مع اقتراب هذا العام الاستثنائي من نهايته، أجدني كما عهدتني في حالة خصام مع ذاتي التي لا أتردد عن جلدها لدى شعوري بالتقصير. تسيطر عليّ، كغالبيتنا، رغبة في ممارسة ذلك الطقس الغريب الذي يقتضي مراجعة إنجازاتنا في العام الذي يشارف الانتهاء، وكأن نهاية العام هي تجسيد فعلي لنهاية اختبار قد عشناه.
في هذا الطقس العصابي، تتراءى لي اخفاقاتي كقائمة لذنوب شيطانية تصيبني بالإحباط. مع ظروف الحجر والعزلة تضاعفت الصعوبات التي حالت دون تحقيقي قائمة مخططاتي التي اعتدت فرضها على ذاتي مع بداية السنة ونهايتها. لم أنجح بإنهاء كتابة رسالة الماجستير ولم أحسّن مستواي باللغة الفرنسية ولم أطور هواية إبداعية، كما نجح بعض المؤثرين في الفيديوهات التي تم تداولها عن إنجازاتهم في فترة الحجر.
أنا على العكس من ذلك، كتلك السيدة التي سقطت في هستيريا من الضحك المر وهي تقارن بين أهدافها لهذا العام وبين النتائج التي تبدت هذه السنة الغريبة. حلم السفر وزيادة دخلها ورغبتها بالتواصل الاجتماعي كلها تحولت إلى كوابيس من عزلة وفقدان لوظيفتها وزيادة في وزنها، والأكثر حزناً هو خسارة جدتها التي رغبت سابقاً في قضاء مزيد من الوقت معها. لدى مراجعة التعليقات المصاحبة للمنشور، يعبر أغلبية المتابعين أن هذه السيدة تمثلهم، وهذا ما أتفقُ معهم عليه.
عادة يقول البعض "إن فاقد الشيء لا يعطيه" لكنني أود أن أجادل أنه على العكس من ذلك، ففاقد الشيء هو أكثر من يقدّر قيمته. لذا أجدني كشخص اعتاد جلد ذاته، راغباً في أن أفكر بالتسامح مع الذات وبأهميتها لنا كأشخاص اعتدنا تقريع ذاتنا على عجزنا عن تحقيق أحلامنا.
عادة يقول البعض "إن فاقد الشيء لا يعطيه" لكنني أود أن أجادل أنه على العكس من ذلك، ففاقد الشيء هو أكثر من يقدّر قيمته. لذا أجدني كشخص اعتاد جلد ذاته، راغباً في أن أفكر بالتسامح مع الذات وبأهميتها لنا كأشخاص اعتدنا تقريع ذاتنا على عجزنا عن تحقيق أحلامنا
ترى مايا أنجيلو، وهي شاعرة وكاتبة أمريكية سوداء قاست الأمرين في تغيير المنظور المجتمعي للسود، أنه من المهم جداً للإنسان أن يغفر لنفسه وأن يرى أن أخطاءه تساهم في مسيرة تعلمه وتطوره. وتعتقد أنه يمكننا طلب المغفرة من الآخرين، لكن المغفرة الحقيقية تأتي من الذات.
تلفت أنجيلو إلى أن الشباب والشابات قد ينجحون وينجحن في تجاوز نظرة المجتمع السلبية لهم/ن إن اعتبرهم/ن بيضاً جداً أو سوداً جداً أو بدناء أو هزيلي/ات الصحة أو مثيرين/ات بشكل مبالغ أو العكس، لكن التحدي يكمن في تجاوزهم/ن لنظرتهم/ن عن الذات.
لذا تقول: "تكمن الصعوبة الحقيقية في التغلب على طريقة تفكيرك في نفسك. إذا لم يكن لدينا ذلك، فلن ننمو أبداً، ولن نتعلم أبداً، ومن المؤكد أننا يجب ألا نُعلّم أبداً".
في زمن التواصل الاجتماعي، لم يعد الإعلام التقليدي هو الذي يبث لنا صوراً خيالية عن الذات المثالية، بل بتنا نحن من يعوض عما نراه كنواقص في ذاتنا بخلق صورة مثالية لأنفسنا نقدمها على منصات التواصل الاجتماعي.
يصدمنا التناقض بين اخفاقاتنا وبين ما نود أن يراه الآخرون من نجاحاتنا. في فيديو ساخر للكوميدية اللبنانية شادن عبر حسابها على إنستغرام، تسخر من عجزها، كمعظمنا، عن أن تكون منتجة في فترة الحجر. فمحاولتها تعلم اللغة الإسبانية هي مزيج من كلمات إسبانية مفككة تكررها بطريقة تطبيق دولينجو التعليمي، الذي من خلاله استطاع البعض تعلم اللغات الأجنبية بينما عجز بعضنا الآخر عن ذلك، كما تبين شادن.
تختلف أسباب تقريعنا لذاتنا، فمنها نتيجة ثقافة الذنب التي كبر بعضنا ضمنها، ومنها نتيجة ممارسات جندرية تدفع النساء بشكل خاص للشعور بالعار إن لم يكنّ على قدر توقعات الآخر بهن. في روايتها "مدينة الفتيات City of Girls" تقول إليزابيث جيلبرت: "تسأم المرأة في مرحلة من حياتها من الشعور بالعار طوال الوقت، ثم تصبح حرة في أن تعدو ما هي عليه حقاً".
مع اقتراب هذا العام على نهايته، ربما من الأفضل بدل أن نجلد ذاتنا على الكيلوغرامات المتراكمة فوق بطوننا، أن نتذكر أنها جزء من وجبة لذيذة أعددناها لمن نحب
مع اقتراب هذا العام على نهايته، ربما من الأفضل بدل أن نجلد ذاتنا على الكيلوغرامات المتراكمة فوق بطوننا، أن نتذكر أنها جزء من وجبة لذيذة أعددناها لمن نحب. وربما من الأفضل، بدل أن نندم على الوقت الذي لم ندرس فيه لغات أجنبية، أن نتذكر ضحكنا على برنامج ساخر تابعناه مع من نحب بفرح. ربما بدل حزننا على رحلات تم إلغاؤها بسبب المرض المتفشي أن نتذكر أننا بصحة وعافية، وأننا قد نجونا من مرض يستمر بتهديد البشرية.
عادةً لستُ من رواد الفكر الجديد الذي يلجأ للتعاليم القديمة للوصول إلى المعرفة الروحية، ولكني أرى في كلمات أحد المعلمين حكمةً قد تساعدنا بهذا الصدد، إذ يرى ميغيل أنخيل رويز أن القوة تكمن في خروجنا من المتاهة عبر مسامحة ذاتنا. من المهم، ونحن نعد قائمة الأهداف للعام المقبل، أن يكون التسامح مع الذات على رأس هذه القائمة، ربما بذلك تكمن قوتنا التي ستساعدنا على المضي قدماً بغض النظر عن النتائج.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون