تدخل ميسون باكية إلى الحمام، تفتح المياه الساخنة، تتساقط دموعها لتمتزج برغوة الشامبو الذي ملأ شعرها ووجهها وعنقها، تستعيد كلمات خطيبها تيم: "معقول ما فينك ترشي بارفان أو مُزيل عرق؟".
تعمل ميسون، اسم مستعار (29 عاماً) ممرضة في أحد المستشفيات الخاصة في مدينة اللاذقية، تتقاضى أجراً شهرياً لا يتجاوز 40 ألف ليرة، بينما يرتفع سعر مُزيل العرق إلى ثمانية آلاف ليرة سورية، ما جعلها عاجزة عن شرائه. تقول لرصيف22: "أعاني من مشكلة التعرق الزائد، خاصة تحت الإبطين، لذلك أستخدم بودرة ثمنها 2000 ليرة، تكفيني أكثر من ثلاثة أشهر، لكن لم تُجد نفعاً مع خطيبي، الذي يطالبني دائماً بالتعطّر".
تنتقل ميسون من محل إلى آخر، تسأل عن أسعار العطور ومُزيل العرق، تقول: "سعر أرخص علبة ثلاثة آلاف ليرة لا تكفي أسبوعاً، كما أن العطور المقلدة التي يقومون بتركيبها عبارة عن زيوت فقط، يبيعونها بأسعار مرتفعة ويقولون بارفان".
زوجي هجرني
لم تنقطع ليليان يوماً عن تعطير فراشها، تقول لرصيف22: "قبل دخول زوجي إلى النوم أعطّر السرير والفراش والوسائد برائحة الفانيلا، لدي بارفان سكسي أرش جسدي به أيضاً، وهذا ما يجعل زوجي مجنوناً بي، لكن ارتفاع أسعار العطور بَدّل حالنا".
إنها المرة الأولى التي ينام فيها داني على الكنبة في غرفة الجلوس، لم يعد مهتماً بالنوم في فراشه، بعد أن توقفت زوجته عن تعطير الفراش، تقول: "استبدلت العطور الغالية الثمن بسبلاش، لكن رائحته لا تدوم طويلاً، وهذا ما أدخل الفتور إلى علاقتنا الجنسية".
تمتلئ خزانة ليليان (38 عاماً) بقمصان النوم المزركشة بالساتان والدانتيل والشيفون المكشوف الصدر، وفي درج الخزانة السلفي، ترتب ملابسها الداخلية بعضها فوق بعض، الأحمر "المشكوك بالبايت"، والأسود المفتوح، والجلد المتصل بسلاسل، لكنها جميعها اهترأت، لم تعد تُغْرِي زوجها داني. تقول: "لطالما حرصت على شراء ملابس داخلية وقمصان نوم مغرية، لكن بعد ارتفاع الأسعار بدأت بتقنين مشترياتي، وهذا ما انعكس سلباً على علاقتي بزوجي".
"قبل دخول زوجي إلى النوم أعطّر السرير والفراش والوسائد برائحة الفانيلا، لدي بارفان سكسي أرش جسدي به أيضاً، وهذا ما يجعل زوجي مجنوناً بي، لكن ارتفاع أسعار العطور بَدّل حالنا"
وتضيف: "بعد 14 عاماً من الزواج، لا بد من التغيير، وإلا فسيدخل الروتين إلى فراش الزوجين، وتنتهي العملية الجنسية بأقل من خمس دقائق، لذلك أشتري الألوان الفاتحة، الفساتين التي تكشف أجزاء من جسدي، الملابس الداخلية المزركشة، زيوت المساج، استيكرات الحلمات الرومانسية، عقد الإضاءة المخملي، فساتين بيبي دول، الريش الملون، كلها تجعل العملية الجنسية أكثر إثارة ومتعة للطرفين، وتثير الزوج فيداعب زوجته لوقت أطول، لتصل إلى أقصى مراحل الشهوة والمتعة".
بعد جولة في أسواق دمشق، عادت ليليان خالية اليدين سوى من "لانجري" أسود مزركش، ودانتيل أبيض، وحمالة صدر من نفس اللون، سعره ثمانية آلاف ليرة، تقول: "كنت أشتري بهذا المبلغ عدة فساتين بأشكال مختلفة".
"لم أشتر سوتيان منذ 10 سنوات"
تضحك عبير ضحكة طويلة، ترتسم غمازتان على وجهها، تضع يدها على صدرها، وتهمس: "لم أشتر سوتيان منذ ولادة ابنتي الصغرى نور أي منذ عشر سنوات، أصبح ثمنها يعادل راتبي الشهري تقريباً، أعطتني أختي واحدة محلية الصنع، أستخدمها للبيت والمدرسة وجميع المناسبات".
ترى المعلمة عبير (اسم مستعار) أن المرأة العاملة لا بد أن تحتفظ بحمالة صدر بيضاء وسوداء وبني فاتح، حتى تتمكن من تبديلها بما يتلاءم مع ملابسها، لكنها لم تتحمل التكلفة، تقول: "سعر السوتيان الماركة بدأ بالارتفاع التدريجي من 700 ليرة إلى 43 ألفاً، ما جعل اقتناءها أمراً مستحيلاً".
تحفظ عبير أماكن وجود البسطات في أسواق مدينة جبلة الشعبية، تشتري الملابس الداخلية بأسعار "اقتصادية"، كما تصف لرصيف22، وتضيف: "سعر كيلوت بانتي 2500 ليرة أما البادي لوشن والشاور جيل والعطور وطلاء الاظافر ومزيل المكياج فجميعها شُطبت من قائمة المشتريات".
تعاني عبير من حمالة الصدر التي ترتديها، تقول: "لا تبقى ثابتة على صدري، إما ترتفع أو يفك قفلها من الخلف وأنا أسير في الشارع، أحياناً أشعر أثناء إعطاء الدرس أن طرف صدري خرج من السوتيان، كما أنها مهترئة، تسبب الحساسية لبشرتي، وتتقطع خيوطها، فأقوم برتقها بالإبرة والخيط".
"عروس بجهاز قديم"
تزوجت هنادي قبل شهر، أهدتها والدتها روبها الليلي الأحمر الشفاف بحزام وأكمام منتفخة، "مكشكشة بالريش"، بينما اقتصر جهاز عرسها على حمالة صدر واحدة، اشترتها من البسطة، وبعض الملابس الداخلية "البانتي"، بالإضافة إلى مناشف، وشباشب مستعملة من سوق "البالة".
تقول هنادي، اسم مستعار (33 عاماً): "صُدِمت بأسعار الملابس الداخلية المخصصة للعرائس في أسواق دمشق، رأيت بانتي بـ 10 آلاف ليرة، وشورت مع بوستيه مطرزة بالأحجار والأزهار بـ 55 ألفاً، أسعار الإكسسوار والعقود والأقراط الزركون خيالية".
يهوى زوج هنادي الأقراط الصغيرة، يطالبها بوضعها في أذنيها، كما يحب الخلخال في قدمها، والملابس الداخلية المطرزة، لكن ليلتهما الأولى لم تكن كما تمنيا، كل ما يحبه لم تستطع شراءه، تقول: "لم يغرِه روب والدتي الأحمر، تصميمه قديم، ومُمزَّق قليلاً من الخلف".
في المقابل، لم تشعر هنادي بسعادة ليلة العروس الأولى التي وصفتها صديقاتها، وقرأت عنها في المجلات، زوجها أيضاً لم يستطع شراء كل ما تحبه، تقول: "تغريني رائحة البارفان، وأحب بيجامة العريس المقلمة، أما البوكسرات الرجالية فلم يحتفظ زوجي سوى بواحد، سعره ارتفع إلى ستة آلاف ليرة".
يقول باسم (35 عاماً) زوج هنادي: "أعمل محاسباً في أحد فنادق المدينة براتب متواضع، لا يسد جزءاً بسيطاً من حاجاتنا، إن الحياة الزوجية تحتاج اهتمام الطرفين المتبادل وتقدير ما يحبه الآخر، واستمرار الحياة الجنسية بنفس القوة والرغبة مرتبط بالتغيير والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، لكن الأسعار حدت من قدرتنا على الشراء، بديلنا إما التقنين أو المستعمل أو الاستعارة".
البحث عن بدائل
يرتفع صوت أبو مايا غاضباً في وجه زوجته: "هل يجب أن أدفع ربع راتبي ثمن فوط صحية، لست أكثر من مراقب دوام في مؤسسة حكومية"، فتجيبه: "عندما أنجبنا أربع بنات لم نكن نعلم أن سعر علبة الفوط الصحية سيرتفع إلى 1800 ليرة".
تقول أم مايا لرصيف22: "لا أدري كيف ارتفعت أسعار الفوط الصحية إلى هذا الحد، المشكلة رغم ارتفاع سعرها لم تتحسن نوعيتها، ما زالت تحدث تسرباً، وتحسساً للبشرة، الحل الوحيد هو تقنين الاستخدام، أذكر سابقاً أننا كنا نعطي جارتنا قطعة أو قطعتين في الحالات المستعجلة، اليوم تزداد الأمور صعوبة".
"لدي أربع بنات، كل واحدة منهن تطالبني بجوارب وطلاء أظافر وكريمات للبشرة وشامبو للشعر".
تعاني أم مايا من ارتفاع مستلزمات بناتها، تقول: "لدي أربع بنات، كل واحدة منهن تطالبني بجوارب وطلاء أظافر وكريمات للبشرة وشامبو للشعر وغيرها، اشتريت كولوناً شفافاً واحداً من سوق العناية الشعبي وسط مدينة اللاذقية، وهو لهن جميعاً، سعره 3400 ليرة، أما شامبو الشعر فأصبحنا نستحم بالنوعية الرديئة التي كنا ننظف بها أرضية الحمام، وهذا ما يسبب قشرة في الرأس، وجفافاً في الشعر".
لجأت أم مايا إلى طريقة قديمة لإزالة شعر الجسم، بدلاً من مزيل الشعر الذي يباع في أسواق مدينة اللاذقية بـ 600 ليرة، تقول: "أصنعه في البيت، كأس من السكر مع القليل من الليمون الحامض والماء، أترك الخليط على النار، إلى أن يتحول إلى قطعة صلبة، ثم أقطعها وأحتفظ بها في الثلاجة، تكفي بناتي جميعهن، وتوفر نقودي".
"أحياناً أشعر أثناء إعطاء الدرس أن طرف صدري خرج من السوتيان، كما أنها مهترئة، تسبب الحساسية لبشرتي، وتتقطع خيوطها، فأقوم برتقها بالإبرة والخيط"
وتراجعت قيمة الليرة السورية بشكل غير مسبوق، بعد مرور عشر سنوات على الحرب الأهلية في سوريا، وبات شراء سروال أو سترة أو معطف يقي عجوزاً أو طفلاً أو سيدة البرد من الكماليات، وغدا اقتناء حذاء غير مرتوق أو فستان للنوم رفاهية.
وتشهد سوريا أزمة معيشية فاقمتها جائحة كورونا، وهذا ما أدى إلى ارتفاع أسعار مختلف السلع، في ظل ثبات الرواتب والأجور الشهرية، إذ لا يتجاوز متوسط الراتب الشهري للموظف السوري 50 ألف ليرة سورية، أي نحو 20 دولاراً، وهذا ما جعل التقنين في الشراء، واللجوء إلى المستعمل، والبضاعة المقلدة، الحل الوحيد لمعظم السوريين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون