هي صبية تُشبه فلسطين بقوتها، جمالها، حيويتها وإصرارها، خطفت الأنظار بمجرد صعودها على مسرح مهرجان الجونة السينمائي في نسخته الرابعة، وهي ترقص فرحاً لفوز فيلم "200 متر" بثلاث جوائز؛ وهي جائزة لجنة تحكيم "فيبريسي" لأفضل فيلم عربي، الجائزة التي يمنحها جمهور المهرجان لفيلم يُعنى بالقضايا الإنسانية وجائزة نجمة الجونة لأفضل ممثل، والتي ذهبت إلى الممثل "علي سليمان".
تجدها شامخة تساند مخرج الفيلم، الشاب أمين نايفة، عندما تخونه دموعه وتتوه كلماته، لتصرخ بقوة في الميكرفون: "نهدي الجوائز لفلسطين".
مي عودة (39 عاماً) مخرجة ومنتجة فلسطينية، عملت في قسم الإنتاج لعدة أفلام فلسطينية منها؛ "عيد ميلاد ليلى"، "عيون الحرامية" و"خمس دقائق عن بيتي" ، وأنتجت أفلام " أجرين مارادونا"، "العبور"، "ازرقاق" و"جنود مجهولون" .
وكان لها أربع تجارب إخراجية لأفلام : "يوميات"،" أوسلو حبيبتي"، "رسومات من أجل أحلام أفضل" و"غزة بعيونهن". بينما يُصبح "200 متر" هو أول فيلم روائي طويل تنتجه ويحصد حتى الآن أكثر من 15 جائزة من مهرجانات دولية مختلفة، والمرشح للجولدن جلوب، ويُمثل الأردن في قائمة الأفلام غير الناطقة بالإنجليزية لجوائز أوسكار 2021.
مي عودة صبية تُشبه فلسطين بقوتها، جمالها، حيويتها وإصرارها، خطفت الأنظار بمجرد صعودها على مسرح مهرجان الجونة السينمائي في نسخته الرابعة، وهي ترقص فرحاً لفوز فيلم "200 متر" بثلاث جوائز
في مقابلة مطولة لرصيف22 مع المنتجة مي عودة، الحاصلة على لقب أفضل موهبة عربية فى الشرق الأوسط من مجلة فارايتى لعام 2020، تحدثنا عن مشوارها كامرأة منتجة في عالم صناعة السينما، وتحديات إنتاج الأفلام المستقلة، المناخ السينمائي بفلسطين والنجاح الذي يحققه فيلمها الأول الطويل "200 متر"، والذي يُعرض الآن تجارياً بسينما "زاوية" بوسط العاصمة (القاهرة، مصر)، ومن المقرر أن يُفتتح مهرجان القدس للأفلام العربية، أواخر يناير الجاري.
مرحباً مي... لو تحدثينا عن رحلتك وشغفك بعالم الفن السابع، متى بدأت؟
بدأت مع الكتابة. كنت أقرأ وأكتب كثيراً. الكتب كانت الملاذ للهروب من هذا الجو الساخن، حيث الانتفاضة الأولى بفلسطين. لم تكن لدينا إمكانيات كثيرة، لا سينمات ولا مسارح. التلفزيون الوحيد الذي نشاهده هو التلفزيون الأردني، ثم حضور الفيلم المصري بالأبيض والأسود على التلفزيون الإسرائيلي، في السابعة مساء كل يوم جمعة، كان بمثابة النافذة تبعتنا، وهونيك تعرفت على السينما المصرية بشكل حقيقي.
وبلشت أدرس العلوم المصرفية والمالية بالجامعة، ولكن كنت أشعر"بإن بِدي أدرس إشي تاني"، إلى أن تمّ افتتاح قسم جديد للإذاعة والتلفزيون بجامعة بيرزيت، وتخرّجت في أول دفعة له، وهناك حبيت كيفية حكاية القصة بالصورة وليس بالكتابة، حتى شاهدت أفيش مهرجان رام الله الدولي للسينما في دورته الأولى عام 2004، وهالحدث كان جديد علينا بفلسطين، ذهبت للتطوّع بالمهرجان، ولكن عثرت على وظيفة كمديرة للمكتب الصحفي، وهونيك بَلشت مشاهدة الأفلام وحسيت أخيراً إنه "هادا اللي بدي إياه... هذه منطقتي وعالمي".
ولكن بدأت كمخرجة وليس كمنتجة في المجال السينمائي؟
صحيح، حصلت على منحة دراسية لمدة عامين لصناعة الأفلام عام 2005، وفّرتها مؤسسة عبد المحسن قطان لكل الفلسطينيين من جميع أنحاء العالم، سواء "غزة، عرب 48، شتات، لبنان، الأردن" وتخصصت في هذه الورشات المكثفة على الإخراج الوثائقي والإنتاج، ولكن بدأت عملي كمديرة للإنتاج في عدة أفلام، مثل "ملح البحر" لآن ماري جاسر، "عيد ميلاد ليلي" للمخرج رشيد مشهراوي، ولكن فضلت التخصص أكثر والحصول على الماجستير من النرويج في الإنتاج السينمائي، وهناك أخرجت فيلمي "يوميات" و"أوسلو حبيبتي".
مي عودة مخرجة ومنتجة فلسطينية، عملت على إنتاج مجموعة من الأفلام الفلسطينية الروائية، من ضمنها: "عيد ميلاد ليلى"، "ملح هذا البحر"، "ريكو في الليل"، "خمس دقائق من وطني"، " عبور"، " أجرين مارادونا" و "جنود مجهولون"
وعندما عدت لفلسطين، حسيت "إن كتير في إشي وقصص لازم تِنحكى، ليس القصص تبعوني فقط"، وشجعني أكثر أن دراستي في أوروبا عرّفتني كيف يسير النظام الأوربي في الإنتاج، خاصة أننا نعتمد عليه في تمويل أفلامنا العربية. لذا قلت ليش أختزل هذه الشبكة التي كونتها من العلاقات في إنتاج وإخراج أفلامي فقط، ولكن بِدي مساعدة شباب آخرين لديهم قصص حلوة... وهيك صار، بلشت كمنتجة.
يبدو من قائمة الأفلام التي أنتجتها، أن السينما لديك وسيلة مقاومة وليس تسلية؟
نعم، نحن نعيش دائماً على خط المواجهة، صحيح لا نمتلك سلاحاً تقليدياً ولكن لدينا الأهم، وهو الصورة وتأثيرها الكبير. وهي الأهمية التي أدركها المحتل، حيث ينفق مالاً كثيراً لإنتاج أفلام باللغة العربية الآن ليحكي القصة من وجهه نظره؟!
كمان بِدهُم يحكوا قصتنا بلغتنا؟! (تسخر) وهادا الخطير بالموضوع وراح يؤثر على القضية الفلسطينية تماماً، خاصة مع قطار التطبيع العربي الآن، لأنه، مع الأسف، القوى هو من يكتب التاريخ. ومؤمنة أنه بدون أرشفة لقصتنا ولحكايتنا مش راح نوصل، وهون مبحكيش بطريقة البروباجندا، لكن بدِنا نحكي بطريقتنا في أفلامنا قصص تُثبت الإنسانية تبعتنا بالمقارنة باللاإنسانية تبعتهم!
قطار التطبيع، وكيف قرأت توقيع اتفاقية تعاون ثقافي بين لجنة أبو ظبي للأفلام وصندوق السينما الإسرائيلي؟
بلا شك خطورته كبيرة على القضية الفلسطينية، هدول الدولتين راح ينتجوا أفلام تحكي عن القصة من وجهه نظرهم! بل سيعرضون ذلك للجمهور العربي وبلغته. نحن نعيش في وقت صعب جداً.
لا يفوتني الحديث عن فوزك بجائزة أفضل موهبة عربية في الشرق الأوسط من مجلة "فارايتي" لعام 2020. ماذا تمثل الجائزة لك؟
فخورة جداً بهذه الجائزة، لإنها أول مرة تُعطى لامرأة ومنتجة، فهي بالعادة تُكَرّس للمخرجين، ولكن إنه حدا يشعر بتعب المنتج أسعدني كثيراً، لأنه بصراحة شديدة، إنتاج فيلم فلسطيني عربي بإنتاج مستقل أصبح صعباً جداً، لأنه ليس لدينا دولة تدعم صناعة السينما بفلسطين، وهذه إشكالية كبيرة وتفرض تحديات مضاعفة.
"عن جد بِدك تقاتلي بدل الطاق طاقين، وبِدك تبدأي رحلة صعبة من تشجيع المخرجين الشباب ليشتغلوا على فيلمهم الطويل أو القصير لأول مرة، وبدك تشتغلي على تطوير القصة، ويِلزمك تدعمي موهبة المخرج/ ة، بِدك تضلي دائماً بالسوق العالمي لتأمين شراكات للإنتاج، وبدِك تضلي تقاتلي على القصة تبعك ولا تقدمي تضحيات مقابل التمويل، بالأخير بِدك تحققي كل هذه الموازنات وتعملي إستراتيجية منيحة للفيلم".
مي عودة: "توقيع اتفاقية التعاون الثقافي بين لجنة أبو ظبي للأفلام وصندوق السينما الإسرائيلي خطير للغاية، هدول الدولتين رح ينتجوا أفلام تحكي عن القصة من وجهة نظرهم! نحن نعيش في وقت صعب جداً"
"فأنت كمنتج لفيلم مستقل دائماً يلزمك تكون حاضن لكل هالجميع، وتوقف هاللأشياء على أساسها الصحيح، هادا شغل كتير وفي العادة ماحدا ينتبه له، لأنه دائماً الـ Credit والأضواء تذهب للمخرج أو الممثل. وأعتبر جائزة "فارايتي" هي بمثابة تكريم لكل المنتجين المستقلين ودورهم، لإنه عن جد بيحاربوا في ظل مناخ بيصير أصعب، لإنه كل مرة نخسر بالعالم العربي صندوقاً لدعم الأفلام، فضلاً عن هاي المبارزات السياسية التي تحرمنا مرات من دعم صناديق المنح، ونحن كمنتجين يلزمنا دائماً بحث عن وسائل جديدة لتمويل ودعم الأفلام الشبابية المستقلة".
أهديت الجائزة لعائلتك. إلى أي مدى كان ترحيب العائلة بعملك في السينما في ظل رفض عائلتنا العربية بعمل أبنائهم/ن بالفن؟
بصراحة، أنتمي لعائلة عظيمة لديها هامش كبير من الحرية والتعليم. صحيح أمي ضلت تحكي لصديقاتها أني أدرس الاقتصاد وليس الإذاعة والتليفزيون حتى تخرجت، لإنها ترى أنها دراسة غير جادة، ولكن وقت ما صاروا يشاهدوني بالتلفاز أثناء عملي الصحفي، أصبحوا يتفهمون أكثر طبيعة عملي.
والتحدي كان أكبر عندما عملت بالسينما، وهم يُشاهدون ابنتهم تنفق كل قرش على صناعة الأفلام، ولكن دون عائد مادي وتقضى شهوراً بمواقع التصوير، (تضحك):في يوم ، سألني أبوي : وينتا راح تشتغلي اشي جدي؟ لكن دائماً هم فخورين وداعمين جداً لعملي، وعندما أسست شركة الإنتاج لم أجد أحلى من اسم العائلة "عودة للأفلام"، وإهدائي للجائزة أقل تقدير لهم.
عائلتك تفهمت عملك، ولكن حدثيني عن نظرة المجتمع الفلسطيني للمرأة صانعة الأفلام، أين وصلت؟
نحن بفلسطين خِلقنا والكاميرات في وجوهنا، مِعوَدين جداً على الصحافة والكاميرات لكوننا في قلب الحدث، ولكن قبول عمل النساء كمخرجات يختلف من منطقة لأخرى. قطاع غزة مثلاً أكثر تقليدية من الضفة الغربية، عندما حملت كاميرتي لتصوير فيلمي "يوميات" في غزة، كانوا يعتقدون إني أجنبية، ويمدحون لغتي العربية السليمة؟!
وهو يعكس تصورهم أن المرأة الفلسطينية لا تحمل كاميرا. ولكن مع هيك، الوضع بفلسطين أفضل من أي مكان آخر بالعالم على مستوى انخراط المرأة بصناعة السينما، نحظى بصانعات أفلام جدعات، ومازال لديهن حكايات يبحن بها للعالم.
أن تكوني امرأة ومنتجة في المجال الإبداعي السينمائي، ماهي التحديات التي واجهتك؟
كامرأة منتجة في اللوكيشين، هناك من ينظر لك وكأنه يقول: "ليش بدي أسمع حَكيك أصلاً"، هناك بعض المسؤولين في الدوائر الرسمية ومواقع التصوير لا يتطلعون بعيني عندما أحكي معهم واناقش بعض الملاحظات ، ولكن يحكوا مع المساعد الذي يقف بجواري؟! ولكن يظبط الحال فيما بعد عندما يعلمون أني منتجة الفيلم، بينما ينصدموا بالأول عندما يعرفون إني المرأة المسؤولة عن التصوير.
مي عودة: "عندما تطرحين أفكارك كمنتجة على المديرين لا يأخذونك على محمل الجد لمجرد كونك امرأة! المرأة في مجال كصناعة السينما بدها تحكي وتقاتل أكثر ليسمعوها"
وهناك تحدى على مستوى صناعة السينما الغائبة بفلسطين، عندما تطرحين أفكارك كمنتجة على المديرين لا يأخذونك على محمل الجد؟! عندما يذهب منتج شاب بفكرة يأخذونه بجد أكثر مني لكوني امرأة؟! المرأة في مجال كصناعة السينما بدها تحكي وتقاتل أكثر لكي يسمعوها، تحتاج لأكثر من محاولة للوصول، عكس الرجل، بدها مجهود وعمل خمس أضعاف ما يبذله المنتج الرجل في بلادنا.
ولكن تظل المشكلة الأساسية التي تواجه كل المنتجين بفلسطين رجال/ نساء هي غياب الدعم لأفلامنا، عدم امتلاكنا لصناعة سينما حقيقية، حيث افتقارنا لدور العرض، دائماً نستأجر المعدات، ليس لدينا استوديوهات أو أماكن تصوير. صحيح صار عندنا هلا طواقم مؤهلة، لكن هاذوك الكل يعملوا كل ثلاث سنين مرة، لأنه ليس لدينا استمرارية في صناعة الأفلام.
صرحت بأحد اللقاءات الصحفية: "نحن نتحايل لإنجاز أفلامنا ". كيف يخلق الاحتلال وضعاً إضافياً متأزماً أمام صُناع الأفلام المستقلة؟
بالتأكيد الاحتلال يضاعف الصعوبات، نحن غير مسموح لنا الحركة إلا في إطار ضيق جداً، تصنعين سينما معناها الأساسي هى الحرية، ولكن أنت كصانعة أفلام في خطر دائم، لا تمتلكين حرية الحركة من مكان لآخر.
كفلسطينية أحمل الهوية الفلسطينية ممنوع دخولي القدس، الناصرة، غزة، يافا وحيفا، ومن ثم كمنتجة ممنوع تصوير أفلام بهذه المدن، وكذلك محرومة من العمل بأفلام مخرجين، مثل إليا سليمان وهاني أبو أسعد، لأنهم يعيشون في هذه المناطق، لكن مسموح فقط بصناعة الأفلام في الضفة الغربية وهي مساحة كتير ضيقة.
اضطرينا لإلغاء يوم أثناء تصوير الفيلم القصيرالأول "عبور" لأمين نايفة، لأنه اعترضتنا عربية جيش إسرائيلي. ولكن أصبحنا نتحايل على هذه المخاطر فعلاً لإنجاز أفلامنا، فتدربنا أكثر أثناء تصوير "200 متر" على كيفية مواجهة هذه المواقف الطارئة، من مرور دوريات الجيش الإسرائيلي، خاصة إننا صورناه في أماكن خطيرة بجوار العازل، الحواجز والمستوطنات. وخططنا أكثر للتصوير بالاعتماد على طواقم عمل أصغر حتى لا نلفت الأنظار، وقمنا بتصوير المشاهد الخارجية في مواقع حقيقية، وصممنا استوديو صغير لاستكمال المشاهد الداخلية، حفاظاً على فريق العمل وتفادي الخطورة.
ماذا لو تطلب تصوير أحد أفلامك الحصول على تصاريح من سلطات الاحتلال؟
أرفض تماماً الحصول على تصاريح من السلطات الإسرائيلية، وسنظل نصنع أفلامنا في ضوء المخاطر.
إذن، ما هو رأيك في لجوء بعض المخرجين الفلسطينيين لتمويلات صندوق الدعم السينمائي الإسرائيلي لأفلامهم؟
هذا إشي مختلف! عندما أكون مخرجاً فلسطينياً يعيش بمناطق خاضعة للاحتلال وأحمل جواز سفر إسرائيلي، وأدفع ضرائب كاملة لدولة الاحتلال، هنا يمكنني أتفهم موقف المخرجين الفلسطينيين الذين يحصلون على هذه التمويلات، ولكن أنا شخصياً لا أحبّذ ذلك رغم تفهمي، ولكن ما بفهم مخرج فلسطيني يحصل على مصاري إسرائيلية ويعرض أفلامه في تلفزيونات ومهرجانات إسرائيلية، هاذوما اختلف معهم تماماً. ليس لدي خلاف مع نموذج مثل المخرجة سها عراف، حصلت على تمويل اسرائيلي لفيلمها لإنها تعيش في حيفا، ولكن شاركت بفيلمها بمهرجانات عالمية تحت اسم فلسطين.
مي عودة: "على الرغم من الضغوطات التي نواجهها كصناع أفلام، من غياب صناعة سينما حقيقية بفلسطين، إلا أننا نمتلك أفلاماً عظيمة، نتاج مجهود فرديّ، نجحت في الوصول باسم فلسطين إلى كبرى المحافل العالمية
ولكن علينا الاعتراف أن التمويل سيفرض أجندته بلا شك، لا يمكنك كمنتجة فلسطينية الحصول على تمويل إسرائيلي وتهاجمين الاحتلال؟
صحيح، ولكن أنت في قتال كمنتج أو مخرج فلسطيني تأخد تمويل، سواء كان أوروبي أو إسرائيلي، دائماً تواجه تحديات كبيرة، لذا "ضلك تقاتل على رؤيتك ولا تقدم أي تضحيات ليخرج فيلمك بصورة منيحة. خاصة أن معظم الأفلام المستقلة الآن تعتمد على تمويلات أوربية، في ظل انحسار دور صناديق الدعم العربي.
وفي ضوء حديثك، إلى أي مدى المنتج الأجنبي أصبح مثل المنتج التقليدي في فرض أجنداته وهو ما يقيد حرية المبدع؟
هناك شغلتين في هالقصة، الأولى: قديش أنت كمخرج ومنتج تكون واثق من حالك وقصتك وفيلمك، وفاهم السوق ومعاييره عن جد، ومن ثم تقدر تدافع عن فيلمك لآخر لحظة مع جهات التمويل، أما الثانية، إنه أي صانع أفلام جديد ممكن ينغرّ ويتنازل تجاه أجندة المنتج الأجنبي، لأن الجهات المانحة بِدها تأخذ الفيلم لاتجاهها الخاص؟!
سأحكي لك، عندما ذهبت مع أمين نايفة بفيلمنا "200 متر" ورشات تطوير عديدة، كنت أنصحه دائماً بالإنصات للجميع، وبالأخير سنعمل اللي بدنا إياه بقصتنا، وليس كما تريد الجهات المانحة. ونصيحتي لأي مخرج شاب أن يصنع فيلماً قادراً على الدفاع عنه ويقاتل على فكرته!
وهل تواجهين مشكلات كمنتجة في تسويق أفلامك التي تحكي عن القضية الفلسطينية بالمهرجانات العالمية؟
لا شك إننا نواجه عدو كتير ذكي، ونلاحظ دائماً هالتواجد للأفلام الاسرائيلية في ذات القسم المشارك فيه الفيلم الفلسطيني بالمسابقات وبالمهرجانات العالمية، وحقيقي تعودنا على ذلك.
ولكن يبقى نتيجة واحدة، وهي أن الفيلم الجيد يفرض نفسه، وها نحن نفوز بجائزة الجمهور من مهرجان فينسيا وعشرات الجوائز من مهرجانات دولية أخرى. أما المشكلات تبدأ مع التمويل، عندما أطرح فكرة فيلمي على جهات مانحة يضلوا خائفين من الحكي في السياسة، وستظل الفكرة أكثر قلقاً للممولين الأجانب وهي على ورق أكثر من كونها فيلماً جاهزاً.
على ذكر الحديث عن التطبيع، شهد مهرجان الجونة انتقادات لاذعة لتكريمه الممثل الفرنسي "جيرار ديبارديو"، وأدان اتحاد النقابات المهنية المصرية من يحضر المهرجان؟
لست مسؤولة عن قرار التكريم، وإن كان رأيي الشخصي ما بدي تكريمه، ولكن التطبيع لا ينطبق على الرجل، نحن لا نحاكم أشخاصاً. ديبارديو لديه إشكاليات كثيرة، اعتنق ديانات متعددة: الإسلام، المسيحية، اليهودية، حصل على الجنسية الروسية... هو إنسان متخبط ولكن فنان جيد، كل يوم له رأي جديد، وتكريم مهرجان الجونة له لكون فناناً وممثلاً فقط. وكفلسطينية مواقفي دائماً صريحة، وما بتنازل عن أي إشي، وحسيت إن تكريمه لا يمس أفكاري ومعايير التطبيع المؤمنة بها.
ولو فكرنا في الأمر بهدوء، أيهما أفضل: أقاطع المهرجان أم يذهب فيلمنا الفلسطيني "200 متر" ويفوز بخمس جوائز ويصبح حديث الإعلام، من الرابح إذن؟! فيلمنا له موقف سياسي وتصريحاتنا كصناع للفيلم في كل اللقاءات الصحفية تحكى سياسة وسينما، وموقفنا واضح: لم نلتق بالممثل الفرنسي، لم نصافحه ولم نمدحه، إذا أين هي المشكلة؟!
بخبرتك، ما هي روشتة الحلول للنهوض بالمشهد السينمائي الفلسطيني؟
على الرغم من الضغوطات الكثيرة التي نواجهها كصناع أفلام، من غياب صناعة سينما حقيقية بفلسطين، إلا أننا نمتلك أفلاماً عظيمة، نتاج مجهود فردي من مخرجين وكتاب فلسطينيين نجحوا في الوصول باسم فلسطين والسينما الفلسطينية إلى كبرى المحافل العالمية، بل سبقت السينما الفلسطينية كثيراً من سينمات عربية مجاورة، ولكن إلى متى يحارب صناع الأفلام لإنجاز أفلامهم؟ أن تنجزي فيلماً فلسطينياً عن جد أشبه بمعجزة. ليش نضل 10 سنوات لننجز فيلماً واحداً؟
نريد، كصناع أفلام، تخطيطاً ورؤية من وزارة الثقافة الفلسطينية وإيماناً بأهمية وجود قاعدة حقيقية لصناعة سينما بفلسطين، من خلال توفير صندوق دعم للأفلام، مؤسسة سينمائية فلسطينية لتوزيع أفلامنا، وتلفزيوناً فلسطينياً يشترى أفلامنا ويعرضها للجمهور، إنشاء مدارس ومعاهد للسينما. هيك يكون لدينا أفلام وصناعة سينما.
"200 متر" هو أول فيلم روائي طويل من إنتاجك، حصد أكثر من 15 جائزة حتى الآن، يمثل الأردن بالأوسكار 2021 وفلسطين بالجولدن جلوب، كيف ترين كل ذلك؟
بصراحة إنجاز عظيم وحلم لم أتخيله، مع كل خطوة نجاح يحققها الفيلم في هذا الزمن الصعب، سواء على المستوى الصحي وجائحة كورونا، والمستوى السياسي الذي تعيشه المنطقة العربية. ظروف إنتاج الفيلم وخروجه للنور كانت قاسية جداً، من حيث التصوير والميزانية المحدودة ومواقع التصوير الكثيرة مع الأيام المحدودة، مرحلة الـ postproduction للفيلم تمت عبر الـ zoom في ظل غلق المطارات ومنع السفر. كان أول مرة أشاهده كاملاً في عرضه العالمي الأول بمهرجان فينسيا، وهونيك تنفست وصرخت: عن جد صار عندنا فيلم. (تضحك).
مي عودة: "إلى متى يحارب صناع الأفلام لإنجاز أفلامهم؟ أن تنجزي فيلماً فلسطينياً عن جد أشبه بمعجزة!"
في رأيك ما أهمية وجود فيلم " 200 متر" خلال موجة التطبيع التي تشهدها المنطقة العربية؟
يثبت أن الوجع وتفاصيل الحياة اليومية التي يعيشها الفلسطيني والتي لا تظهر في نشرات الأخبار وتفاصيلها، حيث يصعب على الأب أن يرى ابنه أو يذهب لعمله بسهولة بسبب الجدار العازل، قديش يوضح إننا نعيش في ظل نظام أبارتايد، فصل عنصري، تحت الاحتلال الصهيوني، وإن اتفاقيات السلام التي توقعها الدول العربية الآن ليس لها علاقة بالسلام العادل للشعب الفلسطيني.
بدنا سلام يعطينا جميع حقوقنا، والشعب الفلسطيني جاهز دائماً للسلام، ولكن شو هو ملامح هالسلام؟! هل لدى الكيان الصهيوني نيّة حقيقية للسلام الذي يحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه؟! أم نكرّر نفس أخطاء الماضي ونوقع اتفاقيات مثل اتفاقية أوسلو المنافية تماماً لكل حقوق الإنسان؟! (تكمل ساخرة) نرى ركض الدول العربية لتوقيع اتفاقيات سلام وهي مُصالحة بلا ثمن، بفهم ليش مصر والأردن عقدت اتفاقيات سلام، لكن باقي الدولة العربية ليست بحرب حتى تسعى للمصالحة؟! الدول العربية أعطت بهذه الهرولة للاتفاقيات هدية جديدة لإسرائيل.
يعرض حالياً فيلم " 200 متر " تجارياً لأول مرة بقلب القاهرة. أهمية ذلك للفيلم؟
سعيدة جداً لعرض الفيلم بمصر، في ظل الوضع الاستثنائي، من اتخاذ الاجراءات الاحترازية للحد من انتشار كورونا، فرحة كبيرة أن جمهور السينما يشاهد الفيلم في دور العرض وليس أونلاين عبر المنصات، لإننا لا نعلم متى سيكون للفيلم فرصة للعرض السينمائي خلال الأيام المقبلة في البلدان المختلفة. ونأمل افتتاح الفيلم لمهرجان القدس للأفلام العربية بأواخر شهر يناير الجاري 2021.
على ذكر المنصات الرقمية. هناك مخاوف إنها ستقضى على ثقافة مشاهدة الفيلم بالسينما، ما رأيك؟
لا أظن، المشاهد الذي يحب الأفلام سيذهب لمشاهدتها قطعاً في السينما، وهو ما لمسناه من إقبال الجمهور أواخر عام 2020 بحضورهم لمهرجانات الجونة، القاهرة وقرطاج. ولكن كتأثير المنصات على صناعة الأفلام، أرفض إنتاج فيلم للعرض على المنصات فقط. لو نيتفلكس بدها فيلم، لابد من التأكيد على عرض الفيلم للسينما أولاً ثم المنصات. لست ضد المنصات، ولكن علينا أن نقاتل وندافع لآخر رمق لعرض الأفلام في دور العرض وللجمهور.
في الجزء الأخير من مقابلتنا، حدثينا من خلال عضويتك في لجنة تحكيم جائزة أفضل فيلم عربي بمهرجان القاهرة السينمائي في نسخته 42، عن تقييمك للسينما العربية خلال 2020؟
أولاً، سعيدة لإنتاج 10 أفلام عربية وخروجها للنور في عام الوباء وظروفه الاستثنائية الصعبة على صناع الأفلام، ثانياً، كان هناك تفاوت على مستوى الأفلام، دفعنا لاختيار فيلمين مناصفة للجائزة بين التراجيدي والكوميدي.
مهرجان القاهرة، أول مهرجان عربي يوقع ميثاق المساواة بين الجنسين لتمكين النساء في صناعة السينما (50/50)، ولمسنا ذلك في النسخة الـ 42 من زيادة عضوات لجان التحكيم، البرمجة، عدد المخرجات، ولكن ألا ترين أن هذه المعايير أصبحت وكأنها تحول الفن لكوتة وهو ما يتعارض مع حرية الإبداع بصفة عامة؟
(تصمت) أتفق مع وجهتي النظر. دائماً ما أرفض تصنيفي كمخرجة أو منتجة نسوية، حاكموني على الأعمال فنياً وليس لكوني منتجة امرأة. وهو نفس الشيء بِدي أكون بلجنة التحكم ليس لكوني امرأة تفرضها المعايير والميثاق، لكن لاستحقاقي التواجد كمنتجة وفنانة، وكذلك يُختار فيلمي وينجح ويحصل على جوائز لأنه فيلم جيد ليس لكوني مخرجة امرأة.
لكن في وسطنا الفني علينا أن نعترف "المرأة بِدها زقة شوية" لتمكينها في الصناعة، خاصة في ظل مجتمعاتنا العربية، حيث يُؤخذ فيها الرجل بجدية أكثر من المرأة. صحيح أنا ضد الكوتة وأحب أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، سواء رجل أو امرأة، ولكن صانعات الأفلام في عالمنا العربي يحتجن إلى دفعة قوية وتسليط الضوء على أعمالهن، لمواجهة النساء في الصناعة تحديات أكبر من الرجل.
ما هو مشروعك السينمائي الجديد في 2021؟
هلا بعد ما فزنا بمنحة تطوير من ملتقى القاهرة السينمائي، ضمن فعاليات الدورة 42 للمهرجان، صِرنا أكثر قرباً لخروج فيلم "عارض الأفلام الأخير" للنور. نحن الآن في مرحلة postproduction، وهو مشروع وثائقي جميل للمخرج ألكيس البكري.
سعيدة بالمخرج لإعطائي هالثقة، لأكون منتجة الفيلم الذي يدور حول ترميم سينما جنين القديمة، حيث تابع المخرج على مدار 7 سنوات من التصوير مراحل ترميم السينما، مع قدوم منظمة ألمانية غير ربحية تولت عملية ترميمها وتجديدها، ورصد المخرج كيفية تهميش المنظمة الألمانية للكادر الفلسطيني واستبداله بالكادر الألماني خلال عملية الترميم، من خلال التركيز على شخصية "حسين" عارض الأفلام بالسينما القديمة، الذي ابتهج لعودة السينما للعمل بعد الترميم، مُعتقداً بعودته للعمل، ولكن الألمان استبدلوه بعارض ألماني.
ولكن بعد استمرار افتتاح السينما وترميمها، اشترى رأسمالي فلسطيني السينما وهدمها وحولها لمول تجاري، ليعود المخرج أليكس البكري لتصوير الركام ويوثق وفاة حسين بعد شهر من الهدم.
رحلة طويلة خاضها المخرج الذي قرّر إهداء الفيلم لروح حسين، وتكريماً للسينما الفلسطينية، وتحمست كثيراً كمنتجة لهذا المشروع لأهميته، خصوصاً في هذا التوقيت الذي يشهد تغيير في ملامح السينما، وإقفال عدد كبير من دور العرض السينمائي، ليكون الفيلم إهداء لثقافة السينما لأنها سلاحنا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم