يصعب على المرء أن يدرك بأنّ أوّل مقهى عربي أُسّس في حيفا، بعد النكبة، كان في أواخر التسعينيّات. لكن ذلك كان الحال في المدينة قبل الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية التي أفرزت ميولاً اجتماعيّاً وسياسيّاً وثقافيّاً نحو الاستقلال عند دولة إسرائيل. جئت إلى حيفا عام 2003، فتعرّفت إلى ذلك المقهى؛ فتوش. تحقّقت فيه فكرتي "الأدبيّة"، التي كانت شبه خياليّة، عن معنى المقهى الثقافي، فيه التقيت بكتاب لأوّل مرّة في حياتي، فيه قرأت شعراً لأوّل مرّة في حياتي. فيه تجمّعنا، قبل أن يأكلنا الفيسبوك، لنقرأ الصحف الأسبوعيّة تحت زيتونة من زيتوناته ظهيرة يوم الجمعة. وفيه استرحنا بعد مظاهراتنا السياسيّة، أو التقينا بعدها. وفيه، تعرّفت إلى الموسيقى البديلة والتقيت بأصدقاء جدد.
وراء هذه القصّة، التي تبدو فرديّة لكنها تتشابه وقصص كثيرين من أبناء فلسطين وحيفا بالتحديد، شخص شغوف بالفنّ، جامع لأكبر مكتبة موسيقيّة محليّاً، مفتون بالمقتنيات والسفر، هو وديع شحبرات؛ الذي نخصّص هذا اللقاء في رصيف22 للحديث معه عن حياته التي تمركز فيها مقهى فتوش. ليمتدّ هذا ويتّسع على مدار عقدين من الزمن فيصبح ركناً من أركان حيفا وفلسطين الاجتماعيّة والثقافيّة. وكنت عمّقت معرفتي بهذا المكان من خلال عملي في مشروعه الثقافيّ لبضع سنوات. لكنّ هذا اللقاء سيتقرّى طرقاً في حياة شحبرات، الفرد وراء المؤسّسة، وفي أحلامه الكثيرة.
يصعب على المرء أن يدرك بأنّ أوّل مقهى عربي أُسّس في حيفا، بعد النكبة، كان في أواخر التسعينيّات.
حلم صغير بمكان يُشبهنا
مشروع مدفوع برغبةٍ تبدو الآن بسيطة، لكنّها بالنسبة لوديع شحبرات كانت ذات قيمة تجعله يؤسّس كلّ هذا؛ وهي حاجته وحاجة أصدقائه للسهر في مساحة عربيّة يشعرون فيها بانتماء. "المسألة ليست عنصريّة. كلّ ما في الأمر أنّنا كنا نلتقي في أماكن إسرائيليّة، الوحيدة المتوفّرة، نستمع إلى الموسيقى العبريّة التي يشغّلونها، ونشعر بأنّ الجميع يلتفت إلينا حين نتكلّم العربيّة"، يقول وديع، الذي تساءل عن شكل المكان الذي سيشعر فيه هو وأصدقاؤه بالراحة. كم يبدو هذا الحلم عاديّاً، لكن في تلك الفترة في حيفا بدا الأمر بالنسبة لمن أحاطوا وديع مغامرةً. يتابع: "اقتصرت المحال آنذاك على المطاعم الشعبيّة، لم تكن ثمّة ثقافة بارات ومقاهي عربيّة في حيفا. كنا بعد اتفاقيّة أوسلو نسافر إلى رام الله ونرى المقاهي والبارات، كنت أسافر إلى القاهرة وأشعر بالغيرة لمرآها ومرأى السياح وهم يستمعون إلى فيروز وأم كلثوم. فكرت بأنّ علينا أن نصنع شيئًا دون أن نخاف من ثقافتنا. نجمع الجميع حول هذه الثقافة وليس العرب فقط".
وديع شحبرات (تصوير هبة خطبا)
لم يحلم وديع، الذي عمل آنذاك في صحيفة الاتحاد، لسان الحزب الشيوعيّ، بمقهى وبار بسيط، بل بمكان ثقافيّ رحب. يستضيف الأمسيات والمعارض، ويستمع الزائر فيه إلى الموسيقى الأثيرة على وديع. "الموسيقى عنصر أساس حيث يجلس الشخص. الموسيقى التي كانت تُستهلك في حيفا كانت تجاريّة. كنت بدأت حينها بالاستماع إلى موسيقى العالم واكتشاف جمالها. أشعر بنشوة كبيرة حين أُسمع الموسيقى القيّمة للناس فيلتفتون إليها ويسألون عنها"، يقول وديع، الذي اعتزم إقامة مشروعه، رغم مخاوف من حوله، فراح يجوب مقاهٍ في مصر والأردنّ وباريس ولندن. لملم أفكاراً من هذه الأماكن وبدأ يبحث عن المكان المثاليّ.
المصمّم وائل واكيم والكاتبان علاء حليحل وهشام نفّاع والخطّاط أحمد زعبي، أصدقاء وديع الذين ساعدوه في بحثه ثمّ تأسيسه لمقهى فتوش في جادة الكرمل؛ الشارع المركزيّ الذي استوطنه الألمان عند منتصف القرن التاسع عشر، والذي يطلّ على معبد البهائيين من الأسفل. "كنت بحثت في البداية في حيّ وادي الصليب المهجّر، لكنّ قصّة تهجير الفلسطينيين منه جعلتني أستثقل تأسيس المقهى هنا. ثمّ في يوم من الأيام، مشينا صدفة في جادة الكرمل ورأينا المكان. كان أشبه بمخرن مهدّم. لكنّي سُحرت بغرفة العقد (طراز البناء الفلسطيني القديم خلال الحقبة العثمانيّة)"، والتي أصبحت فيما بعد "الغرفة العربيّة"؛ جوهرة فتوش. عام 1998 تأسّس المكان وأطلق عليه وائل صديق وديع اسم "فتوش"، رنّ الاسم في أذن وديع واستساغه. "كانت البداية عبارة عن تحدّ حقيقيّ. في يدي شنطة موسيقى وحفنة نقود، أريد بها أن أتحدّى الذين قالوا إنّ هذا المشروع لن ينجح وإنّ الناس يسهرون عند اليهود فقط".
كنا نلتقي في أماكن إسرائيليّة، الوحيدة المتوفّرة، نستمع إلى الموسيقى العبريّة التي يشغّلونها، ونشعر بأنّ الجميع يلتفت إلينا حين نتكلّم العربيّة
مقهى ومطعم فتوش (تصوير هبة خطبا)
مكان يعايش تحوّلات سياسيّة واجتماعيّة
لكن لم تبد هذه البداية سهلةً، ليس للسبب آنف الذكر، بل لأسباب اجتماعيّة أفرزت عندها شرائح من المجتمع نفوراً من مساحة عربيّة منفتحة على الحياة الليلة. ذاك على الرغم من الالتفاف الكبير الذي لاقاه المكان فور افتتاحه. "كميات هائلة من الناس شاركت الافتتاح. غنّت أمل مرقص وقدّم الكاتب سلمان ناطور كلمة مؤثّرة عن ولادة مشروع ثقافي في البلد. وعن أن الثقافة تبدأ من المقاهي"، يقول وديع ويضيف: "لكن سرعان ما تراجع المشروع قليلاً. أشخاص سيئون قدموا إلى المكان، صُدموا من رؤية نادلات عربيّات لأوّل مرة واعتقدوا أنّ بإمكانهن التحرّش بهنّ. لكنّ الصبايا ملكن وعياً كبيراً وأدركن أنّهن بهذا يكسّرن تقاليد المجتمع والأهل". يستذكر وديع حادثة قتل بشعة ارتكبت بحقّ إحدى النساء العاملات في المكان، اعتُبرت، كنادلة تسكن وتدرس في حيفا، على أنّها عاهرة".
يستذكر وديع حادثة قتل بشعة ارتكبت بحقّ إحدى النساء العاملات في المكان، اعتُبرت، كنادلة تسكن وتدرس في حيفا، على أنّها عاهرة"
"فهمنا السبب وراء تراجع العمل؛ عقليّة الناس. لاحقاً قرّرت بعض الصديقات مثل ماريا دي بينا وخلود بدوي وفلسطين إسماعيل أن يتواجدن بشكل مكثّف في المكان. ثمّ عمل بعضهنّ كمضيفات وبدأت الأمور تتغيّر، إلى أن حدث التغيير الكبير وهو اندلاع الانتفاضة الثانية أو أحداث أكتوبر عام 2000"، يقول وديع. وقتئذٍ ارتاد العرب المساحات العربيّة إثر الوضع السياسيّ المتوتر والمشحون، وبدأت أعداد كبيرة من الناس ترتاد فتوش. "من سهروا في المحال اليهوديّة وجدوا ملجأً. وأنا قمت باستغلال الموضوع وتطوير المكان حتّى حقّق سمعةً واسعة عند مرتاديه داخل البلاد وخارجها في السنة الرابعة والخامسة لتأسيسه. أقمنا ليال ثقافيّة، جمعت أفكاراً من الأصدقاء وطبّقتها"، يقول وديع. عند هذه المرحلة غدا فتوش فضاءً اجتماعيّاً يحمل لقاءات وتقاطعات المجتمع الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة. وكما تحلّقت الشعوب القديمة حول النار وصنعت حواراتها وقصصها، تحلّقت الشعوب المعاصرة في المقاهي لتصنع حكاياتها. "وجد الناس أرضاً خصبة للقاء وإقامة المشاريع والفرق الموسيقيّة، والمواعدة، فقد تزوّج كثيرون بعد مصادفات في فتوش. شعر الناس آنذاك بأنّ ثمّة مكان يشعرون فيه بالفخر في حيفا. مكان يشعرون بأنّه خاصّتهم"، يؤكّد وديع، الذي بدأ بتقديم دعم ماديّ لمشاريع فنيّة وثقافيّة في حيفا من باب تشجيعها والترويج للمكان أيضاً. ويضيف: "لاحقاً، أسّس زبائن فتوش مقاه جديدة في حيفا وخارجها. أذكر مقهى تأسس قبل فتوش؛ وهو الزيتونة في الناصرة، وقد أغلق بسبب ضغوط الإسلاميين".
عرض لأكرم عبد الفتاح وسماح مصطفى في بار فتوش (تصوير وائل أبو جبل)
جامع الموسيقى وطارق بوّابات الشعوب
لا يمكن أن يفصل الزائر تجربة زيارة فتوش عن الموسيقى التي يسمعها في المكان. ينحاز وديع لأجناس موسيقيّة متنوّعة ومترامية الثقافات جمعها على امتداد سنوات طويلة. "بإمكاني أن أتحدّث عن حقبتين موسيقيّتين؛ الأولى كنت فيها مستمعاً للبوب والأغاني التي راجت في قناة إم تي في. وبعمر خمسة عشر عاماً انتقلت من مدرستي الداخليّة في القدس إلى حيفا للعمل كمراسل لصحيفة الاتحاد والانضمام إلى إطار الشبيبة الشيوعيّة. أهداني صديقي وائل ألبوماً لفرقة الجاز الأرمنيّة Night Ark، فسُحرت بالألحان الشرقيّة التي تُدمج بالغربيّة هكذا. وبدأت أزور دكان الموسيقى بشكل يومي. تعرّفت إلى الجاز الشرقي لربيع أبو خليل ثم إلى نصرات فتح علي خان، أصبح ذلك عادةً يوميّة أنكشف فيها على موسيقى جديدة من العالم وأجمع ما يمكنني جمعه من المال لاقتناء الأسطوانات. لاحقاً، عند التاسعة عشر من عمري، أخذت مادة تاريخ الموسيقى في جامعة حيفا وتزامن ذلك دخولي عالم التصميم الغرافيكي".
باستطاعة وديع تمييز الجغرافيا التابعة للموسيقى وتقرّي مركّباتها عند سماعها. تنقّل بين إسبانيا وفرنسا وإسطنبول ومصر ولندن وبرلين، فجمع كمّيات كبيرة من الموسيقى وعرفه أصحاب المحال التي تبيعها. فحظي مرتادو فتوش بهذه الكنوز. "أعتقد بأنّ فتوش أصبح بيتاً للموسيقى. أذكر أنماطاً كانت صعبة على التلقّي لكن الناس استساغوا سماعها كجزء لا يتجزأ من تجربة المكان. أعتبر سفري سياحة موسيقيّة وجلبي للموسيقى مشاركة لمتعة شخصيّة مع الناس".
يدخل كثيرون إلى فتوش ويسألون: من المصمّم؟ لدى وديع موهبة فطريّة في الديكور وتصميم الفضاء من حوله، فوضع ذوقه في كلّ زاوية وتفصيل صغير في مقهى فتوش ولاحقاً في بار وجاليري فتوش. وهو لا يفصل بين الموسيقى والعالم الماديّ الذي يخلقه التصميم الداخلي. يحدّثني عن الموضوع قائلاً: "في بداية تأسيسي لفتوش فكّرت بالنمط الشرقي والفلسطيني بخاصة. لكنّي فضّلت أن أجلب مزيجاً بين حضارات الشعوب. في المكان صبغة عربية لكنها تتّسع لثقافات أخرى"، ويضيف: "الموسيقى كانت بابي للتعرف على القطع التي أثّثت فيها فتوش، أنتبه، عبر بحثي عن الموسيقى ومشاهدتي لأغلفة الإسطوانات، إلى هذا العالم. فجمعت قطعاً من الأسواق التي زرتها خلال سفري إلى مصر وتركيا والمغرب وفرنسا.
