اتخذت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، خلال الأسبوعين الماضيين، مجموعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية بهدف مواجهة فيروس كورونا المستجد، ومنع انتشاره في مناطقها، كان آخرها قرار حظر التجوال الذي دخل حيز التنفيذ صباح الاثنين الماضي، وذلك على الرغم من تأكيدات هيئة الصحة المتكررة بعدم تسجيل أي إصابة بالفيروس في مناطق شرق الفرات حتى الآن.
قرار الحظر، وما سبقه من قرارات تقضي بإغلاق المعابر ومنع التجمعات على اختلاف أنواعها، فضلاً عن تعليق العمل في المؤسسات التعليمية، دفع بكثير من سكان المنطقة إلى التساؤل عن مدى مصداقية الإدارة في التصريح عن وجود إصابات بالفيروس وسط كل تلك الإجراءات المشددة، والأهم من ذلك، يشكك البعض في قدرة الإدارة الذاتية على التعامل مع الوباء، الذي أودى بحياة ما يقارب ستة عشر ألف شخص حول العالم، منذ ظهوره في الصين منتصف كانون الأول الماضي، وأصاب ما يزيد عن ثلاثمئة وثلاثين ألف شخص في أكثر من مئة وخمسين دولة، مهدداً بانهيار الأنظمة الصحية والاقتصادية، وحتى السياسية، في كثير منها، نظراً لعدم النجاح في استيعابه، أو إيجاد اللقاح المناسب له.
الذعر من انتشار فيروس كورونا المستجد في المدن والبلدات قد يتحول إلى خطر حقيقي.
يتساءل أبو محمد، من سكان مدينة الرقة، عن جدوى إلغاء التجمعات، في الوقت الذي يقف فيه العشرات في طوابير طويلة، للحصول على الخبز، اسطوانات الغاز، المحروقات وغيرها من المواد الأساسية.
في الواقع، لا يمكن أن تتجاهل هذه الإجراءات الأوضاع المعيشية الصعبة التي تمر بها المنطقة، نتيجة للانخفاض غير المسبوق في قيمة الليرة السورية مؤخراً، لا سيما وأن القسم الأكبر من سكان المنطقة يعتمدون على الأعمال ذات الدخل اليومي، أو ينتظرون موسم حصاد الحبوب صيفاً، علماً أن القرار الأخير حدد مدة الحظر بخمسة عشر يوماً قابلة للتجديد بحسب الضرورة والمصلحة العامة، وهو ما يدعو لطرح سؤال آخر عن الآلية التي ستعتمدها الإدارة الذاتية في تأمين احتياجات السكان، خاصة وأن المنظمات الإغاثية والطبية أثبتت فشلها في تحسين ظروف مئات آلاف السكان، ممن عانوا من تبعات معارك طرد تنظيم داعش من المنطقة والعدوان التركي الأخير على شمالي سوريا، وما نجم عنه من موجات نزوح لعشرات الآلاف.
من الناحية الطبية، يتواجد في مدن محافظة الحسكة عدد لا بأس به من المستشفيات، التي لم تتعرض للتدمير بسبب بُعدها عن الحروب التي شهدتها مناطق شرق الفرات عموماً، لكنها تواجه صعوبة في تأمين المستلزمات الطبية بعد إغلاق الحدود التركية، ونتيجة لارتفاع تكاليف الاستيراد من إقليم كردستان العراق ومناطق سيطرة النظام السوري.
طبياً، يتواجد في مدن محافظة الحسكة عدد من المستشفيات، التي لم تتعرض للتدمير بسبب بُعدها عن الحروب التي شهدتها مناطق شرق الفرات، لكنها تواجه صعوبة في تأمين المستلزمات الطبية بعد إغلاق الحدود التركية، ونتيجة لارتفاع تكاليف الاستيراد من إقليم كردستان العراق ومناطق سيطرة النظام السوري
أما في الرقة وريفها، فتم، خلال السنتين الماضيتين، إعادة تأهيل وافتتاح عدد من المشافي العامة، كمشفى الرقة الوطني ومشفى الطبقة الوطني، بالإضافة إلى ثمانية مشافٍ خاصة موزعة بين المدينتين، وعدد آخر من المراكز الطبية التابعة للجان الصحة في الإدارات المدنية أو بعض المنظمات، كالهلال الأحمر، لكنها أيضاً تعاني من عدم توفر المعدات الطبية، ومن نقص كبير في الكوادر الطبية المؤهلة، خاصة الأطباء المختصين، إذ يعمل فيها عدد كبير ممن خضعوا لدورات تدريبية قصيرة، تعلموا خلالها بعض الأساسيات في التمريض.
الحال في ريف دير الزور، التي كانت آخر معاقل تنظيم داعش في سوريا، تبدو أسوأ بكثير، إذ يثير عبد القادر، من سكان بلدة الصور، العديد من التساؤلات حول جاهزية المراكز الطبية للتعامل مع وباء كهذا، بعدما عجزت أنظمة الرعاية الصحية في الدول المتقدمة عن ذلك.
يقول عبد القادر، إن المراكز الطبية ليست قادرة على توفير العلاج اللازم للمصابين ببعض الأمراض المزمنة، وتفتقر للمعدات والكوادر الطبية، فكيف لها أن تستوعب مئات المصابين إذا انتشر الفيروس بالفعل، لافتاً إلى أن مشكلة انتشار بعض الأمراض المعدية، كالليشمانيا، لم تحل بعد.
في الوقت الراهن، لا تتوافر في ريف دير الزور الشرقي سوى بعض المراكز الصحية التي تقدم خدمات طبية بسيطة، كالإسعافات الأولية وغيرها، ما يضطر المرضى المحتاجين لإجراء عمليات جراحية للتوجه إلى مشافي الحسكة، متحملين عناء السفر وتكاليفه.
مخاوف سكان شرق الفرات تبدو مشروعة وسط حالة الهلع التي انتشرت عبر العالم، لا سيما أن مدينة دير الزور وبلدات ريفها الغربي تعج بالميليشيات الإيرانية، وأن النظام السوري لم يعترف حتى الأحد الفائت سوى بوجود إصابة واحدة لشخص وافد من الخارج، على الرغم من انتشار الفيروس في كل الدول المجاورة.
يتحدث الأهالي هناك عن انتقال بعض العائلات باتجاه مناطق الإدارة الذاتية، بعد تردد أنباء عن وجود ثلاث إصابات بفيروس كورونا في حي الجورة في مدينة دير الزور، حيث تنتشر القوات الإيرانية، بالإضافة إلى حي القصور في المدينة أيضاً.
تواجد القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها لا يقتصر على المدينة فقط، بل أيضاً في مدن وبلدات البوكمال، السويعية، السكرية، الصالحية، العباس، الجلاء، الميادين وبقرص في الخط الشرقي، ومعدان وعياش في الخط الغربي، حيث تنتشر عناصر من الحرس الثوري الإيراني، فيلق القدس، لواء فاطميون، حزب الله، حركة النجباء والحشد الشعبي، دون إغفال إقامة عائلاتهم في كثير من الأحيان، ممن جاؤوا من إيران وأفغانستان والعراق وغيرها.
أنشأت تلك القوات في كل منطقة تتواجد فيها مشفى عسكرياً خاصاً بها، هي في الغالب أقرب ما تكون إلى مشافٍ ميدانية في مبانٍ سكنية منتشرة بين المنازل المدنية، بينما يتم نقل الحالات الحرجة إلى العراق، أو إلى مشفى الأسد في حي القصور، حيث تم بالفعل تخصيص قسم للحجر الصحي بعد انتشار فيروس كورونا.
لا شك أنه لا يمكن تحميل الإدارة الذاتية، ذات التجربة الصغيرة في الإدارة، مسؤوليات أكبر من الإمكانيات المتوافرة لديها، لكن، لا بد من مطالبتها، على أقل تقدير، بمزيد من الشفافية في الإعلان عن وجود إصابات محتملة، وأخذ هذا الوباء العالمي على محمل الجد
الذعر من انتشار فيروس كورونا المستجد في المدن والبلدات قد يتحول إلى خطر حقيقي، إذا ما تحدثنا عن عشرات المخيمات النظامية والعشوائية التي تكتظ بعشرات الآلاف من النازحين، بالإضافة إلى الآلاف من أفراد عائلات مقاتلي داعش. هؤلاء يفتقرون في الأحوال العادية للرعاية الصحية الملائمة، حيث تنتشر الأمراض نتيجة غياب المتطلبات الخدمية والمعيشية الأساسية.
لا شك أنه لا يمكن تحميل الإدارة الذاتية، ذات التجربة الصغيرة في الإدارة، مسؤوليات أكبر من الإمكانيات المتوافرة لديها، لكن، لا بد من مطالبتها، على أقل تقدير، بمزيد من الشفافية في الإعلان عن وجود إصابات محتملة، وأخذ هذا الوباء العالمي على محمل الجد، لا عن طريق إطلاق تصريحات غير مسؤولة، وعدم محاسبة المسؤولين عنها، كتلك التي أثارت خلال الأيام القليلة الماضية موجة من السخط والاستهزاء على مواقع التواصل الاجتماعي، حينما أعلن الرئيس المشترك لهيئة الصحة، جوان مصطفى، خلال مؤتمر صحافي، عن التوصل لاختبار للكشف عن الإصابة بفيروس كورونا خلال ثلاثين ثانية، وذلك بالتعاون مع معهد سويدي، مؤكداً على نجاح الاختبار بنسبة تفوق الثمانين بالمئة، ليتبين فيما بعد أنه اختبار قديم، يتم استخدامه للكشف عن إصابة الجسم بأي التهابات مهما كان سببها.
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا توضيح القرارات التي يتم اتخاذها في إطار مكافحة فيروس كورونا، والتفكير في بدائل حقيقية وحلول ملموسة لتبعات تلك القرارات، بغية التخفيف عن الأهالي، الذين واجهوا، ولا زالوا يواجهون، ما يكفي من الصعوبات بسبب حروب السنوات الأخيرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...