الصليبي، المختص في الجرائم الجنسية القانونية، أن 50% من قضايا الجرائم الجنسية الإلكترونية تكون تحت غطاء صفحات خبيرات تجميل، توظيف، صفحات شعوذة وجلب الحبيب وتيسير الزواج

أكثرها الابتزاز الجنسي

لم يستغرب منير دعيبس، المدير التنفيذي لجمعية "معهد تضامن النساء الأردني"، في حديث لرصيف22، الاجتهاد القضائي الذي خرج قبل أسابيع، عندما أيدت محكمة التمييز قرار محكمة الجنايات الكبرى، بإدانة شاب بالحبس 3 سنوات، بعد ثبوت ارتكابه جريمة "هتك العرض عن بعد" لفتاة قاصر، والتي تعد الأولى من نوعها في المحاكم الأردنية، معتبراً أن هناك العديد من الجرائم الجنسية الإلكترونية تصنف بأنها "هتك عرض"، خصوصاً تلك الجرائم التي تحدث عبر مكالمات الفيديو أو البث المباشر، والتي تصنّف بأنها ركن مادي لتصنيف جرائم هتك العرض في الواقع.

وبيّن دعيبس أن أكثر الشكاوى التي يستقبلها المعهد المتعلقة بالجرائم الجنسية الإلكترونية هي الابتزاز الجنسي، من خلال التهديد بنشر صور الضحية على مواقع إباحية مقابل الحصول على أموال منها، لافتاً إلى أن هذا الشكل من الابتزاز يتحول غالباً من إلكتروني إلى واقعي، حيث يقوم الجاني بالضغط على الضحية للقائها وممارسة الجنس معها بالإكراه، علاوة على أخذ مال منها مقابل عدم نشر صورها وإبلاغ ذويها، وغالباً ما يشمل استدراجها تصوير العلاقة الجنسية بينهما.

"هنا يصبح التراجع متأخراً"، يقول دعيبس، في سياق حديثه عن أن خوف الضحية من الإفصاح والتقدم بشكوى قد يؤدي بها إلى مزيد من المشاكل، مثل انتقال ابتزازها إلكترونياً إلى الضغط عليها للذهاب إلى شقق مفروشة، على سبيل المثال، اعتقاداً منها أنها قد "تُسكت" الجاني، مستذكراً حالة استقبلها المعهد لضحية كانت امرأة متزوجة، قام شخص بانتحال شخصية قريب لها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومع الوقت أصبح يستدرجها من خلال خاصية المحادثات شيئاً فشيئاً، وبعد أن ضمن ثقتها به، أصبح يبتزها مادياً وفي حال رفضت سوف يقوم بنشر صورها وأسرارها لزوجها.

وفي تقرير نشره معهد تضامن للمقررة الأممية الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة، والذي صدر في العام 2018، كشف أن 23% من النساء حول العالم، يتعرضن للإيذاء أو التحرش عبر الإنترنت مرة واحدة على الأقل في حياتهن، وأن امرأة واحدة من بين كل عشر نساء قد تعرضن لشكل ما من أشكال العنف على الإنترنت منذ سن الخامسة عشر، وأن 28% من النساء اللواتي تعرضن للعنف القائم على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد قللن عمداً حضورهن على هذه الشبكات.

وختم دعيبس، أن مشكلة غياب الوعي ومشكل الخوف من البوح هي التي تعزز استمرار الجرائم الجنسية، واعتبر أن المطالبات بتغليظ العقوبات في هذا النوع من الجرائم لا يساهم في الحد منها، لأن التجارب أثبتت أن تغليظ العقوبة يجعل الجريمة مستمرة، والحل هنا كما نصح: "لا تخافي".

"حالتي ليست الأولى"

رشا ضمرة، ناشطة نسوية وأخصائية اجتماعية، أكدت في حديثها لرصيف22 ما أكده الآخرون، بأن الخوف من إفصاح الضحية يساهم في استمرار الجرائم الجنسية الإلكترونية، كما يساعد على تعرضها لمشاكل من الجاني قد تتجاوز حدود العالم الافتراضي.

وشددت ضمرة على أهمية معرفة الضحايا أن قضاياهن يتم التعامل معها من قبل وحدة الجرائم الإلكترونية بمنتهى السرية، وقالت: "قبل فترة بسيطة ساعدت فتاة تعرضت لتحرش جنسي إلكتروني، وتوجهت إلى وحدة الجرائم معها، وتم حل قضيتها ومعاقبة الجاني، وحتى اليوم أهلها لم يعرفوا ما حدث معها"، وأضافت: "سبب خوف الفتيات من الإفصاح هو أن مجتمعنا اعتاد على إدانة الضحية، خصوصاً من النساء".

كما ذكرت ضمرة أنها تعرّضت بشكل شخصي لذلك النوع من الجرائم، عندما انتحل حساب وهمي شخصية صديقة لها، وأرسل إليها طلب متابعة على الإنستغرام، وقالت: "برسالة واحدة أرسل لي مجموعة من صور تخصني، وقال لي بالحرف الواحد: إذا لم تستجيبي لطلبي سوف أنشر الصور على مواقع إباحية، وعندما سألته عن طلبه قال: بدي تريحيني، وإنت فاهمة شو بقصد بتريحني".

وأضافت: "من الواضح أنه كان يسعى لأن أمارس علاقة جنسية معه عبر الفيديو وخاصية البث المباشر، وقمت فوراً بحظره، وعندما أخبرت صديقتي أن هناك من ينتحل شخصيتها أبلغتني أن حالتي ليست الأولى، حيث تعرضت فتيات أخريات لتهديدات من قبله، وقامت بتقديم شكوى بحقه لوحدة الجرائم الإلكترونية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image