شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"جيل الطيش" ينتظر الخروج من بيت الوالديْن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 11 ديسمبر 202002:44 م

جميعنا نصبر، جميعنا ننتظر، وجميعنا لنا حدٌّ لننفجر.

"الطّعشات" كلمةٌ عاميةٌ يقصد بها المجتمع فئة معينة يطلقون عليها ألقاباً وأسماءً كثيرة: جيل الغلاظة، جيل الطيش، جيل التمرد...

لكننا في الواقع نعيش في مرحلة تُرسم خلالها هويتنا، نبحث عن شغفنا، نجرب كل شيء في الحياة، ويحبذ بعضنا المغامرة على سبيل التغيير والاكتشاف، رغم أننا في مرحلة هي بذاتها تغيير وتجديد، نبدأ بالتخطيط الجديّ للمستقبل، ولكن رغم كل هذه المُتع والتحديات، لدى الغالبية تحدٍ هو الأصعب من نوعه على الإطلاق، تحدٍ مليء بالتعب، والمشاكل، والمزاج المتقلب، والصبر، مليء بالحنان أحياناً، والعداوة أحياناً أخرى، إنه الانتظار بحدِّ ذاته، انتظار لحظة خروجنا من منزلنا الأول، إنه الطين إذا حاولت السير فيه فتغرز قدميك أكثر فأكثر، إنه أنت إذا حملت حقيبة المدرسة التي تزن بطيختين، إنه لسعات السوط على ظهرك الأعزل، إنه انتظار وقوفك في طوابير الخبز في دمشق.

"الطّعشات" كلمةٌ عاميةٌ يقصد بها المجتمع فئة معينة يطلقون عليها ألقاباً وأسماءً كثيرة: جيل الغلاظة، جيل الطيش، جيل التمرد...

نحن ننتظر ملامستنا لحرارة خبز الفرن "التازا" الذي وُلد قبل دقائق، ننتظر انتهاء الألم، ننتظر رمي هاتين البطيختين أرضاً ورفع ظهرنا باستقامة مجدداً، وننتظر أخيراً عبورنا بقعة الطين تلك وخروجنا من منزل والدينا.

ماذا نفعل ونحن ننتظر؟ غير الانتظار لا بد من التحرك، فانتظارنا سينتهي وسنجد أن أرجلنا قوية كفاية لصمودها ببحرٍ من طين، وظهرنا بات جالساً ومستقيماً بالفطرة، أما جلدنا فقد صار متيناً، تماماً كأقدام الفلاحين، ولعل طابور انتظارنا ينتهي قريباً.

لنعد إلى جيلي، ألم يحن وقت اعتمادنا على أنفسنا؟ ألم يحن وقت سنِّ قوانيننا وقواعدنا؟ ألم يحن وقت رحيلنا؟!

ربما نحن الذين يريدون الخروج قد أصبحنا مستعدين، مستعدين نفسياً لكل هذه الأسئلة، نعرف أجوبتها، لكن أنعرف تطبيقها أو التعامل معها ومع نتائجها؟

 من جهة أخرى، فإن وجودنا بالمنزل وشعورنا بمراقبة أهلنا وتقييمهم لكل شيء، على طريقة مشينا، علو صوتنا أو انخفاضه، لباسنا، طريقة كلامنا، أفكارنا وعقلياتنا الخاصة بنا وبجيلنا، ألا تتيح لنا الجواب؟ شعورنا بالضجر هكذا والتوتر، وطابع مزاجنا الحاد عندما نكون تحت سقف واحد مع الأهل، هذه المشاعر ربما لديها رسالة لتوصلها، ويجب علينا الإنصات جيداً للإحساس بما تقول. 

جميعنا يعرف آلام المغص، وجميعنا يعلم أيضاً أنه إنذار لنزور الطبيب لمعالجة مشكلة أو علة ما، هذه الأحاسيس المؤلمة ربما تقول لنا شيئاً مشابهاً، إنها الإنذار الذي يقول إن لحظة رحيلنا قد حانت، واستبدال الأهل بالأصدقاء هو الحل لوقف هذا الألم

إن فكّرنا بملء وقتنا بينما ننتظر، فماذا نفعل، نطبخ؟ نلتهي على أجهزتنا الذكية؟ ندرس؟ ماذا بإمكاننا أن نفعل بينما ننتظر الفرج؟ توصيات بالصبر كثيرة، توصيات للتسلح بالوعي أثناء المعارك الأهلية أكثر، وليتنا نعرف استخدام هذا السلاح، مهما بلغنا ذكاءً، ومهما بلغنا قوةً، إنه ثقيلٌ علينا، بعضنا يمسكه ويعرف استخدامه لكنه يخطئ هدفه كثيراً، لم أشهد أحداً من جيلي عرف استخدام هذا السلاح مطلقاً وأنا منه. سلاح الوعي، رغم قِدَمِه، أثبت كفاءة عالية على مرّ العصور بالنسبة لمستخدميه القلائل أو الندرة وبجميع أنواع الحروب.

جميعنا يعرف آلام المغص، وجميعنا يعلم أيضاً أنه إنذار لنزور الطبيب لمعالجة مشكلة أو علة ما، هذه الأحاسيس المؤلمة ربما تقول لنا شيئاً مشابهاً، إنها الإنذار الذي يقول إن لحظة رحيلنا قد حانت، واستبدال الأهل بالأصدقاء هو الحل لوقف هذا الألم، ويأتينا ذاك الإحساس الجميل عندما نكون مع الأصدقاء، نفكر خلاله بأننا نعيش الآن لحظات سعيدة ستنتهي عندما يُفتح باب المنزل وندخل، ندخل بيتنا أو الأصح بيت أهلنا، بيت الوالدين الذي نحبه، لكن من بعيد، نريد أن نشتاق له، لكن لا نريد البقاء فيه، إنه المكان الذي شهد أفراحنا وأحزاننا، وسمع همساتنا ليلاً ونحن صغار، كان مسرح شقاواتنا الأولى، كان الشاهد على محاولات سرقة الحلوى من غرفة الوالدين، إنه المكان الذي شهدنا ونحن نبكي مقهورين، وشهدنا ونحن نقفز فرحاً كالمجانين، قد أصبح المكان الذي نريد الانفصال عنه الآن.

من الصعب تعداد أيامنا، ونحن نحذف من تقويمها الأيام التي مرت حتى وقت خروجنا، سنشعر أنها لا تنتهي، ولن تنتهي تلك الأيام إلا عندما نقترب جداً، أعني عندما يحين وقت رحيلنا، إذ نبدأ منذ تلك اللحظة بمحاولة قضاء كل الوقت المتبقي مع العائلة، وعندما يُفتح الباب، نحمل حقيبتنا بينما ظهرنا جالسٌ نوَّدع ماضينا، ونستقبل أنفسنا بمصانع مسقبلنا.

بيت الوالدين الذي نحبه، لكن من بعيد، نريد أن نشتاق له، المكان الذي كان مسرح شقاواتنا الأولى، كان الشاهد على محاولات سرقة الحلوى من غرفة الوالدين، إنه المكان الذي شهدنا ونحن نبكي مقهورين، وشهدنا ونحن نقفز فرحاً كالمجانين، قد أصبح المكان الذي نريد الانفصال عنه الآن

لطالما نضجر ونشعر بالملل وقلة الحيلة بينما ننتظر، دائماً نكون تحت وطأة التعب والصبر وأعين أهلنا، لمَ لا نكون ولو لمرة واحدة المراقِبين؟ لمَ نصّر على دور المراقَب في كل مرة؟ لنتطور ونصل بوعينا حيث نراقب أنفسنا، أعني لتكن لدينا نسختان، الأولى هي الحقيقية وذات الوجود المراقَب، والثانية هي الافتراضية من خيالنا وذات وعيٍّ مراقِبٍ، هنا حيث يسمح لنا وعينا بإدراك المشكلة التي نحن بصددها، أن لا نسمح لأنفسنا بالضجر، فالشخصية الافتراضية تمسك جهاز التحكم هنا وتحرّك جسدنا لفعل أي شيء يمكن أن يفيد الحياة، لربما الثبات أخطر من أي شيء في هذه الحياة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image