وافقت السلطة الفلسطينية على استئناف العلاقات والتنسيق الأمني مع الحكومة الإسرائيلية، في خطوة رأى كثير من المحللين أنها كانت متوقعة بسبب الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين وغياب الدعم العربي والدولي.
وكانت السلطة الفلسطينية قد قطعت، في أيار/مايو الماضي، التنسيق الأمني، كما توقفت عن تلقي أموال الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عنها، وذلك احتجاجاً على مخطط إسرائيلي لبسط السيادة على ما يقرب من ثلث الضفة الغربية.
جاء هذا التحول بعدما تلقى الفلسطينيون تعهدات خطية وشفهية من إسرائيل بالالتزام بالاتفاقات السابقة، لكن محللين يؤكدون أن عودة التنسيق تعني نهاية المصالحة مع حركة حماس.
عودة التنسيق
في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، أعلن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الفلسطينية حسين الشيخ عودة العلاقات مع إسرائيل، كما كانت سابقاً.
وحاول الشيخ تقديم هذه الخطوة على أنها انتصار فلسطيني بعد جهود كبيرة لعباس، مدعياً أن السلطة الفلسطينية تلقت وثيقة من إسرائيل تتعهد فيها بتنفيذ كافة الاتفاقات السابقة.
وقال الشيخ في تغريدة على تويتر: "على ضوء الاتصالات التي قام بها الرئيس محمود عباس بشأن التزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة معنا، واستناداً إلى ما وردنا من رسائل رسمية مكتوبة وشفهية بما يؤكد التزام إسرائيل بذلك، وعليه سيعود مسار العلاقة مع إسرائيل كما كان".
في أحد تفاصيل الاتفاق، كشفت صحيفة "جيروزالم بوست" الإسرائيلية أن السلطة سوف تعدل أحد القوانين الذي بموجبه تدفع رواتب لأسر الشهداء والأسرى الفلسطينيين.
وكانت إسرائيل قد قطعت الأموال التي تدفعها السلطة إلى أسر الأسرى والشهداء الفلسطينيين بداعي أنهم إرهابيين.
من جانبه، لفت الباحث وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس أيمن الرقب، في تعليق لرصيف22، أن التنسيق لم يتوقف عملياً وكان مستمراً، لكن كان قد تم تخفيضه بدرجة كبيرة.
اقتصاد متعثر
كانت هذه الخطوة متوقعة في الدوائر السياسية والدبلوماسية في رام الله، نظراً للضغوط الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها السلطة الفلسطينية منذ اقتطاع إسرائيل مرتبات السجناء في إسرائيل وعائلاتهم من الضرائب.
زادت الأزمة مع وقف المساعدات الأمريكية وتراجع دول خليجية عن التزاماتها للسلطة الفلسطينية، وهو ما ترك رام الله أمام خيارات صعبة.
وأدى تفشي فيروس كورونا وإجراءات الإغلاق إلى تعميق المحنة، بينما لم يتلق عشرات المسؤولين الفلسطينيين سوى نصف رواتبهم، وأصبح تلقي الراتب قضية رئيسية بالنسبة لمعظم الفلسطينيين.
"كانت الخطوة متوقعة في الدوائر السياسية والدبلوماسية في رام الله، نظراً للضغوط الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها السلطة الفلسطينية منذ اقتطاع إسرائيل مرتبات السجناء وعائلاتهم"... عودة التنسيق الأمني كانت متوقعة، فماذا عن مصير المصالحة بين الفصائل؟
بحسب تقرير لفدوى هودلي وإيفان ليفينغستون في وكالة "بلومبرغ"، فإن استعادة العلاقة مع إسرائيل أمر بالغ الأهمية لاستقرار السلطة الفلسطينية، حيث تمول حوالي 60٪ من ميزانيتها من حوالي 149 مليون دولار من عائدات الضرائب الشهرية.
وقال الرقب إن السلطة الفلسطينية ارتكبت خطأً كبيراً حينما توقفت عن تلقي الأموال، والتي وصلت الآن إلى ما يقرب من مليار دولار من أموال الفلسطينيين في خزينة الاحتلال الإسرائيلي.
وصول جو بايدن
يعتقد كثير من المحللين أن قرار القيادة الفلسطينية جاء تحضيراً لوصول الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن الذي تعهد أنه سيتخذ خطوات فورية لاستئناف المساعدات الاقتصادية والإنسانية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك مساعدة اللاجئين.
وتعهد بايدن أيضاً بالعمل على معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، والعمل على إعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
وكان بايدن قد تعهد كذلك بأن السفارة الأمريكية ستبقى في القدس، حتى أنه أكد أن المساعدات لتل أبيب لن تكون مشروطة خلال إدارته. وقال بايدن إنه سيحترم قانون "تايلور فورس" الذي تم تمريره عام 2018 وأصبح قانوناً بعد تصديق الرئيس دونالد ترامب عليه، وينص على حجب أجزاء من المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية ما لم تتوقف عن تخصيص دفعات لعائلات الأسرى الأمنيين الفلسطينيين أو منفذي الهجمات الذين قُتلوا خلال تنفيذهم هجمات ضد إسرائيليين.
وتحدث الرئيس الأمريكي المنتخب مع نتنياهو بعد ساعات من إعلان السلطة الفلسطينية عودة التنسيق، وفقاً لبيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
تخلي العرب
في تقرير لجاك خوري نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، اعتبر أن إعلان السلطة عن عودة التنسيق مع إسرائيل هو اعتراف بفشل سياساتها، ورسالة للجمهور الفلسطيني والمجتمع الدولي مفادها أن القيادة الفلسطينية ليس لديها استراتيجية واضحة.
ينوه التقرير إلى أن عباس ورئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية ومسؤولين كبار آخرين في السلطة الفلسطينية صرحوا مراراً بأنهم لا ينوون التراجع عن مواقفهم تجاه إسرائيل، لكن لم يقوموا بأي إجراءات دبلوماسية أو اقتصادية مع المجتمع الدولي أو الدول العربية للحصول على بديل.
ويرجع ذلك جزئياً إلى انشغال معظم الدول العربية بأزماتها الداخلية جراء كورونا، فضلاً عن إعلان دول الخليج الثرية، مثل الإمارات والبحرين عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وتوترت علاقات السلطة الفلسطينية مع السعودية التي غضت الطرف عن اتفاقات التطبيع، بل هاجم عدد من رموزها الفلسطينيين، في خطوة اعتبرها محللون تمهيداً للتطبيع.
وأظهرت مصر غضباً كبيراً من عقد حركتي فتح وحماس اجتماعات للمصالحة في تركيا، كما أغلقت معبر رفح المنفذ الوحيد لقطاع غزة.
كذلك توترت علاقة السلطة مع الجامعة العربية إثر صمتها وعدم إدانتها لاتفاقات التطبيع، فتُرِك الفلسطينيون وشأنهم في ساحة المعركة مع إسرائيل وإدارة ترامب، على حد وصف تقرير "هآرتس".
وفي رأي الرقب، فإن السلطة الفلسطينية رفعت شعارات كبيرة عجزت عن تحقيقها، ولجأت إلى محاولة إعادة المفاوضات السياسية، وهو ما يتضح جلياً في رسالة عباس إلى الأمين العام للأمم المتحدة التي طالب فيها بعودة عملية السلام.
تخريب المصالحة
في الآونة الأخيرة، أظهر مسؤولو حركة فتح شجاعة حقيقية، وذلك بعدما عقدوا اجتماعات للمصالحة مع حماس في إسطنبول وبيروت والدوحة وحتى في دمشق، بحسب ما أفادت تقارير عدة.
وقبل أيام، توجه وفد من فتح من رام الله برئاسة جبريل الرجوب إلى القاهرة لمواصلة المحادثات مع مجموعة من كبار مسؤولي حماس، برئاسة صالح العاروري، لمناقشة إجراء انتخابات رئاسية ونيابية.
"إعلان السلطة عن عودة التنسيق مع إسرائيل هو اعتراف بفشل سياساتها، ورسالة للجمهور الفلسطيني والمجتمع الدولي مفادها أن القيادة الفلسطينية ليس لديها استراتيجية واضحة"... ما أسباب إعلان عودة التنسيق الكامل مع إسرائيل في هذه المرحلة؟
وفقا لـ"هآرتس"، فإن فتح أدركت أن حماس التي ترغب في البقاء في حكم غزة، تعمل على تحركاتها الخاصة تجاه إسرائيل، بتشجيع من قطر وربما مصر أيضاً، وعليه فإن المصالحة ليست على رأس أولوياتها.
وأشارت إلى أن السلطة أدركت في هذه الظروف أن كل ما يجب فعله هو البحث عن طريقة للعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل لعودة التنسيق الأمني وتحويل الأموال.
بدوره، اعتبر الرقب عودة التنسيق نهاية لجهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، مؤكداً أن هذه الخطوة سوف تتجمد في ظل قدوم إدارة بايدن واتجاه عباس نحو المفاوضات السياسية التي تحافظ على مصالح السلطة.
وغرّد الباحث الفلسطيني صالح النعامي أن "تهافت السلطة على إعادة التعاون الأمني في ظل سياسات حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب يعني أن الجهد الذي بُذل لإنجاز المصالحة في القاهرة وبيروت وإسطنبول، كان مجرد مسرحية من عباس هدفت لشراء الوقت حتى تتبين نتائج الانتخابات الأمريكية".
وسرعان ما دانت حماس قرار السلطة الفلسطينية، معتبرة أن هذه الخطوة "طعنة للجهود الوطنية نحو بناء شراكة وطنية واستراتيجية نضالية لمواجهة الاحتلال وصفقة القرن"، معتبرة أن السلطة الفلسطينية بهذا القرار تعطي المبرر لمعسكر التطبيع العربي الذي ما فتئت تدينه وترفضه.
اللافت أن "بلومبرغ" أشارت إلى أن السلطة تريد التنسيق ليس من أجل تحسين أوضاعها الاقتصادية فحسب، لكن كي تكبح كذلك تهديدات المسلحين المعارضين في الضفة الغربية.
وشهدت الضفة الغربية خلال الأسابيع القليلة الماضية عدة اشتباكات مسلحة مع عناصر من حركة فتح، قالت إنهم موالين للقيادي الفلسطيني المقيم في الإمارات محمد دحلان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...