شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"ممثلو الثورة كلهم رجال"... عن المرأة والمجال العام وثورة 25 يناير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 25 يناير 202111:11 ص

في 25 كانون الثاني/ يناير 2011، تجمّع شباب وفتيات مصريون لإطلاق وقفات ومسيرات صغيرة، سرعان ما تحوّلت إلى ثورة في 25 من الشهر نفسه، أطاحت بنظام سياسي ظلّ جاثماً على صدر مصر لـ 30 عاماً كاملة.

جاء ذلك التحوّل الجذري نتيجة تضافر فئات الشعب كلها في الميادين، وبرزت النساء منذ اللحظة الأولى في نبض ذلك الحراك، جنباً إلى جنب مع الرجال، يهتفن، يوزعن الأغطية والطعام، يكتبن المنشورات، يرسمن اللافتات ويغنين للثورة والوطن.

بدا الميدان في بواكير الثورة، وكأنه يحتضن النساء ويرحّب بهن، ولكن سرعان ما تغيّرت الأمور بمرور الأيام والأشهر والسنوات.

تعطيل مؤقت للنظام الأبوي

"أجساد النساء بين الحراك والانتهاك"، هذه الجملة هي عنوان ورقة بحثية أصدرتها مؤسسة "نظرة" للدراسات النسوية في آذار/ مارس 2018، قدّمت تحليلاً لأشكال العنف الناتجة عن التغيرات السياسية طوال سنوات ما بعد يناير.

"بدا تواجد أجساد النساء في ميدان التحرير خلال ثورة يناير 2011 وكأنه نقطة مختلفة في مسار علاقتهن بالمجال العام، إلى الحدّ الذي دفع بعض هؤلاء النساء للقول بأنهن شعرن وكأن تاريخ التمييز الأبوي ضدهن قد تم تعطيله أثناء تواجدهن في الميدان، أو أن الثورة بالنسبة لهن كانت ثورة شخصية أيضاً"، تذكر الورقة البحثية نقلاً عن الباحثة النسوية والمدرسة بجامعة سيدني، لوسيا سوربيرا.

الأيام الـ 18 في ميدان التحرير هي بمثابة "فاصل زمني"، تعطلت فيه الأنظمة الاجتماعية والسياسية السائدة.

تفسر الدكتورة هانيا شلقامي، أستاذة مشاركة في مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأميركية في القاهرة، هذا "التعطيل" بأن الأيام الـ 18 في ميدان التحرير هي بمثابة "فاصل زمني"، تعطلت فيه الأنظمة الاجتماعية والسياسية السائدة، بما في ذلك تلك المرتبطة بعدم المساواة على أساس النوع، فبرزت تلك الحالات "المثالية" من التضامن بين الأفراد، ولكن بعد نهايتها ظهرت بوادر نظام اجتماعي وسياسي مختلفين.

وبناء على تحليل شلقامي، أصبح للميدان، في نهاية الاعتصام، قواعد أبوية مختلفة شكلاً ومألوفة مضموناً، بالنسبة للنساء اللاتي اعتدن خوض معارك يومية مع المجال العام، وسرعان ما أدركنَ، وخاصة النسويات منهن، أن المشاركة في الثورة لن تنصفهن بالضرورة، وأن عليهن أن يحاربن لوضع قضاياهن على طاولة الحراك.

وأبرز ما صدر عن النظام (الأبوي، السلطوي، المصري) تجاه النساء بعد الثورة مباشرة، بحسب الورقة البحثية، تمثّل في إجبار متظاهرات على الخضوع لكشوفات عذرية في 9 آذار/ مارس 2011.

تربط الدكتورة شيرين حافظ، أستاذة مساعدة بقسم دراسات النوع والجنسانية بجامعة كاليفورنيا، في الورقة المذكورة، كشوف العذرية بالأبوية المعتمدة في التاريخ المصري، من خلال "تسخير الآليات المجتمعية والثقافية والسياسية، بل والطبية، لترسيخ تصوّرات عميقة الجذور، مرتبطة بأجساد النساء، ومدى قدرة تلك الأجساد على التمرد في مواجهة الحدود التي تمّ ترسيمها لها سلفاً".

هذه الأجساد النسائية، خرجت بالآلاف، حرفياً ومجازياً، إلى المجال العام، "وبالتالي كان على الأبوية المصرية، بمؤسساتها السياسية والمجتمعية، أن تزيد من وتيرة عنفها ضد تلك الأجساد المؤنثة المتمردة"، للحفاظ على استمرار منظومتها.

"رفضوني لأني امرأة"

تتفق مي (36 عاماً)، محامية من الإسكندرية، مع ما سبق ذكره عن حالة الميدان في الـ 18 يوم الأولى من عمر ثورة يناير، وكيف احتوى واحتضن النساء، فتقول: "قبل الثورة بأشهر قليلة، كنت قد انضممت لإحدى الحركات الشبابية السياسية الساعية للتغيير، ومعهم نزلت إلى الشارع منضمّة للحراك الجماهيري، الذي سرعان ما تحول لثورة أغرقت شوارع مصر بمطالب التغيير، وطوال الـ 18 يوماً، لم أشعر ولو لثانية واحدة بالتقليل مني كأنثى داخل الحراك، بل على العكس، لقد قدت الهتاف لعشرات المرات، وقفت داخل حلقات النقاش لمرات كثيرة، لم أشعر بالإقصاء أو محاولة تسفيه آرائي بأي شكل".

وتتابع مي لرصيف22: "حتى أن بعض زملائي كانوا يلجؤون إليّ كثيراً، لكتابة وصياغة المنشورات والبيانات التي تشرح مطالب قوى الثورة".

"وأنا في الميدان، لم أشعر ولو لثانية واحدة بالتقليل مني كأنثى، قدت الهتاف، وقفت داخل حلقات النقاش، لم أشعر بالإقصاء، ولكن بعد مرور شهور على الثورة اختلفت الأوضاع"

ولكن، بعد مرور بضعة شهور على الثورة اختلفت الأوضاع، بحسب مي، فقد ترشحت لقيادة الشباب داخل أحد الأحزاب التي تكونت بعد الثورة، تقول: "فوجئت بهجوم ضارٍ، لم يكن مصدره سوى أنه بحكم كوني امرأة، فإنني لن أنجح في قيادة الشباب، كان هذا هو أول موقف أواجهه، وأجد فيه إقصاء واضحاً بسبب نوعي فقط، وحتى عندما اعتزلت العمل الحزبي، وقرّرت التركيز على المجال العام النسوي، وجدت هجوماً من زملائي السابقين، كان محوره أنني كنت أرغب في استغلال الحزب وأمانة الشباب عندما ترشحت سابقاً، لخدمة أهدافي، وكأن قضايا المرأة منفصلة عن قضايا المجتمع ككل".

هجوم على نساء في الشوارع

في اعتصام ميدان رابعة (بدأ في 13 حزيران/ يونيو وانتهى في 14 آب/ أغسطس 2013) تعرضت سارة (27 عاماً)، العاملة في مجال السوشال ميديا، ومناصرة سابقة للتوجّه الإسلامي، للتحرش أثناء مشاركتها. لم تكن الفعالية الأولى التي تتعرض فيها لذلك.

تقول سارة لرصيف22: "كنت منتقبة في الفترة بين 2006 إلى 2014، وكنت أشارك في العمل العام بشكل عشوائي، ولكن بخلفية إسلامية تغلغلت في عقلي بالوراثة، وفي فترة حكم الإخوان (الرئيس محمد مرسي) كنت أدير صفحتين مختصتين بالسياسة على فيسبوك، وقتها كان من بين مديري الصفحة، شاب إسلامي يرسل لي بشكل منتظم صوراً إباحية ورسائل مؤذية، وكان يهددني بمعرفته لزوجي السابق وقتها، الأمر الذي كان يخيفني من مواجهته".

وتتابع سارة: "حدث مرة، خلال تواجدي في اعتصام رابعة العدوية، كان لي صديق مدير إنتاج بشبكة إخبارية، ضمن وسائل إعلام تابعة للتيار الإسلامي، قام بالاعتداء الجنسي علي، في أحد الشوارع المظلمة التي كنا نسير فيها لنصل إلى نقطة ركوب المواصلات العامة التي تقلنا لمنازلنا، فقام بالإمساك بجسدي والتغزل بعيني ورجلي، وفي اليوم التالي فور أن رأيته جريت من أمامه".

"النساء في ذيل القائمة"

ترى الناشطة النسوية، هالة مصطفى، أن المناخ العام في عهد المخلوع حسني مبارك كان "أكثر انفتاحاً" بالنسبة لحضور المرأة ومشاركتها في المجال العام، ويعود ذلك لاهتمام سوزان، زوجة الرئيس المخلوع، بهذا الملف.

وتقسم مصطفى نشاط المرأة في المشهد منذ قيام الثورة إلى مرحلتين، الأولى، "في خضم الأيام الأولى وأحداثها، كان تواجد النساء كثيفاً وعارماً، ونجحت المرأة المصرية في فرض نفسها على المشهد السياسي".

"ولكن بدأت مرحلة ثانية من تعامل القوى المضادة للثورة في الليلة التي سبقت يوم تنحّي مبارك، عندما وقعت أول حادثة اغتصاب جماعي للمراسلة الأمريكية في ميدان التحرير، وتزامن معها اختيار السلطة للتواصل مع ممثلي الثورة، كلهم رجال فقط، في محاولة واضحة لتنحية النساء عن المشهد".

"بعدها بدأت السلطة في ترتيب أوراقها، وتوجيه الضربات المتتالية للثورة بعدة طرق، كان من بينها إخافة النساء".

وتستدلّ مصطفى على كلامها بـ "إطلاق عدد كبير من البلطجية والمسجلين خطر على مسيرة يوم النساء العالمي 8 مارس 2011، واستخدام التحرش الجنسي لإخافة المتظاهرات، ثم كشوف العذرية في 9 مارس، وبالطبع كل هذا كان مقصوداً، وكان هدفه دفع النساء لاعتزال الشارع وفضهن عن الثورة".

"على جانب آخر لم يختلف الوضع كثيراً داخل المطبخ السياسي للأحزاب المدنية"، تتابع مصطفى، "فحتى الكيانات السياسية التي تأسست بعد الثورة، شهدت الكثير من التجاوزات تجاه النساء وفي حقهن، فشهدت العشرات من وقائع التحرش وتجاوز الحدود، بل واستخدام سلاح تشويه السمعة والمزايدات الأخلاقية بحق النساء، خاصة اللواتي اتخذن مواقف سياسية مخالفة لموقف القيادة، وأنا كنت حاضرة بعضاً من تلك الوقائع".

"تم وضع النساء في ذيل قائمة الانتخابات النيابية الأولى بعد ثورة يناير، والكيانات السياسية التي تأسست بعد الثورة، شهدت الكثير من التجاوزات تجاه النساء، والعشرات من وقائع التحرش، وتشويه السمعة، والمزايدات الأخلاقية"

وفي الانتخابات النيابية الأولى، كان هناك اتجاه واضح لتفضيل ترشيح الرجال عن النساء، بحسب مصطفى، وتصديرهم في قوائم الانتخابات.

عن مشاركة المرأة في الانتخابات النيابية الأولى التي تلت ثورة يناير، تقول مصطفى: "القانون وقتها كان ينصّ على وجود نساء في القوائم، فكان يتم وضعهن في ذيل القائمة، إلا من كانت متمكنة اقتصادياً، وقادرة على الإنفاق على حملة انتخابية، بمعنى أصحّ، من استطاعت شراء ترشيحها في الانتخابات، الأمر الذي لم يكن متوفراً لكافة النساء"، موضحة، "الملفت في الأمر أن هذا المنهج كان بعد الثورة مباشرة، حيث كان المجال العام مفتوحاً، والنساء متواجدات بكثافة في المشهد السياسي، بل وكنّ المتصدرات في العمل التوعوي والاجتماعي، ثم تأتي الأحزاب المدنية لتنحي المرأة جانباً، ولم يهتموا أبداً بتمكينها السياسي".

"الشهادات التي نُشرت مؤخراً حول قيام عدد من نشطاء وحقوقيين بالتحرش أو الشروع في الاعتداء على زميلاتهم، دليل كبير على أن استهداف النساء جاء كذلك ممن تصدروا المشهد للحديث عن الحقوق والحريات، بينما هم يجهلون أبسط التعريفات بهما، والمكسب هنا، حتى لو اقتصر على تنحية هؤلاء عن المشهد واختفائهم عن المجال العام، فهو يستحق خوض المعركة من أجله"، تنهي مصطفى حديثها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard