في مشهد يجذب الاهتمام دائماً في الدولة الخليجية، توافد عشرات الآلاف من الكويتيين في 5 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، لاختيار ممثليهم في مجلس الأمة، مخالفين توقعات سابقة تحدثت عن مقاطعة واسعة للانتخابات التشريعية.
ورأى محللون في الكويت وخارجها في نتائج الانتخابات التي صدرت يوم أمس، في 6 كانون الأول/ ديسمبر، رسالة على وجود رغبة كبيرة لدى المواطنين في التغيير والإصلاح، إذ سجلت خسارة لافتة للقوى التقليدية المعروفة بتأييدها للحكومة.
وعلى الرغم من التفاؤل من خسارة الأحزاب الدينية التقليدية، فإن عدداً كبيراً من الفائزين يغلب عليهم الطابع المحافظ الإسلامي والقبلي، وهو ما عزز مخاوف كثيرين داخل الكويت، خصوصاً بعد خسارة كل المرشحات من النساء.
وتشير نتائج الانتخابات البرلمانية إلى أن مجلس الأمة القادم سيكون معارضاً، وهو ما يُنبئ بصدام مع الحكومة المعينة من قبل الأمير والذي سيقرر بعدها إما إقالتها أو حل المجلس، في مشهد تكرر ثماني مرات منذ عام 2003.
نتائج الانتخابات
أطاح الناخبون الكويتيون بأكثر من نصف أعضاء مجلس الأمة، خصوصاً من الموالين للحكومة والليبراليين، في نتيجة تعكس مدى رغبة المواطنين في التغيير. وسيضم المجلس التشريعي القادم 31 عضواً جديداً، من بينهم 22 سيدخلون البرلمان للمرة الأولى.
حقق مُرشحو القبائل مكاسب قوية، كما فاز مرشحو المعارضة أيضاً بمقاعد أكثر. وكان أداء الليبراليين ضعيفاً، كما فشل العديد من كبار المشرعين الموالين للحكومة في الاحتفاظ بمقاعدهم، كذلك فشل المرشحون الطائفيون في مساعيهم لإعادة انتخابهم.
ووفق آخر النتائج، فإن نسبة التغيير في تركيبة المجلس بلغت 62٪، حيث لم ينجح من أعضاء مجلس 2016 إلا 19 نائباً، وهو سيناريو مكرر للانتخابات التي أجريت عام 2016، ما يرجعه كثيرون إلى طبيعة النظام الانتخابي في الكويت.
وعلى الرغم، من ترشح 31 امرأة للانتخابات، وهو أعلى عدد من المرشحات في تاريخ الكويت منذ أن مُنحن حق التصويت والترشح عام 2005، لم تفز أي واحدة منهن.
وفشل حزب "التجمع الإسلامي" الذي يمثل السلفيين، للمرة الثانية على التوالي، في دخول البرلمان، فيما فازت "الحركة الدستورية الإسلامية" (حدس) والتي تمثل الإخوان بـ3 مقاعد فحسب في البرلمان. وحصل النواب الشيعة على 6 نواب، من بينهم مقعد واحد للتحالف الإسلامي الوطني الذي يعد ممثلاً عن الشيعة.
قراءة في نتائج الانتخابات
رأى أستاذ الفلسفة في جامعة الكويت بدر السيف أن الناخبين الكويتيين، مدعومين بالتغييرات في السلطتين التنفيذية والقضائية، قرروا المساهمة في التغيير عبر التشريع. وكتب، في تغريدة له، أن "هذه الانتخابات بداية مناسبة لعصر جديد يتطلب الآن تشكيل حكومة جديدة، واجراء إصلاحات طال انتظارها".
ولفت الأكاديمي الكويتي إلى أن نسبة الإقبال وصلت إلى حوالي 60٪، ما يعني أن وباء كورونا لم يُعِق الناخبين، معلقاً بأن البرلمان الجديد شهد تحولاً طفيفاً إلى اليمين، بعدما فاز المزيد من المحافظين، كما اعتبره "برلماناً ذكورياً" بعد خسارة كل المرشحات.
على الرغم من التفاؤل بخسارة الأحزاب الدينية التقليدية، فإن عدداً كبيراً من الفائزين يغلب عليهم الطابع المحافظ الإسلامي والقبلي، ما عزز المخاوف داخل الكويت، خصوصاً بعد خسارة كل المرشحات من النساء، والذي كان عددهن الأعلى منذ سمح للمرأة بالترشح والتصويت عام 2005
وتوقعت الباحثة الايطالية المتخصصة في الشأن الخليجي سينزيا بيانكو أن تخلق النتائج حالة عدم استقرار بسبب فوز المعارضة. وكتبت بيانكو، في تغريدة لها على تويتر، أن العديد من أصوات المعارضة - خاصة من الفئات الأكثر توتراً ومحافظة مثل الإسلاميين القبليين الشباب - فازت على حساب الوضع الراهن والليبراليين والنساء، وهذا يعني أن الحكومة ستواجه معركة شاقة، وأن حالة من عدم الاستقرار باتت متوقعة في المستقبل.
وكتب المحلل السياسي للشأن الخليجي نبيل نويره في تغريدة، مرفقة بمقطع فيديو، أن 32 من النواب الفائزين والمؤيدين للمعارضة اجتمعوا للتنسيق في ما بينهم في البرلمان.
ولفت نويره إلى أن الاتفاق على اختيار رئيس جديد للبرلمان سيكون من أهم القضايا التي سيناقشها النواب الجدد، مشيراً إلى أن الاجتماع تضمن حضور نواب ليسوا من المعارضة، لكنهم أرادوا أن يبعثوا رسالة للشعب مفادها أنهم جزء من التغيير.
وكتب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت عبدالله الشايجي، على تويتر، أن النتائج "صادمة وترسل رسائل معبرة". وقال إن "انتفاضة الناس" في صناديق الاقتراع، أثناء تفشي الوباء، وسقوط العديد من المشرعين بسبب مواقفهم وقربهم من الحكومة، هي دروس للمشرعين الجدد وجميع الحكومات بضرورة تغيير الواقع، واصفًا النتيجة بأنها "فجر جديد".
ومع ذلك، حذّر الشايجي من مناخ وخطاب التفاؤل المبالغ فيه، مؤكداً أنه لا توجد معارضة حقيقية في الكويت بمعنى معارضة الحزب الحاكم لعدم وجود أحزاب سياسية ومحدودية دور وأداء المكونات وانغلاقها قبلياً وطائفياً وفئوياً.
وكتب الباحث الأكاديمي الكويتي عبد الله الخنيني في تغريدة: "هذه الانتخابات فيها رسائل مبطنة وغير مباشرة، وتحديداً في تغيير واختلاف وعي الناخبين وخسارة نواب محسوبين أو معروفين بسوء السمعة، لكنني لا أرى أي تغيير حقيقي، نفس التوزيعة المعتادة وكأنها لعبة الكراسي".
الجانب الاقتصادي للمشهد السياسي
في أعقاب انتهاء الانتخابات، سارع عدد من الأكاديميين الكويتيين إلى الحديث عن الخطوات القادمة والتي رأوا أنها ستكون تشكيل حكومة جديدة وإصلاح الوضع المالي والاقتصادي.
وقال أستاذ العلوم السياسية عبد الله النفيسي، في تغريدة له بعد انتهاء الانتخابات: "أرى أن المطلب الأول يكون تشكيل حكومة إنقاذ وطني برئيس جديد ووزراء جُدد، والمطلب الثاني هو تحقيق وطني كويتي في الوضع المالي للدولة".
تشير نتائج الانتخابات البرلمانية في الكويت إلى أن مجلس الأمة القادم سيكون معارضاً، وهو ما يُنبئ بصدام مع الحكومة المعينة من قبل الأمير والذي سيقرر بعدها إما إقالتها أو حل المجلس في مشهد تكرر ثماني مرات منذ عام 2003
وكتب الشايجي مشيراً إلى وجود تحديات كبيرة تنتظر الحكومة والبرلمان الجديدين في الكويت، منها مواجهة التحدي الاقتصادي الصعب بعد تسجيل أكبر عجز في الميزانية لتراجع أسعار النفط وتكلفة تداعيات جائحة كورونا.
ولفت الشايجي إلى أن الحكومة أعلنت عن رغبتها باقتراض 20 مليار دينار على مدى 30 عاماً، منها 8 مليارات لتمويل عجز الميزانية للسنة المالية.
وقالت الكاتبة فيونا ماكدونالد، في تقرير نشرته "وكالة بلومبيرغ" الأمريكية، إن الكويت تواجه عجزاً قياسياً في الميزانية ويتوقع صندوق النقد الدولي انكماشاً في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 8٪ هذا العام.
ولفتت ماكدونالد إلى أن جهود الإنقاذ متوقفة بعدما اختلفت الحكومة المستقيلة مع أعضاء المجلس السابق الذين يتمتعون بسلطة كافية للتحقيق، وتأخير القوانين بشأن سبل لحل الأزمة.
كانت الأزمة المالية التي تعيشها الكويت من أهم الموضوعات في الحملات الانتخابية للمرشحين، إذ تعهد هؤلاء بشطب القروض الشخصية وحماية الرواتب على الرغم من نفاذ الأموال في وزارة الخزانة، ومنع البرلمان خطط الاقتراض من الخارج.
ونقلت ماكدونالد عن كبيرة المهندسين في مؤسسة البترول الكويتية حنوف العمران، قولها: "أنا سعيدة للغاية بنتائج الانتخابات. لقد ترجموا مدى خيبة أمل الكويتيين من مجموعة من المشرعين الذين لم يحققوا أي إنجازات يستحقها الكويت".
وفي أول رد فعل رسمي على نتائج الانتخابات، قرر رئيس الحكومة الكويتية تقديم استقالته فيما دعا الأمير المجلس الجديد إلى الانعقاد يوم 15 كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم