شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الحوار والحبّ والاحترام ما يجعل طفلك قادراً على مواجهة الحياة

الحوار والحبّ والاحترام ما يجعل طفلك قادراً على مواجهة الحياة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 5 فبراير 202104:38 م

في كتابها "كل شيء عن الحب"، تساءلت الكاتبة الأميركية، بيل هوكس، كيف أننا نستغرب إذا رأينا في الشارع رجل يقرص امرأة أو يضربها أو يهينها، لكننا في الوقت نفسه نستطيع تقبل هذا التصرف إذا حدث مع الأطفال؟

كما أشارت في الكتاب نفسه إلى دراسة قام بها كاتب أميركي آخر، أجراها بين المحكومين بالمؤبد في أحد السجون، استنتج من خلالها أن أغلب المحكومين يحملون ندوباً على وجوههم وأجسادهم، من أثر العنف الذي تعرضوا له في طفولتهم من عائلاتهم، وما أثار استغراب الكاتب وقتها، أن سجيناً واحداً لم يربط بين العنف الذي تعرض له في طفولته وبين الطريق الإجرامي الذي سلكه في شبابه. 

تقول الكاتبة إن غالبية الأهالي يقولون لأولادهم أنهم يضربونهم لأنهم يحبونهم، وأن الحب من الممكن أن يتعايش مع الإساءة والتعنيف، بل إن هذه الإساءة أحد أشكال الحب، لذلك عندما يكبر الأطفال الذين تعرضوا للتعنيف الجسدي أو اللفظي، يحاولون التعامل مع جروح الماضي بإقناع أنفسهم أن والديهم كانا فعلاً يحبانهم، ويبقون تواقين للوقوع في الحب، لكنهم لا يجرؤون على خوض المغامرة، خوفاً من الألم الذي قد يتلقونه من الحبيب، حيث إن أهاليهم كانوا يحبونهم ويعنفونهم. 

في تجربتي مع الأمومة، صرت أتعلم وأنمو مع ابني، وعانيت مثل الكثيرات والكثيرين من قلة المعلومات المتاحة باللغة العربية، حتى في قضايا بسيطة يواجهها جميع الأهل، وبعض المعلومات المتاحة قد تحمل وجهات نظر غير اختصاصية أحياناً، ومغلوطة في أحيان أخرى.

"كلنا نحب أولادنا"، نكرر هذه العبارة ببساطة دون معرفة وخبرة، لذلك يكبر أبناؤنا ويفشل الكثير منهم في بناء علاقات إنسانية سليمة، ويعانون من الاكتئاب والقلق ومن تدني تقدير الذات واحترامها. وعند بحثي عن السبب الذي جعل الكثير من أبناء جيلي يعانون من عدم الاستقرار النفسي، تدني الثقة بالنفس وعدم القدرة على اختيار ما يريدون وما يحبون وما هو مناسب لهم، وحتى تأخرهم كثيراً في مقابلة شريك عاطفي مناسب، كان أهم الأسباب هو الإساءات التي تعرضوا لها في طفولتهم. 

الأمر الذي نعرفه جميعنا، والذي لا بد من التذكير به دائماً، هو أن مجرد كلمة واحدة أو شتيمة نوجهها للطفل، قد تغير مسار حياته بالكامل وتكسر نفسه وكبرياءه خلال حياته كلها

قد نظن أننا إذا قرصنا الطفل أو ضربناه ضرباً خفيفاً، لن نترك أثراً في نفسه، وأننا إذا قمعناه وتجاهلنا رغباته فإنه صغير لا يدرك ماذا يجري حوله، وأنه عندما يكبر سوف يدرك أننا كنا نحبه، وأن كل ما فعلناه كان لمصلحته، لكننا في أعماقنا نعرف أننا لا نضرب طفلنا لنربيه، نحن نضربه لنتخلص من صراخه، أو لأننا لا نعرف كيف نتعامل معه وما هي الانفعالات والمراحل التي يمر بها.  

في بعض الأحيان تكون الحلول البديلة للضرب أو التعنيف اللفظي بسيطة جداً وبمتناول اليد، لكننا لا نعرفها. والأمر الذي نعرفه جميعنا، والذي لا بد من التذكير به دائماً، هو أن مجرد كلمة واحدة أو شتيمة نوجهها للطفل، قد تغير مسار حياته بالكامل وتكسر نفسه وكبرياءه خلال حياته كلها.  

في المرة الأولى التي صرخت فيها بوجه طفلي كان عمره عاماً ونصف، صرخت صوتاً عالياً جداً جعله يهتز خوفاً، وصار يبكي بشكل هستيري. كنت مرهقة جداً، لم ينم ليلتين متواصلتين، وفي النهار كنت أعمل، لذلك وصلت لمرحلة من التعب كاد جسدي ينهار فيها، وكنت بأمس الحاجة للنوم حتى أشحن جسمي بالطاقة لليوم المقبل. 

صرخت في وجهه: "خلااااااص بدي نام!". طبعاً لم أستطع النوم بعدها لإحساسي بالذنب، في الصباح ذهب إلى حضانته وأنا اتصلت بالمحلل النفسي، سألته: ماذا أفعل الآن؟ فقال: اعتذري منه، وأخبريه بجملة قصيرة جداً، لماذا صرخت في وجهه. قلت له عمره عام ونصف، فقال: ومع ذلك فقط استخدمي جملة قصيرة وانظري في عينيه خلال الكلام. 

عاد طفلي من حضانته ولم ينظر إليّ، نزلت على ركبتيّ وقلت له أنظر إلي، لم يحرك رأسه باتجاهي. فقلت له: "آسفة ماما... أنا كنت متعبة جداً". لم يفهم شيئاً بالتأكيد، لكنه أحس بما أقوله. وصله اعتذاري ورد اعتباره. فنظر في عيني أخيراً وبدت على وجهه معالم الارتياح، وعاد للحركة في المنزل بالثقة والاعتزاز السابق. كان لاعتذاري منه وإظهار أسفي أثراً سحرياً عليه وعلى ثقته بي. 

الاعتذار والاحترام للطفل وخصوصيته، أشياء لم تكن موجودة في الدائرة الاجتماعية التي كبرت فيها، لطالما سمعت أشياء من قبيل: "اتركيه يبكي في غرفته حتى يسكت، الضرب ضروري في بعض الأحيان، المهم لا تضربوا على الوجه، اضربوهم على مؤخراتهم". السخرية من الأطفال، خداعهم والكذب عليهم أشياء كانت أقل من عادية، لذلك أغلب أولئك الأطفال أصبحوا اليوم شباباً مكتئبين أو يعانون من القلق.

في وقت لاحق بدأ ابني يضربني، رغم أنني لم أضربه ولو مرة واحدة، كلما حاولت منعه من شيء أو آخذت آلة حادة من يده، كان يضربني، وأحياناً كان يؤلمني فعلاً، خاصة إذا كان يحمل في يده ألعاب بلاستيكية أو خشبية. عدة مرات كدت أبكي من شدة الألم، بحثت كثيراً باللغة العربية عن حل لهذه المشكلة، كان أغلب ما وجدته بالفعل سيئاً جداً مقارنة مع الحل البسيط جداً الذي وجدته باللغة الإنجليزية، ومع الأسف لم أعد أتذكر اسم الموقع. خلال شهرين متواصلين كان ابني يضربني وأنا فعلاً محتارة ماذا أفعل، في بعض المرات كنت أخبره أنه يؤلمني فيزيد الضرب، أحياناً أقول له: لن أتكلم معك بعد الآن، ولم أنجح... في النهاية قرأت الحل السحري: "في كل مرة يضربك ابنك، أو يحاول ضربك، أبعد يده برفق وأخبره بهدوء وجدّية أننا هنا في هذا البيت لا نضرب". كنت أكررها أمامه برفق، بحب واحترام... حاول بعدها ضربي عدة مرات وفي كل مرة أكرر العبارة السابقة نفسها وتوقف تماماً، ولم يكرر ضربي بعدها.

عاد طفلي من حضانته ولم ينظر إليّ، نزلت على ركبتيّ وقلت له أنظر إلي، لم يحرك رأسه باتجاهي. فقلت له: "آسفة ماما... أنا كنت متعبة جداً". لم يفهم شيئاً بالتأكيد، لكنه أحس بما أقوله. وصله اعتذاري ورد اعتباره

في مقال بعنوان "كيف تتصرف عندما يضربك طفلك؟"، في موقع "دويتشه فيله" باللغة العربية، حذرت الاختصاصية إيفا بوش، الأم أو الأب من إظهار الألم (إذا أمكن ذلك)، وتضيف: "إذا شعر الطفل أنك تتألم منه فسيفقد الثقة في قوتك، لاسيما وأن الطفل يحتاج لأن يشعر بالحماية". وعن باقي التصرفات التي يقوم بها الأهل، من ربط حبهم للطفل وتواصلهم معه بحسن سلوكه، فاعتبره الاختصاصيون أمراً سلبياً جداً وله تبعات سيئة على الطفل، وهذا الأمر بات الجميع يعرفه الآن، بالإضافة إلى ضرورة تجنب العقاب الذي يتضمن الضرب أو كرسي العقاب أو القَرص أو أي إهانة لفظية... الحوار والحب والاحترام فقط ما يجعل الطفل مرتاحاً، وليس بحاجة للفت نظر أهله عبر إساءة التصرف أو الضرب. 

كما أن عدم أخذ الأطفال وانفعالاتهم على محمل الجد، وعدم التواصل البصري واللغوي معهم، قد يدمر شخصياتهم ويجعلهم هشين وغير قادرين على مواجهة الحياة في المستقبل. من يريد أن يربي طفلاً متوازناً ومستقراً وقادراً على مواجهة الحياة وملّماتها عليه أن يكون رحيماً بأطفاله ويحترمهم كما يحترم الكبار، ومن يعرف كيف يحب، يدرك جيداً أن للحب ثماراً يتلذذ بطعمها الجميع، وأولهم مانح الحب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image