شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا نحتاج جميعاً إلى أيام هادئة وسط هذا العالم

لماذا نحتاج جميعاً إلى أيام هادئة وسط هذا العالم "المجنون"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 6 نوفمبر 202004:33 م

مع وجود الكثير من الضوضاء وانتشار استراتيجية الإلهاء في العالم، باتت حياتنا صاخبة إلى حدّ كبير، وفي بعض الأحيان يكون صوت الضجيج مرتفعاً جداً بحيث يصعب الاهتمام بأنفسنا والتركيز على ما هو ضروري لنموّنا وتطورنا.

أما الهدوء فغالباً ما يُنظر إليه في هذا العالم "المجنون" على أنه "ترف" لا يمكن تحمّله، مع العلم بأن له أهمية أكبر من مجرد أخذ استراحة مستحقة. إنه جزء مهم من النمو والتجديد والاستفادة من كل لحظة في الحياة، إذ إن تخصيص بعض الوقت للراحة تشكل الطريقة التي تساعدنا على القيام بأمور أكثر عمقاً، وتمكننا من إنشاء إيقاع وأولوية لمسيرتنا، بالإضافة إلى إيجاد شرارة الحماسة التي تحفزنا وتلهمنا.

وبالتالي من خلال عدم منح أنفسنا لحظات خالية من الانهماك والانشغال المفرط، فإننا نعزز قدرتنا على معرفة من نحن وما هو مهم بالنسبة لنا.

نوبات غضب وانهيار

"أنا بحاجة للسكون، للهدوء وللحظات الاحتراق والبكاء، بحاجة للكتابة، للغناء وللصراخ بوجه الكون، بحاجة لأفهمني، لأكتبني ولأكون أنا، بحاجة لأخطط، لأفكر، لأقرأ ولأحب القلم". (سلمى الجابري).

في الغالب، يتطلب النجاح في الحياة إيجاد طرق لاستغلال الوقت كله في الإنتاجية، إذ إن ثقافتنا تربط ما بين الانشغال والنجاح، على اعتبار أن العمل لساعات طويلة هو سمة المرء المنتج والمهم، غير أن الدراسات أظهرت أن أخذ قسط من الراحة يساعد على إنجاز المزيد من الأعمال على المدى الطويل، بمعنى آخر، كلما كنّا أكثر انشغالاً، كلما احتجنا بالفعل إلى وقت هادئ لنكون أكثر إنتاجية ونجاحاً، إذ لا يمكن لأدمغتنا أن تصل إلى ذروة إمكاناتها دون راحة.

في بعض الأحيان يكون صوت الضجيج مرتفعاً جداً بحيث يصعب الاهتمام بأنفسنا والتركيز على ما هو ضروري لنموّنا وتطورنا

على مدى القرنين الماضيين، انتشرت ظاهرة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، تسعى للتحكم والسيطرة على كل لحظة من حياتنا، واليوم لديها مئات الملايين من "الأتباع"، بما في ذلك جميع الأفراد الناجحين بشكل واضح على هذا الكوكب. إننا لا نتحدث هنا عن بدعة أو عقيدة دينية، ولا حتى عن عقيدة سياسية، بل عن "عقيدة" مكرّسة لأمر واحد فقط: الانشغال الدائم.

تصر "عقيدة الانشغال" على أن الحياة الجيّدة، وهي الحياة الوحيدة التي تليق بشخص قادر وذكي، هي عبارة عن نشاط مستمر، بحيث يجب على المرء أن يجتهد ويعمل بلا هوادة لتحقيق كل طموحاته، وأن يملأ كل ساعة من وقته، في النهار والمساء، بنشاط مكثف، بحسب ما ورد في موقع The school of life.

وبالرغم من أن أيامنا المحمومة قد لا تكون بنفس القدر من التحليق والنجاحات، ولكن هذا هو الاتجاه الذي يهدف إليه البعض، فأتباع هذه العقيدة يظنون إن لم يصلوا بعد إلى أهدافهم فهذا يعني أنهم لم يحاولوا بما فيه الكفاية، وبالتالي يتعيّن عليهم أن يدفعوا بقوة أكبر وأن يكرّسوا أنفسهم أكثر في كل يوم.

لكن بدلاً من الشعور بالرضا عن حياتنا المحمومة، فإن هذه الطريقة في التعامل مع الأمور تجعلنا نشعر بالتوتر والإرهاق بشكل مستمر، على الرغم من أننا نحرص قدر الإمكان على إخفاء توترنا عن الآخرين وعن أنفسنا.

واللافت أننا نعمل على تفسير إحباطنا وخيبة أملنا على أنها حافز ضروري لنشاط أكبر، ونقول لأنفسنا إن كآبتنا وحزننا المتزايدين والمستترين تحت سلوكنا اللطيف، سرعان ما سيختفيان عندما نتغلب على كل ما يتعين علينا القيام به، ونصل إلى مستوى النجاح الذي يضمن سعادتنا.

ولكن وبشكل أكثر دراماتيكية، نجد أنفسنا على وشك الانهيار، نمرض أو ننفجر غضباً فجأة، ونفعل شيئاً كارثياً: نبدأ بالصراخ أثناء مكالمة جماعية، نشعر بالغضب من زميل جديد يفتقر إلى المعرفة، نقيم علاقة عاطفية سرية سرعان ما يكتشفها شريكنا، نتعاطى بعض الحبوب للاسترخاء أو للحفاظ على مستوى نشاطنا المكثف، ثم نجد أنفسنا مدمنين وغير قادرين على العمل بشكل متزايد.

التعلم من سلوك الأمهات

تنصّ "عقيدة الانشغال" على فكرة أن نتحمل أكثر مما يمكننا التعامل معه بشكل صحيح، بحيث أننا نتجاهل أو ننكر هشاشتنا الفعلية، لحين أن ننهار ونرغب بأن نحبس أنفسنا بعيداً، أن نحطم هواتفنا وأن نستلقي على الأرض ونبكي.

على النقيض من ذلك، من المهم التفكير في سلوك الأم اليقظة والمنتبهة والتي تحضّر طفلها لقيلولة بعد الظهر، بعد صباح مليء بالنشاطات.

في الحقيقة، إن الطفل لا يعرف أنه مرهق، ولو تُرك على راحته لكان قد اختار أن يكون على مقربة من الحديقة، في طريقه إلى حفلة عيد ميلاد أخرى أو مشاهدة فيديو محموم... لكن الأم تدرك الحاجة إلى الهدوء والراحة، وعليه، فإن وظيفتها، إذا جاز التعبير، هي تهدئة أيام الطفل عندما يكون الطفل نفسه غير قادر أو غير راغب في التعرف على حالته المرهقة.

وبصفتنا بالغين وبالغات، فقد اعتبر الموقع أننا نحتاج إلى هذا الجزء من الأمومة، لكي نصف لأنفسنا أياماً أبطأ وأكثر هدوءاً، بغية إنقاذ ذواتنا من المثل الأعلى للحياة المزدحمة والتي تدمرنا ببطء.

الأيام البطيئة مثمرة

في الواقع، إن الدافع وراء البحث عن حياة أكثر هدوءاً ليس مجرد الحفاظ على الذات، إذ إن الأيام البسيطة والتي لا يبدو خلالها أن هناك الكثير للقيام به، أي الأيام التي يعتبرها الشخص المشغول مملة ومهدورة، يمكن أن تكون مثمرة للغاية.

كما هو الحال في الحياة المزدحمة، قد يبدأ اليوم الهادىء أيضاً في وقت مبكر: من النافذة نشاهد الفجر وهو يلوّن السماء ببطء فوق المنازل، حتى يتلاشى ببطء، وبعدها نقضي جزءاً من الصباح في تنظيم الخزانة وتكديس البطانيات وطيّ الملاءات. وقد ننتقل في المرحلة القادمة إلى خزانة ملابسنا ونتخلص من الملابس التي لم نلبسها منذ زمن طويل. نحن في النهاية نجلب النظام ونجعله ينسجم ويتناغم مع وجودنا.

واللافت أنه أثناء القيام بالمهام البسيطة، يمكننا تفكيك أفكارنا ومشاعرنا، لأننا عندما نكون منهمكين لا نلاحظ بشكل صحيح تفاصيل حالتنا العاطفية، أو ما يحدث في عقولنا: لماذا اختلفنا مع ذلك/تلك الصديق/ة العام الماضي؟ ربما لم نحب بعضنا بشكل خاص على أي حال؟ ما الذي شعرنا به حقاً في صحبته/ها؟ ما الذي يروق لنا فيهم/نّ؟

وفي فترة ما بعد الظهر، نمشي لمسافة طويلة بمفردنا، نمرّ بالقرب من جدار قديم من الطوب لم نلحظه من قبل، نتوقف لنتأمل الشجرة بعناية... في الماضي لم نلاحظ سوى التغييرات الكبيرة، والآن نسجل الخطوات الدقيقة والجميلة التي يتم إنجازها يوماً بعد يوم، والتي تنتقل من موسم لآخر.

عندما يرتاح الجسد ويهدأ العقل، نصبح قادرين على التأمل بما نريد حقاً فعله في حياتنا

بمعنى آخر، في الأيام الهادئة يكون لدينا الوقت والصبر لنلاحظ تلك الأمور التي كانت تبدو وكأنها مصادر صغيرة للمتعة، والآن وبعد أن بتنا نقدّرها، فإننا نلاحظ مقدار ما فقدناه عندما حاولنا، في وقتنا المزدحم، أن نفعل كل شيء.

واللافت أنه عندما يرتاح الجسد ويهدأ العقل، نصبح قادرين على التأمل بما نريد حقاً فعله في حياتنا. بدلاً من التطلعات التقليدية التي كانت تدفعنا باتجاه معيّن، نكون مرهفين لطموحاتنا الأصلية. قد يكون من الجيّد أن نبدأ الرسم أو التفكير في كيفية تحسين علاقتنا مع أهلنا، في نوع العمل الذي يمنحنا الرضا الأكبر والعلاقة التي يمكن أن تكون مثمرة حقاً... بمعنى آخر، فإننا نبدأ الغوص والبحث في المنطقة المهملة لاحتياجاتنا وأمانينا، ونبدأ في التفكير في كيفية تطويرها بشكل واقعي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image