ينقسم الشارع الفلسطيني بعد فوز المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية جو بايدن على منافسه الجمهوري دونالد ترامب، قبل أيام، بين متفائل بحذر ومتشائم، ويجمع كثيرون بين الشعورين ليكونوا أشبه بـ"متشائلين"، في وصف مستعار من رواية إميل حبيبي الشهيرة.
بالرغم من أن لكل رئيس أمريكي بصمته في التعامل مع القضية الفلسطينية، إلا أن السمة العامة للإدارة الأمريكية (ديمقراطية كانت أم جمهورية) كانت وستبقى هي الانحياز لإسرائيل كحليف استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط.
يدعم كل من المتفائلين بحذر والمتشائمين حيال تغيير السياسية الأمريكية لتعاملها مع القضية الفلسطينية آراءهم بجملة من الدلائل. فالمتفائل يعتمد على أن تاريخ بايدن يشهد على دعمه خيار حل الدولتين، وأنه وعد بذلك في حملته الانتخابية، أما المتشائم فيقرّ بأن السياسة الأمريكية ثابتة حيال دعم إسرائيل وحقها في الوجود وضمان أمنها كأولوية.
وفي الحالتين، فتح فوز بايدن شهية الفلسطينيين على سؤال: "ما الجديد الذي يمكن أن يقدّمه في ما خص القضية الفلسطينية"؟، خاصةً أنه سيتسلم تركة ثقيلة من قرارات معادية للفلسطينيين خلّفها حكم ترامب، بدءاً من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، مروراً بوقف المساعدات إلى السلطة الفلسطينية، ووصولاً إلى خطة ضم المستوطنات المؤجلة والتي يرى محللون أنها "عقبة أمام حل الدولتين".
وكانت إدارة ترامب قد مارست ضغوطاً سياسية واقتصادية على السلطة الفلسطينية منذ عام 2018، في محاولة للضغط عليها لقبول صفقة القرن، وأبرزها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير وطرد البعثة الفلسطينية من الأراضي الأمريكية، وتقليص المخصصات الأمريكية لوكالة الأونروا، ما تسبب في أزمة خانقة للوكالة الأممية التي تعمل على إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وعجز في ميزانيتها أجبرها على تبني خطوات تقشفية انعكست آثارها بشكل كبير على خدماتها الإغاثية خصوصاً في قطاع غزة، وأوصلها في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، إلى إعلان عدم توفر أموال لديها لسداد رواتب موظفيها في الشرق الأوسط.
ويأمل الفلسطينيون ألا تصطدم مساعي تغيير السياسات الأمريكية بمصاعب مرتبطة بقانون "تيلور فورس" الذي أقرّ عام 2018 وحظر وصول المساعدات الأمريكية إلى بعض المؤسسات الفلسطينية إذا استمرّت السلطة الفلسطينية بمنح رواتب لأسر بعض الشهداء الفلسطينيين الذين قاموا بعمليات ضد إسرائيل ولأشخاص معتقلين بتهم "ارتكاب أعمال إرهابية".
سياسات بايدن
يؤيد بايدن حل الدولتين، أي الحل القائم على أساس دولتين متجاورتين قابلتين للحياة، لكنه في نفس الوقت يرفض استخدام المساعدة الأمريكية لإسرائيل من أجل الضغط عليها للالتزام بالقانون الدولي.
وفي تعهداته قبل فوزه بالرئاسة، تحدث عن "العمل مع القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية لدعم جهود صناعة السلام في المنطقة" وعن حث حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية على "اتخاذ خطوات لإبقاء احتمال التوصل إلى نتيجة تفاوضية بشأن إقامة دولتين حيّاً"، مع التأكيد على التزامه بحماية أمن إسرائيل.
وفي مقابلة أجراها مع قناة ((PBS قبل عام، قال: "أنا أعارض بشدة سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية... لكن فكرة أننا سنقطع المساعدات العسكرية عن حليفنا الحقيقي الوحيد في المنطقة بأكملها هي فكرة غير معقولة على الإطلاق".
من جانب آخر، تعهّد بـ"التراجع عن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية المدمر الذي اتخذته إدارة ترامب مع السلطة الفلسطينية، والتراجع عن إلغاء برامج المساعدة التي تدعم التعاون الأمني الإسرائيلي الفلسطيني والتنمية الاقتصادية والمساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما يتوافق مع متطلبات قانون تايلور فورس".
هل صحيح أن "الشعب الفلسطيني غير محق بالتفاؤل بفوز بايدن لأن السياسة الأمريكية لا تتغير تجاه القضية الفلسطينية، وترامب وبايدن كالعصا والجزرة، ولكن ترامب رغم مساوئه كان الأوضح في سياساته"؟
يعتبر كثيرون أن إبرام الإمارات والبحرين والسودان اتفاقيات سلام مع إسرائيل، واحتمال أن تحذو دول عربية أخرى حذوها، يؤثر سلباً على القضية الفلسطينية. ولكن بهذا الخصوص، لن يقوم بايدن بأي شيء مختلف عن ترامب، فقد تحدث في برنامجه الانتخابي عن حث الدول العربية على "اتخاذ خطوات أكثر جرأة نحو التطبيع مع إسرائيل"، كما تعهّد في مسألة أخرى عن رفضه لسياسات حركة المقاطعة التي "تنحرف في كثير من الأحيان نحو معاداة السامية".
هل بايدن سيكون أفضل؟
يقول القيادي في حركة فتح عبد الله عبد الله لرصيف22 إن فريق بايدن قدّم وعوداً لممثلي الجالية الفلسطينية في أمريكا، في لقاء جمعهم، "وأنا أتوقع جازماً أنه سيقوم بتنفيذها مثل إعادة المساعدات الأمريكية المقدمة للسلطة الفلسطينية وإعادة فتح مكتب ممثلية منظمة التحرير في واشنطن وفتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وإعادة الدعم للأونروا بالإضافة إلى إعادة تمويل مشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في فلسطين وتقديم مساعدات لمستشفيات القدس".
يُشار إلى أن الإدارة الأمريكية قررت وقف كافة مشاريع الوكالة المذكورة في الأراضي الفلسطينية مطلع عام 2019، بعد أن كانت تعمل في الأراضي الفلسطينية منذ العام 1994، وتشرف على مشاريع إغاثية وتنموية تُقدَّر قيمتها بنحو 215 مليون دولار سنوياً.
وتُعَدّ مشاريع الوكالة حيوية للفلسطينيين، خاصة لسكان قطاع غزّة، لا سيما ما يتعلق بالبنى التحتية والصرف الصحي ومحطات تحلية مياه الشرب ومشاريع تشغيل العاطلين عن العمل ودعم القطاع الصحي.
ينقسم الشارع الفلسطيني بعد فوز المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية جو بايدن على منافسه الجمهوري دونالد ترامب، قبل أيام، بين متفائل بحذر ومتشائم، ويجمع كثيرون بين الشعورين ليكونوا أشبه بـ"متشائلين"
ويضيف القيادي الفتحاوي: "أما الأمر الذي لن يستطيع بايدن تغييره فهو نقل السفارة الأمريكية للقدس". وكان بايدن قد أعلن أنه لن يلغي قرار ترامب رغم تأكيده أنه ما كان ليتّخذه.
وحول هذه النقطة يقول عبد الله: "كفلسطينيين، يمكن أن نعمل على موضوع أن تكون السفارة في القسم الغربي من القدس بينما القنصلية في القسم الشرقي منها، باعتبار أن القسم الأخير أرض محتلة".
ويتابع: "مدخلنا السياسي للاستفادة من فوز بايدن يكمن في ما دعا إليه الرئيس محمود عباس منذ أسبوعين من عقد مؤتمر دولي متعدد الأطراف بمرجعية القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وهو الأمر الذي نعمل عليه كقيادة فلسطينية بهدوء بعيداً عن الإعلام، كما نبذل جهوداً على مستويين: الأول ترتيب البيت الداخلي؛ والثاني المستوى الدولي كي لا تبقى أمريكا الراعي الوحيد لعملية السلام في الشرق الأوسط بل تصير بالشراكة مع الأوروبيين".
مصير خطة الضم
في ما يتعلق بمصير خطة ضم إسرائيل للمستوطنات الواقعة في الضفة الغربية، يقول عبد الله إن بايدن أعلن صراحةً أنه ضد هذه الخطة وأنه مع خيار حل الدولتين، ولكنه يحذّر من احتمال استغلال إسرائيل للفترة الانتقالية التي تمتد بين إعلان فوز بايدن وبين تسلمه مهامه في العشرين من كاون الأول/ يناير القادم و"قيامها بخطوات على الأرض تتعلق بمصادرة الأراضي وتوسيع الاستيطان استكمالاً لتنفيذ مخطط الضم في الضفة الغربية وهو الأمر الذي سيكون من الصعب التراجع عنه بعد استلام بايدن لمهامه".
ويعتمد خيار حل الدولتين على تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة، بجانب إسرائيل، على حدود الـ67، واعتبار القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة.
وحول موقف بايدن من التطبيع العربي الإسرائيلي، يرى عبد الله أنه "لن يغيّر شيئاً حيال هذا الأمر ولن يستخدم الأمر كورقة ضغط على إسرائيل، ولكن علينا فلسطينياً أن نجعل هذه الاتفاقيات فارغة المضمون بوحدة الموقف الفلسطيني".
السلطة وبوادر حسن نية
يقول المستشار السياسي لوزارة الخارجية الفلسطينية، السفير أحمد الديك، لرصيف22 إن "السلطة الفلسطينية منذ الساعة الأولى لفوز بايدن توجهت بالتهنئة للعملية الديمقراطية التي تمخض عنها فوزه، معربة عن استعدادها للتعامل بشكل كامل وإيجابي مع الإدارة الأمريكية الجديدة على أرضية قرارات الشرعية الدولية".
ويضيف حول بوادر حسن النية التي ستقدّمها السلطة: "الموضوع قيد الدراسة على طاولة القيادة الفلسطينية وستتخذ قرارات بشأنه في الأيام القادمة".
وحول كون عودة التنسيق الأمني جزءاً من العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل أكد السفير أن "كل الخيارات مطروحة فالقيادة الفلسطينية أدارت المعركة مع ترامب بحكمة وجدية وواقعية وهي قادرة على دراسة مجموعة من الخطوات للتعامل مع إدارة بايدن بنفس المستوى والأمر يعتمد على تطورات الوضع السياسي".
وكانت السلطة الفلسطينية قد أوقفت في أيار/ مايو الماضي التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي رداً على خطة الضم الإسرائيلية التي تهدف إلى ضم أكثر من 130 مستوطنة قائمة في الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن الممتد بين بحيرة طبريا والبحر الميت، أي ما يمثل أكثر من 30% من مساحة الضفة.
متشائمون
على الجانب الآخر من المعادلة، هنالك مَن لا يعوّل كثيراً على فوز بايدن. يعبّر المحلل السياسي المعارض الدكتور يوسف الشرقاوي عن تشاؤمه ويقول لرصيف22: "الشعب الفلسطيني غير محق بالتفاؤل لأن السياسة الأمريكية لا تتغير تجاه القضية الفلسطينية، وترامب وبايدن كالعصا والجزرة، ولكن ترامب رغم مساوئه كان الأوضح في سياساته".
ويضيف أن "وعود بايدن بدون أي قيمة سياسية"، في إشارة إلى حل الدولتين، لأن هذا الحلّ "لم يعد قابلاً للتنفيذ، فبلدية القدس تطرح يومياً عطاءات لتهويد القدس وتغيير ملامح المدينة، بالإضافة إلى تهويد الضفة الغربية أيضاً، وبالتالي لا أمل في حل الدولتين".
هذا وتبقى الفترة القادمة حبلى بالكثير من التطورات السياسية. هل ستكون القضية الفلسطينية أولوية على جدول أعمال بايدن؟ الأيام الآتية ستحمل الإجابة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع