شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"طاقة"... نافذة عبر التاريخ وأزياء تحاكي التراث الفلسطيني مع لمسة عصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 4 ديسمبر 202004:52 م

في محاولة للغوص والتعمق في التراث الفلسطيني والحصول على الإلهام من الحرف اليدوية الأصلية، شقّ مشروع "طاقة" طريقه بخطوات ثابتة في عالم الأزياء الفلسطينية.

واللافت أن هذا المشروع يركّز على أهمية العودة إلى الجذور، من خلال تصاميم تعيد إحياء التراث الفلسطيني، وتحتفي بالتقاليد المستقاة من البيئة العربية الغنية بالأصالة، مع إضافة لمسة عصرية تحاكي جيل الشباب.

خلق واقع جديد للأزياء التقليدية

أطلقت عبير دجاني مشروع "طاقة" في أوائل العام 2017، بعد رحلة تعلّم وممارسة للخياطة بدأت في العام 2009.

في حديثها مع موقع رصيف22، تحدثت دجاني عن البدايات والهدف الكامن وراء هذا المشروع: "طاقة يعني شبّاك صغير، وقد أردت من خلال هذا المشروع محاولة خلق واقع جديد للأزياء التقليدية الفلسطينية، التي مرّت بظروف سياسية واجتماعية واقتصادية صعبة، أثّرت عليها بطبيعة الحال".

وتابعت بالقول: "الزيّ الفلسطيني بالمجمل من أكثر الموروثات الثقافية غزارة وتوثيقاً، حيث يشكل أرضية خصبة للناحية الجمالية والمعنوية في آن واحد، وهنا أود أن أحيي الجهود التي بذلها الكثير من الأشخاص لتوثيق وأرشفة الزي الفلسطيني التقليدي، وعلى رأسهم السيدة وداد قعوار".

مشروع "طاقة" يركّز على أهمية العودة إلى الجذور، من خلال تصاميم تعيد إحياء التراث الفلسطيني، وتحتفي بالتقاليد المستقاة من البيئة العربية الغنية بالأصالة، مع إضافة لمسة عصرية تحاكي جيل الشباب

وأوضحت عبير أنه من بين الشروط الأساسية لانتعاش الحالة الفنية والحضارية عند الشعوب هو تحقيق الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي: "هذا ما افتقرنا له من مرحلة النكبة حتى يومنا هذا، حيث تحوّل الزيّ الفلسطيني النسائي من قطعة فنية تعبّر عن صانعها الى رمز سياسي أو مصدر دخل للطرازات، مع العلم بأن هذا ليس عيباً بل هو جزء لا يتجزأ من التعايش مع الواقع وصمود الثقافة والزيّ التقليدي في وجه مختلف التحديات"، على حدّ قولها.

وعن مراحل سير العمل، كشفت صاحبة "طاقة" أن البداية تكون دوماً من فكرة معيّنة تخطر ببالها، ومن ثم تنكب على البحث قبل إصدار مجموعة من التصاميم، تليها مرحلة الـ tech pack (الحزمة التقنية) التي تشمل المقاسات، المواد المستخدمة وكل المعلومات اللازمة للتصنيع، ومن ثم يتم إطلاق نموذج، للتأكد من جودة القطعة والمقاسات والتطريز، قبل الوصول إلى القطعة الأصلية وتسويقها.

من هنا أوضحت عبير أن العمل على القطعة الواحدة يحتاج لمجهود كبير ووقت قد يصل إلى 4 أسابيع.

المحافظة على الأصل

منذ انطلاقتها، حرصت عبير دجاني من خلال "طاقة" على المحافظة على الموروثات وعدم العبث والتلاعب بها، بحسب ما أكدته: "يشكل هذا الأمر هاجساً حقيقياً بالنسبة لي، فمن ناحية أؤمن بضرورة التطوّر للبقاء، ومن ناحية أخرى أحترم المجهود الفكري الكامن وراء صناعة الأثواب الموروثة".

وبهدف مواجهة هذا التحدي الصعب الذي يتطلب التوفيق بين التطور من جهة واحترام الأصل من جهة أخرى، تم التركيز، في المجموعتين الثانية والثالثة، على منطقتين محددتين في فلسطين، وهما بئر السبع ويافا، وفق ما شرحته دجاني: "اقتصر التطريز على الموروث هناك، كما كنّا صادقين وتوخينا الدقة في الوحدة التطريزية ولم نغيّرها، إنما قمنا باستخدامها في سياق مختلف وقولبتها، كأخذ مثلاً جزء من التطريز كان موجوداً على ثوب قديم وتقديمه على شكل تنورة".

وفي هذا الصدد، أكدت عبير حرص مشروع "طاقة" على العودة إلى الصانع الرئيسي للقطعة الأصلية: "انطلاقاً من شعورنا بالمسؤولية، نحرص على الإشارة دوماً الى القطعة الأصلية، أي الثوب المستوحى منه، بهذا نكون قد أدينا أبسط واجب لإعطاء الفضل للصانع الأول، وفي الوقت نفسه المحافظة على النسخة الأصلية دون تشويه".

قصص في قالب فني

من الألوان النابضة بالحياة، الحرفية العالية، تأثير البيئة المحيطة وصولاً إلى الحب، الدموع، المرونة والضعف، كلها قصص تُروى في قالب فني عميق الجذور، يتطور ويتغيّر مع مرور الوقت ويتحمل أصعب المواقف، فما هو مسار التقدم الطبيعي للملابس التقليدية الفلسطينية في حال لم يتم إخضاعها لهذه الاختبارات المؤلمة؟ هذا السؤال حملته المجموعة الأولى من مشروع "طاقة" Palestine: Stars & Roosters.

بالنسبة لعبير دجاني، فإن هذه المجموعة كانت عبارة عن تجربة أولية، ذات مقاربة رومانسية إلى حدّ ما، نابعة من شغفها بالموروثات الفلسطينية ورغبتها في إنتاج قطعة تدوم، ويمكن أن تنتقل من جيل إلى آخر.

أما المجموعة الثانية فكانت مستوحاة من مدينة بئر السبع البدوية، وهي عاصمة صحراء النقب.

واللافت أن العيون الصوفيّة الثاقبة للمرأة البدوية قادت هذه المجموعة بأكملها. فبالرغم من أن هؤلاء النساء البدويات بالكاد يكشفن عن عيونهنّ وأيديهنّ، إلا أنهنّ ينقلن الكثير من الأنوثة وحب الحياة، من خلال ملابسهنّ المطرزة بشكل متقن والملونة والمزخرفة.

وتعليقاً على هذه النقطة، قالت دجاني: "بصراحة، لم أتمكن من مقاومة جمال أثواب النساء في بئر السبع، فقررت أن أعمل على هذا الموضوع، وبعد البحث لاحظت أن ملامح وجه المرأة البدوية تتسم عادة بالحدّة والقساوة، والثوب قادر على التعبير عن مكنونات قلبها أكثر من نظرتها، فكانت المجموعة عبارة عن خلط بين أضداد، بحيث تم المزج ما بين الدقة والخشونة من خلال استخدام أقمشة حريرية خالصة، مزيّنة بالنحاس القديم، أما التطريز فكان بألوان جريئة وقوية".


من الألوان النابضة بالحياة، الحرفية العالية، تأثير البيئة المحيطة وصولاً إلى الحب، الدموع، المرونة والضعف، كلها قصص تُروى في قالب فني عميق الجذور، يتطور ويتغيّر مع مرور الوقت ويتحمل أصعب المواقف، فما هو مسار التقدم الطبيعي للملابس التقليدية الفلسطينية في حال لم يتم إخضاعها لهذه الاختبارات المؤلمة؟

بدورها، كانت مدينة يافا الفلسطينية مصدر إلهام المجموعة الثالثة، التي ارتكزت على بعض الصور القديمة بالأسود والأبيض، وأسلوب الحياة الذي طبع هذه المدينة الساحلية أيام الحكم العثماني والنكبة، حيث شكلت المدينة، بأسواقها المزدحمة وناسها من مختلف الأعمار والمكانة الاجتماعية، مصدر إلهام غني: "الإحساس يلي بتاخديه من الصورة، النقاوة، البراءة، بتحسّي كأنو هيدا ما كان من 60 و70 سنة، كأنو كان بوقت utopic، وهودي الصور أثّروا أيضاً بعملية اختيار الألوان"، وفق ما أكدته عبير، مشيرة إلى أن المجموعة الرابعة التي يتم العمل عليها مستوحاة من مدينة رام الله، وستأخذ بعين الاعتبار أكثر كبار السن، بعكس ما كان يحدث في المجموعات السابقة التي تحاكي بشكل خاص جيل الشباب.

تأثير كورونا

كان لجائحة كورونا تأثير كبير على سير العمل، بحسب ما أكدته عبير دجاني: "لكورونا أثر بالغ على أكثر من صعيد، فعلى مستوى التصاميم، أصبح هناك ميل ملموس لديّ شخصياً للرجوع الى كل ما يذكرنا بزمن ما قبل الوباء. أشعر بنوستالجيا إلى عقود سابقة، كانت الأرض كلها بحالة أفضل، وكانت الحاجات البشرية أبسط وأنقى. أما على مستوى الإنتاج، فتأثير الحجر أجبرنا على التروي وأخذ مساحة للتفكير، مع العلم بأن نسبة المبيعات قد زادت بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة".

وأوضحت دجاني أنه "في الوقت الحاضر، تجري عملية الإنتاج كلها في أستراليا، أما في المستقبل فسيتم التصنيع في بلدان أخرى، هذا ونخطط في المستقبل القريب لتطريز بعض القطع في فلسطين".

وختمت عبير دجاني حديثها بالقول: "في الحقيقة، ومع كون ما تمرّ به البشرية أمراً سيئاً في الظاهر، ولكنني أفضل أن أبقى على نظرة إيجابية، وأؤمن أن القادم أحسن بإذن الله".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image