يعاني قطاع تربية النحل في لبنان من صعوبات عدة حولت العمل فيه إلى مخاطرة عالية الكلفة على صغار النحالين. فالتغير المناخي الذي يشهده لبنان والعالم وإهمال هذا القطاع الذي يعيل آلاف العائلات، ساهما بشكل رئيسي في تهميش هذا القطاع وضربه.
يقول الدكتور في الجامعة الأمريكية في بيروت رامي عليق، المتخصص في تربية النحل، لرصيف22 إن الوضع الاقتصادي المتردي أثر في قطاع تربية النحل، من حيث الكلفة المفروضة على المربين، وخصوصاً الصغار منهم. يضيف أن لبنان يشتهر بارتفاع أعداد صغار النحالين فيه، اذ يمارس هذه المهنة حوالى 10 آلاف، في ظل وجود ما يزيد عن 100 ألف خلية نحل عاملة موزعة على الأراضي اللبنانية.
يأس عليق لا يقتصر عليه وحده، بل ينسحب على مجمل العاملين في هذا القطاع، إذ يعج أرشيف الصحافة اللبنانية بصرخات عدة تطالب بمساعدة هذا القطاع الذي شارف الانهيار. وعلى الرغم من هذه الصرخات، لم تتغير حال القطاع الذي يتجه شيئاً فشيئاً نحو الأسوأ، وفق ما يؤكد خليل عليان وهو أحد مربي النحل في جنوب لبنان.
200 طن عسل
يبلغ الإنتاج اللبناني من العسل، حسب عليق، ما يقارب 200 طن سنوياً يذهب بعضها إلى التصدير، والقسم المتبقي إلى الاستهلاك المحلي والطبي، إذ يدخل العسل في إنتاج العديد من المنتجات الطبية التي تستخدم في علاج أمراض عدة، كالربو على سبيل المثال لا الحصر.
ويبلغ انتاج الخلية بين 5 و20 كيلوغراماً في السنة كحد أقصى، إذ تختلف هذه النسبة وفقاً لاختلاف الوعي ومدى اهتمام المربي بقفرانه، بالإضافة إلى اختلاف المراعي، فكلما زادت نسبة المراعي والمساحات الخضراء ارتفع انتاج الخلية السنوي.
موت النحل
يوضح عليان لرصيف22 أن موت النحل شكّل ظاهرة ملموسة على مر السنوات الماضية، اذ انتشرت هذه الظاهرة على نطاق واسع دون أن تعرف أسبابها بعد، مشيراً إلى أنه وجد ما يزيد عن 30 "رأس نحل" ميتاً خلال هذا الموسم من دون معرفة الأسباب.
والحال أن هذه الظاهرة تقلق دول العالم منذ سنوات، إذ شارك نحو 500 باحث في العام 2009 في مؤتمر عقد في فرنسا لدراسة ظاهرة نفوق النحل، خصوصاً أن معدل النفوق ارتفع انذاك من 5 إلى 40% في بعض الدول، ووصل إلى 90% في دول أخرى. وأحصت الوكالة الفرنسية للأمن الصحي حوالى 40 سبباً لهذه الظاهرة، غالبيتها يعاني منها قطاع النحل في لبنان. تتمركز هذه الأسباب حول الزراعة المكثفة واستعمال المبيدات، بالإضافة إلى حشرة "الفاروا" المدمرة.
يؤكد عليق أن حشرة "الفاروا" قضت على 50% من النحل في العالم، وهذا ما دفع الدول إلى إيجاد وسائل للقضاء عليها من دون التأثير على حياة النحلة وإنتاجها. ومن هذه الوسائل المكافحة الكيميائية المستعملة بكثرة في لبنان والمكافحة البيولوجية والميكانيكية. لكن عليق يرى أن الطرق البيولوجية والميكانيكية هي الأنسب لمكافحة هذه الحشرة من الوسائل الكيميائية، نظراً لأن الأخيرة تضر بصحة النحلة وإنتاجها للعسل بفعل الترسبات التي تتركها فيها.
بالإضافة إلى "الفاروا"، أدى غياب المساحات الخضراء وتوسع رقعة التصحر، في انتشار ظاهرة نفوق النحل، وخصوصاً لجهة ارتفاع أسعار العقارات مما حول الأراضي الزراعية والمراعي إلى مساحات عقارية يولد الاتجار بها أو البناء عليها أرباحاً أعلى جداً مما تولّده تربية النحل فيها. ويعدّ التلوث البيئي واستعمال المبيدات السامة من العناصر الأساسية الإضافية، التي ساهمت في ارتفاع نسبة نفوق النحل، وخصوصاً كون النحلة تحتك احتكاكاً مباشراً بعناصر الطبيعة كالأشجار والأزهار التي تعتبر غذاء هذه الحشرة.
ويضيف عليق أن هناك غياباً واضحاً للتنسيق بين المزارعين ومربي النحل، اذ يقوم المزارعون برش بساتينهم بالمبيدات السامة التي تؤذي النحل وتالياً إنتاج العسل من دون الأخذ في الاعتبار مصلحة مربي النحل.
ويطالب عليق الدولة باتخاذ إجراءات تحول دون تشويه صورة العسل اللبناني، وخصوصاً بعد رفض العديد من الدول استيراده نظراً لوجود ترسبات فيه أو "بعض عمليات الغش" من قبل بعض التجار، لافتاً إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة بصدد التحضير لمشروع قانون يهدف إلى تنظيم قطاع النحل فيها بالتنسيق مع منظمة الغذاء العالمية "الفاو"، في حين لا تجد مطالبات النحالين للوزارات المعنية بتعزيز الاهتمام بهذا القطاع آذاناً مصغية.
بدوره، يشير عليّان إلى أن بعض الجمعيات الأجنبية تقيم حملات عدة سنوياً لصغار النحالين بهدف توعيتهم على الطرق الأنسب لتربية النحل، بحيث تخفض أكلافهم وترفع إنتاجيّتهم. وإذ يلفت إلى أن وزارة الزراعة توزع أدوية لمكافحة حشرة "الفاروا"، يستدرك قائلاً إنها "لا تغني عن جوع"؛ فالمربي يحتاج غالباً إلى علاج لمرتين أو ثلاث مرات في السنة، في حين تتكفل الوزارة بالعلاج مرة واحدة سنوياً، وهذا ما يرتب كلفة إضافية على المزارعين.
الأرباح تختنق
في ما يتعلق بالأرباح، يؤكد عليّان أن ارتفاع الكلفة والعوامل المذكورة آنفاً ساهمت في خفض الأرباح، مما حوّل تربية النحل من مهنة إلى هواية لا تستطيع تغطية التكاليف المرتفعة المترتبة على الحياة في بلد كلبنان.
كذلك يسهم ارتفاع عدد القفران ووجود المراعي المناسبة والخضراء في رفع إنتاج الخلية، وهذا ما يرتب حكماً ارتفاعاً في الأرباح. من هنا، يراوح متوسط دخل "صغار المزارعين" في لبنان (من يملكون أقل من مئة قفير) قرابة 600 دولار شهرياً، وفق عليّان. وهو يرتفع مع انخفاض الكلفة التي تزداد بسبب ضعف الوعي بالأساليب الزراعية السليمة لدى بعض المزارعين، فضلاً عن المعوقات الأخرى الواردة أعلاه.
ويتفاوت سعر كيلو العسل في لبنان بين 20 و50 دولاراً، ففي بيروت مثلاً يصل سعر كيلو العسل "البلدي" إلى 50 دولار، في حين ينخفض السعر في المناطق الريفية التي تمتاز بطبيعة خضراء وبساتين.
في النهاية، يبقى مربّو النحل "الصغار" المتضرّرين الأساسيين من عدم حلّ مشكلات هذا القطاع، خصوصاً أن أكثريتهم لجأت إلى القروض الميسّرة للبدء بمشاريع الغاية منها تحقيق دخل إضافي، فانتهت إلى العجز عن سداد قيمة القسط الشهري المتّرتب عليهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...