شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل حقاً تقف

هل حقاً تقف "مزارع البيتكوين" خلف عتمة إيران؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الاثنين 18 يناير 202111:02 ص

استفحلت أزمة انقطاع التيار الكهربائي في إيران إذ غطت العتمة جميع أنحاء البلاد مصحوبةً بضباب دخاني، وهو ما ساهم في تعميق معاناة اقتصاد البلاد الذي يرزح تحت العقوبات الأمريكية الخانقة، وسط محاولات حثيثة لمكافحة تفشي جائحة الفيروس التاجي.


وفي حين أن انقطاع التيار الكهربائي ليس جديداً في إيران، حيث يعاني القطاع المتهالك من سوء إدارة مزعوم، أشارت السلطات الإيرانية إلى عامل مثير اعتبرت أنه يقف خلف الأزمة: "تعدين البيتكوين".


وفيما أغلقت محطات الطاقة التي تعمل فوق طاقتها مع ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي لتدفئة المنازل، مع تحوّل البعض الآخر منها إلى وقود منخفض الجودة للحفاظ على إمدادات الكهرباء، وهذا ما رفع التلوث في العاصمة طهران إلى مستويات "خطيرة للغاية"، اتهم مسؤولون حكوميون "مزارع العملات المشفرة" بالتسبب جزئياً في الأزمة نتيجة استهلاكها "الكثير من الطاقة" لاعتمادها على مجموعات كبيرة من أجهزة الكمبيوتر.


"تعدين البيتكوين"

وأعلنت شركة توزيع الكهرباء الإيرانية المملوكة للدولة "تافانير"، الأسبوع الماضي، إغلاق مركز كبير للعملات الإلكترونية تديره الصين وإيران في مقاطعة كرمان (جنوب شرقي البلاد) بسبب استهلاكه الكبير للطاقة. وكان المركز قد بدأ عمله في إطار عملية حكومية لتنظيم صناعة تعدين البيتكوين.


وزعمت صحيفة "رسالات" المحلية أن "إنتاج كل بيتكوين يعادل الاستهلاك السنوي لـ24 منزلاً في طهران، أو استهلاك الكهرباء لمنزل في طهران لمدة 24 عاماً". 

"إنتاج كل بيتكوين يعادل الاستهلاك السنوي لـ24 منزلاً في طهران، أو استهلاك الكهرباء لمنزل في طهران لمدة 24 عاماً"... النظام الإيراني يتهم "مزارع البيتكوين" بالوقوف خلف الظلام الذي أغرق البلاد مرات عدة أخيراً

في موازاة ذلك، وجّه المسؤولون الإيرانيون أصابع الاتهام إلى عمليات "مزارع البيتكوين" غير القانونية، قائلين إنها تشكّل ضغطاً على شبكة الكهرباء يؤدي إلى تكرار انقطاع التيار الكهربائي. أفاد بذلك مصطفى مشهدي، المتحدث باسم قطاع الكهرباء في وزارة الطاقة الإيرانية، لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).


أوضح مشهدي أنه جرى ترخيص 24 مركزاً لتعدين العملات المشفرة بسعة تزيد عن 310 ميغاوات، لافتاً إلى تحديد 1620 مركزاً غير قانوني، معلناً عن مكافأة مالية - 10 ملايين تومان - لمن يبلغ عن مثل هذه المراكز التي قال إن ارتفاع سعر العملة الافتراضية إلى نحو 36 ألف دولار ساهم في زيادة المتاجرين بها.


تعتيم حكومي على الحقيقة؟

على الجانب الآخر للرواية الرسمية، يرفض الإيرانيون العاملون في صناعة البيتكوين اتهامات الحكومة بالوقوف خلف أزمة انقطاع الكهرباء، قائلين إن الصناعة جزء من مشكلة "حقيقية" أوسع.


وقال ضياء صدر: "لا علاقة لعمال المناجم (مناجم البيتكوين) بحالات انقطاع التيار الكهربائي. التعدين يستهلك نسبة صغيرة جداً من إجمالي قدرة الكهرباء في إيران". وتابع: "من المعروف أن سوء الإدارة والوضع الرهيب للغاية لشبكة الكهرباء في إيران والمعدات القديمة لمحطات الطاقة في إيران لا يمكن أن تدعم الشبكة".


وقد ازدهرت صناعة تعدين العملات المشفرة في إيران تحديداً لعدة أسباب، أبرزها الحصار الاقتصادي الذي فرضته إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، على اقتصاد البلاد عبر العقوبات المتزايدة، إذ رحب البعض بالنظام المصرفي "البديل" كطريقة محتملة لتجاوز أثر العقوبات.


كما لفت خبير العملات الرقمية الإيراني المقيم في كوريا الجنوبية، علي بيكفيردي، في تصريح لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إلى أن "الكهرباء الرخيصة" و"التضخم المرتفع" في إيران جعلاها "وجهة مثالية" لعملية استخدام الطاقة بغية إنشاء أو استخراج العملات الرقمية مثل البيتكوين.


يرجع الاستهلاك الكبير نسبياً للطاقة في تعدين البيتكوين إلى استخدام أجهزة كمبيوتر عالية القدرة للتحقق من شرعية المعاملات عبر حل المشكلات الرياضية المعقدة. وقد أضحت هذه الصناعة من الأعمال المربحة التي انتشرت في إيران خلال السنوات الأخيرة، وهذا ما أغرى بدخول شركات صينية وروسية في شراكة مع رواد أعمال إيرانيين لإنشاء "مزارع بيتكوين" تتكون من أجهزة كمبيوتر متخصصة.

"لا علاقة لعمال مناجم البيتكوين بحالات انقطاع التيار الكهربائي. التعدين يستهلك نسبة صغيرة جداً من إجمالي قدرة الكهرباء في إيران… سوء الإدارة والوضع الرهيب للغاية لشبكة الكهرباء في إيران والمعدات القديمة لمحطات الطاقة لا تدعم الشبكة"

وشدد بيكفيردي: "أي بلد لديه كهرباء رخيصة ومساحة شاسعة سيكون مكاناً مثالياً لتعدين البيتكوين"، مستدركاً بالقول: "في كوريا، لن يكون الأمر مربحاً لأنني سأضطر إلى إنفاق الكثير من المال على الكهرباء".


مستقبل تجارة البيتكوين في إيران

وكان ازدهار تعدين البيتكوين في البلاد قد قادته الحكومة في البداية. حتى أنها، عام 2019، أقرت تشريعات لتنظيم الصناعة المزدهرة تحت الطاولة، مشترطةً طلب عمال مناجم البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى ترخيص لتشغيل واستيراد أجهزة الكمبيوتر والمعدات ذات الصلة.


ويُزعم أن الإيرانيين أقاموا مزارع تعدين البيتكوين في كل مكان ممكن للاستفادة من أسعار الكهرباء الأرخص، بما في ذلك المساجد.

أسباب عديدة أدت إلى ازدهار "تعدين البيتكوين" في إيران، على رأسها  "الكهرباء الرخيصة" و"التضخم المرتفع" والتحايل على العقوبات الأمريكية. لكن مستقبل هذه التجارة ليس مشرقاً حتى مع تخفيف بايدن للعقوبات الاقتصادية

برغم ملاحقة السلطات، ظلت جاذبية تجاربة العملات المشفرة قوية للكثيرين في البلد المحاصر سياسياً واقتصادياً. بيّن بيكفيردي أن التجارة الرقمية "تعمل على تمكين الأفراد" إذ "تساعد الناس على القيام بالأشياء مالياً على نطاق أوسع دون الاعتماد على البلدان أو الحكومات".


لكن بيكفيردي وكذلك ضياء صدر، الباحث في مجال العملات المشفرة في طهران، أكدا لـ"واشنطن بوست" أن العملات الرقمية وحدها لا يمكنها التغلب على العقوبات الاقتصادية الأمريكية الحالية المفروضة على البلاد والتي عزلت إيران عن جميع أنواع التجارة العالمية والأنظمة المصرفية الدولية.


قال صدر: "البيتكوين ليس حلاً بالنسبة لـ(عقوبات) الولايات المتحدة"، شارحاً: "بيتكوين هي مجرد أداة. مشكلة العقوبات هي مشكلة أكبر بكثير. إنها عائق أكبر بكثير للناس".


وكان الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن قد تعهد إزالة العديد من هذه العقوبات الاقتصادية ومحاولة العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015، الذي انسحب منه سلفه عام 2018. غير أن صدر يرى أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً قبل تنفيذ أي مستوى قابل للقياس من التجارة الدولية مع إيران باستخدام البيتكوين، مشيراً إلى عدم جاهزية العديد من الشركات الإيرانية للتعامل مع العملات الرقمية.


وأوضح: "إذا لم يكن هناك سوق لها، فلن يوجد شركاء للأشخاص الذين يرغبون في التصدير والتوريد مع أشخاص داخل إيران... ثم لا يمكن أن تساعد عملة البيتكوين في ذلك".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image