شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"من حقي أختار الراجل اللي حينام معايا"... المرأة في أعمال وحيد حامد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 8 يناير 202110:20 ص

يعرف من أين تبدأ قصته، وكيف يصنع حبكة سينمائية تضعك في قلب التفاصيل، وشخصيات ترتبط بها وبصراعاتها النفسية حتى المشهد الأخير، اختار وحيد حامد بطلات أفلامه من نماذج نسائية مختلفة، ومتشعبة عرض خلالها معاناة المرأة، وتمردها وضعفها، وقوتها، وانكسارها.

لم يختزل المرأة في نمط معين بل قدمها في جميع تجلياتها، إذ رسم صراعها في الحياة من أجل الحب أو سعياً خلف لقمة العيش. ورأى في أخريات صاحبات فلسفة خاصة، يقاومن نظرة ازدراء المجتمع لهن، بالإضافة إلى أنماط نسائية متنوعة قدمها الراحل خلال مشواره الممتد بضعة عقود.

"احكي يا شهر زاد": قهر النساء

تناول وحيد حامد في فيلم "احكي يا شهرزاد"، من خلال بطولة نسائية جمعت منى زكي، وسوسن بدر، ورحاب الجمل، وناهد السباعي ونسرين أمين في حالة من القهر النفسي والجنسي، والعنف المجتمعي حيال المرأة، إذ عبر من خلال بطلاته (وهن مختلفات في المستوى الاجتماعي والمادي) عن حالة تناقض وازدواجية المعايير في المجتمع.

ومن خلال شخصية سعيد الخفيف، التي قدمها الفنان محمد رمضان، سلط حامد الضوء على الضغط الذي تواجهه الفتيات غير المتزوجات، وعلى الطمع الذي يتعرضن له، سواءً من الأهل أو من المجتمع، بالإضافة إلى حرصه على إظهار الضعف الأنثوي للمرأة تجاه الرجل، والاحتياج الفطري لوجوده، وما يمثله هذا الوجود من أمان في مجتمع ذكوري.


الفيلم تناول صوراً عديدة لحالات "إجبار وإذلال" تتعرض لها النساء، كما ظهر في دور الدكتورة ناهد، التي أجهضت نفسها، واعتقلت في مظاهرة فردية، أرادت فيها فضح رجل خدعها، والأمر نفسه يتجلى في دور المذيعة هبة يونس، التي تحاول إنقاذ حياتها الزوجية من الانهيار قبل أن تصطدم في النهاية بأن زوجها مجرد رجل انتهازي، ضعيف، يمارس ضعفه عليها لإرضاء "السلطة"، والوصول لمنصب.

لم يختزل وحيد حامد المرأة في نمط معين بل قدمها في جميع تجلياتها، إذ رسم صراعها في الحياة من أجل الحب أو سعياً خلف لقمة العيش. ورأى في أخريات صاحبات فلسفة خاصة، يقاومن نظرة ازدراء المجتمع لهن

"ضل راجل ولا ضل حيطة"، هو الشعار الذي يفرضه المجتمع على فتياته، والفهم الخاطئ لدى بعض الرجال أن الذكورة وحدها تجعل أحدهم السيد في العلاقة، كانت القضية التي جسدت الفنانة سوسن بدر أو الآنسة أماني، مأساتها في حوارها مع الفنان حسن الإمام: "لو كان الجواز مفيهوش غير النوم على السراير، يبقى من حقي أختار الراجل اللي حينام معايا".


"معالي الوزير"... خمس دقائق كاشفة

في فيلم "معالي الوزير"، ومن خلال مشهد واحد لا يتجاوز خمس دقائق قدمته الفنانة يسرا في دور "زهرة فؤاد" أمام الفنان أحمد زكي "رأفت رستم"، قدم الكاتب وحيد حامد سبباً وحيداً ووجيهاً لسعي المرأة إلى الرحيل النهائي، وهو "احتقار شريكها".

عدة أسئلة تُطرح عند إعلان خبر الطلاق بين الشريكين، خاصة إذا كان الأمر متعلقاً برغبة المرأة في الخلاص، الأمر الذي ظهر جلياً في المشهد الذي أخرجه سمير سيف، ورسمه حامد بعبارات سلسة قوية كاشفة: «الست مننا لما تقرر تسيب جوزها بإرادتها يبقى قطعاً بتدور على راجل أفضل منه، وعايزة أشكرك عشان أنت اللي عرفتني عليه، وبعد ما حصل اللي حصل وكل واحد فينا راح لحاله اتجوزنا»، المشهد يعد لُب موضوع الفيلم، يعرض كيف يمكن أن تصل "سفالة" الرجل، حسبما وصف رأفت رستم نفسه، وعنفوان المرأة وثقتها بنفسها.


"طيور الظلام"... قادرة على الانتقام

بالرغم من أن الخط الرئيسي للفيلم يرسخ في الأذهان لقصة الصراع الدائر بين السلطة متمثلة في الحكومة، والمعارضة متمثلة في جماعة الأخوان، بطولة: عادل إمام (في دور فتحي نوفل)، ورياض الخولي (في دور علي الزناتي)، وأحمد راتب (في دور محسن)، وهم ثلاثة محامين أصدقاء، جمعت بينهم الزمالة، وفرقت بينهم المصالح والأهواء، إلا أن المدقق يجد أن الخط الرئيسي للفيلم هو تسليط الضوء على قضية "البغاء" السياسي أو الجنسي.

في العشق تتشابه النساء، "عالمة أو عاهرة" كما هو الحال مع «سميرة»، بطلة «طيور الظلام»، الدور الذي جسدته الفنانة يسرا، والذي سلط فيه الكاتب الضوء على قدرة المرأة على الحب، واستعدادها لتقديم أدلة على حبها، وتضحيات متتالية من أجل رجل تحبه، كما يكشف تغافل المرأة المتعمد إزاء كل ضوء يسطع ليكشف لها حقيقة لا تود هي الاعتراف بوجودها، وهو ما ظهر من خلال قصة سميرة، التي تتفانى في إثبات حبها لفتحي نوفل، بينما هو يستغلها في مشاريعه الخاصة، ويتاجر بجسدها، ويمنحه للوزير (رشدي الخيال).


"الراقصة والسياسي"... عزيمة امرأة

هل يمكن أن يقضى ماضيك على مستقبلك، هذه الإجابة تتوقف على كونك رجلاً أم امرأة، ففي "الراقصة والسياسي" الذي كتب سيناريو الفيلم الراحل وحيد حامد، وأدت البطولة الفنانة نبيلة عبيد (في دور الراقصة سونيا سليم) بمشاركة صلاح قابيل (خالد مدكور)، يتطرق حامد إلى ازدواجية المعايير في المجتمعات العربية، وكيف أن الغفران يتوقف في كثير من الأحيان على حسب نوع جنسك.

سونيا سليم امرأة بدأت حياتها في اليتم والفقر ثم اختبرت حياة بائسة مع زوج مدمن، قصة مئات من النساء، الأمر الذي يجعلها قصة تقليدية، لكن لأن صاحب الرواية إحسان عبد القدوس، وكاتب السيناريو هو وحيد حامد، والبطولة لنبيلة عبيد صنع هؤلاء فيلماً يُعّد أيقونة من أيقونات السينما المصرية، إذ سلط الضوء على نموذج المرأة المتصالحة مع مهنتها، والمتسقة مع ذاتها، والقادرة على التحدي والصمود من أجل تحقيق حلمها.

سونيا سليم امرأة صاحبة حلم مشروع، ومشروع إنساني طموح وبسيط هو «دار للأيتام»، مأوى لمن هم بلا مأوى وأهل لأنها لا تملك أهلاً، تدخل سونيا سليم في صراع للحصول على حقها في إنشاء دار أيتام، وهو ما تنجح فيه بالنهاية، كتب وحيد حامد سيناريو الفيلم بوعي جعله يضع البطلين أمام "وصمة" متشابهة، والمجتمع أمام مرايا مزدوجة المعايير، فهو ذاته المجتمع الذي كافأ الرجل فأصبح وزيراً وحارب المرأة لأنها قبل أن تكون راقصة فهي امرأة، لكنها تصفع معايير المجتمع بعبارتها الشهيرة "كل واحد بيرقص بطريقته، أنا بهز وسطى وأنت بتلعب لسانك وتخطب".

 ثلاث نساء لثلاثة أجيال

بثلاث نساء هن: سناء جميل (الجدة روحية)، وتهاني (الابنة)، وليلى علوي (الحبيبة)، غزل وحيد حامد نسيج قصص ثلاث نساء لثلاثة أجيال مختلفة من الطبقة المتوسطة، الأولى تحلم بالستر، والثانية تحلم بالحب، والثالثة عازمة على التوبة من السرقة ومن أنصاف الرجال، وعبر (سيد غريب) أحمد زكي، المصور الفوتوغرافي ورجل النساء الثلاثة يكشف وحيد حامد الأحلام البسيطة للنساء في الحب والاستقرار والأمان.

الناقد الفنى طارق الشناوي، يقول لرصيف22 إن وحيد حامد كان ينتقي نماذجه النسائية من أسفل سلم المجتمع، وينظر أفراده إليهن بتهاون واحتقار في أغلب الأحيان، ثم يضع بجانبهن فئات آخرى من أعلى السلم، وأصحاب مهن هامة وملابس فاخرة و«يضرب لهم المجتمع تعظيم سلام»، ليظهر من خلال النموذجين حقيقة كل منهم عملًا بالقول "وَالضدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضدُّ".


واعتبر الشناوي أن النموذجين كانا الهاجس الذي شغل بال وحيد حامد طوال الوقت، وهو ما فعله مباشرة في الراقصة والسياسة بعبارة: «كل واحد بيرقص بطريقته، أنا بهز وسطى وأنت بتلعب لسانك وتخطب». يعلق الشناوي على تلك العبارة، مبرزاً أهميتها: "هي رصاصة مباشرة إلى وضع المجتمع والمعنى المقدم في أغلب أعماله بتنوعاته المختلفة"، مضيفاً: "كان السيناريست الراحل مؤمناً بأن مقاومة المرأة دائماً مضاعفة نظراً لأن قهرها أيضاً مُضاعف، فالقهر الأول لكونها امرأة، والثاني لكونها تعيش في مجتمع ظالم، بالإضافة إلى أن حامد بطبعه كان رجلاً يكره القهر والظلم".

الناقدة الفنية خيرية البشلاوي تعتبر أن حامد قدم المرأة في كل تجلياتها، ولم يقتصر على تقديم المرأة القوية فقط، قائلة: "على الرغم من حبه للمرأة القوية، قدم أنماطاً عدة للمرأة الضعيفة، وصور انكساراتها كما يتضح من شخصية الأم روحية، الدور الذى قدمته سناء جميل في فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة"، وأخريات كما هو الحال فى بطلات فيلمي «المنسي» و«سوق المتعة».

"كان وحيد حامد مؤمناً بأن مقاومة المرأة دائماً مضاعفة نظراً لأن قهرها أيضاً مُضاعف، فالقهر الأول لكونها امرأة، والثاني لكونها في مجتمع ظالم"

ووصفت البشلاوي الراحل بـ"الكاتب صاحب البصيرة الاجتماعية العالية، يملك حساً سياسياً عالياً، ويقظة اجتماعية عالية. إنه ملاحظ للشارع ونماذج المرأة المصرية على تنوعها، ومبدع اجتماعي جيد، ابن زمانه وابن التقلبات التي شهدها المجتمع".

كل ذلك مكن حامد من عرض ملامح المرأة في صورة شاملة، وليست مجموعة صفات متكررة، منمطة، بحسب البشلاوي، التي أضافت: "وحيد حامد حرص على عدم تنميط المرأة، واختزالها بموضوعات محددة كالجنس أو الحب أو السياسة، ففي الراقصة والسياسي عبر عن الراقصة بشكل مختلف، فهي صاحبة بُعد سياسي واجتماعي، ولديها وعي وأفكار وفلسفة، راقصة ترى أنها ليست مختلفة عن السياسي، "الاتنين بيرقصوا كل واحد بطريقته"، حسبما قالت.

كذلك رأى الراحل مصر في كل مرحلة من مراحلها بتقلبات الوجوه فيها، إذ كانت صفحاتها متشابكة في الجوانب الاجتماعية والنفسية والسلوكية، فتمكن من عرض أزمات المرأة في سياقها السياسي والاجتماعي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image