شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"أحلم أن أعبّر عن رسوماتي باِسمي الحقيقي"... أين رسّامات الكاريكاتير الأردنيات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 19 ديسمبر 202010:00 ص

في أكثر من مرة لاحت فكرة أن تنشئ الأردنية سحر (اسم مستعار، 29 عاماً) حسابات وهمية لها على مواقع التواصل الاجتماعي، تستطيع من خلالها أن تنشر ما ترسمه من رسوم كاريكاتيرية، بحثاً عن متنفس للتعبير عن نفسها... لماذا؟ "لأنه بنت الشيخ ما بصير ترسم هيك".

هذه الإجابة جاءت على لسان سحر، رسامة كاريكاتير أردنية، تختبئ هي ورسوماتها تحت ستارة "العيب والممنوع" التي أشاحتها على وجهها نظرة مجتمعية ترفض بحسب قولها لرصيف22 ومجموعة من رسامات أخريات، فكرة أن ترتبط تاء التأنيث بأسماء رسامي الكاريكاتير في الأردن.

وبالعودة إلى إجابتها "بنت الشيخ ما بصير ترسم هيك"، بحسب ما قالته سحر، فهي من وحي أنها ابنة رجل متدين ورغم أنه داعم لأبنائه وبناته لكن "كثيراً ما يشوبه ذلك التناقض لدى أغلبية الرجال الشرقيين، هو نفس التناقض الذي يجعلني أخاف على صورته أمام المجتمع في حال نشرت رسوماتي الكاريكاتيرية باسمي الحقيقي... صدقاً أفكر بإنشاء حساب وهمي لي".

"لأنه بنت الشيخ ما بصير ترسم هيك".

لماذا يوجد غياب لفتيات يرسمن الكاريكاتير في الأردن؟ سألت سحر، وأجابت: "السؤال ليس لماذا لا توجد رسامات كاريكاتير في الأردن بل لماذا هناك تقزيم للنساء في مختلف المهن؟ نحن من الأساس مجتمع يرفض أن تمتهن المرأة مهناً معينة، ونظرة المجتمع تجاه رسامة الكاريكاتير هي نفس النظرة للمرأة المحامية، والصحافية، وغيرها من المهن، واستكمالاً لسلسلة التهميش والتضييق اللذين يمارسان على المرأة في الأردن في مختلف القطاعات".

ليست فقط النظرة المجتمعية والأحكام المسبقة الظالمة التي تمنع بروز مواهب وإبداعات رسامات أردنيات، بحسب قول سحر، وتتابع: "نحن محكومون بالمادة، ليست لدينا جهات تدعمنا، نعتمد على بعض المنظمات لدعمنا، وإذا حالفنا الحظ في ذلك نقدم أعمالنا بشكل جماعي"، هنا قاطعتها بسؤال: "ألا تحلمين بتقديم أعمالك بشكل منفرد في معرض ذات يوم؟". أجابت: "من المستحيل أن أتجرأ على أن أحلم حلماً هكذا في ظل كل الظروف التي تقيدني، وتقهرني في الوقت نفسه".

بماذا تحلمين؟ سألتها في ختام الحديث معها، قالت: "أحلم بأن يأتي يوم وأسلط الضوء من خلال رسوماتي على هيمنة الرجل على المرأة وتحديداً هيمنته على أفكارها وليس فقط مظهرها، أنا صبية تعيش تحت ضوابط قوية أحلم أن أعبّر عنها ذات يوم من خلال رسوماتي وباسمي الحقيقي".

نظرة غير بريئة للمرأة العاملة

"شو بده يعملك الفن؟ آخرتك تقعدي بالبيت وتديري بالك على زوجك ومطبخك؟"، واحد من "التبريرات" المجتمعية النمطية في الأردن إزاء منع الفتاة التي تملك موهبة الرسم من حقها في التعبير عن موهبتها، بحسب ما جاء على لسان الرسامة هند جال (28 عاماً) في حديثها لرصيف22، فكل الظروف "محبطة وضاغطة على كل فتاة في الأردن تملك موهبة الرسم، سواء الضغط المجتمعي، والنظرة غير البريئة للمرأة العاملة بشكل عام، أو حتى فيما يتعلق بغياب ثقافة تتعامل مع الرسامين والرسامات بجدية مع أعمالهم، فالأردن يعيش منذ عقود في ضعف عام للحالة الفنية".

استوقفتني العبارة التي ذكرتها هند "النظرة غير البريئة للمرأة العاملة بشكل عام"، وسألتها ماذا تقصدين بها؟ قالت: "هناك حالة استغلال واستقواء وهيمنة ذكورية على المرأة العاملة في الأردن، فما بالك عندما تكون رسامة؟".

"أنا شخص ليست لدي القدرة ولا الاستعداد ولا حتى الرغبة في أن أدخل في معترك مع مجتمعي لإبراز موهبتي في الرسم"، تقول هند، وتضيف: "نعم هذا اسمه إحباط، لكن إحباط مشروع في ظل كل القيود التي تكبل الرسامات الأردنيات".

ماذا أحلم؟ سألت هند نفسها، وأجابت بعد تنهيدة: "لا أتخيل نفسي أعيش بدون الفن وبدون أن أرسم، سأبقى أرسم حتى أموت، وطبعاً أحلم بالهجرة لأن الفن في الأردن ليس له ماض فكيف سيكون له مستقبل؟".

"السؤال ليس لماذا لا توجد رسامات كاريكاتير في الأردن بل لماذا هناك تقزيم للنساء في مختلف المهن؟ نحن من الأساس مجتمع يرفض أن تمتهن المرأة مهناً معينة، ونظرة المجتمع تجاه رسامة الكاريكاتير هي نفس النظرة للمرأة المحامية، والصحافية، وغيرها من المهن"

غياب منبر يشجّع النساء

فوجئت رنا صويص وهي صحافية وداعمة للفنون الأردنية، عندما سمعت قبل فترة طويلة أن هناك فتيات لديهن موهبة الرسم الكاريكاتيري في الأردن، وتقول لرصيف22: "فور سماعي أن هناك رسامات كاريكاتير أردنيات، فكرت بطريقة دعمهن حتى قبل التعرّف عليهن عن قرب، فكرة وجود رسامات في هذا المجال استفزتني من جانبين، أولهما أين كانت هذه المواهب ولماذا لم نسمع بها بعد؟ وثانيهما يكفي أن تكون المهن والإبداعات حكراً على الرجل في بلدي".

فمن غير المنطقي، تضيف صويص، أن يكون الإبداع حكراً على أحد أو طرف أو فئة، كلمة الإبداع بحد ذاتها ترتبط بمفهوم الحرية ولا ترضى أي قيود عليها، كذلك الحال بالنسبة لفن الرسم الكاريكاتيري أم غيره، مضيفة: "من الممنوع أن تكون محصورة فقط للرجال، وهو للأسف هذا هو الموجود في الأردن".

وطلبت مني صويص: "أريدك أن تقومي بجولة بسيطة على الصفحات الأخيرة في صحفنا اليومية على سبيل المثال، هل سبق ووجدت عند زاوية الرسم الكاريكاتيري توقيع أسفل الرسمة لرسامة؟ تاريخياً صحفنا تعطي هذه المساحة للرسامين من الرجال، وهذا مثال بسيط من أدلة كثيرة تثبت عدم وجود أرضية أو منبر يشجع النساء الأردنيات من الرسامات في إطلاق العنان لمواهبهن وإشهارها".

وكالعادة حاجز الخوف عامل رئيسي في كل القطاعات التي تبدع فيها الفتاة والنساء في الأردن حيث يصطدمن بهذا الحاجز ويمنحنه أهمية أولى على إبداعاتهن، بحسب ما تقوله رنا صويص، وتخصص في انتقالها في حديثها عن حاجز الخوف رسم الكاريكاتير، وتقول: "الفتاة التي لديها موهبة رسم هذا النوع من الفن في الأردن، ترضخ لواقع الخوف من أن تواجه تنمراً عليها، لا سيما أن فن الكاريكاتير يغلب عليه الطابع السياسي الساخر، هذه الجزئية ما تزال بمثابة تابو لا يحق للمرأة في الأردن تخطيه، هي نفس الجزئية التي تجيب عن سؤال: لماذا لا نسمع عن رسامات كاريكاتير في بلدي؟".

وتعود صويص إلى الزاوية التي طرحتها في بداية حديثها، وهي البحث عن طريقة لدعم رسامات أردنيات يرسمن الكاريكاتير، وتروي هذه التجربة: "بدأت أبحث عنهن بمساعدة الصديق الرسام عمر العبد اللات، وتعرفت عليهن عن قرب، ولك أن تتخيلي الصدمة عندما رأيت المستوى الذي 'يرفع الرأس' حرفياً للرسومات التي يرسمنها، مستوى لا أبالغ إذا وصفته بالعالمي، وكانت أولى اهتماماتي معهن في كسر حاجز الخوف لديهن، لأن ما يقمن به ليس عيباً ولا حراماً ولا تابو، هن مبدعات بامتياز".

ثم تلت تلك النقاشات معهن، تضيف صويص: "لماذا أنتن غائبات عن ساحة الرسم في الأردن؟ وطبيعي كانت كل الأجوبة تتفق على أن ليس فقط الإبداع حكراً على الرجل، بل كل المهن في جميع القطاعات، إضافة إلى أن الفن بشكل عام أقل من ثانوي ولا يحظى لا باهتمام رسمي ولا حتى باهتمام شعبي في الأردن".

"حقيقة أن لديك فكرة لكنك ممنوعة من التعبير عنها هي حقيقة موجعة" تقول رنا في ختام الحديث معها، مؤكدة أن دعمها لرسامات مبدعات لن تكون "فورة" أو "فزعة" لحظية، بل: "سنطرق كل أبواب الجهات الداعمة للمرأة، ونقول لهن: يلا ادعموهن".

"الفتاة التي لديها موهبة رسم هذا النوع من الفن في الأردن، ترضخ لواقع الخوف من أن تواجه تنمراً عليها، لا سيما أن فن الكاريكاتير يغلب عليه الطابع السياسي الساخر، هذه الجزئية ما تزال بمثابة تابو لا يحق للمرأة في الأردن تخطيه"

"من حقّنا أن نكسرها"

عمر العبد اللات الذي كانت رنا صويص قد ذكرت بأنه يساعدها في مشروع دعم الرسامات، هو من أبرز رسامي الكاريكاتير في الأردن، تحدث مع رصيف22 حول تجربته في دعم الرسامات، وكيف جاءت الفكرة، قال: "قبل حوالي العامين خطرت ببالي فكرة أن هناك غياباً تاماً للنساء في قطاع فن الرسم بشكل عام وفن الكاريكاتير بشكل خاص، وبدأت رحلة بحثي عنهن، والحمد لله أن الحظ حالفني وتعرفت على مجموعة منهن".

وأضاف: "لا أجامل إذا قلت إن رسوماتهن عالمية وتتفوق على رسوم فنانين عرب معروفين، واكتشفت أن كل ما هن بحاجة إليه هو الإيمان بموهبتهن، ووجود صوت يخبر الأردن عنهن، ويكسر الصورة النمطية المتمثلة في أن الفن فقط للرجال، على العكس الفن يجب أن يكون مكتمل العناصر ولا يكون مكتملاً إلا إذا منحت الرسامة المساحة التي يجيزها لها حقها في التعبير عن فكرتها وموهبتها".

"أدرك أن أبواباً كثيرة تغلق في وجوه نساء في الأردن في كل القطاعات"، يقول العبد اللات في ختام الحديث معه، ويضيف: "لكن هذه الأبواب المغلقة إذا لم تفتح للمواهب النسوية، فمن حقنا أن نكسرها وهذا كسر مشروع لا يحمل المعنى الأهوج منه، بل كسر لنقول كفى لمسلسل الرعب الذي تعيش فيه نساء مبدعات، وأنا وصديقتي رنا صويص سنصل إلى هذا الطريق لدعم رسامات بلدي من المبدعات من خلال شركتي قلم حر، وشركتها ويش بوكس".

"المايك مع مين؟"

رنا النهار رسامة أردنية تعيش اليوم في تونس، تذكرتها لدى إعداد هذا التقرير ورغبت في الحصول على تعليق منها على قصص الرسامات اللواتي قابلتهن، وكان ردها: "الدنيا والعالم والنظام الذكوري تاريخياً تعطي حظوظاً أوفر للرجل في كل شيء، كما أن أصوات تشجيع النساء المبدعات خافتة، وهناك مبدأ غير مفهوم يسمى تلقائية منح المهن للرجل على حساب المرأة".

وأضافت: "فن الكاريكاتير فن حاد وساخر، ومن لديها هذه الموهبة من النساء سوف تغوص في معترك بين المفاهيم السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية أمام حائط كبير مكتوب عليه ممنوع دخول الفتيات، وهذا له علاقة بتقسيمات دائماً ترجح كفتها للرجل في التوزيع وهو توزيع غير عادل".

وتختم حديثها بمقاربة بسيطة لحال رسامات الكاريكاتير العربيات، تقول: "أنظري لحالهن، وأنظري إلى الستاند أب كوميدي، واسألي نفسك: المايك مع مين؟ ولك أن تقيمي حال رسامات الكاريكاتير بتلك المقاربة"، وتضيف: "يجب ألا نتجاهل ما تشعر به كثير من الرسامات، وهو شعور فيه شيء من الحذر والخوف من التعرض للتنمر بسبب غياب أرضيات اجتماعية ومؤسسية داعمة لهن، فأن تخوض المرأة في مجال ساخر يعني ذلك أنه سيدخلها في تابوهات الحرام والعيب، وما بصير كيف بنت بترسم هيك؟ معادلة ظالمة وغير منطقية".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard