يبدو أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي شرع في خوض معركة مع الميليشيات الشيعية الموالية لإيران التي يُزعم أنها مسؤولة عن الهجمات الصاروخية الأخيرة على السفارة الأمريكية في بغداد.
وذكرت وسائل الإعلام العراقية، في 27 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، أن الشخص المزعوم وراء الهجمات محتجز من قبل القوات الحكومية إلى جانب عدد من الذين قيل إنهم من المتواطئين معه.
وتفقّد الكاظمي، مع كبار مستشاريه العسكريين، مناطق من العاصمة بغداد، وزار العديد من المراكز الأمنية الرئيسية، والتقط صوراً مع المواطنين في محاولة لتأكيد هيبة الدولة.
استعراضٌ للقوة
في استعراض للقوة، تجول عناصر وقادة من المجموعات الشيعية الموالية لإيران، بمن فيهم زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، في شوارع بغداد، وذلك على خلفية اعتقال أحد عناصر "عصائب أهل الحق" حسام الزيرجاوي، مع عدد قيل إنهم من المتواطئين معه.
وبثّت وسائل إعلام عراقية شريط فيديو لمسلحين موالين للخزعلي يهددون باللجوء إلى العنف، إذا لم تُفرج القوات الحكومية عن المتهم بإطلاق الصواريخ. ويظهر في الفيديو موكب تابع لتنظيم "عصائب أهل الحق" يتجول في بغداد، وذلك في رسالة ترهيب للقوات الحكومية العراقية لإطلاق سراح رفقائهم المحتجزين.
وكانت "كتائب حزب الله"، وهي أحد فصائل "الحشد الشعبي" العراقي، قد هدّدت عبر المسؤول الأمني أبو علي العسكري رئيس الوزراء العراقي، محذرة إياه من "اختبار صبر المقاومة".
والعسكري كان قد كتب في تغريدة على "تويتر" قد ندّد بالهجمات على السفارة، واعتبرها تصب في مصلحة الإدارة الأمريكية. بموازاة ذلك، هدّد رئيس الوزراء العراقي، قائلاً: "تحالفنا مع الإخوة في فصائل المقاومة، سواء المحلية منها أو الخارجية، هو تحالف متين، وما يمسهم يمسنا، ونحن ملتزمون بالدفاع عنهم ضمن الأطر المحددة والمقررة بيننا"، واصفاً الكاظمي بـ"الغدر"، ومهدداً بقطع أذنه كالماعز.
بعد تهديد المسؤول في "كتائب حزب الله" للكاظمي وإصدار الأخير أمراً باعتقاله، وبعد إرسال الكاظمي لمبعوث إلى إيران والحديث عن زيارة سرية لقائد فيلق القدس إلى العراق... ماذا يجري مع الفصائل الموالية لإيران في العراق؟
وقال العسكري قاصداً الكاظمي: "لن تحميه حينها الاطلاعات(الاستخبارات) الإيرانية، ولا الـCIA الأمريكية، ولا المزايدين على مصلحة الوطن".
في المقابل، انحاز العديد من القادة الشيعة البارزين إلى رئيس الوزراء، ما دفع "عصائب أهل الحق" إلى إخراج مقاتليها من شوارع بغداد. وقال الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، في بيان، إنه يدعم الكاظمي، مندداً بالهجمات على السفارة الأمريكية.
وسرعان ما أصدر القضاء العراقي، في 28 كانون الأول/ ديسمبر، مذكرة اعتقال بحق العسكري. وقال الكاظمي في أعقاب القرار: "لن نسمح للسلاح المنفلت بالتحرك وتهديد حرية المواطن وأمنه".
وتعرضت السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء في بغداد لهجمات صاروخية، تصدت لها أنظمة دفاع الجوي، ولم يصب أي أمريكي، لكن وقع عدد من الضحايا العراقيين بعدما أصابت الصواريخ مناطق سكنية.
وأعلن القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي كريستوفر ميلر، الشهر الماضي، إن القوات الأمريكية داخل العراق ستنخفض إلى ما يقرب من 2500 جندي بحلول كانون الثاني/ يناير المقبل.
وقال الكاظمي إن الانسحاب الأمريكي جاء عقب اتفاق أبرمه مع الرئيس دونالد ترامب خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن.
رسائل متعددة
يظهر في ردود أفعال القوى الشيعية، حتى الموالية لإيران، أنها لا تدعم في الظاهر خطوة "عصائب أهل الحق"، لذلك حاول عدد من المحللين قراءة أسباب تحرك مليشيات قيس الخزعلي بشكل منفرد.
في رأي الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي فراس إلياس، فإن عصائب أهل الحق لجأت لهذا السلوك لثلاثة جوانب، أولاً قطع الطريق على أي محاولة لتهميشها، كما حصل مع سرايا الخراساني، ثانياً إرسال رسالة واضحة لباقي الفصائل المؤثرة والحكومة العراقية بقدرتها على الحشد والتأثير.
والرسالة الثالثة، من وجهة نظر إلياس، هي تغير وجهة نظر إيران بأنه يمكن المراهنة عليها إلى جانب "الكتائب" و"حركة النجباء"، ومنحها هامشاً أوسع من القيادة والتأثير، وتعزيز قدرتها على التمرد إذا ما قررت ذلك.
خفضت إيران شحنات الغاز التي تصدرها إلى العراق وهددت بمزيد من التخفيضات بسبب الفواتير غير المسددة، ما زاد من احتمال حدوث أزمة كهرباء في بغداد والمدن الكبرى.
في المقابل، استبعد المحلل العراقي واثق الجابري أن يكون هناك انقسامات داخل مكونات الحشد الشعبي، او احتمالية تحرك "عصائب أهل الحق" منفردة، مؤكداً أن العراق يشهد تحضيرات لحملة انتخابية قادمة، وما يجري حالياً هو تنافس على المعركة القادمة.
وقال الجابري في حديث لرصيف22: "هذه الأحزاب أو الكتل تحضر نفسها للانتخابات، وستزيد لغة الجدل بينها، حتى داخل الحشد الشعبي الذي يضم كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، ويمكن اللجوء إلى رفع السلاح لأن العراقيين تعودوا في طباعهم على رفع السلاح حتى في التظاهرات، لكن هذه ليست انشقاقات".
ولفت الجابري إلى أن الأخبار المتداولة حول إلقاء القبض على العسكري ليست مؤكدة، وهي تفتح الباب أمام أحد أخطر مشاكل العراق وهي تسريب الوثائق والقرارات قبل صدورها، وتضطر الحكومة إلى النفي في نهاية الأمر.
موقف إيران
بموازاة ذلك، خفضت إيران شحنات الغاز التي تصدرها إلى العراق وهددت بمزيد من التخفيضات بسبب الفواتير غير المسددة، ما زاد من احتمال حدوث أزمة كهرباء في بغداد والمدن الكبرى.
وكشف الحكومة العراقية أن إيران أبلغت بغداد أنها ستخفض إمداداتها إلى 3 ملايين متر مكعب يومياً، لكنها لم تنفذ الخطوة بعد.
وبدأت إيران في قطع الصادرات إلى جارتها، ثاني أكبر منتج للنفط، في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد أن تخلف العراق عن مدفوعاته. ويدين الأخير بحوالي 2.7 مليار دولار لإيران التي فرضت عليها واشنطن عقوبات ضخمة قد تعرقل عمليات نقل الأموال إلى طهران.
"زيارة أبو جهاد الهاشمي مبعوثاً لرئيس الوزراء العراقي لطهران لم تكن بعيدة عن اعتقال عناصر من الفصائل العراقية، كما لم تكن بعيدة عن نية الفصائل القيام بعمليات عسكرية خلال يومي الجمعة والسبت القادمين... المبعوث جاء بتوجيه من الجانب الأمريكي"
في ظل هذه التطورات، أرسل الكاظمي وفداً عراقياً بقيادة أبو جهاد الهاشمي وهو أحد الشخصيات السياسية المعروفة بمقبوليتها لدى طهران والعضو السابق في "منظمة بدر"، من دون أن تعلن وسائل الإعلام العراقية أهداف الزيارة بشكل واضح.
وقال الجابري إن هدف الزيارة هو محاولة العراق أن يخطر كافة الأطراف بأنه يريد أن ينأى بنفسه عن هذا الصراع الدائر بين طهران وواشنطن، مضيفاً أن الوفد سينقل وجهة نظر بغداد بأنها لا تريد أن تكون ساحة لتصفية الحسابات، لا سيما بعد الهجوم على السفارة الأمريكية.
ولفت الجابري إلى أن الوفد سوف يبحث مشكلة الطاقة التي تضغط على حكومة الكاظمي الذي يسعى حالياً لإيجاد دول أخرى يمكن أن تعطي العراق الكهرباء، مستبعداً أن تكون حالة الجدل بين الأحزاب رسالة على ضعف النفوذ الإيراني أو تعاظمه.
في وجهة نظر أخرى، قال المحلل السياسي الإيراني محمد صالح صدقيان في تغريدة له: "زيارة أبو جهاد الهاشمي مبعوثاً لرئيس الوزراء العراقي لطهران لم تكن بعيدة عن اعتقال عناصر من الفصائل العراقية، كما لم تكن بعيدة عن نية الفصائل القيام بعمليات عسكرية خلال يومي الجمعة والسبت القادمين... المبعوث جاء بتوجيه من الجانب الأمريكي".
ويأتي الحديث عن زيارة الوفد العراقي مع نشر موقع "الحرة" الأمريكي تقريراً يفيد بزيارة سرية قام بها قائد "فيلق القدس" الإيراني إسماعيل قآني إلى العراق.
ونقل الموقع عن مصدر مطلع على تفاصيل زيارة قآني، أن المسؤول الإيراني اجتمع في بغداد مع قادة أربع ميليشيات في بغداد، وطلب منهم الاستعداد لشن هجمات على مصالح أمريكية في العراق في حال تم استهداف إيران.
بحسب التقرير، فإن القادة الأربعة هم قيس الخزعلي وأمين عام "كتائب الإمام علي" شبل الزيدي وقائد "كتائب حزب الله" أحمد الحميداوي وزعيم "النجباء" أكرم الكعبي، لافتاً إلى أن المجموعات المذكورة عمدت ومنذ خمسة أيام إلى إفراغ مقراتها في بغداد وباقي مدن العراق، تحسباً لأية ضربات أمريكية محتملة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...