إنه عقاب جماعي نابع من عقليات ذكورية تشعر بالخطر دوماً من أي امرأة تخرج عن المألوف والسائد، وعن النطاق الذي وضعتها فيه عدة مُجتمعات عربية تصف نفسها بـ"المُحافطة". هكذا يمكن وصف ما تعرّضت له عارضة الأزياء المصرية سلمى الشيمي التي لا وجود لها على مواقع التواصل الاجتماعي في هذه اللحظة لأسباب مجهولة بعدما كان يُتابعها ربع مليون شخص على انستغرام وما يتجاوز الـ180 ألفاً على فيسبوك.
سلمى (المعروفة أيضاً بفتاة سقارة) قررت خوض جلسة تصوير بمنطقة الأهرامات بالتزامن مع اكتشاف 59 تابوتاً أثرياً يعود تاريخها إلى 2600 عام بمنطقة سقارة. قوبلت جلسة التصوير هذه باعتقالها والمصور يوم الاثنين 30 تشرين الثاني/نوفمبر "لعدم حصولهما على ترخيص بالتصوير"، ومن ثم أُخلي سبيلهما مساء الثلاثاء 1 كانون الأول/ديسمبر بكفالة 500 جنيه مصري (نحو 32 دولاراً أمريكياً)، فيما قيل على مواقع التواصل إن السبب يعود إلى لباسها "غير اللائق" الذي ظهرت فيه.
وتؤكد سلمى أنها دفعت 1500 جنيه مصري (نحو 96 دولاراً أمريكياً) لشخص اتضح لاحقاً أنه لم يكن مسؤولاً عن إعطائها تصريحاً للتصوير.
إلى جانب ظُلم الاعتقال ولو يوماً واحداً، كانت مواقع التواصل الاجتماعي أشبه بساحة لجلدها. تارةً على جسدها المُمتلئ وتارة أُخرى لأنها "شوهّت وأهانت الحضارة الفرعونية".
وفصول جلدها لم تقف إلى هذا الحدّ. بل تمّت استضافتها مساء الثاني من كانون الأول/ديسمبر في برنامج "يحدث في مصر" مع الإعلامي شريف عامر لمواصلة التنمّر عليها، ولكن هذه المرّة على الهواء مُباشرةً. فاجتمعت عليها السُلطات وروّاد التواصل والإعلام المرئي معاً.
شريف عامر لعب دور الجلّاد. استضاف سلمى لتتحدث عن "الخطأ" الذي ارتكبته وقال لها في نهاية المُقابلة: "واضح أنه درس صعب ولازم تعترفي أنه حصل مشكلة".
سلمى قالت إنها "مصدومة" أكثر من مرّة في المُقابلة التي بُثت على قناة "MBC مصر". أشارت إلى أنها لم تتوقع أن يأخذ الموضوع هذا المنحى بتاتاً. عرّفت عن نفسها بأنها عارضة أزياء تبلغ من العُمر 25 عاماً، بدأت "عرض الملابس" منذ أن كانت في التاسعة من عمرها. واليوم، يعدّ عرض الأزياء مصدر رزقها على حدّ قولها.
خلال لعبه دور الواعظ، وجّه لها الإعلامي المصري أسئلة من قبيل: "عارفة أنه ممكن ماحدش يسمع عنك تاني؟ أنتِ بتتصوري لإيه؟ أنتِ سعيدة بالموقف ده؟ أنتِ بتبحثي عن الشُهرة؟ أنا آسف بس إزاي ليكي شُهرة؟ إيه اللي لازم تراجعيه في شُغلك؟".
حاولت سلمى أن تُبرر موقفها مما حصل، معطية مجالاً للذكوريين أن يرضوا أنفسهم. جواباً عن سؤال "أنتِ سعيدة بالموقف ده؟"، قالت: "لا طبعاً. أنا دخلت قسم ونيابة، هبقى سعيدة ليه؟".
ورداً على ما "يجب مراجعته في عملها"، قالت إنها بحاجة إلى فريق متكامل.
أضافت خلال المقابلة: "أنا كان جوايا إني أنشط السياحة. أعمل حاجة مفيدة مكنش قصدي خالص الاتجاه اللي خده الموضوع"، مشيرة إلى أنها قامت بالعديد من جلسات التصوير الشخصية سابقاً، وقوبلت كلها بردات فعل عربية وغير عربية واسعة. وذكرت أنها كثيراً ما تُسأل عن الأماكن التي ترتادها في جلساتها التصويرية، وهو ما دفعها لاختيار منطقة سقارة. وخصّت بالذكر جلسة تصوير "عربة الموز" التي ساهمت في أن يعرفها جمهور أوسع.
