"ضاعت العدالة إلى الأبد"... بهذه الكلمات علّق أحد الصحافيين على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالعفو عن مرتكبي مجزرة النسور في العراق عام 2007، والتي راح ضحيتها 14 مدنياً.
وكان مرتكبو هذه المذبحة ينتمون إلى شركة "بلاكووتر" التي جنّدت الآلاف من المرتزقة للقتال في العراق نيابة عن الجيش الأمريكي، وارتكبت العديد من الجرائم، لكنها تمكنت من الإفلات من العقاب إلى حد كبير.
وتزامن هذا القرار مع تسريب وسائل الإعلام الأمريكية معلومات عن اعتزام ترامب منح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حصانة من أي دعاوى قضائية يتم رفعها ضده في الولايات المتحدة.
عفو لمجرمي "بلاكووتر"
أصدر ترامب، في 22 كانون الأول/ ديسمبر، عفواً عن أربعة مرتزقة سابقين لشركة "بلاكووتر"، أدينوا بارتكاب مذبحة في ساحة النسور عام 2007.
وكانت المذبحة التي كان جميع ضحاياها مدنيين، ومن بينهم طفلين، قد أثارت غضباً دولياً ودعوات للتحقيق في استخدام الشركات العسكرية الخاصة، مثل "بلاكووتر" التي وفّرت مقاتلين للمشاركة في الحروب والصراعات التي دخلتها الولايات المتحدة الأمريكية.
خلال المحاكمة التي حصلت عام 2015، دعا المدعون الفدراليون إلى إصدار أحكام قاسية على أربعة من "بلاكووتر" هم نيكولاس سلاتن وبول ألفين سلو وإيفان شون ليبرتي وداستن لوران هيرد، وذلك لأدوارهم في المذبحة، لا سيما وأنهم "لم يُظهروا أي ندم على أفعالهم".
وكتب ممثلو الادعاء في مذكرتهم: "في الواقع، لم يتحمل المتهمون المسؤولية عن أفعالهم الإجرامية على الإطلاق، وحتى يومنا هذا، نفوا ارتكاب أية مخالفات".
وكان الأربعة جزءاً من قافلة مدرعة فتحت النار بشكل عشوائي بالرشاشات وقاذفات القنابل على حشد من العراقيين العزل في ساحة النسور، في العاصمة بغداد.
وأُدين سلاو وليبرتي وهيرد بارتكاب 13 جريمة قتل عمداً و17 محاولة قتل عمد، بينما أدين سلاتن، وهو قناص الفريق الذي كان أول من أطلق النار، بجريمة قتل من الدرجة الأولى وعقوبتها السجن المؤبد، فيما حصل الباقون على 30 عاماً سجن.
ويأتي هذا القرار ضمن مجموعة قرارات عفو على 15 شخصاً (من بينهم الأربعة التابعين لـ"بلاكووتر) وقرارات خفض عقوبة لخمسة أشخاص آخرين. وسبقت قرارات ترامب الأخيرة، أخرى شبيهة كما جرى على سبيل المثال في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2019، حين أصدر ترامب عفواً عن قائد كوماندوس سابق في الجيش الأمريكي كان من المقرر أن يحاكم في قتل صانع قنابل أفغاني مشتبه به من حركة طالبان، وملازم سابق في الجيش أدين بالقتل لأنه أمر رجاله بإطلاق النار على ثلاثة أفغان.
ردود أفعال غاضبة
غرّد الصحافي في جريدة "واشنطن بوست" الأمريكية سودارسان راغافان، قائلاً: "لقد غطيت قتل بلاكووتر 14 مدنياً عراقياً غير مسلح في بغداد عام 2007، وكانت تلك واحدة من أحلك اللحظات في حرب العراق".
"عفو ترامب عن هؤلاء الحمقى يقضي على إحدى الحالات القليلة التي يُحاكَم فيها أمريكي بسبب القتل الوحشي للعراقيين الأبرياء. إنه أمر مثير للغضب. إنها الفضيحة"... ماذا بعد عفو ترامب عن مرتكبي "مجزرة النسور" عام 2007، والمحكومين بين السجن المؤبد و30 عاماً؟
وأضاف راغافان، في سلسلة تغريدات حول قرار ترامب: "لن أنسى الدكتور هيثم أحمد الذي فقد زوجته وابنه الأكبر في هجوم بلاكووتر. لقد ترك سيارتهم المتفحمة والمليئة بالرصاص لأسابيع في مسرح المجزرة في الساحة للتذكير حتى تحقيق العدالة".
وكتب راغافان: "قال لي الدكتور في 2007 ′ما أريده هو أن يسود القانون، وآمل ألا يمر هذا العمل دون عقاب′، لكن اليوم بعد قرار العفو من ترامب، علمنا أن العدالة للعائلات العراقية ضاعت إلى الأبد".
وغرّد المراسل السابق لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تامر الغباشي: "عفو ترامب عن هؤلاء الحمقى يقضي على إحدى الحالات القليلة التي يُحاكم فيها أمريكي بسبب القتل الوحشي للعراقيين الأبرياء. إنه أمر مثير للغضب. إنها الفضيحة".
ونشر الكاتب الأمريكي جون سيمبسون صورة لطفل يُدعى علي كناني، كان يبلغ من العمر 9 سنوات، حينما أُصيب برصاصة في رأسه في سيارة والده من قبل عملاء "بلاكووتر" الذين تم العفو عنهم.
وقال الكاتب الأمريكي: "تجاهلوا ("بلاكووتر") تعليمات البقاء في المنطقة الخضراء، وخرجوا إلى وسط بغداد وبدأوا في إطلاق النار العشوائي على السيارات العالقة في ازدحام مروري".
وقال الباحث والأكاديمي العراقي عباس كاظم، في تغريدة، إن العفو عن قتلة "بلاكووتر" المدانين بحق المدنيين العراقيين الأبرياء يوجه رسالة مروعة إلى الشعب العراقي، ويحبط معنويات القادة العراقيين الذين يدافعون عن قضية إبقاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق.
وتساءل الكاتب الأمريكي نورمان أورنستين في تغريدة حول مجرمي الحرب في "بلاكووتر": "هل هناك أي طريقة لتدخل المحكمة الجنائية الدولية؟".
في أيلول/ سبتمبر الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية، بينهم المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودة، بعدما بدأت في تحقيق حول ارتكاب القوات الأمريكية جرائم حرب في أفغانستان.
بين "برينس بلاكووتر" وأمير السعودية
يرتبط ترامب ومستشاروه بعلاقة وثيقة مع مؤسسي "بلاكووتر"، لهذا لم يكن هذا القرار مفاجئاً للأمريكيين. وكان مؤسس "بلاكووتر" إيريك برينس مستشاراً غير رسمي لإدارة ترامب، وعمل مع المستشار السابق للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته مايكل فلين، والذي أصدر ترامب أيضاً قراراً بالعفو عنه في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.
"العفو عن قتلة بلاكووتر المُدانين يوجه رسالة مروعة إلى الشعب العراقي، ويُحبط معنويات القادة العراقيين الذين يدافعون عن بقاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق"... من هم الأربعة الذين عفا عنهم ترامب ولماذا اعتُبرت جريمتهم عام 2007 "من أحلك لحظات الحرب"؟
من ناحية ثانية، تزامن إعلان ترامب العفو عن مجرمي "بلاكووتر" مع تأكيد شبكة "سي أن أن" على أن الإدارة الأمريكية تدرس منح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حصانة قانونية من دعوى قضائية اتحادية تزعم أنه أمر فرقة اغتيال خاصة بقتل الضابط السعودي السابق سعد الجبري والذي يعيش في المنفى في كندا.
ويزعم الجبري في دعواه في واشنطن أن الأمير السعودي أرسل أعضاء من نفس فرقة الاغتيال التي قتلت الصحافي جمال خاشقجي في تركيا إلى كندا لقتله أيضاً.
ويُعتقد أن إدارة ترامب ساعدت في إخفاء الأدلة التي توصلت إليها الاستخبارات الأمريكية حول تورط بن سلمان في قتل خاشقجي.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإن وزارة الخارجية أرسلت استبياناً الشهر الماضي إلى محامي الجبري، للحصول على الرأي القانوني حول ما إذا كان ينبغي الموافقة على طلب سعودي بمنح ولي العهد الحصانة.
وفي بيان، قال خالد، نجل الجبري الأكبر: "عدم المساءلة شيء، لكن السماح بالإفلات من العقاب من خلال الحصانة سيكون بمثابة إصدار رخصة بالقتل".
ويتمتع الجبري بدعم قوي داخل الولايات المتحدة لأنه كان مسؤولاً في وزارة الداخلية عن ملف التعاون مع الاستخبارات الأمريكية في مكافحة الإرهاب، إذ وصفته وزارة الخارجية بأنه "شريك مهم" للحكومة الأمريكية، وقالت إنها ستعمل مع البيت الأبيض لحل هذه القضية "بطريقة تكرم خدمة الدكتور الجبري لبلدنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه