أقرت محكمة إسرائيلية، في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر، طرد 87 فلسطينياً في القدس الشرقية المحتلة من منازلهم التي يسكنونها لعقود، بذريعة أنها كانت مملوكة ليهود قبل قيام إسرائيل.
في المقابل، ترفض دولة الاحتلال إعادة ممتلكات هذه العائلات الفلسطينية الداخلة في نطاق سيادتها بعدما سُلبت بموجب قانون "أملاك الغائبين" الذي شرّعته للاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية.
أصبح طرد السكان الفلسطينيين وإخلاء منازلهم وشيكين لمصلحة منظمات استيطانية غير ربحية بعد ثلاثة قرارات قضائية في ثلاث دعاوى رفعتها هذه الجماعات اليمينية تطالب فيها بطرد السكان الفلسطينيين من ممتلكات تعود لليهود قبل عام 1948.
من العائلات المشمولة بالطرد عائلة دويك من قرية سلوان القريبة من المسجد الأقصى. رفض ثلاثة قضاة في المحكمة المركزية في القدس هذا الأسبوع استئناف العائلة على قرار الطرد وأمروا بإخلاء المبنى في غضون أسبوعين. لكن الأسرة الفلسطينية تعتزم الاستئناف أمام محكمة المقاطعة.
يعيش في المبنى، الذي تسكنه العائلة منذ عام 1963، 30 فرداً، منهم 12 طفلاً دون الثامنة عشرة. علاوةً على الطرد، تطالب المنظمات الاستيطانية إلزام العائلة دفع 600 ألف شيكل (179 ألف دولار أمريكي) على سبيل الغرامة وأتعاب المحاماة.
عشرات العائلات الفلسطينية الأخرى التي تعيش في حي بطن الهوى في سلوان بالقدس الشرقية مهددة بالطرد كذلك. أُقيمت قرية سلوان على أنقاض "القرية اليمنية" (Yemenite Village)، الحي اليهودي الذي تأسس في القرن التاسع عشر واستمر حتى قيام الثورة العربية عام 1938، حين طردت حكومة الانتداب البريطاني اليهود من المنطقة.
"قانون مفصّل على مقاس اليهود"... محكمة إسرائيلية تأمر بطرد عشرات العائلات الفلسطينية من منازلها في القدس المحتلة لأنها كانت ملكاً لليهود قبل النكبة، لكنها لا تسمح لهم باستعادة أراضيهم التي هُجروا منها واستولت عليها وفق قانون "أملاك الغائبين"
اللافت أن الجمعيات الاستيطانية ساومت الفلسطينيين مرات عدة على التنازل عن منازلهم اختصاراً للإجراءات القضائية التي تستغرق سنوات. فعرضت على البعض منهم أموالاً، وأحدهم على سبيل المثال استغلت حاجته إلى القيام بعملية زرع كلية وعرضت المساعدة في هذا الشأن. كان الفلسطينيون يرفضون في كل مرة، فيما يزعم الإسرائيليون أن ضغوطاً تمارس عليهم من جماعات فلسطينية وحتى من السلطة نفسها.
قوانين "على مقاس اليهود"
تعقيباً على أحكام الطرد، قالت الدكتورة هنيدة غانم، مديرة مركز مدار الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، عبر فيسبوك: "بقرار من ‘محكمة المستعمرة‘ سيتم إخلاء عائلات فلسطينية في القدس من بيوتها لصالح جمعيات الاستيطان اليمينية".
ولفتت إلى أن هذه القرارات "نموذج مثالي للدور الذي تلعبه المحاكم الاسرائيلية في قوننة العنصرية والتفوق العرقي اليهودي"، مبرزةً أن هذه المنازل ستؤول ملكيتها إلى جمعيات يمينية استيطانية لا إلى العائلات اليهودية التي كانت تملكها.
وسخرت غانم من أن القانون لا يطبق على الجميع بل "يفصّل على مقاس اليهود"، بحيث يستمر عدم السماح لسكان القطمون وطالبية وعين كارم إلى بيوتهم في غرب المدينة مثلاً.
"قانون الغاب لا الغائب"
من جهته، ركز الباحث والكاتب الفلسطيني رازي نابلسي، في منشور عبر فيسبوك، على أنه بينما يُطرد الفلسطينيون من منازل يسكنونها لعقود بذريعة أنها كانت ملكاً لليهود قبل النكبة، لا يُسمح لهؤلاء الأشخاص الذين هُجروا من أراضيهم وأصبحوا لاجئين على أراضي اليهود باستعادة أملاكهم بنفس المنطق الذي تأسس عليه الحكم القضائي الإسرائيلي.
وشرح: "عندهم (العائلات المقرر طردها) أملاك بحيفا، بحسب محامي العائلة. بس شو؟ (ولكن ماذا؟) في قانون إسرائيلي اسمه ‘أملاك الغائبين‘، وهذا يسمح لدولة اليهود بأن تصادر كُل ملك كان أصحابه بين العام 1947 حتّى انتهاء حالة الطوارئ التي أعلنتها الأمم المُتحدة في فلسطين، يسكُن في منطقة ‘معادية لإسرائيل‘".
"النكبة منظومة كاملة اسمها ‘دولة اليهود‘ قاعدة بفلسطين"... مخطط متكامل للتطهير العرقي يجري تنفيذه بالتزامن على أراضي فلسطين المحتلة؛ طرد العائلات الفلسطينية من منازلها بذريعة أنها كانت مملوكة لليهود في القرن التاسع عشر أو استغلالها مناطق تدريب لجيش الاحتلال
وتابع: "يعني، كُل أملاك اللاجئين وأملاك أهل القدس الذين كانوا في حينه تحت وصاية الأردن التي كانت تحارب إسرائيل آنذاك"، مشدداً على أن هذا القانون سُنّ بهدف تنظيم الاستيلاء على أملاك اللاجئين بعد تهجيرهم.
وأضاف ساخراً: "فاهمين شو يعني مقولة ‘الدولة اليهوديّة‘؟ يعني إذا دولة اليهود هجّرتك من بيتك بحيفا بحرب 48 وأنت هربت ع القدس، بتقدر توخذلك أملاكك بحيفا، وإذا وصلت القدس لجوء، بتلحقك دولة اليهود، بتقلّك ‘هاي الأرض كانت ليهود قبل الـ48‘ وبتهجرك كمان منها. ولمّا تقول إنّه قبل الـ48 كان عندك أنت بيت بحيفا، بيكون الجواب: بحسب قانون أملاك الغائبين، إحنا أخذنا بيتك بحيفا كمان".
وختم: "هذا قانون الغاب مش الغائب (...) هذا هو الظلم، هيك وبهاي الطريقة بتيجي محاكم دولة اليهود، اللي عندها قوانين جاهزة، وبتهجّر الناس من بيوتها، بنفس القوانين اللي هجّرت الناس فيها من بيوتها بالنكبة. وبيجي إنسان، بيقلّك ‘النكبة‘ ماضي وبدّك تضل تحكي بالـ‘نكبة‘. لأ، لأ يا بطل، النكبة منظومة كاملة اسمها ‘دولة اليهود‘ قاعدة بفلسطين".
مخطط متكامل لتطهير عرقي
قبل نحو 20 عاماً، سيطرت منظمة الاستيطان اليمينية "عطيرت كوهانيم" على صندوق بنفينيستي (Benvenisti) الديني، وهو صندوق يهودي تاريخي تعود إليه ملكية الأرض المقامة عليها سلوان، وفق السجلات الإسرائيلية. منذ ذلك الحين، بدأت المنظمة إجراءات قانونية ضد العائلات الفلسطينية لاستعادة الأرض. ولم يؤثر فتح تحقيق، خلال الأسابيع الأخيرة، حول صندوق بنفنستي وصلاته بعطيرت كوهانيم، على الإجراءات القانونية ضد السكان الفلسطينيين.
نجحت جهود المنظمة في طرد العديد من العائلات الفلسطينية حتى الآن ووطّنت عائلات يهودية مكانها، فيما لا تزال عشرات الدعاوى القضائية معلقة.
لدى طرد العائلات الفلسطينية من "سلوان"، تعتزم المنظمات الإسرائيلية إنشاء مركز تراثي جديد ليهود اليمن في المنطقة بتكلفة أربعة ملايين شيكل (نحو مليون و200 ألف دولار أمريكي).
"إذا دولة اليهود هجّرتك من بيتك بحيفا بـ48 وهربت ع القدس، بتقدر توخذلك أملاكك بحيفا، وإذا وصلت القدس لجوء، بتلحقك وبتقلّك ‘هاي الأرض كانت ليهود‘ وبتهجرك كمان منها. ولمّا تقول إنّه كان عندك بيت بحيفا، بيكون الجواب: أخذناه بحسب قانون أملاك الغائبين"
تمكن مستوطنون في مناطق أخرى من القدس المحتلة، في الأسابيع الأخيرة، من طرد المزيد من العائلات الفلسطينية في عدة أحياء. في حي الشيخ جراح، الذي كان مملوكاً للجالية اليهودية في القدس في القرن التاسع عشر، تتم إجراءات لطرد عشرات العائلات الفلسطينية بناءً على الحجة نفسها، العيش على ممتلكات كانت بحوزة اليهود قبل عام 1948.
وقبل شهر ونصف الشهر، قضت محكمة الصلح في القدس لمصلحة شركة نحالات شمعون بوجوب إخلاء 25 شخصاً من أربع عائلات. وألزمت هؤلاء الفلسطينيين بدفع 260 ألف شيكل (نحو 80 ألف دولار) كأتعاب محاماة للمستوطنين.
وفي خطوة غير اعتيادية، أمر القاضي الشرطة الإسرائيلية بالمساعدة في عمليات الإخلاء.
مطلع هذا الشهر، رفضت المحكمة الإسرائيلية أيضاً طلب عائلة صبّاغ، المكونة من 32 فرداً، تأجيل تنفيذ حكم قضائي ضدها بإخلاء منزلها. في هاتين القضيتين، استأنف الفلسطينيون أمام محكمة المقاطعة لوقف الإخلاء.
يتم كل هذا في إطار مخطط إسرائيلي أكبر للتطهير العرقي، يتعدى القدس المحتلة إلى مناطق "السيادة الإسرائيلية" كلها، بما في ذلك الأغوار الشمالية.
قبل نحو ثلاثة أسابيع، أقدمت إسرائيل على هدم مجمع رعوي في وادي الأردن في حادثة غير مسبوقة أدت إلى "كارثة إنسانية"، وفق منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية.
منذ ذلك الحين، استمرت عمليات طرد العائلات الفلسطينية من الأغوار الشمالية، بناء على الذريعة نفسها: إنشاء منطقة تدريبات عسكرية لجيش الاحتلال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين