شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ما بين تقليد عبد الحليم ومنافسة عمرو دياب… أين محمد فؤاد؟

ما بين تقليد عبد الحليم ومنافسة عمرو دياب… أين محمد فؤاد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 20 ديسمبر 202001:11 م

"في السيكّة في السيكّة في السيكككا..".. جملة غنائية تخرج بصوت رخيم من طبقة تحتانية لا تتبيّن ماذا يقول صاحبها إلا إذا أرهفت السمع لتفك شفرة المنطوق الغامض. كان هذا الصوت للمطرب المصري محمد فؤاد، وكانت هذه الجملة في أغنية "في السكة"، التي أُطلقت عام 1983 ضمن ألبوم حمل الاسم نفسه. كنتُ وقتها 6 سنوات.

بعد 38 سنة من هذا الغموض تكرّر على مسمعي صوت محمد فؤاد، بعدما أضيفت له استهلاكات الزمن ظاهرة على أحباله الصوتية. هذه المرة كانت عبر مكالمة تليفونية أجراها المطرب الشهير مع مذيع بالتليفزيون المصري إبان ثورة يناير 2011، وتحديداً بعدما أعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك تنحيه عن منصبه الرئاسي، عبر رسالة أداها عمر سليمان، رجل مخابرات مبارك القوي، بصوتٍ أجش، ارتبط معي بنفس نغمة صوت "فؤاد" وهو يغني من القرار "في السكة في السكة في السِّكَّاااا" السابق ذكرها في المفتتح.

مداخلة "فؤاد"، أخذت طابعاً سياسياً وطنياً -لا غنائياً- إذ بدأها بصوت مختنق يبكي على ما آلت إليه أوضاع البلاد وما يمكن توقعه من خوف محتمل لتنحي مبارك، إذ ستفرغ السُّلطة من رئيس سيحل محله مجلس عسكري مكون من 24 قائداً بالجيش المصري.

بدا "فؤاد" مرتعش الصوت، طالباً من الإعلامي الذي يشاركه المكالمة، أن يمهله الوقت ليستجمع نفسه ومشاعره، مكرراً اعتذاراته عن خنقته تلك: "أرجوك أرجوك شيل الفنان محمد فؤاد"..

هكذا طلب "فؤاد" في المداخلة، ما يعني أنه يريد أن يتحدث كمواطن مصري لا كمطرب، قائلاً: "إديني فرصتي لو سمحت أنا حاسس إني هاموت"، ثم ارتد بذاكرته إلى طفولته ليحكي عن "طفل صغير" كان له أخٌ أكبر يخدم في الجيش المصري، مستغرقاً في تفاصيل عاطفية بين هذا الأخ المجنّد وذاك الطفل، الذي نكتشف في نهاية الحكاية أنه محمد فؤاد عبد الحميد حسن شافعي.

وجهة نظر مطرب الثمانينيات والتسعينيات ومطلع الألفية بدت مستهدفة للتأثير العاطفي فيمن يسمعه لاستثمارها في خضم حدث سياسي زلزل مصر. يموت أخوه الأكبر بعد أن كان يشتري له "العجوة من غزة"، ملمحاً إلى أن الجيش المصري كان يحارب من أجل أهل فلسطين، التي سمّاها "البلاد العربية"، وألمح أيضاً إلى أن هؤلاء يتسللون الآن إلى سيناء ليُفسدوا على المصريين حياتهم بحرب عصابات ساعدت على تهريب المساجين الإخوان أثناء ثورة الشباب الحر في يناير الخالد، وهذا بالطبع يتماشى مع ما أكدته السلطات لسنوات فيما بعد لإلحاق صفة المؤامرة بالتحرك الثوري.


"مش حسني مبارك اللي يتعمل فيه كدا"... هكذا هدّد وناشد محمد فؤاد في الفيديو شباب التحرير، قائلاً إنه في الغد سوف ينزل بمظاهرة للدفاع عن مبارك، الذي وصفه بأنه "عرف يجرّي اليهود من سينا ويطردهم براها".

كان محمد فؤاد إذن جندياً من جنود النظام، ولا يزال يحاول أن يكون مدافعاً عنه فيما يدافع عن وجوده هو بالتوازي مع ذلك، مستخدماً نفس الخطاب الديماجوجي التخويفي من "اغتصاب نسائنا وتشريد أطفالنا" إذا ما سلّمنا البلد لمشاعر الفوضى.

وعد "فؤاد" خلال المكالمة بأنه سينتحر إذا سقط مبارك. لكنه سقط ولم ينفذ "فؤاد" وعده، وأمام تهكمات ومطالبات كثيرين عبر مجموعات فيسبوكية "بتنفيذ وعده"، حاول "فؤاد" تحسين موقفه ومصالحة الثوار بتسجيل أغنيات عن الثورة، وسجّل بالفعل أغنيتين في أقل من عشرة أيام، الأولى بعنوان ''استرها يا رب''، والثانية ''باشبّه عليك''، مُهدياً كلتيهما لشهداء ثورة الشباب في التحرير.

"مش هنقلّد بالمللي... اوعوا تقبلوا على نفسكو تبقوا بتقلدوا حد!".. هذه النصيحة الأخيرة بالذات كان من الأولى أن يقدمها "فؤاد" لنفسه وهو يصنع فيلم "رحلة حب"وهو الفيلم المنقول تقريباً بالحرف من فيلم عبد الحليم حافظ "حكاية حب"

على خطى عبد الحليم

دعا "فؤاد" خلال المداخلة شباب التحرير إلى أن تكون لديهم مساحة للابتكار بأن يختموا ثورتهم بشكل صحيح بعيداً عن الدموية، قائلاً: "مش هنقلّد بالمللي... اوعوا تقبلوا على نفسكو تبقوا بتقلدوا حد!".. هذه النصيحة الأخيرة بالذات كان من الأولى أن يقدمها "فؤاد" لنفسه وهو يصنع فيلم "رحلة حب"، الذي أُنتج عام 2001، وهو الفيلم المنقول تقريباً بالحرف، بناءً وقصةً وسيناريو، من فيلم عبد الحليم حافظ "حكاية حب"، المنتج عام 1959. ويمكن مشاهدة الفيلمين بالطبع للتأكد من النقل الذي يعد سرقة فنية متكاملة الأركان لا تقبل جدلاً.

من واقع ألحان وكلمات أغنيات "فؤاد" بدا أنه كان لا يزال يطارد شبح عبدالحليم حافظ، بدلاً من أن يوظف صوته في مساحته المثمرة، ألا وهي مساحة الغناء الشعبي، فصوته تم تجربته في هذا اللون كثيراً ونجح فيه على مازورة "ابن البلد الجدع"، لكنه أصرّ أن يقحم صوته في مجال الأغنية العاطفية ليبقى في المنافسة مع عمرو دياب.

إلا أن عناصر الشكل الجديدة للمطرب لم تكن متوافرة في "فؤاد" مثلما توافرت لـ"دياب"، وزاد الأمر صعوبة الوعكات الصحية المتتالية لـ"فؤاد" إثر إخفاق بعض أفلامه، خاصة فيلم "هو فيه إيه"، الذي قدمه بمشاركة الممثل المصري أحمد آدم، إذ قال "آدم" للإعلامية بسمة وهبة خلال استضافته ببرنامج "شيخ الحارة" في مايو 2019 إنه و"فؤاد" توقعا فشل الفيلم بسبب عدم اتفاقهما أثناء تصويره، وأضاف: "كان نفسي يسمع كلامي في الكوميديا زي ما كنت بسمع كلامه في الغنا، وبعد ما اختلفنا مع بعض، بعد كل مشهد كنت بقوله فشل فظيع وهو يقولي هنفشل مع بعضينا".

كان أولى بـ"فؤاد" إذن أيضاً أن يركز في مشروعه الغنائي، الذي اقتسم فيه الشهرة والمنافسة مع عمرو دياب، ابن مرحلته الغنائية، بدلاً من الخروج بدور "الشاويش" –رتبة شرطية مصرية لطائفة من منفذي الأوامر باعتبارهم "عبد المأمور"- فهو في الأساس مطرب، لكن الإنسان حين يخفق في مهتمه الأصلية -أو تخصصه إن شئنا التسمية- يبحث وقتها عن تعويض ما في مهمة أخرى ليواري سقوطه الحر.

كان أولى بمحمد فؤاد أن يركز في مشروعه الغنائي، الذي اقتسم فيه الشهرة والمنافسة مع عمرو دياب، ابن مرحلته الغنائية، بدلاً من الخروج بدور "الشاويش" –رتبة شرطية مصرية لطائفة من منفذي الأوامر باعتبارهم "عبد المأمور"

خرجت مكالمة "فؤاد"، الذي يُتم اليوم عامه التاسع والخمسين، بشكل هزلي لأنه تدخل في مسار لا يعنيه ولا تؤهله له إمكانياته ولا وعيه بالظرف التاريخي والحدث ككل، تماماً كما خرج هو من معادلة الغناء وحالة التنافس التي عاشها لسنوات مع عمرو دياب.

إنه الإفراط في توريط النفس فيما لا يلائمها ما يجعلها عُرضة لمرض الوهم، تخرج من حفرة لأخرى، بعدما فقد صاحبها بوصلته بتعامل واقعي مع الواقع.

لم يركز "فؤاد" في مهمته الطربية بقدر ما انشغل بالسينما دون خطة، كان عليه أن يتكلم عما يعرف لا أن تُسيّره الموجة حسب أهوائها، وهذا بالضبط ما نجح فيه غريمه في الأسواق، إذ تمكن "عمرو" من إخفاء نفسه، لا يظهر في حوارات كثيراً، لا يتداخل مع الحدث السياسي، بل عاش مسوّقاً لغنائه ومهنته، وهذا بالتحديد ما فشل فيه "فؤاد" بامتياز.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image