شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
خارجاتٌ من الجحيم... ما الذي يدفع نساء عربيات للانتحار؟

خارجاتٌ من الجحيم... ما الذي يدفع نساء عربيات للانتحار؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 7 يناير 202111:38 ص

نعيد نشر هذا التقرير بالتعاون مع موقع "مواطن"

في سبتمبر/أيلول 2019 أقدمت ثلاث فتياتٍ سعودياتٍ ينتمين لمنطقة وادي الدواسر على الانتحار، فيما أرجع بعضهم السبب خلف انتحار الشقيقات الثلاث لضغوطٍ أسرية، بعدما كان قد برر مغردون سعوديون أن لعبة البوبجي هي السبب، الأمر الذي أثار سخرية ناشطات نسويات سعوديات طالبن بالتحقيق أكثر حول المعاناة التي دفعت الفتيات الثلاث للانتحار.

سارة حجازي، ناشطةٌ مثلية مصرية مهاجرة، تركت خلفها رسالة انتحارٍ للعالم تتحدث فيها عن معاناتها من الكآبة وقسوة المجتمع والحياة تجاهها بعد فرارها من مصر عقب رفعها لراية مجتمع الميم في حفلٍ لمشروع ليلى في القاهرة العام 2017 وتعرضها للاعتقال والتعذيب لثلاثة أشهر.

في يوليو/تموز 2020 سجلت حالة انتحارٍ جماعيٍ لثلاث فتياتٍ مصريات في محافظة الشرقية بتناولهن لحبوب الغلات، وأوضحت تقارير صحفية أن الانتحار الجماعي للفتيات الثلاث كان نتيجة مرورهن بأزمة دون توفر معلوماتٍ أخرى حول الواقعة.

مؤخراً وفي نهاية العام 2020، أقدمت فتاةٌ عمانية تدرس في جامعة السلطان قابوس، تدعى زوينة الهنائي، على الانتحار، لتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بعد ذلك صور رسالة انتحارها التي أرجعت فيها دوافع انتحارها لضغوط المجتمع الأبوي وحرمانها من امتلاك ذاتها وقراراتها في مجتمعٍ محافظ يمتلكها كأنثى حيث ختمت رسالتها بالقول “أنا لست ذاهبةً للجحيم، أنا خارجةٌ منه”.

خلف ذلك الرحيل المأساوي الذي يخلفنه وراءهن قصصٌ من المعاناة والضغوط التي تجعلهن يترجلن من سباق الحياة، وخلف تلك الأرقام نساءٌ يودعن الحياة رغماً عنهن دون الحصول على المساعدة.

وإذ تثير الأرقام الرسمية تساؤلاتٍ حول أوضاع النساء الحقوقية والصحية النفسية في البلدان والمجتمعات العربية، فيما تثار قصصٌ عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي حول انتحار فتياتٍ عربيات، يسلط هذا التقرير الضوء على ظاهرة انتحار الفتيات والنساء في العالم العربي.

ما هي تلك القصص خلف حوادث الانتحار النسائية، فرديةً وجماعية؟ ما الذي يدفعهن لرؤية الانتحار كخلاصٍ أخيرٍ ووحيدٍ من الألم؟ وما هي الأسباب الصحية والنفسية، والاقتصادية والاجتماعية التي تعزز الدوافع الانتحارية لدى النساء في المجتمعات العربية؟

نساءٌ وناشطاتٌ نسوياتٌ من بلدان وأعمار مختلفة يشاركن في الإجابة عن هذه الأسئلة ونقل صورةٍ أقرب حول الظاهرة بلسان النسوة أنفسهن.

"أنا لست ذاهبةً للجحيم، أنا خارجةٌ منه"، رسالة انتحارية لفتاة عُمانية تثير الكثير من التساؤلات حول واقع العديد من النساء العربيات

الخيار الأخير

إيمان البشاري، كاتبةٌ وناشطةٌ نسوية، تتحدث حول الانتحار “الانتحار هو الخيار الأفضل لمن لا يجد مخرجاً في حياته، فمن يقدم على الانتحار يكون في حالةٍ لا تسمح أن يُحاسب عليها”

ومشيرةً إلى أن العجز أمام تحديات وظروف الحياة التي تعيشها المرأة في المجتمع يشكل دافعاً لها لأن تضع حداً لهذه المعاناة إذا ما وصلت لحدٍ تعجز فيه عن التحمل والاستمرار تحت ذات الظروف.

ريتال، اسم مستعار، تتحدث لمواطن حول قصتها مع أفكار الانتحار مشيرةً إلى أن الضغوط والظروف العائلية وتفكيرها الدائم بخلع الحجاب يدفعانها لليأس والتفكير في إيقاف كل ذلك، وتقول “أنا حاولت الانتحار قبل كم سنة، بس محدا عرف، ومبارح فكرت انتحر…”.

فتاة تنتحر كل يومين، وامرأةٌ تعنف كل عشر دقائق على الأقل، ولا إحصائية لجرائم الشرف، هكذا ودعت نساء العراق العام 2020 بأكثر من 30 ألف حالة تعنيف يومي وما يزيد عن 130 فتاةً أقدمن على الانتحار ووضع حدٍ لمعاناتهن.

كانت هذه الأرقام وفق الإحصاءات الرسمية والتي بالتأكيد ليست شاملة لوضع النساء العراقيات، فكثير من الحالات لا تسجل أو تصل للجهات الرسمية، شاركتها آية علوش مع مواطن.

نتالي ديب، فتاةٌ سورية تعمل رسامة، تقول إن الأنثى تتعرض للعنف والسيطرة كأحد الضغوط الكبيرة التي تعزز دوافع الانتحار لديها مضيفةً أن الانتحار حقٌ أكيد وليس جريمة، حيث شبهته قارنته بالموت الرحيم قائلةً “إجبار شخصٍ على العيش في عذابٍ وألمٍ مستمرين بدون القدرة على علاجهم هو الجريمة..”

فتاة تنتحر كل يومين، وامرأةٌ تعنف كل عشر دقائق على الأقل، ولا إحصائية لجرائم الشرف، هكذا ودعت نساء العراق العام 2020 بأكثر من 30 ألف حالة تعنيف يومي وما يزيد عن 130 فتاةً أقدمن على الانتحار ووضع حدٍ لمعاناتهن

الحالة الصحية والاقتصادية

دراسات تشير إلى ارتباط النظام الغذائي بالصحة النفسية للفرد، إذ إن معظم حالات الانتحار قد تكون راجعةً لأسباب صحية، أهمها المعاناة مع مرض الاكتئاب، وتذكر منظمة الصحة العالمية أن الدول العربية تتصدر العالم في نسبة الاكتئاب وتراجع خدمات الصحة النفسية.

تدني مستوى دخل الفرد وقدرته الشرائية في معظم البلدان العربية التي يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر يفاقم الأزمة ويدفعهم أكثر للانتحار مع مشاكل الاكتئاب.

تقول إيمان البشاري: “سوء التغذية ونقص الفيتامينات في النظام الغذائي وفقر الدم واحدة من مسببات الاكتئاب الحاد الذي قد يؤدي للانتحار، وأنت تعرف جيداً أن الوضع الاقتصادي سيئٌ في معظم البلدان العربية بسبب الأزمات والحروب..”

تقول فرح، ناشطة جزائرية على وسائل التواصل الاجتماعي: “الانتحار هو -بالتأكيد- نتيجة لمشكلات نفسية، واحنا بالعام العربي ثقافة العلاج النفسي ليست منتشرة عموماً ولا يعطى لها أهمية، وفي حالة ملاحظة ذلك على المرأة، لن يقدم لها الأهل المساعدة وإنما سيخافون من أن يقول الناس عن ابنتهم بأنها مجنونة لأنها تراجع طبيباً نفسياً..”

مجتمع أبوي

النظرة المجتمعية للمرأة في المجتمعات العربية المحافظة ضمن نمطٍ ونموذج أخلاقي يحملها مسألة الشرف العائلي يجعلها تعيش واقعاً يعزز دوافع الانتحار لديها، حيث تقدم الكثير من الفتيات على الانتحار خوفاً من الفضيحة أو عواقب سلوكياتها التي يراها المجتمع بأنها فاضحة وتنتهك شرف العائلة.

ناناندا خليل، ناشطةٌ نسوية من الجزائر، تذكر أن معظم أسباب انتحار النساء والفتيات العربيات متعلقٌ بالظروف التي يعشنها في المجتمع الأبوي العربي، حيث تقول “الزواج أو ترك الدراسة أو الحمل غير الشرعي أو فقدان العذرية والخوف من الفضيحة والابتزاز بكل أنواعه، عاطفياً كان أو من شخص لديه رسائل أو فيديوهات سبب من الأسباب التي تدفع الكثيرات للانتحار خوفاً من العواقب”.

وتضيف خليل أن إلى جانب تلك الأسباب فإن المشاكل الأسرية والقوانين الذكورية التي تقف إلى صف الرجال في الدول العربية تضع النساء إذا ما مررن بتجربة الطلاق وحرمانهن من أطفالهن أو أُجبرن على العيش تحت التعنيف الأسري فسيقودهن الأمر للدخول في مضاعفات نفسية قد تنتهي بهن للانتحار.

إيمان البشاري ترجع الدوافع الاجتماعية خلف انتحار النساء لعلاقة السلطة الاجتماعية مع المرأة حيث تقول “المجتمع والعادات والتقاليد والأعراف والقانون يفرض على المرأة العربية قيوداً كبيرة فوق قدرتها على التحمل”.

تضيف إيمان: “أنت تعرف أن العلاقات العاطفية ممنوعة في المجتمع العربي، كل المنظومات الأخلاقية تتعامل مع المرأة كأنها آلة، آلةٌ لا تحتاج للعاطفة ولا الحب والجنس ولا الأمان ولا تحتاج لشيء.. هي فقط خادمة وجدت لتكون خادمة للذكور فقط..”

في رسالة انتحارها، ذكرت زوينة أنها لم تحتمل المجتمع الأبوي الذي يحملها مسؤولية ما يسمى بالسمعة والشرف، وأنها لا تمتلك الحق في اتخاذ قراراتها المتعلقة بحياتها الشخصية أو حتى جسدها

إنسانٌ من الدرجة العاشرة

في رسالة انتحارها، ذكرت زوينة أنها لم تحتمل المجتمع الأبوي الذي يحملها مسؤولية ما يسمى بالسمعة والشرف، وأنها لا تمتلك الحق في اتخاذ قراراتها المتعلقة بحياتها الشخصية أو حتى جسدها.

هبة مورغان، في سؤالٍ لمواطن تجيب: “إحساس الخذلان والوحدة وعدم الدعم، مافيش من تحكي له وليس هناك من يسمع أو يفهم، لهيك بتلجأ أغلب النساء أو الفتيات للانتحار، وبكون هذا هو طريق الهروب الوحيد اللي متأكدات إنه فش حدا يعاقبهن أو يحكم عليهن..”

العلاقة الزوجية غير المتكافئة وفق النظرة الاجتماعية للمرأة كإنسانٍ ناقص وغير كفءٍ للذكر، يتركها في صراع هويةٍ ينتهي إما برضوخها أو محاولتها التمرد على ذلك في واقعٍ اجتماعيٍ وقانوني لا يسمح لها بذلك، لتواجه المجتمع بأكمله بعد ذلك.

تقول إيمان: "يستطيع الزوج تكوين علاقاتٍ غرامية وجنسية مع أكثر من إمرأة، بينما هي في أمسّ الحاجة إليه... المرأة العربية حتى في علاقتها مع زوجها الذي يفترض أن يكون ملجأها الأخير هي منقوصة، فالرجل العربي يتعامل مع المرأة ضمنياً كإنسان من الدرجة العاشرة.. هذا إذا اعتبرها إنساناً بالطبع".

وتضيف إيمان: "هذا هو ملاذها الوحيد والأخير، ويتصرف معها بهذا الشكل، فكيف نتوقع حالة المرأة النفسية في هكذا وضع؟".

ما هي الحلول

أظهر استطلاع لموقع الباروميتر العربي أن ما يقرب من أكثر من 35% من سكان الوطن العربي يعانون الاكتئاب، فيما أشارت دراساتٌ أن المرأة أكثر تفكيراً في الانتحار من الرجل، فيما أكدت تقارير صحفية تستند على أرقامٍ رسمية ارتفاع نسبة انتحار الإناث مقارنة مع الأعوام السابقة كما في الأردن والعراق.

الحد من ظاهرة انتحار النساء العربيات يتطلب تحسين أوضاع البنية التحتية لقطاع الصحة النفسية والذي يعتبر الأسوأ في العالم العربي، حيث نشر رصيف22 تقريراً سابقاً حول الصحة النفسية ومشاكلها في العالم العربي المتعلقة بمحدوديتها وعدم قدرة الكثير الوصول لخدمات الصحة النفسية ودفع تكاليفها في الوقت الذي يتراجع فيه الوعي بأهمية الاستشارة النفسية.

نناندا خليل ترى بأن تقديم المساعدة لمن يواري أعراض الاكتئاب والإرهاق النفسي وسن قوانين عادلة تكفل حماية المرأة ومساواتها مع الرجل في البلدان العربية سيكون خطوةً نحو الحد من هذه الظاهرة.

أما إيمان البشاري فتعلق على الوضع الاجتماعي للمرأة العربية بقولها “المجتمع لا يتغير بضغطة زر..”


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image