غرفة فيروز في مقهى ومطعم فتوش (تصوير هبا خطبا)
مكان آمن للكويريّين والكويريّات
يُعرف فتوش بأنّه مكان آمن للكويريين والكويريّات. أعلن وديع عن مثليّته فانعكس ذلك على شكل دعم للمثليّات والمثليين في المكان. "قامت صديقة بوضع فتوش كمكان مرحّب بالضيوف المثليين في دليل سياحي. فعمل ذلك على جذب فئات جديدة. كما أنّنا كنا واضحين مع نُدلنا ونادلاتنا في مسألة وجوب تقبّل الجميع وعدم وجود مكان للعنصريّة. وقد عمل ذلك على إحداث تغيير حقيقيّ، في النظر إلى مسألة الحريّات، عند من جاءوا للعمل في فتوش بأعمار صغيرة". يذكر وديع حادثةً جاءت فيها عائلة عربيّة متديّنة إلى فتوش وجلست بقرب طاولة تجمّع حولها مجموعة من الشباب المثليين. فطالب رجل من تلك العائلة بطرد مجموعة الشباب حتّى يستمر في جلوسه. تصرّفت النادلة بتلقائيّة ومزّقت الطلبيّة وطلبت من العائلة، بلطف أن تغادر. عبّرت مجموعة الشباب حينذاك عن شعورها بالأمان. وعسانا لمسنا في حيفا دوراً للفضاءات العامة، في السنوات العشر الأخير، إلى جانب نضالات حقوقيّة منظّمة، في توفير عالم مرئي وآمن للكويريّين.
فتوش أصبح بيتاً للموسيقى. أذكر أنماطاً كانت صعبة على التلقّي لكن الناس استساغوا سماعها كجزء لا يتجزأ من تجربة المكان. أعتبر سفري سياحة موسيقيّة وجلبي للموسيقى مشاركة لمتعة شخصيّة مع الناس
معرض فتوش للكتاب (تصوير هبة خطبا)
أحلام متتابعة: المتجر والبار والجاليري
يملّ وديع من الروتين بسرعة، فيترجم ملله هذا بأمور بسيطة كأن يغيّر الأثاث، وبأمور كبيرة كأن يؤسس المشاريع الثقافيّة. فمنذ عام 2016، بدأ فتوش يعمل بشكل ممنهج على تقديم الثقافة. فأسّس أوّلاً متجر فتوش للكتب والفنون والموسيقى، تزامناً مع افتتاحه لطابق إضافيّ في المكان. احتوى على أربع غرف صغيرة وحميمة للجلوس، هي غرفة جدّي وغرفة جدّتي وغرفة فيروز وغرفة تحيّة كاريوكا. لكلّ منها نمطها الخاصّ وألوانها وأجواؤها. قدّم متجر فتوش كتباً من العالم العربيّ ومنتجات محليّة يدويّة الصنع واسطوانات موسيقيّة. وأطلق معرضاً سنويّاً للكتاب كان أشبه بمهرجان واحتفال بالكتاب والأدب والقراءة. ونظّم الأمسيات الأدبيّة والفكريّة والمعارض الفنيّة في الجاليري الصغيرة. تأسّست هذه مع تأسيس فتوش كأوّل مساحة عرض فلسطينيّة في المدينة، ونظّمت المعارض لمئات الفنانين، بعضهم كان لهم فيها معرضهم الأوّل. هل ملّ وديع مرّةً أخرى؟ "أول الأنشطة الثقافية التي رافقت فتوش هي المعارض، لكن الجاليري في المقهى والمطعم صغيرة. حلمتُ بجاليري فسيحة تنسجم ومعارض كبيرة. حلمتُ بمنصّة عروض كبيرة وبار أخّاذ. فكانت فكرة تأسيس البار والجاليري"، يقول وديع الذي وجد المكان المثاليّ لهذا المشروع عام 2018.
يُعرف فتوش بأنّه مكان آمن للكويريين والكويريّات. أعلن وديع عن مثليّته فانعكس ذلك على شكل دعم للمثليّات والمثليين في المكان.
"شعرت بأنّ الناس انتظروا مشروعاً كهذا. وتعطّشوا لمساحة يلتقون فيها في نهايات الأسبوع. وكان المكان، مساحة عملاقة بتصميم عالميّ يشعر معه الداخل أنّه خارج المدينة". افتتح المكان في خريف 2019 في البلدة التحتا في حيفا (المركز التاريخي). بار بمحتويات من مناطق مختلفة من العالم، سقف عال تتدلّى منه قطع الإضاءة التي أضاءت سفينة أو قطاراً قديماً، مقاعد من أوروبا أوائل القرن الماضي، قطعاً تدمج بين الصناعيّ والكلاسيكيّ. ومنصّة كبيرة استقبلت عروض الموسيقى الحيّة والدي جي. إلى جانبها جاليري فتوش الكبيرة لاستضافة وإنتاج المعارض الفنيّة. يقول وديع: "الجميل في المساحة أنّها مرنة وقابلة لاحتواء أي شكل من أشكال العروض؛ فنظّمنا ليال صاخبة وأخرى للموسيقى الكلاسيكيّة والهيب هوب، نظّمنا الأسواق للمنتجات اليدويّة، استضفنا مسرح خشبة في عمل "الكباريه" (فعرض العمل في مكان ينسجم معه)، عروض الأزياء، معرض فتوش للكتاب". انتهت هذه الرحلة، مؤقتاً، بسبب فايروس كورونا الذي اضطرّ فتوش معه إلى إغلاق المقهى والبار والجاليري حتّى إشعار آخر.
معرض "مياه التاسعة والنصف" في جاليري فتوش (تصوير هبة خطبا)
رأس المال والثقافة
لقد عمل فتوش وفق نموذج يدعم فيه رأس المال مشروعاً ثقافيّاً. في ظل ظروف اقتصادية ثقافية صعبة يعيشها الفلسطينيون في الداخل، كونهم لا يتلقّون دعماً فلسطينيّاً ولا يريدون، بمعظمهم، أن يتلقّوا دعماً إسرائيلياً. حول هذا النموذج الثقافيّ المستقلّ يقول وديع: "أؤمن بإمكان أن يدعم رأس المال الثقافة. لكنّا دخلنا مشروعاً كبيراً هو البار والجاليري، الذي صعّب علينا الظرف الاقتصادي. الفنون البصريّة والجاليري تحتاج ميزانيّات ضخمة. الجاليري مغلقة حالياً إلى أن نجد طريقاً لاستمرارها. سنقوم كذلك، بعد اجتياز الجائحة، بتطوير المشروع من جديد واستعادته من باب الاسم الذي حظي به وصنعه فتوش".
"أؤمن بإمكان أن يدعم رأس المال الثقافة"
وحول شكل الثقافة التي قدّمها ويطمح فتوش في تقديمها، يجيب وديع: "هويّة فتوش واسعة. فيها مكان للفنّ الحر والأشخاص الكويريين واليساريين وغيرهم. ينعكس هذا الاتساع في نوعيّة المرتادين؛ تجدين الجمهور البرجوازيّ والطلابيّ، العامل والعائلة والسائحة"، ويضيف: "قد يعجب الناس ما يقدّمه فتوش وقد لا يعجبه. لكنّي أنتقي ما يتواءم مع ذوقي الخاص وما يخدم قضيّة معيّنة وما يحرّر فكرة في مجتمعنا. وفي كلّ شيء نقدمه، أشدّد على التجربة الحسيّة والسمعيّة والبصريّة المرافقة للحدث". فمعرض الكتاب على سبيل المثال ليس مجرّد كتب مكوّمة. بل متعة بصريّة يوفّرها تصميمه وألوانها، وسمعيّة توفّرها الموسيقى. لا يرى وديع بأنّ هذه الهويّة هي هويّة حيفاويّة بالضرورة. فيقول: "على الرغم من الخليط البشري الذي يقال إنه حاضر في حيفا، لكنّي أشعر بأنها مجزّأة إثنياً وطبقيّاً. أرى حيفا من بابين؛ من بابها المعاصر وبابها القديم الذي توقّف عند النكبة وعند الأعلام الفلسطينيّة التي صنعت المدينة. لا أتوقّف عن التنقّل بين البابين وليس بمقدوري رؤية حيفا من جانب واحد. حيفا تغيّرت كما تغيّر كل العالم. هناك متخلّفون يعيشون بيننا. لكنّي أشعر بتطوّر اجتماعيّ ملموس. وبأنّي واحد من الأشياء التي تمشي مع هذا التطوّر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.