يبدو أن دولة الاحتلال بصدد فرض سياسة جديدة تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون على أراض تحت سيطرتها، تتمثل في ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية من دون أي التزامات أو حقوق أو تجنيس لسكانها.
ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، في 3 حزيران/ يونيو، عن مصادر أمريكية وإسرائيلية، أن الدولة العبرية لن تطبق سيادتها على البلدات الفلسطينية في المناطق التي تخطط لضمها في الضفة الغربية، وهذا ما يعني أن الفلسطينيين - بمن فيهم سكان غور الأردن- لن يحصلوا على الجنسية الإسرائيلية.
وقال مصدر في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "لا أتوقع أن يصبح الفلسطينيون إسرائيليين بناءً على المبادئ المنصوص عليها في الخطة"، في إشارة إلى خطة السلام الأمريكية المقترحة لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط.
"جيب فلسطيني"
بحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن الخطة المعروفة بـ"صفقة القرن" التي أصدرتها إدارة ترامب أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، ستسمح لدولة الاحتلال بتطبيق القانون المدني، خلافاً للقانون العسكري، على مساحة 30٪ من الضفة الغربية تشكل الأراضي المبني عليها جميع المستوطنات والأراضي المحيطة بها ووادي الأردن كله.
وتعكف حالياً لجنة رسم الخرائط الأمريكية الإسرائيلية على تحديد المعايير الدقيقة لتلك المنطقة. ولا تنص خطة ترامب على أن تكون تلك الحدود النهائية لإسرائيل، بل تشترط توافق الفلسطينيين والإسرائيليين على التفاصيل النهائية.
ويرفض الفلسطينيون خطة ترامب أو التفاوض بشأنها ويعتبرونها "منحازة وغير عادلة". برغم ذلك، حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأول من تموز/ يوليو المقبل موعداً لبدء التحرك نحو فرض السيادة على المناطق الفلسطينية.
بذلك، قد يجد بعض الفلسطينيين أنفسهم في وسط إسرائيل ذات السيادة - على عكس الأراضي المتنازع عليها والتي يحكمها القانون العسكري- هذا الصيف.
يتسق ما ذكرته المصادر الإسرائيلية الأمريكية مع ما صرح به نتنياهو، الأسبوع الماضي، في مقابلة مع صحيفة "إسرائيل هيوم". ورداً على سؤال هل يصبح الفلسطينيون في غور الأردن مواطنين إسرائيليين، أجاب نتنياهو: "سيبقون جيباً فلسطينياً، أنت لا تضم أريحا. هناك كتلة أو كتلتان. لست بحاجة إلى تطبيق السيادة عليهم، سيبقون رعايا فلسطينيين إن صح التعبير. لكن السيطرة الأمنية (الإسرائيلية) أيضاً تنطبق على هذه الأماكن".
"ستبقى مناطقهم جيباً فلسطينياً وسيكونون رعايا فلسطينيين"... الاحتلال ينتهج سياسة تمييزية جديدة ضد الفلسطينيين ويضم أراضيهم بلا حقوق أو جنسية
"جبن سويسري"
من المبادئ التي صاغتها خطة ترامب أنه لن يضطر أحد إلى مغادرة منزله. تبعاً لذلك، قد نرى خريطة شبهها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ساخراً بأنها "مثل الجبن السويسري"، أي مفرغ وغير متناسق.
وتتضمن "صفقة القرن" أن يعيش 97% من الفلسطينيين في الضفة الغربية في أراض فلسطينية، والـ3٪ في "جيوب داخل الأراضي الإسرائيلية المجاورة"، وهي مخصصة لتكون جزءاً من دولة فلسطينية. وعندما تنشأ هذه الدولة يصبح هؤلاء السكان مواطنين فلسطينيين.
تحدد الخطة أيضاً أن يكون لمدن هؤلاء الفلسطينيين العالقين داخل نطاق السيادة الإسرائيلية، والذين تختلف الإحصاءات بشأن عددهم الذي يراوح بين 50 و 65 ألفاً، طرق وصول تربطهم بالدولة الفلسطينية.
غير أن هناك شكوكاً في صدقية الخطة المتصلة بتأسيس دولة فلسطينية يحمل هؤلاء المواطنين جنسيتها، إذ تمنح الخطة الأمريكية القيادة الفلسطينية أربع سنوات لاستيفاء المعايير "القاسية"، كما وصفها نتنياهو، والمتعلقة بإنشاء دولة. يشمل ذلك وقف التحريض والعنف ضد إسرائيل وتوفير حقوق مدنية متساوية لشعبها.
حتى إذا أُسست دولة فلسطينية، تُبقي الخطة الأمريكية السيطرة لإسرائيل على الأمن في الضفة الغربية كلها، في حين من المقرر أن تبقى الجيوب الفلسطينية خاضعة لسلطة السلطة الفلسطينية في الشؤون المدنية.
"أبارتهايد"
في سياق متصل، تقول لرصيف22 د. هنيدة غانم، مديرة مركز مدار الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية: "فعلياً، عندما تريد أن تضم الأرض وتخرج السكان من المواطنة، فأنت تؤسس لأبارتهايد بالضرورة. تحاول إسرائيل ضم أكبر مساحة من الأرض بدون أن تتحمل عبء مسؤولية سكانها، كي تكون الدولة الفلسطينية التي يزعمون أنها ستقوم وفق ‘صفقة القرن‘ هي المسؤولة عنهم".
وتعتقد غانم أن وضع هؤلاء السكان سيزداد سوءً عن وضعهم الحالي. وتضيف: "لن يتمكنوا من الخروج من قراهم بحرية. ستكون حركتهم دائماً خاضعة للسيطرة والأهواء الإسرائيلية وخدماتهم مقلّصة جداً وكل حقوقهم تقريباً منقوصة، ستتحول قراهم إلى جزر ضمن السيطرة الإسرائيلية. تخيل وضع مواطنين دولة أخرى يعيشون في دولة أخرى؟ سيكون الفلسطيني في هذه القرى كالريشة في مهب الريح".
وتتوقع أن يظل هؤلاء الفلسطينيون يتمتعون بالوضع الحالي من حيث التبعية إلى إسرائيل في الخدمات كالماء والحصول على تصاريح لترسيخ هذا الوضع مقابل تحويل مكانة المستوطنات لتكون تحت الإدارة المباشرة للمؤسسات الإسرائيلية.
وتلفت إلى أن أموراً عدة تتعلق بالخطة الإسرائيلية الأمريكية للضم تبقى غير واضحة، إذ لم يحددوا القرى التي ستُضم أو كيف ستُعزل عن المناطق الإسرائيلية ويجري التحكم في حركة سكانها عبر بوابات أو أسوار أو غير ذلك.
ولم تستبعد غانم أن يسعى الاحتلال إلى خلق "بيئة طاردة" في هذه المناطق الفلسطينية المعزولة أو أن يكون هدف الإسرائيليين إبعاد السكان تماماً. وتضيف: "نتيجة التضييق الذي سيعيشه الناس، أتوقع أن يخرجوا ويتركوا هذه المعازل… إذا أرادت امرأة حامل أن تلد في وقت متأخر وقال الإسرائيليون إن هنالك حالة طوارئ فماذا ستفعل؟".
وتقول إن هذه السياسة تدفع باتجاه "تطهير إثني للمنطقة المراد ضمها من خلال السيطرة على الأرض واستثناء السكان وإبعادهم تدريجياً لترسيخ الطابع اليهودي عليها".
د.هنيدة غانم، مديرة مركز مدار الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، لرصيف22: "تطبيق الضم في خطة ترامب سيحدث أبارتهايد على الأرض حتماً. لا أستبعد أن يؤدي ذلك إلى إنشاء بيئة طاردة للسكان الفلسطينيين بغية السيطرة على الأرض كلها وتحويلها إلى ‘منطقة إسرائيلية يهودية نقية‘"
وتذكّر في هذا الإطار بنقاش بين ليفي أشكول وجولدا مائير خلال جلسة حكومية عقب احتلال الضفة الغربية، قال فيها الأول: "المهر (أي مكسب الأرض) جميل بس العروس (السكان الفلسطينيين) بشعة"، مشددةً "بدهم دايماً أخذ المهر بلا عروس".
وتنبه غانم إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تضم فيها دولة الاحتلال أراضٍ فلسطينية وتفرض السيادة عليها بدون سكانها، مستعرضةً واقعة ضم أراضي 28 قرية إلى منطقة الحدود البلدية للقدس دون ضم السكان واعتبارهم سكاناً بالضفة الغربية في عام 1967، بعد "تحوير" القانون.
لكنها تستدرك: "ستكون هذه أول مرة فعلياً بعد اتفاقيات أوسلو تعمق فكرة الذهاب نحو فرض حل يتماشى تماماً مع الرؤية اليمينية الاستيطانية بقصقصة الأرض وضمها بدون السكان… قد تكون الأغوار هي البداية لكن متوقع جداً أن يتوسع ذلك لاحقاً لضم مناطق واسعة من أراضي الضفة الغربية بحسب الصفقة الأمريكية".
ترقب فلسطيني
وتشير غانم إلى أن المشهد الفلسطيني، سلطةً ومؤسسات وشعباً، "في حالة ترقب شديد وقلق"، وتضيف: "لكن لا يعول على شيء أكثر من التعويل على الشعب الفلسطيني الذي لا بد من أن يبادر بالمقاومة السلمية والتحرك دولياً في ظل عدم وجود أي حلول سحرية"، مشيرةً إلى وجود تحرك قانوني في المحكمة الجنائية الدولية ضد ضم المستوطنات المقامة على أراض فلسطينية باعتبارها جريمة حرب.
وتختم: "رغم كل ما يحدث على الأرض من محاولات لفرض أمر واقع، فإن إسرائيل لم تنجح منذ عام 1948 في حسم الصراع. كل مرة تظن أنها تنهي أو تغلق الصراع ينفتح الصراع على مصراعيه مجدداً. تطبيق خطة ترامب يخلق حالة أبارتهايد على الأرض تؤدي فعلياً إلى إلغاء الحل على أساس إقامة الدولتين لكنها تفتح مساحة لحلول جديدة تحرر الفلسطينيين من سطوة فكرة الدولة وتعيدهم إلى التركيز على الوطن وحقوقهم المرتبطة بكونهم سكان البلاد الأصليين وبفكرة تحقيق العدالة والحقوق الوطنية من حيث حق العودة وإنهاء الاحتلال وغيرها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...