ليست ملامحها المصرية الأصيلة، ولونها الأسمر، وخفّة ظلها فقط هي ما جعلت معالي زايد ممثلة، تدخل إلى قلب المشاهد من أوسع أبوابه، وتستوطن بيوت ملايين المصريين بأعمالها السينمائية والتلفزيونية، ولكن الأهم من ذلك موهبتها الفذة، التي جعلتها تؤدي أدوارها ببساطة وتلقائية دون اصطناع، ما جعل ملايين النساء المصريات يجدن أنفسهن في شخصياتها على الشاشة، فحينما أطلت في دور صغير في فيلم (ضاع العمر يا ولدي) للمخرج عاطف سالم عام 1978، وهو نفس العام الذي شهد أول ظهور تلفزيوني لها مع المخرج نور الدمرداش في (الليلة الموعودة)، أفصحت عن موهبة حقيقية قادرة على تأدية شخصيات أكثر عمقاً وجدية ولكنها تحتاج إلى التوظيف الجيد.
حينما سُئلت معالي في أحد الحوارات التلفزيونية قبل رحيلها بسنوات قليلة عن الأدوار التي تحب أن تؤديها، أجابت: "أحب أعمل شخصية الست المصرية المطحونة معرفش أمثل الست المستريحة". كان هذا هو منهجها في اختيارها لأعمالها خلال مشوارها الفني الذي امتد 36 عاماً، كما كانت هذه هي حياتها في الواقع، ورغم عشقها للتمثيل الذي يجري في عروقها مجرى الدم لدرجة أنها كانت تدخل إلى الأستوديو كل صباح لتحتضن الكاميرا وتقبلها، إلا أن موهبتها قد ظُلمت ربما باختيارها لأفلام هزيلة فنياً أو متوسطة القيمة، أو ربما لقصر نظر صناع السينما، الذين لم يستطيعوا تقدير هذه الموهبة، وإعطاءها مكانتها المستحقة.
اضطرت معالي زايد إلى قبول بعض الأدوار الضعيفة في أفلام أشد هزالاً، حتى قررت الابتعاد عن السينما عام 2000 والاكتفاء بالمسلسلات التلفزيونية
وكما ملأت العثرات حياتها المهنية كانت حياتها الخاصة سلسلة من الخيبات المتتالية بسبب زيجتين غير موفقتين وعدم الإنجاب، وأخيراً أزمة فيلم "أبو الدهب" التي تسببت في قطيعة أختها الوحيدة وأولادها لها، وتهميشها فنياً، واكتئابها، وانزوائها بعيداً عن الحياة الاجتماعية في مزرعتها الخاصة.
نشأت معالي زايد في كنف والدتها الفنانة آمال زايد، ووالدها ضابط الجيش بشارع الوفدية في حي السيدة زينب الشعبي العريق، الذي ربما ساعدها في اختزان الكثير من تفاصيل الشخصيات الشعبية، التي أدتها على تنويعاتها، في أكثر من عمل سينمائي وتلفزيوني.
وحتى تخرجها من كلية التربية الفنية، لم تُظهر معالي زايد إشارة على حبها للتمثيل، ورغبتها في خوض غمار عالم الفن والسينما، بسبب رفض والدتها أن تمتهن أي من بناتها الثلاث هذه المهنة، خوفاً عليهن من متاعبها ومشاكلها، لكن بتعرض معالي لضربة القدر الموجعة بوفاة أختها وأمها وأبيها في عام واحد، قررت الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية وإلقاء نفسها في آتون الفن.
