شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
لماذ يحب السيسي الأرقام القياسية؟... تحليل نفسي-سياسي للنظام المصري

لماذ يحب السيسي الأرقام القياسية؟... تحليل نفسي-سياسي للنظام المصري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 15 يونيو 202010:31 ص

أطول، أكبر، أعرض... يحرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على تحقيق أرقام قياسية، ويحرص على تسجيل أكثرها في موسوعة غينيس العالمية.

وباتت العاصمة الإدارية الجديدة التي أعلن عن بدء إنشائها في آذار/ مارس 2015 الملعب الرئيسي لتحقيق أغلب هذه الأرقام، ما أثار فضول كثيرين راحوا يتساءلون عن سر تمسك الرئيس المصري بتحقيق أرقام قياسية.

آخر الأرقام التي حُرص على تسجيلها كان إنشاء أطول ساري علم، فقد أعلنت شركة العاصمة الإدارية عن بدء أعمال تأسيس أكبر ساري علم في العالم، في منطقة ساحة الشعب، ما أثار استياء كثيرين، خاصة أن الإعلان جاء في أوج أزمة داخلية بسبب فشل الحكومة في احتواء تفشي فيروس كورونا المستجد وعدم توافر أماكن في المستشفيات للعناية بالمصابين.

هوس الأرقام القياسية

أطول ساري علم في العالم ليس أول رقم قياسي يحرص السيسي على تحقيقه وإحرازه، فقد بدأ هذا الشغف خلال حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، في آب/ أغسطس 2016، والذي دُعي إليه أمراء وملوك ورؤساء، وحاول النظام إضفاء مظهر أسطوري عليه، علّ التاريخ يخلّده على غرار حفل افتتاح القناة الأم في عهد الخديوي إسماعيل في تشرين الثاني/ نوفمبر 1869 والذي حضره لفيف من قادة وملوك دول شتى من أنحاء العالم.

أما في العاصمة الإدارية الجديدة التي أراد السيسي منها أن تصبح مركزاً للأعمال والمال في مصر ومقراً للوزارات والمؤسسات الكبرى، فقد اتجهت الشركة المشرفة على تأسيسها إلى القيام بمشاريع تحقق أرقاماً قياسية جديدة، كان في مقدمتها أطول برج في إفريقيا والشرق الأوسط، ومن المقرر أن يبلغ ارتفاعه 385 متراً، ويتكون من 250 طابقاً، وسيضم شققاً فندقية ومراكز تسوق وكافيهات ودور سينما، وأماكن للاستجمام وملاهي.

وقررت شركة العاصمة الإدارية تنظيم أطول وأكبر مائدة إفطار جماعي في العالم وصل طولها إلى أكثر من 3000 متر واتسعت لإفطار 7000 شخص.

"اهتمام السيسي بتحقيق أرقام قياسية يؤكد أنه مصاب بمرض جنون العظمة، إذ إنه يفضّل القيام بمشروعات أو أشياء ليست ذات أولوية للمواطنين أو قليلة الأهمية بالنسبة إليهم لتحقيق مجد شخصي والظهور بمظهر الشخصية القيادية الناجحة التي تحقق الكثير من الإنجازات في أقصر الأوقات"، يقول الطبيب النفسي محمد الحسيني.

ويضيف الحسيني لرصيف22 أن "النظام السياسي الذي يلجأ إلى مثل هذا النوع من الإنجازات يستهدف تحقيق صدى محلي ودولي والظهور في صورة البطل والفارس الهمام الذي يشق الغمام، والذي لا أحد يستطيع منافسته، كما أنه يعد تلك الإنجازات ضربة قوية لخصومه ومعارضيه ممن يشككون في جدوى المشروعات التي تشيدها الحكومة على الأرض".

الحرب النفسية

يقول الدكتور محمد فرج، إنه في ظل وجود خصم سياسي قوي وشرس يستخدم دعاية مضادة بشكل دائم، يندفع متخذو القرار في مصر إلى تنفيذ مشروعات كبرى تحقق بعضها أرقاماً قياسية تستطيع الآلة الإعلامية والدعائية الخاصة به استخدامها في كسب تأييد وتعاطف الشعب، وبالتالي تعزيز نفوذه السياسي وتوطيد شعبيته وتدعيم حكمه، في ما يعرف باسم "الحرب النفسية الإيجابية".

أطول، أكبر، أعرض... يحرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على تحقيق أرقام قياسية، ويحرص على تسجيل أكثرها في موسوعة غينيس العالمية

في سلسلة الأرقام القياسية، تظهر أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، وأكبر مسجد في مصر والرابع عالمياً، وهما مَبنَيان وجّه السيسي بإنشائهما داخل العاصمة الإدارية الجديدة، وافتتحهما في السابع من كانون الثاني/ يناير 2019، خلال احتفالات الأقباط بعيد الميلاد المجيد. واللافت أن المسجد سُمّي باسم قريب من اسمه، "الفتاح العليم"، وسُمّيت الكاتدرائية باسم "ميلاد المسيح".

أقيم مسجد "الفتاح العليم" على مدخل العاصمة الإدارية الجديدة، ويتسع هو والمصلى اليومي والساحة المكشوفة أمامه لنحو 17 ألف شخص، فيما تتسع الكاتدرائية لـ8200 شخص.

يعتبر الحسيني أن السيسي لجأ إلى بناء هذين المسجد والكاتدرائية لسببين: الأول تخليد اسمه، وظهر هذا في تسمية المسجد، وفي تسجيل أنه الرئيس الذي بُنيا في عهده؛ والثاني محاولته الظهور في مظهر الشخصية المتديّنة المعتدلة أمام المجتمعين المصري والدولي، و"إنْ كان يهتم لأمر المجتمع الدولي أكثر من المصري".

ويضيف: "رغم أن أكثرية الشعب المصري من المسلمين، إلا أنه قرر افتتاح المسجد والكاتدرائية في يوم عيد الميلاد، وهذا يؤكد أنه يخاطب المجتمع الدولي لا المحلي".

ويشير إلى أن المصاب بجنون العظمة يكره الاختلاف في الرأي ويكره مَن يعارضه ويهاجم مخالفيه في الرأي بشراسة، ويمتاز بأن حواره داخلي ولا يحب الحوار مع الآخرين، ولا يحب أن يظهر معه أي شخص آخر في الصورة، وأي اختلاف معه في الرأي يعتبره خطراً على سلطته ونفوذه ويجب التخلص من صاحبه فوراً.

ويتابع: "تعتقد هذه الشخصية أنها المصدر الوحيد للرأي السديد والفكر الصحيح، وأن قراراتها دائماً حكيمة وأنها حجر زاوية على الساحة الدولية والعالمية".

باتت العاصمة الإدارية الجديدة في مصر ملعباً رئيسياً لمشاريع هدفها موسوعة غينيس... ما سر تمسك النظام المصري بتحقيق أرقام قياسية؟

وفي سلسة الأرقام القياسية أيضاً، تسجّل "كوبري تحيا مصر" وهو عبارة عن جسر يمر أعلى نهر النيل، في موسوعة غينيس كأعرض جسر في العالم، بعرض 67.36 متراً.

كذلك، أنشأت مصر أكبر محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في العالم وهي محطة "بنبان" في محافظة أسوان بتكلفة 2.1 مليار دولار، وتضم 32 محطة طورتها أكثر من 30 شركة. وأنشأت شركة سيمنز أكبر محطة لتوليد كهرباء في العاصمة الإدارية الجديدة.

ولم يتوقف شغف السيسي بتحقيق أرقام قياسية عند هذا الحد، إذ تم التعاقد على تنفيذ أكبر مدينة ملاهي على مستوى الشرق الأوسط في العاصمة الإدارية الجديدة، على مساحة خمسة آلاف فدان وبطول 35 كيلومتراً.

قناعة الشعب بفشل النظام تتزايد

يقول الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، لرصيف22 إن النظام السياسي في مصر فشل في تحقيق آمال ومتطلبات الشعب الذي اعتقد أنه سيكون مخلّصه من "فاشية جماعة الإخوان المسلمين"، لكنه "وجد نفسه أمام ديكتاتور أكثر قسوة وأشد ضراوة".

ويرى أن السيسي يعلم جيداً أن شعبيته تراجعت في الشارع وبالتالي يحاول أن يكسب تعاطف وود الناس بأي صورة كما أنه يحاول تنظيف وتلميع صورته على المستوى الدولي، لذلك يلجأ إلى مشروعات هدفها الأول تحقيق "شو" ودعاية إيجابية، ظناً منه أنها تساعد في تكوين رصيد شعبي له.

لكن، برأيه، لا يعلم السيسي أن هذه الشعبية زائفة وأن الشعب، وخاصة الطبقات الأقل وعياً وتعلّماً، تعاني أشد المعاناة بسبب غلاء الأسعار وتراجع مستوى الخدمات وكساد الإنتاج وبالتالي فإن هؤلاء لا يعنيهم إطلاقاً تحقيق مشروعات قومية كبرى قد تحقق نفعاً على المستوى البعيد، فهم يريدون أن يروا ما يحسّن وضعهم اليوم وليس غداً.

ويعتبر نافعة أن كل اختبار تدخله الدولة والنظام والحكومة يفشلون فيه، وكان آخرها إدارة أزمة مواجهة فيروس كورونا المستجد، وبالتالي فإن صورة الفشل الإداري تترسخ في عقلية المواطنين بشكل متزايد، وهو ما ستكون له تبعات على النظام الحاكم لاحقاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image