من القاهرة، أهم مدن العالم في التجارة بأفخر أنواع الأقمشة، مروراً بـ"بيل إيبوك" Belle Époque أربعينات القرن العشرين وازدهار قطاع الموضة، إلى قاهرة الثورة التي تحاول إعادة حياكة قطاعٍ مزّقته ثورة الخمسينات، يمكن القول إن الموضة المصرية تشبه جميلة عاشت عزاً لم يعرفه أحد على وجه الأرض القديمة، لكن ظروف الحياة السياسية والاقتصادية رمت بها في ركنٍ أدكن تحت سابع أرض، وحولتها لمومياءٍ خالدة لا يمكن لإنسان إن يدمرها. هذه الموضة مصممة اليوم على الانتقام من القبح وإعادة الألوان إلى القاهرة، بمساعدة مصممين شباب آمنوا بمصر "أم الدنيا" وعزموا على إحيائها من جديد.
لآلاف السنين، كانت مصر مركز الأرض في إنتاج القطن والحرير، في قطاعٍ كان يقف خلف ازدهار التجارة في البلاد، لكنها أصبحت اليوم تستورد أقمشة من دون قيمةٍ حقيقية من الصين ودول الجوار، وهذا ما أثّر على قطاع الموضة بطريقة دراماتيكية. يخبرنا موقع "بزنس أوف فاشن" Business of Fashion عن الحقبة التي عاشتها القاهرة في أربعينات القرن الماضي، عندما كانت الأناقة تحيي المدينة وسكانها وزوارها على أيادي مصممين ألبسوا كبار الشخصيات في الشرق الأوسط، إلى أن بدأ التدهور مع ثورة 1952، ومع نظام تأميم الشركات الخاصة، لتتحول متاجر الماركات العالمية الكبيرة مثل Dior وBally إلى أبوابٍ صغيرة سرية تباع خلفها بضع قطعٍ من مجموعات الملابس الأنيقة المهرّبة بطريقة غير شرعية. الثورة الأخيرة التي عاشتها البلاد بشّرت ببعض الخير لقطاع الموضة ذلك، ربما كمحاولة من الطبقة الميسورة للوقوف ثابتة على أرجلٍ أنيقة بأحذيتها.
ساحة الموضة المصرية تحتضن اليوم مواهب تأمل بإعادة إحياء قطاع مهمّ في سوقٍ تضمّ قرابة 90 مليون مستهلك، ولكنها تواجه الكثير من المشاكل. في تقريرها الإذاعي "في كواليس الموضة المصرية" Behind the Fashion Scene in Egypt، تحدثت ندا الطوبجي عن العقبات التي يلاقيها المصمم الشاب في مصر، وأبرزها غياب الفرص الملائمة ليتعلم الهاوي كل ما يحتاج إليه ليبرع في الموضة، وهو ما يدفعه للسفر إلى عواصم الموضة العالمية للالتحاق بجامعاتها، بالإضافة إلى غياب الأقمشة التي تتمتع بجودة عالية، إذ إن 60% من المواد المتوفرة مستوردة من الصين. لا يمكن للمصممين الحصول على الشيفون أو الحرير في مصر، بل عليهم استيرادهما من إيطاليا ودول أخرى، إذا ما أرادوا نوعية قماشٍ أفضل مما هو متوفر في الأسواق. ما زال أمام مصر طريق طويلة قبل تحقيق الهدف، ولكن الساحة اليوم مفتوحة للمصممين الشباب الذين يملكون ما يكفي لإعادة إحياء قطاعٍ مثالي لشهرتهم، لكونه لا يغصّ بالكثير من المنافسين. في ما يلي بعض المواهب اللامعة من مصر اليوم، والحالمة بتصميم ملابس تليق بكليوباترا عصرية.
دينا شعبان
أمينة خليل
لدى دخولكم موقع Amina K الإلكتروني تستقبلكم جملة تعبر عن فلسفتها في التصميم، "مخصص ومستوحى من مصر". موهبة أمينة تكمن في الغوص بأدق التفاصيل. تصاميمها تعبر عن الحضارة المصرية العريقة، بأقمشة أكثر عراقة، وكأنها ترغب في إعادتنا إلى الزمن الذي حكمت فيه مصر التجارة بموادها. أمينة تقدم لعشاق الموضة أسلوباً جديداً يرتكز على الروح المصرية ولكن بقالبٍ عصري غربي. اكتسبت المصممة خبرتها في لندن، خبرة تسمح لها بالعمل مباشرة على الأقمشة من دون الحاجة إلى رسم تصميمها. الأبحاث المعمقة هي التي تقف خلف ذلك الغموض الذي يختبئ في أزيائها، وعملها المميز دفع السفارة البريطانية في مصر لمنحها أخيراً جائزةYoung Creative Entrepeneur المخصصة لدعم المواهب الناشئة في العالم.
فرح العاشري
فرح العاشري، المصممة الشابة التي فاجأت نقاد الموضة بتصاميمها اللعوبة التي تتمايل بين البوهيمية والشيك، لا سيما في مجموعتها الأخيرة المصممة بنوستالجيا حسية أخاذة. FUFA هو الإسم الذي اختارته ليمثّل تلك النعومة المزهرة في تصاميمها، المميزة بقصات بسيطة ونقشات صارخة. رسخت في ذكريات فرح نقشات وألوان الأقمشة التي كانت تجمعها جدتها منذ زمن، وربما عادت "بيل إيبوك" البوهيمية الهيبية عبر تصاميم فرح، بأسلوبٍ أكثر عصرية. تخرجت الشابة العام الماضي من الأكاديمية الإيطالية للموضة في القاهرة وتلقت دروساً مكثفة في Central St Martin لندن. لديها محترفها الخاص في مصر حيث تتبلور موهبتها لتنطلق إلى العالم أجمع.
جود بن حليم
جود بن حليم Jude Benhalim تعشق نوعاً آخر من الموضة، هو تصميم وصناعة المجوهرات التي تلاقي ازدهاراً في مصر اليوم. أسلوبها في التصميم تصفه جود بالشرقي المعاصر، وهو يضفي اللمسة المثالية الجذابة على اللباس اليومي، بدون الوقوع في المبالغة. بدأت قصة ماركة J’s Designs في مشروعٍ مدرسي نفّذته بن حليم بشغفٍ لم تكن تعرفه من قبل، فعزمت على توسيعه حتى يصبح مشروع حياة. أشكال مبتكرة، أحجار مفعمة بالألوان، منها القطع الناعمة الصغيرة وتلك التي أوجدت للتعبير عن رأيٍ واضح، عقود وأسوار وخواتم وحقائب يد، كريستال ومعادن صلبة، جود تستكشف جميع المواد على طريقتها. تصاميم J’s تصنع في محترف في خان الخليلي المعروف بغناه بالآثار القديمة والمنتجات المصرية التقليدية، إذ إن من هوايات جود إعادة استكشاف الحضارة المصرية، لكن على طريقتها المعاصرة والجميلة. هنا وهناك، تعجّ المعارض والبازارات بأكسسوارات ومجوهرات المصممة الشابة، التي بنظرتها الخاصة، تحول أبو الهول بعظمته لقطة صغيرة من الأحجار في اليد.
سارا حجازي
"الجسد الأنثوي هو لوحة فنية حماسية، أرسم فيها الخطوط، وأصمم الخيال". هنا ننتقل إلى مستوىً آخر يخاطب فساتين السهرات والأعراس، بمخيلة سارا حجازيSara Hegazy التي تعشق تزيين بورتريهات النساء. الخطوط الواضحة في الأزياء هي علامة تلك الشابة الخاصة، التي انتقلت من عالم الاتصالات إلى رسم الأزياء عام 1996 في دبي. نالت سارا شهادات عدة في مجال التصميم من لندن ودبي، وجوائز تدل على جدية عزمها على النجاح، إلى أن حققت أجزاء من حلمها، كان آخرها تقديم مجموعتها الخاصة "كليوباترا" في أسبوع الموضة الأخير في باريس، ضمن فعالية Tiffany Fashion Show المخصصة لدعم المواهب الشابة في عالم الموضة. تول، حرير، موسلين، بقصات تليق بكليوباترا وحدها، أبهرت الجو الباريسي الرومانسي خلال أسبوع الموضة، بعد أن لمعت في سماء أسبوع الموضة في لندن 2013، ومعارض عدة في هونغ كونغ ونيويورك.
يارا ياسين & رانيا رافع
شابتان مصريتان كرّستا حياتهما لمعالجة أزمة الـ40 طناً من النفايات التي تنتجها مصر وحدها يومياً، والـ15% الضئيلة التي يُعاد تدويرها، فصممتا من أكياس البلاستيك المرمية من الشبابيك وفي النفايات أكسسوارات وحقائب يد وأغلفة هواتف ملونة وجذابة، تحت عنوان Genuine Plastic Bags، أو الأكياس البلاستيكية غير الزائفة. يارا ورانيا Yara Yassin & Rania Rafie تخرجتا في جامعة القاهرة الألمانية مع شهادة في الفن والديزاين، وقصدتا برلين في مشروع لتبادل الخبرات، إلى أن ولد مشروع "إعادة التدوير بكل موضة" الخاص بهما، تحت إشراف مصمم الأثاث Tim Braun.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...