شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أمواج البحر تشعر بأحلام النساء"... عن أسطورة السبع موجات في غزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 2 سبتمبر 202003:54 م
على شاطئ بحر الشيخ عجلين، غرب مدينة غزة، كانت المرأة السبعينية تمسك برأس فتاة تبدو في الثلاثينيات من عمرها، وتغمره في مياه البحر، فيما تصرخ الفتاة خوفاً من موج البحر، وللوهلة الأولى اعتقدنا أنها تنوي إغراقها، لكن ما إن اقتربت منهن وتحدثت إليهن، حتى بدا الأمر مختلفاً.

"أحب الانبساط بالبحر"

تحكي أم محمد أبو جربوع (72 عاما) عن عادة قديمة متوارثة، تكشف عن أسطورة تؤمن بها، تربط البحر بالنساء، اللاتي كنّ بعيدات بحكم سيطرة الرجل عن الأنشطة التعليمية، والاقتصادية، واقتصرت أحلامهن على الزواج والإنجاب، مشددة على أن هذه الرابطة قوية، وأن أمواج البحر تشعر بأحلام الفتيات، وتحققها إن مارسن الطقس كما يجب.

تقول أم محمد لرصيف22 عن طقس إغراق رؤوس الفتيات في البحر عندما يقترب الموج: "هذه عادة أخذتها عن أمي، وكل النساء يأتين إلي لأطبقها على بناتهن، لفك عقدتهن ويتزوجن، ومنهن من يفعلن ذلك أملاً في الإنجاب".

مضيفة:" تأتي الأم بابنتها التي لم تتزوج، وآخذها أنا إلى البحر، شرط أن تكون اجتازت الدورة الشهرية قبل أيام، ثم أحمّمها في ماء البحر على مدار ثلاثة أيام متتالية، وفي كل مرة يجب أن تغمرها سبع موجات من البحر دون أن ترفع رأسها، وهذا يعجل في استحضار نصيبها".

تقول العجوز: "أنا نفسي تزوجت بهذه الطريقة، فقد اقتربت من الخامسة والعشرين ولم أتزوج. خافت أمي ألا أتزوج. اقترحت جدتي عليها أن تأخذني إلى عرافة في الحارة، وأحضرتني إلى بحر مخيم المغازي لتقوم بهذه الطقوس".

لم تتم أم محمد تعليمها، فقد أخرجها والدها من المدرسة بعد الصف الخامس، ومع ذلك خطرت لها الفكرة وقتها كثيراً واعتبرتها خرافة، لكن جدتها كانت مصرة على ذلك، وتقول وهي تضحك: "الغريب في الأمر أنه بعد شهرين من ممارسة هذه الطقوس خطبني ابن الجيران وتزوجت، ومن بعدها تعلمت أمي الطريقة، وبدأت تطبقها على فتيات الحارة وبنات الأقارب وأنا تعلمتها منها".

"تعلمت أمي طقوس السبع موجات، وطبقتها على فتيات الحارة، وبنات الأقارب، وأنا تعلمتها منها، وسأطبقها على حفيدتي"

تتساءل أم محمد: "هل هذه العادة صحيحة أم خاطئة؟ لا أعرف... لكن حفيدتي اقتربت من الثلاثين ولم تتزوج لذا سأجرب معها هذه الطريقة".

وعلى استحياء كانت تقف حفيدتها إيمان (33 عاماً)، رافضة التدخل في الحديث لعدم اقتناعها بالفكرة أساساً، تقول عن نفسها أنها جامعية، متعلمة، لا تؤمن بهذه القصص، حتى رمقتها الحفيدة بنظرة ملؤها التحدي، قائلة وهي تضحك: "أنا أصلاً جاية أسبح، وأنبسط بالبحر".

"أذهب للبحر متخفية"

ليس من السهل أن تكشف النساء والفتيات عن نيتهن التوجه للبحر والاغتسال بالسبع موجات، حتى لا يصفهن الناس "بالمجانين"، على حد وصف عبير نحلة (33 عاماً)، التي تؤكد أن الأطباء عجزوا عن إيجاد سبب لتأخر حملها بعد ست سنوات من الزواج، قائلة: "تحاليلي كلها سليمة وكذلك زوجي، ولا نعاني من أي مشاكل صحية".

مضيفة:" نصحتني إحدى جاراتي بالعديد من الطرق التي لها علاقة بالطب الشعبي، وآخرها كان الاغتسال بالسبع موجات، لكن للأسف لم يتحقق حلمي بالحمل".

اما كريمة (45 عاماً)، والتي احتفظت باسم عائلتها حتى لا يعرف الزوج بما أقدمت عليه، خصوصاً وأن الأمر يتعلق بصحة جنينها، تقول لرصيف22: "كان الأمر منذ زمن بعيد، وكنت قد تزوجت ولم يحدث حمل، رغم مضيّ عام تقريباً على زواجي، فأخذتني أمي إلى أم محمد، وكانت داية ولدتني أمي على يدها، وهي من اصطحبتني للبحر وغسلتني بالسبع موجات، وبعد ثلاثة شهور حملت بطفلتي الأولى، وكله بيد الله طبعاً".

تضحك كريمة، وتقول: "الآن لدي ست بنات، بدي حد يوصفلي طريقة شعبية أخلف فيها ولد".

شرح طقوس السبع موجات

تقول الداية أم سليم (77عاماً)، إن عادة الاغتسال بالسبع موجات عادة قديمة ليست في فلسطين فقط، بل في العديد من الدول العربية كتونس والمغرب، وهي من أشكال الطب الشعبي.

مضيفة: "طبعاً بعض الناس يعتقد أنها من الخرافات وأنها لا تجدي نفعاً، لكن دائماً نقول إن الأمر أولاً وأخيراً بيد الله، وهذه مجرد طريقة لا أكثر".

وتصف أم سليم خطوات هذا الطقس مشددة على ضرورة استحضار النية أولاً، أيا كان الغرض أو الحلم، ثم تذهب الفتاة الى البحر وهي غير حائض، قبل ثلاثة أيام، وتجلس مسافة مترين إلى ثلاثة أمتار داخل مياه الشاطئ، ثم تنتظر قدوم الموجات حيث تنزل رأسها للأسفل مع قدوم كل موجة وترفعه بعدها، حتى سبع موجات.

وتفضل أم سليم أن يكون بصحبة الفتاة أمها أو الداية لتستطيع وضع رأسها تحت الموجة لتغمره كله، فبعض الفتيات قد يخفن من الموج أو يشعرن بالاختناق في البداية، ثم تبدأ بقراءة آيات من القرآن الكريم، كقصار السور، واستخدام أوراق من الشجر، كورق السدرة وبعض الحجارة الكريمة والصدفيات والعين الزرقاء التي لها تأثير حسب الموروث، وبعض النساء يطلقن البخور فوق رأس الفتاة، ويتم تكرار الأمر لثلاثة أيام متتالية، ويمكن أن تعاد بعد عدة شهور إلى أن يحدث المراد بالزواج أو الحمل.

البحر و"علم الطاقة"

وتُعتبر "ذكرى أربعاء أيوب" من أشهر الطقوس السنوية المرتبطة بالبحر. يحيي مسيحيون ومسلمون في الشرق الأوسط كل عام، فجر الأربعاء الذي يسبق عيد الفصح، ويحرصون في هذه المناسبة على التطهر بالماء الذي شفى قروح النبي أيوب، حيث تزدحم السواحل بالرواد، من المسيحيين وبعض المسلمين، للاحتفال بهذه المناسبة والانغماس بماء البحر كما فعل نبي الله أيوب.

فالقصة عبارة عن موروث شعبي وديني، كما تحدثت الدكتورة مي نايف، خبيرة علوم الطاقة ومدربة التنمية البشرية، والتي ترى أن أصل العادة مستوحاة من قصة سيدنا أيوب، الذي كان يغتسل في البحر ليشفى من الأمراض التي أبتلي بها.

تقول نايف لرصيف22: "في علم الطاقة يعتبر البحر هو أقوى طاقة، والشخص نفسه هو الذي يوجّه الطاقة التي بداخله، فإذا كانت طاقتك سلبية وذهبت لدكتور وقال لك أنت سليم، مباشرة تشعر بالتحسن، فالطاقة هي انعكاس لما بداخلك".

تحكي أم محمد (72 عاما)  عن طقوس تؤمن بها، تربط البحر بالنساء، مشددة على أن هذه الرابطة قوية، وأن أمواج البحر تشعر بأحلام الفتيات، وتحققها إن مارسن الطقس كما يجب

تضيف نايف: "البحر له طاقة عالية جداً، لذلك قديماً كانت المرأة تذهب إلى البحر عندما تكون غير قادرة على الإنجاب وترغب بالحمل، فكانت تتوجه إلى الشاطئ وتنتظر أن تضرب فيها 7 موجات، تتفاءل أنها راح تحمل. وهذا الشيء نابع من اعتقادات موجودة في التراث، مثل القول الشائع: قديش أنت مدى اعتقادك في شيء قديش ممكن يتحقق".

وترى نايف أن "الذين كانوا يقومون بهذه الطقوس قديماً كانت لديهم حضارات، وكانت هذه الحضارات واصلة إلى مستوى كبير من العلم والرقي، ولما انهارت الحضارات بقيت بعض الأشياء متوارثة عنها دون معرفة الأسباب، لذلك نطبقها دون أن نعرف هل هي صح أم لا؟ لكن الأكيد أن للبحر بحد ذاته طاقته عالية وممكن يستفيد منها أي انسان".

"الذين كانوا يقومون بهذه الطقوس قديماً كانت لديهم حضارات".

وتضرب نايف مثالاً على ذلك أنه أحياناً نجد أشخاصاً يقولون كنت أشعر بالضيق وذهبت الى البحر وارتحت، تضيف لرصيف22: "لذلك، كل إنسان سواء فتاة أو رجل، صغير أو كبير، لازم كل إنسان يروح يتأمل في الموج، يشم هواء البحر ويمشي على رمله. لما يمشي يجعل الطاقة تدخل في الجسم، يعطي هدوءاً نفسياً، وإذا كان هناك انغلاق في مسارات الطاقة في أي جزء في جسده يساعد على انفتاحها، ويعطي أفقاً للإنسان، ويساعده لشحن الهالات في جسمه، مثل الناس اللي عندها أمراض ممكن البحر يخفف منها".

"طاقة البحر طاقة جميلة، ونلاحظ الناس أول ما تأتي من خارج فلسطين الى غزة يقولون لنا: نيالكم، إحنا مفتقدين البحر لأن البحر طاقته غير الجبل أو السهل. كتير في أمراض تصيب الإنسان ناتجة عن الموقع الجغرافي، لذلك فان الموقع يعود بالفائدة على الجانب الصحي والنفسي والفكري للإنسان، مثل الدكتور فهو لا يشفي المريض لكن يعطيه دواء، والبحر كذلك هو أداة لشفاء الناس".

أما التفسير النفسي لطقوس السبع موجات، وعن تحقيقها لأحلام النساء، حسب الدكتورة نايف، فقد يكون الأمر ناتجاً عن سلبية المرأة في بعض الأحيان، وسيطرة الأفكار السيئة، نتيجة للظروف الاجتماعية التي تعيشها، مثل أنها غير جميلة، لن تتزوج أو لن تنجب، وبمجرد تعرضها لموج البحر تتبدل الأفكار في رأسها، وتصبح إيجابية يحدوها الأمل، وهي بذلك تجذب الخير لها كما تتخيله، سواء كان سفراً، عملاً، زواجاً أو إنجاباً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image