شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ثلاث تهم لم أنكرها العام الماضي... ساحرة

ثلاث تهم لم أنكرها العام الماضي... ساحرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 10 يناير 202102:50 م

لم أظن أبداً أني سأُنعت بالساحرة، لا ضمن تعبير مجازي ولا مزحة أو مقارنة مع سابرينا الساحرة التي أمطرتنا نيتفليكس بإعلاناتها، بل ساحرة تتلاعب بالرجال، وتتركهم مطيعين لها ولخدمتها، وقد وقعت في هذا الموقف العام الماضي.

أثناء فترة الحجر الصحي، لأسابيع لم أخرج من المنزل، وترافق ذلك مع إهمال عام لشؤوني الجمالية، خصوصاً أن عملي من المنزل لا يستدعي اجتماعات زوم، وإن حصلت، فأحد الفلاتر في البرنامج يفي بالغرض.

الساحرة مخيفة، كونها برأي الرجال، قادرة على التلاعب بالأشياء. تغير من شكلها وترعب من ينظر إليها، تغويه، تسحره بصورة ما، فيفقد السيطرة على نفسه وينفذ أوامرها

على أي حال، دُعيت إلى حفلة ميلاد إحدى الصديقات، لم يكن المدعوون يتجاوزون الستة أفراد أو سبعة على الأكثر، طلبت من صديق لي أن يأتي باكراً كي نذهب سوية إلى هناك، لا لشيء سوى لتوفير أجرة التاكسي.

وصل الصديق، نصف الكول/نصف المحافظ، إلى منزلي، كان فعلاً متأنقاً، فهو أيضاً لم يغادر المنزل، جلس على الكنبة وبدأت أنا بتحضير نفسي، أخبرته أن العملية ستأخذ أكثر من ساعة، وأننا لسنا على عجلة، وبدأت أقوم بأشيائي أمام المرآة وهو جالس يشاهد من بعيد.

ثرثرنا طوال الوقت. هو "متوتر" يريدنا أن نذهب حالاً، وأنا مازلت أعتني بشؤوني، التي إن حاولت شرح إحداها له فلم يفهم شيئاً، كأني أفضل أن أضع لب "aloe vera" أو "الصبار" مباشرة على وجهي لترطيبه، عوض الكريمات الجاهزة، وبالطبع كان يحاول تفادي الحديث عن المكياج، لكنه تهكّم من ورقة الصبار الضخمة التي كان يجدها في السوبر ماركت ولا يعلم لم تستخدم، لكنه لم يبالغ، هو نسويّ حسب قوله، ويؤمن بأن المرأة حرة كلياً فيما تفعل، ولو عنى ذلك الاعتناء بنفسها لتظهر جميلة.

يرى الرجال في مستحضرات التجميل التي تستخدمها النساء قوة ساحرة موجهة ضدهم شخصياً، لأسرِهم، من خلال الروائح والألوان التي يعتبرونها وصفات سحريّة يعجزون عن مقاومتها

الكلمة الأولى التي أربكت هذا الصديق هي "مُستحضر"، يبدو أنه لم يستخدمها من قبل، إذ قلت له "مستحضرات البشرة" فصُدم، وحين انتهيت وأدرت وجهي له، قال: "كالسحر، وكأنك شخص آخر"، علماً أني لم أبالغ فيما أضعه، وأضاف: "كالساحرات هههه، يصنعن بعض المستحضرات ويرجعن شابات".

صدمت من التشبيه الذي استخدمه، "ساحرة"، بل وقادرة على تغيير شكلها لتصبح "أجمل"، وكأن ما قمت به هو صناعة وصفة سحرية من قدم الجرذ وعين الفيل، هدفها تهديد رجولته. ربما أبالغ في ردّة فعلي، لكني تذكرت منى شالوت وكتابها "الساحرات"، وتشير فيه إلى أن الخوف الرئيسي لدى الرجال من الساحرة، يرتبط بعدم فهمهم لما تقوم به أمام المرآة أو في المطبخ. "المستحضرات" التي يستخدمنها، برأي الرجال، تمتلك قدرة سحريّة موجهة ضدهم شخصياً، لأسرِهم، عبر الروائح والألوان التي يرونها كوصفات سحريّة غير قادرين على مقاومتها.

"نحن حرّات في أن "نتمكيج" لأقصى الدرجات أو أن نخرج دون أي "نقطة مكياج". لا يوجد اقتران بين التجمّل وبين غواية الرجال، نريد فقط أن نكون بالصورة التي نقررها نحن، لا أولئك أصحاب القضيب"

الساحرة مخيفة أيضاً، كونها، برأي الرجال، قادرة على التلاعب بالأشياء، تغير من شكلها وترعب من ينظر إليها، تغويه، تسحره بصورة ما، فيفقد السيطرة على نفسه وينفذ أوامرها. هذا الخوف غير المبرر، تركنا نحن النساء أمام خيارات أحياناً لا نريدها، كيلا نتهم بهذه التهمة، نحن حرّات في أن "نتمكيج" للأقصى أو أن نخرج بدون أي "نقطة"، لا يوجد اقتران بين التجمّل وبين غواية الرجال، نريد فقط أن نكون بالصورة التي نقررها نحن، لا أولئك أصحاب القضيب.

هذه التحليلات لم تخطر في بالي حينها، أخذت الأمر كمزحة، واتهمت صديقي الأنيق بأنه متأثر بنيتفليكس كثيراً، لكني أندم الآن لأني لم ألقنه درساً في تاريخ الساحرات، خصوصاً أننا بعد وصولنا إلى عيد الميلاد، كان الحديث حولي، إذ أخبر الحاضرين أنه ليس السبب في تأخرنا 30 دقيقة، بل أنا، الساحرة، ومستحضراتي الكثيرة التي بحاجة للكثير من الوقت، بل تهكم من أني أمتلك ورقة صبار استخدم محتواها على وجهي.

الآن أعي أثر هذه الكلمة، نعم ساحرة، بل ساحرة ونصف، والمرة القادمة سأدخل ورقة الصبار بدقة في المكان الذي يهدد رجولة من يتهكم على ذلك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image