على الرغم من العلاقة المتأججة بينهما، يبدو أن تولي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن يُبشّر بنهج مختلف للعلاقات بين السعودية وإيران، القطبين القويين المتصارعين في العالم الإسلامي، وفق ما أكّده مقربان من القيادة الدبلوماسية في البلدين.
في مقال رأي مشترك بصحيفة "الغارديان" البريطانية، حذّر عبد العزيز صقر، مؤسس ورئيس "مركز الخليج للأبحاث"، وحسين موسويان، دبلوماسي إيراني بارز سابق، من أن "سوء تقدير واحداً قد يجعل الحرب الباردة التي طال أمدها بين بلدينا ساخنة، ما قد يؤدي بدوره إلى عواقب وخيمة على المنطقة بأكملها".
في أيار/ مايو عام 2019، دعا صقر وموسويان إلى الحوار بين قادة البلدين، محذريْن من أن عدم الإسراع بذلك قد يؤدي إلى "زيادة التوترات التي قد تتحول إلى مواجهة كارثية" في النهاية. منذ ذلك الحين، وقعت سلسلة هجمات ضد ناقلات نفط سعودية وإيرانية أُثيرت الشبهات حول مسؤولية البلد الآخر عنها.
"الصراع ليس حتمياً أو مستداماً"
السبب الرئيسي للصراع بين البلدين، بحسب صقر وموسويان، هو اعتقاد كل بلد أن الآخر يسعى إلى فرض هيمنته على المنطقة؛ تتهم الرياض طهران بمحاولة بسط سيطرتها عبر وكلائها في دول مثل اليمن ولبنان والعراق وسوريا، بالإضافة إلى محاولة نشر فقهها الإسلامي، وتبادلها طهران نفس الاتهام.
"هذا العداء ليس حتمياً ولا محكوماً عليه أن يكون مستداماً"... مقربان من القيادة الدبلوماسية في إيران والسعودية يؤكدان وجود "فُرصة" تستحق البناء عليها لإنهاء الصراع بين بلديهما في ظل إدارة بايدن. 12 مبدأً مقترحاً لذلك
رغم إقرارهما بأن العلاقات بين المملكة وإيران تأرجحت خلال العقود الأربعة الماضية بين المواجهة والتنافس، يشيران في الوقت نفسه إلى "أوجه تعاون أيضاً"، مضيفيْن "نتشارك الشعور بأنه بينما تقف حكومتانا على خلاف بشأن مجموعة من القضايا الإقليمية، لا يوجد شيء حتمي بشأن هذا العداء - وغير محكوم عليه بأن يكون مستداماً".
يقترح الثنائي أن الخطوة الأولى لإنهاء هذا العداء قد تتمثل في "تسوية مؤقتة مقبولة" تقوم على استيعاب كل جانب تصورات التهديد التي يتخوف منها الطرف الآخر - سواء كانت حقيقية أو متخيلة - واعتناق مجموعة من المبادئ الأساسية التي يمكن البناء عليها.
ويحددان 12 مبدأً "لكسر هذه الحلقة المفرغة وتجاوز لعبة إلقاء اللوم" خلال "المناقشات المباشرة"، وهي: "إدارة العلاقات على أساس الاحترام المتبادل، والحفاظ على السيادة وسلامة الأراضي والاستقلال السياسي وحرمة الحدود الدولية لجميع دول المنطقة واحترامها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ورفض التهديد باستخدام القوة والالتزام بالتسوية السلمية لجميع الخلافات، ورفض سياسة دعم الانقسام الطائفي وتوظيف الطائفية لأهداف سياسية ودعم وتسليح المليشيات في دول المنطقة، واحترام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية ولا سيما حرمة المرافق الدبلوماسية".
بالإضافة إلى "تعزيز التضامن الإسلامي وتجنب الصراع والعنف والتطرف والتوتر الطائفي، والتعاون الكامل في إجراءات مكافحة الإرهاب، ومعاملة الأقلية الدينية في بلد الطرف الآخر كمواطنين في ذلك البلد وعدم وصمهم بالولاءات غير الوطنية، ورفض سعي أي دولة في المنطقة للهيمنة، وضمان حرية الملاحة والتدفق الحر للنفط والموارد الأخرى إلى المنطقة، ومنها مع حماية البنية التحتية الحيوية، وأخيراً حظر تطوير أو شراء جميع أشكال أسلحة الدمار الشامل".
ويعتبران أن هذه المبادئ التوجيهية ضرورة لـ"بناء الثقة بعد عقود من العداء وانعدام الثقة". وتابعا: "قد يبدو هذا مهمة مستحيلة لحكومتين يبدو أنهما عالقتان في دائرة تصعيدية. لكن، من المهم أن ندرك أن البلدين نجحا في الحفاظ على قنوات هادئة للتعاون والحوار طوال الوقت. وحتى وسط تصاعد التوترات، دخلت إيران والسعودية في حوار مثمر حول تسهيل مشاركة الإيرانيين المسلمين في مناسك الحج".
ويختمان بالتأكيد أن هذه الأمثلة الإيجابية على التعاون المبدئي يمكن الاستناد إليها لإنهاء "صراع محصلته صفر" قد "يشعل المنطقة المضطربة بأكملها"، مضيفين أن رئاسة بايدن توفر "فرصة لبداية جديدة". وبينما شددا على أن "الوقت هو الجوهر" لاغتنام تلك الفرصة، حذرا من أن تأجيل الإسراع بذلك قبل أن تتلاشى الفرصة "سيكون خطأً فادحاً".
برغم توتر العلاقات وتبادل الاتهامات، حافظت الرياض وطهران على "قنوات هادئة للتعاون والحوار طوال الوقت" لكن "سوء تقدير واحداً قد يجعل الحرب الباردة التي طال أمدها بين بلدينا ساخنة، ما قد يؤدي بدوره إلى عواقب وخيمة على المنطقة بأكملها"
مناقشات نادرة
تعد مقترحات صقر وموسويان ثمرة المسار 2، أو مبادرة القناة الخلفية التي كانت جارية على انفراد منذ شهور، فيما مناقشاتهما أحد الأشكال القليلة للحوار الخاص الجاري بين البلدين، وفق الغارديان التي رأت في التوافق بين المسؤولين السعودي والإيراني - نظراً لمكانة كل منهما في بلده - أنه يمكن القول بوجود "استعداد جديد من كلا الجانبين لانتهاز رئاسة بايدن لاستكشاف نهاية سنوات العداء الطويل بين البلدين".
تبيّن ذلك التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف. في مقابلة مع صحيفة اعتماد الإيرانية الإصلاحية الأسبوع الماضي، ألمح فيها إلى "نهج جديد"، معترفاً بضياع فرص الحوار مع الرياض.
قال: "ليس لدينا أي سعي أو مصلحة في الوصول إلى الموارد الطبيعية لدول المنطقة الأخرى. لذلك، إيران هي القادرة على بدء هذا الجهد من موقع استغناء. لا ينبغي أن ننتظر الآخرين".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...