حين ننظر إلى تاريخ معالي زايد السينمائي يمكننا تقسيمه إلى ثلاث مراحل:
مرحلة الصعود المتخبط (1978-1986)
استمرت هذه المرحلة قرابة العشر سنوات، وكانت بدايتها، كما ذكرنا، مع فيلم (ضاع العمر يا ولدي) الذي أتاح لها الظهور في أدوار أكبر من حيث المساحة، لكنها تظل هزيلة فنياً، لا تشبع شغفها أو تستفيد من كامل طاقتها وموهبتها، قدمت من خلالها شخصية المرأة الكادحة في صورة البائعة السريحة، والزوجة القوية أو المغلوبة على أمرها، والفتاة الفقيرة المتعلمة التي تحب الشاب الغني لكنها تعتز بكرامتها وكرامة عائلتها.
أبرز أفلام هذه المرحلة على الإطلاق (أنا اللي قتلت الحنش – 1984) إخراج أحمد السبعاوي، وهو العمل الثالث الذي تقدمه أمام عادل إمام بعد نجاح دورها في مسلسل (دموع في عيون وقحة- 1980) ما جعله يرشحها لدور زوجته أيضاً في الفيلم المتواضع (ولا من شاف ولا من دري – 1983)، في كل من الأعمال الثلاثة، أدت معالي دور الزوجة بنت البلد بنكهات عدة، فهي الزوجة الساذجة المتفانية التي هجرها زوجها من أجل المال في "لا من شاف ولا من دري"، وهي المرأة القوية، التي لا تنصاع لإغواء الشرير، وتساند زوجها رغم خيانته لها في "أنا اللي قتلت الحنش".
أدت معالي دور الزوجة بنت البلد بنكهات عدة.
و(عسل الحب المر – 1985) للمخرج حسن الإمام عن قصة نجيب محفوظ وبطولة نور الشريف، والذي تؤدي فيه دور بائعة تغوي القروي الساذج الذي وقع في غرامها كي تحرضه على السرقة، ثم تكتشف أنها كانت لعبة في يد صديقها. في هذا الفيلم تقدم معالي الإغراء لأول مرة بفضل معلمها حسن الإمام، الذي علمها كيف تؤدي هذه الشخصية.
والفيلم الثالث هو من العلامات في تاريخ أفلامنا الكوميدية في الثمانينيات وهو (الشقة من حق الزوجة – 1985) إخراج عمر عبد العزيز، أمام النجم الراحل محمود عبد العزيز. قدمت فيه دور الفتاة المقبلة على الزواج، وفي سنوات زواجها الأولى، والمشكلات التي تمر بها مع زوجها بسبب شقة الزوجية وأزمة الإسكان.
مرحلة التوهج الفني (1986- 1989)
في هذه المرحلة القصيرة للغاية مقارنة بالسابقة واللاحقة، كونت معالي زايد ثنائياً ناجحاً مع المخرج رأفت الميهي، قدمت معه خلالها أهم وأجرأ أربعة أفلام في تاريخها الفني وتاريخ الميهي أيضاً، فهو المخرج المهم الوحيد الذي أدرك موهبتها، واستطاع إزالة الغبار عن الجوهرة الثمينة، وتطويعها لتظهر في أبهي صورها، وتقدم أدوار حياتها التي علقت في أذهان الجمهور، من ينسى "فوزية أم رجلين حلوة" أو "درية قُرني".
كان عملهما الأول معاً هو التحفة الفنية (للحب قصة أخيرة – 1986)، وهو ثالث فيلم يخرجه الميهي وواحد من أهم مئة فيلم في السينما العربية، تقدم فيه معالي دور زوجة تكتشف اعتلال قلب زوجها (يحيى الفخراني) ووقوفه على شفا الموت، فتتخطبها مشاعر عدة بين الحب والجزع والألم، ورغبتها في التمسك بأي خيط من الأمل حتى لو كان واهياً على يد دجال.
ومثلما كان هذا الفيلم أول عمل يقدر موهبة معالي الحقيقة هو أيضاً سبب أول صدام لها مع مجتمع الفضيلة الواهية، حينما تم تقديم بلاغ للنائب العام يتهم فيه صناع الفيلم بالترويج للفجور، بسبب مشهد حب بينها وبين يحيى الفخراني، رغم تصريح الرقابة به، ولم ينقذ الموقف سوى اعتصام الميهي في النقابة، وتصريح الرقابة بأنه مشهد لا غنى عن وجوده.
في العام التالي قدما معاً بالاشتراك مع محمود عبد العزيز فيلم (السادة الرجال)، الذي أدت فيه معالي شخصية زوجة تعاني من ظلم المجتمع الذكوري بدءاً من الأب والزوج وصولاً إلى رؤسائها وزملائها في العمل، فتقرر التحول إلى رجل لتعلمهم المعنى الحق للرجولة وتستمتع بميزاتها. ثم فيلم (سمك لبن تمر هندي – 1988)، وأخيراً (سيداتي آنساتي – 1989) التي كانت فيه معالي واحدة من أربع فتيات قررن استخدام سلاح تعدد الزوجات ضد الرجال والزواج برجل واحد لضمان السيطرة عليه، وحماية أنفسهن واستيلاد حل لأزمة العنوسة بسبب الأموال الطائلة التي يقتضيها الزواج وأزمة السكن.
تقدم أحد موظفي الرقابة ببلاغ ضدها هي وممدوح وافي، وبقية صناع فيلم (أبو الدهب – 1996)، واتهمها بممارسة الفجور، قاطعتها أختها، ولم يساندها أحد من الوسط الفني، فقررت الابتعاد، والانعزال بعيداً
ورغم النجاح في هذه المرحلة إلا أنها منيت بأزمة فشل زواجها الأول، والتي اعتبرتها أول صدمة قوية بعد وفاة أختها وأمها وأبيها، لكن ربما كان عملها مع الميهي سنداً لها في أزمتها، وقد صرحت في لقائها مع برنامج ساعة صفا أنها أحبته حقاً، وكان يمكن أن ترتبط به، لكن وقعت بينهما مشاكل بسبب فيلم السادة الرجال، الذي شاركت في إنتاجه، لكنها لم تحصل على مستحقاتها إلا في المحاكم.
بداية التهميش والانزواء
بعد انفصالها عن الميهي فنياً ورغم النجاح الذي حققته لم يعرض عليها أي من صناع السينما دوراً مهماً، الأمر الذي أشعرها بالظلم الفادح، ولأنها تحتاج إلى العمل ظلت تقدم النمط الذي تحبه، المرأة الكادحة، وذلك في أفلام لا ترقى إلى نصف مستوى ما قدمته مع الميهي، إلى أن تقع أزمة فيلم (أبو الدهب – 1996) حينما تقدم أحد موظفي الرقابة ببلاغ ضدها هي وممدوح وافي وبقية صناع الفيلم واتهامها بممارسة الفجور، لكن هذه المرة لم تجد مُخرجاً أو منتجاً يساندها، وتبارت الصحافة في نهشها، وتسببت هذه القضية في مقاطعة أختها الوحيدة لها.
بعد هذه الأزمة، قررت معالي زايد الانزواء في مزرعتها والابتعاد عن الحياة الاجتماعية، واضطرت إلى قبول بعض الأدوار الضعيفة في أفلام أشد هزالاً، حتى قررت الابتعاد عن السينما عام 2000 والاكتفاء بالمسلسلات التلفزيونية التي لم تشبع ظمأها أيضاً نحو تقديم فن حقيقي إلى أن قدمت أحد أهم أدوارها في مسلسل (موجة حارة – 2013) مع المخرج محمد ياسين.
كان أكثر ما يؤرق معالي في حياتها هو ألا تستطيع أن تكوّن أسرة أو تنجب طفلاً، وحينما عزفت عن الزواج وآثرت الوحدة بعد فشلها في الزواج والظلم الذي تعرضت له في عملها، أصبحت تخشى المرض، وهي وحيدة فلا تجد من يرعاها، وقد تحقق ما تخشاه ورحلت في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2014 بعد صراعها مع مرض سرطان الرئة، فلم ينصفها الفن ولم تحقق الحياة أمانيها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...