"أنتِ سعيدة بالموقف ده؟ أنتِ بتبحثي عن الشُهرة؟ أنا آسف بس إزاي ليكي شُهرة؟ إيه اللي لازم تراجعيه في شُغلك؟"... مهاجمة عارضة الأزياء المصرية سلمى شيمي مستمرة، هذه المرة على الهواء مُباشرةً، وهذا ما يجعلنا نتساءل: هل باتت مصر أسوأ مكان للمرأة؟
"معجبتنيش"
خلال الحلقة، لم يكتفِ شريف عامر بالأذى النفسي الذي تسبب به لسلمى، إذ استضاف شخصاً يعرف رأيه مسبقاً على الأغلب. هذا الشخص لم يذكر اسم "سلمى" على لسانه واكتفى بقول "الست دي". هو زاهي حواس عالم الآثار المصري، ووزير دولة سابق لشؤون الآثار، الذي قال شريف عامر إنه شخصية مناسبة للتعليق على الموضوع.
في مكالمة هاتفية معه، استهل حواس الكلام بنبرة حادة: "الست اللي أنت بتقول إسمها دي أخطأت خطأ كبير جداً، إنها دخلت منطقة أثرية وعملت عمل بدون تصريح، يعني لو عايزة تظهر بالزي الفرعوني القبيح اللي هي عملته ده وتدخل منطقة أثرية كان لازم تاخد تصريح رسمي، وتاخد موافقة عشان تعمل ده".
سأله عامر: "شفنا صور تاريخية لواحدة من أجمل فنانات الرقص الشعبي والمصري وهي بتتصور مع أبو الهول سامية جمال… ونجوى فؤاد. المشكلة بالزي ولا التصريح؟". فردّ: "المشكلة أنه فيه حدا دخل بدون تصريح يعمل عمل ضد القانون. المنظر بصراحة ما يعجبش حدا. المنظر بصراحة معجبنيش".
وواصل كلامه الجارح بينما كانت سلمى تستمع إليه: "هل الآثار تسمح لو تقدمت بطلب رسمي؟ الآثار مش هتسمح. لأن المنظر مش كويّس. لما تجيب سامية جمال ترقص قدام الهرم. لها لبس معروف، أما اللي أنا شفته بصراحة مع احترامي للست اللي تصورت منظر وحش. معجبنيش. لا يليق بهرم عمره 5 آلاف سنة".
هنا ابتسمت سلمى وقالت: "رأي حضرتك يحترم".
كذلك قال: "يحق لأي أحد التصور أمام الهرم لكن مش من حقك تقلع هدومك قدام الهرم بدون تصريح"، ليُبيّن مشكلته الرئيسية مع الأمر برمته.
وتابع: "الست اللي قدامك عملت خطأ كبير جداً. استغفلت الحرّاس. رشت واحد".
هنا تدخلت سلمى لتشرح أنها لم ترشُ أحداً، وأنها دفعت 1500 جنيه لشخص ادّعى أنه مسؤول، وأرادت أن تضيف شيئاً إلى ما قالته، فقاطعها عامر: "مش محتاجة تثبتي موقف قدام الدكتور".
وأشارت إلى أنها تريد أن تردّ عليه قبل أن تنتهي المكالمة، ولكن هذا لم يحصل.
وختم شريف عامر: "واضح أنه درس صعب ولازم تعترفي أنه حصل مشكلة". وما كان على سلمى ألا أن تجلد ذاتها هي أيضاً. "اعترفت" بذنب ارتكبته قائلةً: "أعتذر لأي شخص لم تعجبه جلسة التصوير وأعتذر لوزارة السياحة وأي حد شايف أن الصور غير لائقة. أنا كنت بصور لنفسي. وهي أخذت مسار تاني مكنتش متوقعاه".
"المشكلة أنه فيه حدا دخل بدون تصريح يعمل عمل ضد القانون. المنظر بصراحة ما يعجبش حدا. المنظر بصراحة معجبنيش"... مهاجمة عارضة الأزياء المصرية سلمى شيمي مستمرة، هذه المرّة على الهواء مُباشرةً، وهذا ما يجعلنا نتساءل: هل باتت مصر أسوأ مكان للمرأة؟
"ناصب لها محكمة أخلاقية"
مقابلتها هذه، وخصوصاً ما قاله عالم الآثار استفز فريقاً من الجمهور. مما قيل: "هما جايبين البنت يهينوها؟ يعني ايه 'معجبنيش'؟ وليه سامية جمال تمام وسلمى الشيمي 'لا تليق'؟ الطبقية واضطهاد المرأة بقى عيني عينك وعلى الهواء مباشرةً".
وكتبت مغردة على تويتر: "شريف عامر جايب سلمى الشيمي وناصب لها محكمة أخلاقية وكلّم زاهي حواس يكمل على محاضرات الأخلاق بأن جلسة التصوير لا يليق والفعل لا يليق!... شوية أوساخ وعرر الشخصيات العامة في بلدنا... البنت ما غلطتش ياشوية أوساخ ماعندكمش بربع جنيه دم".
وكانت سلمى قد قالت لصحيفة "اليوم السابع" قبل هذه المقابلة إن حالتها النفسية مدمرة بسبب هذه القضية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...