شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كيف نجوت من جريمة قتل على

كيف نجوت من جريمة قتل على "شرف" العائلة… ومن الانتحار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 21 يوليو 201904:57 م

عندما تعرّضتُ للاعتداء الجنسي، قرّرت العائلة غسل شرفها بقتلي، واجتمعوا لهذا الهدف، بدأ العالم يتحوّل إلى "عصر الجاهلية"، وتحوّلت العائلة إلى قبيلة تريد القتل، عندما هزّتني أختي لتقول لي إنهم يريدون قتلي، صُدمت، ولم أجد ما أستطيع فعله... لا أن أدافع عن نفسي ولا أن أقول شيئاً حتى... فمن سيستمع لي؟ فاتجهت إلى الراديو وبدأت بالرقص، فلن يأخذوني على الأقل من هذه الحياة وأنا أبكي، وكانت هذه الحركة وحدها كفيلة بوضع اللوم علي، كانوا يريدون قتلي وأنا كنت أرقص.

بعد ثلاثة أشهر دخلت إلى جنازته كالغريبة، كان صديقي الذي قضيت طفولتي معه، مات في حادث ولم تسمح لي العائلة بأن أخرج من البيت لأودّعه وهو ميت، جرّتني قدماي إلى هناك ولم أع شيئاً إلا وأنا أدخل بيته، ابتعد حشود الناس من أمامي حتى وصلت إلى نعشه، هناك نظرت إليه النظرة الأخيرة، بينما كنت أسمع الحاضرين يتساءلون: ماذا تفعل هذه هنا؟ أعذروني يا سادة جئت لأودّع صديق طفولتي.

بعد ذلك لم يستمع لي أحد ولم أستمع إلى أحد، لم يكلمني أحد ولم أكلم أحداً، لقد أصبحتُ خفية فجأة. ذهبتُ داخل عقلي وغرقتُ به كثيراً، فقدتُ الثقة بكل الناس، وعقلي صار عبارة عن ماكينة طباعة تطبع الكثير من الأوراق الفارغة بلا هدف، وبقي كذلك لعدة سنين لم أستطع فيها إنجاز أي شيء في حياتي إلا بصعوبة بالغة وفقط المهم منه، وأنا عشت داخل عقلي أعاني من صداع مزمن، دقات قلب متتابعة وضيق في التنفس.

عندما هزّتني أختي لتقول لي إنهم يريدون قتلي، صُدمت، ولم أجد ما أستطيع فعله... لا أن أدافع عن نفسي ولا أن أقول شيئاً حتى... فمن سيستمع لي؟

لم نقل شيئاً للفراق الذي حصل بينا، ولم أودعهم، ولم يودعني أحد عندما ذهبت إلى سفراتي الكثيرة هرباً من نظرات الدونية التي رموني بها، والتي لم أتقبلها ولا مرة واحدة، وهرباً من العرسان الكثيرين المُعاقين، أو خريجي السجون، أو الزوج الذي هربت زوجته منه مع رجل آخر، أو ربما الرجل الأكبر مني بعشرين عام، كلهم هربت منهم، حتى من الرجل الذي أحببته، فلم أعتقد مرّة أني قادرة على أن أقف في شيء ما بثبات.

كانت رغبتي في الوجود بعد التهديد بالقتل رغبة عارمة، كنت كمن خرج من قبر ويريد أن يتعرّف على الدنيا مرة أخرى بذاكرة جديدة، لكن كنت إذا وضعت مكياجاً أو ضحكت للحياة، لبست فستاناً أو شاهدت مسرحيات وأفلاماً، أو خرجت إلى القهوة مع الأصدقاء، كان الأمر بالنسبة لمن حولي كأني اقترفت ذنباً كبيراً، لقد حطمتني العائلة وأنا ما زلت على قيد الحياة، أتنفس!

هذا الاضطهاد وتلك الخيبة ناما معي سنيناً طويلة، حيث كنت أضع يدي في يدي الأخرى أطمئنها بأني معها، مع نفسي. وعندما كنت أبكي لليالٍ طويلة كنت أقول لنفسي لن أتخلى عنك، أعدها بثياب جميلة، بأكل طيب، بحياة مريحة، كنت أَعِدُ نفسي أن أقف معها وأن أواسيها وأن أكون لطيفة معها، عشت بلا سند لوقت طويل حتى اعتدت على ذلك، لكن من داخلي صوت البكاء ما زال يذكّرني كم مرّة احتجت إلى سند.

كانت كل محاولات الانتحار فاشلة، رغم محاولاتي لأشرب الأدوية، لكن لم أستطع... كنت دائماً أحلم بكتابة مقالة من هذا النوع، فلم أستطع الانتحار وإلا لماذا لم أنتحر؟ وصدقوني، فإن كل أدوية الاكتئاب غير كافية لمحو السنين التي بقيت فيها أدافع عن نفسي، عن كياني، عن حدودي، وكأن لا حدود ولا كيان ولا مشاعر ولا مستقبل لي، لأنني تعرّضت للاعتداء، وهربت وبقيت أركض كالهاربين من زوبعة، وعندها يدق قلبي سريعاً وكأنه سيغمى علي، لم أضيع فقط سنوات عمري في عدم الرغبة في الوجود، بل أضعت سنوات عمري في الدفاع عن كياني من العودة إلى ذلك المكان الذي هُدِّدت بالقتل فيه، محاولات التصالح مع الذات ومحاولات تخفيف حدّة هذه التجربة على أعصابي.

رغم كل هذا اليوم من مكاني هذا، وحيدة وحرة، لقد استطعت، رغم الحروب الكثيرة والصراعات، أن أكون امرأة حرة

على الصعيد المجتمعي، غالباً من علموا بالقصة تقرّبوا مني من أجل ممارسة الجنس، وهذا أسوأ ما قدّمته لي الحياة بعد النجاة من جريمة "الشرف"؛ فتاة عاهرة مستباحة تستطيع النوم معها وحتى أن تهينها من دون الإحساس بالذنب، كانت مهمة حماية هذا الجسد من هذه الغايات صعبة، حتى أني أقفلت على كل رغباتي، وأقفلت على كل شي، ولم أعد أريد أحداً.

أما على الصعيد العائلي، كان هناك رفض لي وإنكار واحتقار لوجودي، على الصعيد الشخصي أيضاً أنكرت وجودي وعشت في حالة" الهروب أو القتال"، أنكرت جسدي ورغبتي وكرهت أن يلمسني أحد، ولا أستطيع التعبير عن الحب ولا عن مشاعري ولا عن آرائي... لقد بقيت سنوات طويلة صامتة، ولا أستطيع الثقة بأحد وعليّ أن أعرف كل شيء عن كل شيء قبل أن يحدث وإلا أصابتني نوبة هلع، وأثناء العلاقة الحميمة أتعرّض لفلاش باك ما يجعل الأمر مستحيلاً ومزعجاً، احتجت إلى سنين طويلة ومتعبة كي أتغلّب على معظم هذا.

هل كان كل هذا ضرورياً؟ هل شرف العائلة شيء مهم بالفعل؟ وماذا يفعل شرفكم في جسدي؟

ثم لماذا لم تقولوا لي وأنا صغيرة أن هذا شرف العائلة، أن هذا الجزء من جسدي ليس ملكي بل لكم لأحتاط وأنتبه له؟ لما لم تعلموني شيئاً عن الجنس، ولم تقولوا لي شيئاً عن التحرّش، ولم تدرّبوني كيف أدافع عن نفسي؟ بل بالعكس، الخنوع والانصياع والطاعة هي الصفات المقبولة والأساسية لكل فتاة، ولما لم تقولوا لي منذ البداية أن المجتمع لا يفرّق بين العاهرة والضحية؟

هل كان كل هذا ضرورياً؟

أن أخسر كل شيء لأن شرفكم بين أفخاذي؟

على الصعيد المجتمعي، غالباً من علموا بالقصة تقرّبوا مني من أجل ممارسة الجنس، وهذا أسوأ ما قدّمته لي الحياة بعد النجاة من جريمة "الشرف"؛ فتاة عاهرة مستباحة تستطيع النوم معها وحتى أن تهينها من دون الإحساس بالذنب

لماذا لم تقولوا لي وأنا صغيرة أن هذا "شرف العائلة"، أن هذا الجزء من جسدي ليس ملكي بل لكم لأحتاط وأنتبه له؟ لما لم تعلموني شيئاً عن الجنس، ولم تقولوا لي شيئاً عن التحرّش، ولم تدرّبوني كيف أدافع عن نفسي؟

رغم كل هذا اليوم من مكاني هذا، وحيدة وحرة، لقد استطعت، رغم الحروب الكثيرة والصراعات، أن أكون امرأة حرة، طبعاً مع ضريبة، ضريبة عالية ومزعجة لكن النتيجة كانت تستحق كل هذا، بالرغم من إصراري على أن التجربة لم تكن تستحق، أتساءل يومياً هل هذه قصتي بالفعل أم قصة حياة شخص آخر؟ لقد خططت لحياتي بشكل آخر، وكل هذا لا يهم أحياناً، أنا آكل القمح أحياناً وأشرب الماء، ومنذ عام أصبحت أرقد في الليل وشعري بدأ بالظهور مرة أخرى. بدأت بخسارة الوزن، وأصبحت أستطيع تأليف جملة كاملة مفيدة، بالرغم من معظم الأمراض النفسية التي تزورني وتذهب... أنا معظم الوقت بخير.

يحق لكل امرأة أن تختار حياتها، أن ترفض زواجها القسري، ألا تتعرّض للقتل أو التهديد بالقتل على أساس الشرف، تجربتي هذه أقدّمها في المقالة لكل امرأة تعاني من تعرّضها للاعتداء: يجب أن تدركي أنك لست المسؤولة… والأشياء التي تخبئينها داخلك تصبحينها… حاولي أن تتحرّري منها، لأننا نعيش هذه الحياة مرة واحدة، فلنحاول أن نكسب أنفسنا حتى لو خسرنا هذا العالم.

*هذه القصّة منشورة باسم مستعار، كخيار وقرار للكاتبة. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard