لنهب الحقوق لا تعدم إسرائيل "الحجّة"، كما لا تخجل من التذرع بما هو هزلي وغير منطقي. أحد أحدث الأدلة على ذلك هو رفض منح الجنسية لأحد سكان القدس الشرقية المحتلة لأن منزله "مرتب بشكل غير معقول".
بسبب فُرَش الأسنان "الجديدة جداً" و"كثرة منتجات التنظيف"، رُفض طلب وسيم مسيس الجنسية الإسرائيلية ثلاث مرات خلال ثلاث سنوات. حالة وسيم مجرد نبذة عن العقبات البيروقراطية التي يواجهها فلسطينيو القدس حين يتقدمون للحصول على الجنسية الإسرائيلية.
تقدم مسيس (54 عاماً) لطلب الجنسية الإسرائيلية للمرة الأولى عام 2018، إذ كان يمتلك "إقامة مؤقتة" في المدينة المحتلة التي ولد وعاش جل حياته فيها. رغم أن القانون الإسرائيلي يخوله طلب الجنسية، فإن هذه العملية شاقة وطويلة الأمد ومحكوم عليها في كثير من الأحيان بالفشل نظراً للتعنت الإسرائيلي.
تضمن طلب الجنسية لمسيس ابنته نيلي البالغة من العمر أربع سنوات، لكن لم يشمل زوجته جورجيت التي تقيم معه في حي بيت حنينا بالقدس المحتلة، لأنها تنحدر من الأراضي الفلسطينية المحتلة، لذا لا يحق لها طلب الجنسية الإسرائيلية.
لأن سكنه ضيّق ولا يصلح "إقامة طويلة الأجل"… إسرائيل ترفض طلب أحد مواطني القدس الشرقية المحتلة للحصول على جنسيتها ثلاث مرات خلال ثلاث سنوات
تسهيل إجرائي وتعنت بيروقراطي واقعي
تشهد الآونة الأخيرة زيادة في أعداد الفلسطينيين في القدس الذين يرغبون في الحصول على جنسية دولة الاحتلال بسبب حالة الإحباط التي يعيشها هؤلاء، علاوةً على الشعور بعدم الأمان المرتبط بإقدام الاحتلال على سحب الإقامة من مقدسيين وطردهم، ناهيك بالتمييز الذي يتعرض له الفلسطينيون في الحقوق والخدمات.
ويتجلّى الأبارتهايد الإسرائيلي في حرص تل أبيب على احتلال الأرض من دون الالتزام بأية حقوق يفرضها القانون الدولي والإنساني عليها تجاه السكان، بما في ذلك الجنسية والامتيازات المترتبة عليها.
على الرغم من تسهيلها أخيراً خطوات عملية طلب الجنسية، واختصار بعض مراحلها التي كانت تستغرق أعواماً، يظل المسؤولون الإسرائيليون يفتشون عن أي ثغرة لعرقلة إتمام العملية لمصلحة الفلسطينيين.
في المتوسط، تمت الموافقة على 250 طلباً فقط سنوياً. في العام الماضي تحديداً، حصل 1826 فلسطينياً - بمن فيهم القُصّر المشمولون بطلبات ذويهم - على الجنسية الإسرائيلية، مقابل 1150 تم رفضها.
زادت أعداد فلسطينيي القدس الراغبين في الحصول على الجنسية الإسرائيلية أخيراً بسبب الشعور بعدم الأمان الناتج عن سحب سلطات الاحتلال الإقامة من مقدسيين وطردهم، ناهيك بالتمييز الذي يتعرض له الفلسطينيون في الحقوق والخدمات
من أسباب الرفض المعتادة: المعرفة غير الكافية باللغة العبرية، والمخالفات الجنائية الصغيرة قبل سنوات عديدة، والشكوك الواهية في الصلة بمشتبهٍ في ارتكابهم مخالفات أمنية. لكن السبب الأكثر شيوعاً يتعلق بـ"مركز الحياة"؛ يجب على مقدم الطلب إثبات أن مركز حياته في إسرائيل، وأنه لا ينوي العيش في أي مكان آخر، بما في ذلك الأحياء القريبة من القدس الشرقية والتابعة رسمياً للضفة الغربية.
تبعاً لهذا الشرط، يجب على الفلسطينيين الذين ولدوا في القدس وعاشوا حياتهم فيها تقديم مستندات كافية لإثبات ذلك، على غرار إيصالات الضرائب وفواتير الخدمات ووثيقة العضوية في إحدى منظمات الإدارة الصحية وأوراق المدرسة وقسائم الرواتب وعقود الإيجار.
نظرية المؤامرة حاضرة
في حالة مسيس، كان طلب المواطن الفلسطيني مثالياً لدرجة اعتبره الإسرائيليون معها "غير معقول"، وهذا ما دفعهم لاتخاذ قرار بالرفض استناداً إلى ظنهم بوجود "خطة معدة مسبقاً" لإقناعهم.
قبل عام، رفضت سلطة السكان الإسرائيلية طلب مسيس، بحجة أنه يمتلك منزلاً في حي الرام (جنوب بيت حنينا)، خارج حدود بلدية القدس. أوضح مسيس أن المنزل يعود لجده الراحل ويبقى خاوياً إثر خلاف على الميراث. لكن المسؤولين الإسرائيليين اعتبروا أنه "ليس من المنطقي أن تختار عائلة تملك عقاراً كبيراً في (حي) الرام العيش في شقة صغيرة في القدس الشرقية".
استأنف الرجل ضد القرار، فذهب مفتشان وضابط شرطة لتقصي الحقيقة في زيارة مفاجئة إلى منزله في بيت حنينا، في آب/ أغسطس الماضي. فحص المفتشان الطعام في الثلاجة، والملابس في الخزائن، وطريقة حفظ أفرش الأسرة، واستفسروا عن ترتيبات النوم في المنزل وعن حالة فرش الأسنان في الحمام.
لا تعدم إسرائيل "الحجّة" لنهب الحقوق والتمييز ضد المواطنين الفلسطينيين الذين احتلت أملاكهم، وإن كان ذلك برفض منحهم الجنسية والامتيازات المترتبة عليها بداوعٍ بيروقراطية هزلية. إليكم بعض منها
بعد كل هذا، رُفض الطلب. استأنف مسيس ثانيةً، فزاره مفتشون آخرون عقب ثلاثة أشهر من دون سابق إنذار أيضاً. كما أسلافهم، بنى المفتشون تقييمهم على اعتقادهم بأن الأسرة تقيم في الشقة "الضيقة" بشكل مؤقت للحصول على الجنسية.
جادلت وزارة الداخلية الإسرائيلية في رفضها للطلب بأن الملابس والأشياء والأثاث في المنزل كانت مجرد دعائم لإقناع المفتشين بأن الأسرة تعيش هناك.
في غضون ذلك، تحدث المفتشون في تقريرهم عن أمور هزلية من قبيل "كمية زائدة من منتجات التنظيف والغسيل"، وأن "القمصان في الخزانة كانت لا تزال في نفس العبوات كما كانت خلال الزيارة السابقة".
وأشاروا إلى أن المنزل كان مرتباً بشكل غير منطقي: "يبدو أن الملكية ضيقة. تم تقديم توضيحات حول سبب تقسيمها بهذه الطريقة، لكنها لا معنى لها ولا يبدو من المعقول أنه في هذه الظروف يمكن أن تكون بمثابة إقامة طويلة الأجل".
بل اعتبروا وجود أسماء على فرش الأسنان دليلاً على "مدى الحرص المبالغ فيه للأسرة على إظهار دليل على أنهم يعيشون هناك" تماماً كما وجود الواجب المنزلي للابنة. وأبلغت سلطة السكان مسيس بأنها تحدثت مع "قريب" له، لم تحدد هويته، زاعمةً أن هذا الشخص قدم شهادة مفادها أن الأسرة لا تعيش في القدس.
في تصريح لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، استنكر مسيس: "لقد ظهروا فجأة، ودخلوا، والتقطوا الصور، وفحصوا الثلاجة، والتقطوا صوراً لفرش الأسنان. سألوني عن الشقة في الرام. أخبرتهم: يمكنكم القدوم الآن لتروا أنها فارغة. قالوا إن ليس هناك حاجة"، مستطرداً "ولدت في إسرائيل، وأعيش في إسرائيل، وأدفع جميع الضرائب في إسرائيل، لماذا لا يمكنني الحصول على الجنسية؟".
بدورها، عبّرت المحامية الإسرائيلية عادي لوستيغمان، التي تمثل العديد من فلسطينيي القدس الساعين للحصول على الجنسية، عن استيائها من سلوك الداخلية الإسرائيلية واصفةً ما قامت به بأنه "جنون".
وأضافت: "الزيارة لم يتم تنسيقها مسبقاً. تزعم الحكومة أن الملتمسين قاموا بتأثيث المنزل، وعلقوا الغسيل على الحبل بالخارج، وعلقوا صور ذويهم المتوفين، وملأوا الثلاجة والفريزر، وملأوا الخزائن بالملابس، وزودوا الحمام بفرش الأسنان وشفرات الحلاقة - كل ذلك كـ‘إعداد مسبق‘".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...