شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"شوفته وبكيت"... فلسطينيون يلمسون البحر لأول مرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 23 أغسطس 202005:17 م
تشمّر ثوبها الأبيض قليلاً قليلاً عن ساقيها لتداعبهما موجة، ثم تهرب فجأة إذ بللت قدميها، كأنما لسعتها فرحة مباغتة، تترك الرياح تلاعب شالها الأبيض على رأسها ثم تحكم لفّه من جديد.

كانت الحاجة أم زهير بدران، في أول لقاء لها مع البحر، منذ ثمانية وسبعين عاماً.

تقطن أم زهير في دير الغصون، قضاء طولكرم، شمال الضفة الغربية، وكغالبية سكان الضفة الغربية، لم تر البحر في حياتها، بعد أن دفعتهم إسرائيل نحو قرى داخليّة، والتي تحولت إلى مدن مخنوقة بالحواجز والأبراج وجدار الفصل العنصري.

تقول أم زهير لرصيف22: "الحمد لله هذي أول مرة أشوف البحر... رحنا في العيد مع ابني وأولاده، لما فتحوا الإسرائيليين الناس كلهم راحوا على البحر".

"أول ما دخلت غزة وشفت البحر بكيت. لم أكن أصدق، كذلك أصدقائي في غزة، تفاجؤوا من سعادتنا غير المفهومة بالنسبة لهم برؤية البحر"

وقد حظي الآلاف من سكان الضفة، مثل أم زهير، بزيارة البحر والأراضي المحتلة على الطرف الغربي من جدار الفصل العنصري، مؤخراً، دون الحاجة لاستخراج تصاريح من السلطات الإسرائيلية، أو المرور عبر الحواجز التي يقيمها الاحتلال، ولكن عبر فتحات وثغرات في الجدار.

أمام البحر، هذا الفضاء الأزرق الممتد، يغمرك فرح طفولي، تختبره أم زهير لأول مرة، وتصف هذا الشعور قائلة: "ضليت أتطلع على البحر والمية الزرقا قدامي وأنا كتير مبسوطة، بعدين نزلت شوية قدام البحر وصارت الموجة تيجي لعندي وتبلل رجلي من فوق.. انبسطت".

وتضيف بتنهيدة: "إذا صحلي هسا برجع على البحر".

"البحر كان يعانقني"

سرت قشعريرة في كامل جسده كأنه محموم بغير مرض، واجتاحته رغبة في البكاء، حين وقف واجد النوباني (31 عاماً)، الذي يقطن في قرية اللُّبن الشرقية، جنوبي مدينة نابلس، أمام بحر يافا.

يقع شاطئ بحر يافا على بعد ساعتين تقريباً من قرية اللبن الشرقية، لكن هذه المسافة، على قربها جغرافياً، استغرقت النوباني عشرات السنين، وعدة محاولات، وأحلاماً كثيرة، "لكن الأمر يستحق هذا الانتظار"، يقول واجد، بعد أن تمكن أخيراً من أن يبلل قدميه بموج بحر يافا.

"قبل الرحلة وعلى مدار ليال عديدة، جافاني النوم. كنت أفكر بيافا والبحر، وفي الليلة الأخيرة لم أنم لساعة واحدة، وعند الفجر تحضرت للرحلة. انطلقنا نحو رام الله ومن هناك إلى يافا، بعد ساعة ونص كنا على أعتاب المدينة".

"أول ما شفت البحر، مجرد ما دخلنا ما يفترض أنها تكون حدود، قشعريرة سرت في كامل جسدي. فجأة كل صور الذاكرة والتخيلات والشعر والقصائد التي بنيناها عن يافا والبحر تقفز الآن أمامي، شعرت حينها بدوار البحر"، يقول واجد.

ويتابع: "أول ما لمحنا البحر، البنات صاروا يزغردوا وهتفنا من الفرح، نزلنا شفنا كيف هدير الأمواج يوصل السور وابتلينا برذاذه، كأن البحر يعانقنا".

اختلطت هذه المشاعر بغصة، عندما اكتشف أن المستوطنين سبقوه إلى البحر ويافا، يقول: "منظرهم على البحر كانت غصة في القلب، كيف هن يزوروا البحر قبل مني؟!".

على تلة قريبة من البحر وقف واجد مودعاً البحر، يتأمله لبعض الوقت ويحفظ تفاصيل هذه اللوحة الممتدة أمامه لبيوت يافا القديمة وبحرها الهادر، ويقول: "ما فيك حتى تحكي كلمة بينك وبين حالك تعبي الفراغ لحظة الوداع. فقط لوحت بإيدي للبحر والبيوت واكملت طريقي عائداً إلى اللبن الشرقية".

"البحر حلمنا"

أما شهد إمام (22 عاماً)، فلم تتمالك دموعها هي الأخرى، حين لمحت الخط الأزرق الممتد على جانب الطريق، حين زارت قطاع غزة قبل عدة سنوات للمشاركة في نهائيات مسابقة محلية.

تقول شهد التي تقطن مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية لرصيف22: "أول ما دخلت غزة وشفت البحر بكيت. لم أكن أصدق، كذلك أصدقائي في غزة، تفاجؤوا من سعادتنا غير المفهومة بالنسبة لهم برؤية البحر".

خلال الفترة الوجيزة التي قضتها شهد في غزة، لم تفوت فرصة مشاهدة شروق الشمس على الشاطئ: "ما كنت مصدقة أنه بهاي السهولة يمكن أن أصل إلى البحر، في غضون دقائق أكون أمام البحر".

"إحنا في الضفة معظمنا لا يعرف البحر، ولا يمكن زيارته إلا بتصاريح خاصة".

 "إحنا في الضفة معظمنا لا يعرف البحر الأبيض المتوسط، لا يمكننا زيارة البحر إلا بتصاريح خاصة لدخول الأراضي المحتلة عام 48، وهذه صعبة للغاية، خصوصاً للشباب. من يحالفه الحظ يأخذ تصريحاً، وهي الفرصة الوحيدة للاستجمام على شاطئ البحر المتوسط".

"البحر حلم بالنسبة لسكان الضفة. وقد يكون السفر إلى تركيا أو أي دولة من دول حوض البحر المتوسط أسهل لنا من أنه نشوف بحرنا في الداخل أو غزة"، تضيف شهد.

لم يكن مشهد البحر غريباً تماماً بالنسبة لورود شرباتي (25 عاماً)، من مدينة الخليل، فقد حظيت بزيارته مرتين خارج فلسطين.

تقول ورود لرصيف22: "حين كنت في الخامسة عشر من العمر، زرت البحر الأحمر مع عائلتي في الأردن، ليلتها لم أنم حتى لا أفوت شروق الشمس على البحر".

"البحر الأزرق يمتد أمامك بلا حدود، تخترقه السفن، وتكسر الموج عند الشاطئ... كل هذه التفاصيل ضلت عالقة في ذاكرتي لليوم"، تستعيد ورود تجربتها الأولى أمام البحر.

وقبل نهاية عام 2015، كانت ورود على موعد ثان مع البحر، ولكنه هذه المرة في تونس.

وتضيف ورود: "كنت في رحلة إلى تونس، وقبل المغادرة أصريت أزور البحر رغم برد ديسمبر. أخيراً شفت شواطئ البحر المتوسط، ووضعت قدمي في المياه التي لا أستطيع الوصول إليها في بلادي".

"شعرت بفرحة مُرّة، تفاجأت بالبحر مليان مستوطنين وناس أغراب عن بلدنا"

وقبل أيام قليلة، تمكنت ورود من الوصول إلى شواطئ بلادها، مستغلة تغاضي سلطات الاحتلال عن محاولات الفلسطينيين الدخول بدون تصاريح إلى الأراضي المحتلة، لتزور بحر يافا تسللاً عبر الجبال.

وتقول: "طلعنا بباص من الخليل، توقفنا قبل حاجز الظاهرية، لأننا لا نملك تصاريح مرور، فسلكنا الطريق عبر الجبال إلى ما بعد الحاجز، مشينا حتى وصلنا فتحة في جدار، من خلالها وصلنا منطقة فيها باصات تحمل نمر إسرائيلية والتي نقلتنا ليافا".

"في غضون ساعتين كنت أقف أمام البحر. كنت أتخيل أن البحر بعيد جداً وأحتاج يوماً كاملاً للوصول إلى شواطئه، لكن الحقيقة أن البحر بعيد عنا سياسياً، قريب جغرافياً"، تقول ورود.

تملكت ورود مثل واجد، فرحة مشوبة بالحزن أمام بحر يافا، قائلة: "شعرت بفرحة مُرّة، تفاجأت بالبحر مليان مستوطنين وناس أغراب عن بلدنا... تحسرت على أطفال وكبار في العمر من وطني ما بعرفوا شو يعني بحر، محرومين من الحصول على تصاريح لزيارة البحر. حزنت من فكرة أنه البحر قريب مني ومش قادرة أوصله".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image