"لا نريد أن نسمي الأزمات في سوريا بأزمة البنزين، أزمة الكهرباء أو أزمة المواصلات أو... لأن القائمة تطول، بل يجب أن نقول إن الأزمة أو البلد باتت برمتها أزمة"، هذه الكلمات نشرت فتاة تُدعى لانا، وهي عشرينية وطالبة في كلية العلوم السياسية في جامعة دمشق، عبر صفحتها في فيسبوك.
لربما يقرأ المتابع للأحداث في سوريا كل يوم مقالاً أو تقريراً يتحدث عن الأزمات والصعوبات الاقتصادية التي يعيشها المواطن السوري في الداخل.
وتُضاف إلى تلك التقارير منشورات وتعليقات مرافقة تتحدث عن الواقع المرير مع كل إشراقة شمس في السماء السورية، أو مع تشكل غمامة سوداء إن صح التعبير، ويرى ذاك المتابع أن كثرة المنشورات وإضافاتها تتصف بالسلبية و"السّق والنق"، أي كثرة التذمر باللهجة العامية، متسائلاً عن الأسباب التي تدفع بمعظمهم للامتعاض.
إلا أن الامتعاض لم يأت عن عبث بل هنالك شيء ما يحدث مع كل هذه المصائب على حد وصف الكثيرين، إذ لم يعد هنالك حلول لها تنتشلهم من التضخم الحاصل، ليرى الغالبية بأن الحل سيأتي من الله فقط.
يلقي السوري اليوم كل همومه ومشاكله على الله، متفوهاً بجملٍ يبعد نفسه وقدرته عن حل أي منها، مثلاً: إذا الله راد، لنشوف الله شو كاتب، وغيرها من الجمل التي تحمل توكلاً مطلقاً لمجابهة ما يحدث.
يلقي السوري اليوم كل همومه ومشاكله على الله، متفوهاً بجملٍ يبعد نفسه وقدرته عن حل أي منها، مثلاً: إذا الله راد، لنشوف الله شو كاتب، وغيرها من الجمل التي تحمل توكلاً مطلقاً لمجابهة ما يحدث
فيما يجد البعض أن ما يجري هو ابتلاء من الله إما للجزاء أو الاختبار لذلك السوري، يقول نور الدين المصري، وهو في الثمانين من عمره: "إن كثرة المعاصي التي اقترفت في هذه الأرض لا بد أن يكون لها جزاء مقابل"، معللاً من جهة ثانية بأن هناك بعض الناس من الجيدين لا ذنب لهم في كل ما يحصل، لكن هذا اختبار لهم وسيجزيهم الله بعد ذلك.
ما بعد الضيق إلا الفرج، جملة أخرى تضاف إلى سلسلة التوقعات بواقع أفضل على اعتبار أن لكل فعل ردة فعل توازيه في الشدة، بشيء أقرب لنهضة الأمم سواء في ألمانيا أو في ماليزيا أو سنغافورة تلك البلدان التي عانت ومن ثم نهضت وكأن نهوضها جاء بفعل فاعل وبمشيئة الله ليس إلا.
ومع جُمل التوكل ورمي كل شيء على الله، يأتي الإنسان السوري ليعيش في عقدة الذنب في كل ما يفعله أثناء يومه، مصلحاً في بعض الأحيان شيئاً من تصرفاته على اعتبار أن التصرف الجيد سيأتي له بالخير.
"كارما"، تقول هبة عاشوري، متزوجة ولها ثلاث أطفال، وتتابع: "ما نفعله من خير سيقابل بالخير والعكس صحيح، فأنا أستيقظ صباحاً بوجه مبتسم وأواجه الحياة قدر الإمكان وأحاول التخفيف على زوجي لكثرة الهموم التي تلاحقه. صحيح أن هنالك صعوبات كثيرة نعيشها في سوريا لكنها ستمضي ولن ينفع هذا الأمر إن كنت حزينة".
حالة تعيشها الغالبية عند مواجهة شيء ما، قضاء معاملة في الدوائر الرسمية أو التجهيز للسفر، أو انتظار علامة النجاح وغيرها من الأمور المستقبلية التي ينتظرونها مع الإيمان بالله "قاضي الحاجات"، فيرى المتابع أن شاباً التجأ للمسجد يصلي عسى أن يكتب الله له الخير، أو شابة تساعد أمها في المنزل عسى أن تحقق حلماً ما كانت قد تمنته من الله قبل نومها.
فيما يعد الإحسان ومحاسبة النفس شيئاً مرتبطاً بالعلاقة الوطيدة مع الطلب من الله، وكأن الأمور الأخرى قبل تلك لم تكن تحتاج تدخلا سماوياً. يقول خالد المدني، الذي يعمل محاسباً في إحدى الشركات: "عندما كنت أنتظر معاملة السفر إلى الخليج وكان مستقبلي متعلقاً بها دعيت ربي كثيراً وابتعدت عن تناول المشروبات الكحولية، وتوقفت حتى عن الاستمناء، واستجاب لي الله في نهاية المطاف".
وتابع خالد أن لديه ذنوباً كثيرة لكن عندما عاد إلى الله وانتهج طريقاً آخر حقق ما يريده، مبيّناً أن كل الظروف السيئة التي مر بها كانت بسبب أفعاله.
"عندما كنت أنتظر معاملة السفر إلى الخليج وكان مستقبلي متعلقاً بها دعيت ربي كثيراً وابتعدت عن تناول المشروبات الكحولية، وتوقفت حتى عن الاستمناء، واستجاب لي الله في نهاية المطاف"
وعن جلد الذات، يروح بعض السوريين إلى إلصاق بعض الأمور السيئة بسبب عادات لهم أو ظروف تتعلق بهم أو بسبب وجودهم في المكان الذي حدثت به "الواقعة"، فانقطاع الكهرباء على سبيل المثال ينسبه أحدهم إلى أنه أتى إلى البيت باكراً وبسبب ذلك انقطعت الكهرباء.
ويحكي آخر أن سيارته انقطعت من البنزين، ولأنه توقف منتظراً دوره، في انتظام، فرغت المحطة من الوقود، ويزيد صديقه بتفاخر أنه حينما أراد ملء سيارته احترقت "الكازية"، معتبراً أن كل ما يطلبه أو يريده ينقلب ضده، وربما قد ينذر بكارثة أيضاً.
لوم الذات بات جلياً لدى السوريين في هذه الأيام وكأن النتيجة لم تأتِ بالسلبية إلا بسببهم، واختفت الأيام التي كانوا فيها يلومون الآخرين على ما حدث، لا سيما أنها كانت رائجة قبل سنوات، ليصبح اللوم في هذه الأيام بوجه واحد وللواحد نفسه ولعدة أزمات... "كل الحق عليّ"، جملتنا الشهيرة، نقولها ونحن بانتظار الفرج على أحر من الجمر بمشيئة من ذاك الواحد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 8 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت