سأحاول تقليد العبقري زكريا تامر، الذي أبدع فكرة تقديم كل القواعد الأكاديمية للقصة القصيرة في أول سطر أو حتى أول جملة ثم يكتب خارج كل الأطر والقواعد. والقاعدة هنا هي الاعتراف بأن ما حدث وقت فض اعتصام رابعة العدوية هو مذبحة لاإنسانية. أنا المواطن رامي يحيى أقر بأن ما حدث في رابعة والنهضة هو مذبحة بكل المقاييس، كما أرفض طريقة التعامل مع الإخوان في السجون وعدم حصولهم على حقوقهم كبشر.
لكن كما نعترف بهذا الوجه، علينا أن نعترف بمختلف أوجه الحقيقة حتى نكون منصفين، والأهم حتى لا ننساق خلف ماكينة إعلامية موجهة.
أولاً: اعتصامات الإخوان كانت أجواؤها عدائية وحملت الكثير من التهديدات الصريحة والعلنية عبر عدد من القيادات الإسلامية، وهذه العدائية بدأت منذ ما قبل الاعتصامات وما قبل نزول الجماهير إلى الشوارع يوم 30 يونيو 2013.
وزادت نبرة التهديدات خلال الاعتصام وقسمت المجتمع بوضوح على أساس ديني كما جاء في تهديدات أطلقها صفوت حجازي.
كما نشرت منصات الإعلام التابعة للجماعة رسائل تهديد مباشرة من جمهور الإسلاميين إلى كافة المعارضين لحكم الجماعة بالإبادة وإشعال الحرب الأهلية.
مَن ينظر من خارج المشهد المصري يمكن أن يعتبر كل ما مضى تعبيرات مجازية لم يكن مطروحاً تنفيذ أي منها على أرض الواقع، لكن كل مَن عاش فترة صعود الجماعة يعلم أن عام حكمها شهد العديد من المعارك التي أوفى فيها المنتمون للإخوان بتهديداتهم من ضرب وسحل وتعذيب. أشهر تلك المعارك ما عُرف إعلامياً باسم "موقعة الاتحادية"، وهي الحدث الأكبر الذي تم توثيقه بالصوت والصورة وظهر فيه أعضاء بارزون وقياديون في الجماعة.
كما لا ينسى أي مراقب للأحداث أسماء مثل "جيكا"، "كرستي"، و"الحسيني أبو ضيف"، وغيرهم من ضحايا سقطوا خلال فترة حكم الإخوان.
الإخوان يمارسون العنف ويؤيديونه ما دام يصب في مصلحتهم أو غير موجه عليهم. كان دور الجماعة على مدار عام، في فترة حكم المجلس العسكري، تبرير أي شكل من أشكال العنف في التعامل مع المعارضين، من كشوف العذرية مروراً بأحداث محمد محمود وصولاً إلى مذبحة ماسبيرو. كل تلك الكوارث كانت بمباركة ودعم سياسي وإعلامي وجماهيري من الإسلاميين بقيادة الإخوان.
هذه المحطات توضح لجوء الجماعة والمنتمين إليها إلى العنف، والعنف ليس بالجديد عليها، فتاريخها يزخر بانتهاج العنف الذي يصل حد التصفية الجسدية.
ماذا لو؟
حين نزلت أعداد ضخمة من المصريين إلى الشوارع يوم 30 يونيو، استهدفت الجماهير الضغط على النظام حتى يدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة. لم تتضمن استمارة حركة "تمرّد" استبعاد الإسلاميين عموماً ولا الإخوان خصوصاً من المشهد السياسي ولا حتى من الحق في خوض الانتخابات التي طالبت بها.
منطقياً، يمكن افتراض أنه إذا استمعت السلطة الإخوانية إلى صوت الشارع ودعت لانتخابات مبكرة لم يكن ذلك سيسمح للمؤسسة العسكرية بتصدر المشهد السياسي كما هو الوضع الآن. وحتى إذا قرر وزير الدفاع وقتها والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي أن يستقيل من منصبه ويخوض تلك الانتخابات، كان من المستحيل أن يجد أرضية شعبية تضمن له النجاح أو حتى الوصول إلى جولة الإعادة.
كما كان من المستحيل أن يستطيع أي مرشح إخواني النجاح، فسنة حكم الجماعة فضحت نزوعها للتفرّد بالسلطة وخرق أي اتفاقات مع أي فصيل سياسي. مثلما فعلت مع "عاصري الليمون"، برهنت على تحالفها الراسخ مع العسكريين في أكثر من مناسبة، أبرزها إقامة الاحتفال الرسمي بذكرى ثورة 25 يناير في أحد معسكرات الأمن المركزي.
حسابياً، لم يكن أي مرشح إخواني في الانتخابات المبكرة ليحصل إلا على خمسة ملايين صوت (حصيلة مرسي في الجولة الأولى)، بل إن هذه الكتلة كانت وقتها على وشك التفكك والانشقاق وظهرت العديد من المشاكل بين قيادة الجماعة وشبابها بسبب مواقف القيادة خلال مختلف منعطفات الثورة ثم تتوّج ذلك بالفشل المدوي في قيادة البلاد. كان من المتوقع أن يؤدي كل ذلك إلى ارتفاع صوت شباب الإخوان المعترضين.
كلمة السر: رابعة
مع وقوع مذبحة رابعة صار هنالك ضحايا ودم وحالة حرب، وأي حرب يلزمها جيش. رجع الأمن ليتصدر المشهد بدعوى محاربة الإرهاب، وصار السيسي بطلاً شعبياً، رغم أن كل المعارك الضخمة خاضها المتظاهرون، ورغم أن شباباً كانوا يقبعون في السجون بتهمة التظاهر ضد الإخوان.
"رغم عدم وجود أي خلاف سياسي مفهوم بين الإخوان والجيش، نجحا في تسويق صراعهما على السلطة بوصفه خلافاً سياسياً واستغلا مذبحة رابعة لتكون بمثابة قبلة حياة لكل منهما"
"ما حدث في رابعة والنهضة هو مذبحة بكل المقاييس. لكن كما نعترف بهذا الوجه، علينا أن نعترف بمختلف أوجه الحقيقة حتى نكون منصفين، والأهم حتى لا ننساق خلف ماكينة إعلامية موجهة"
أيضاً، كان للدم والقتل مفعول السحر على الجماعة المهزومة سياسياً، فهي أيضاً في حالة حرب، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فتم تفادي أو تخفيف الصدام بين القيادات وأفراد الجماعة بشكل كبير.
وخارجياً، طغى خطاب المظلومية على الحديث عن الفشل وعاد الكثير من الناس لتصديق أن فشل الجماعة هو نتيجة لمؤامرة كونية ضدها، إلى درجة أن الإخوان الآن ينكرون تحالفهم مع المجلس العسكري.
كما مكنت مذبحة رابعة الإخوان من لبس ثوب المعارض الشرس الذي دفع ثمن المعارضة دماً، وانقسم الإعلام إلى قسمين: قسم موالٍ للنظام العسكري وقسم موالٍ للجماعة، وعمل القسمان معاً على ترسيخ فكرة واحدة وهي أن الإخوان هم المعادل الموضوعي لمعارضة النظام العسكري.
ورغم عدم وجود أي خلاف سياسي مفهوم بين الطرفين، نجحا في تسويق صراعهما على السلطة بوصفه خلافاً سياسياً واستغلا مذبحة رابعة لتكون بمثابة قبلة حياة لكل منهما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...