"البسي الحجاب في المدرسة واقلعيه بره لو عايزة"... هذه هي العبارة التي يرددها عدد كبير من العاملين في قطاع هيئة التدريس في بعض المدارس المنتشرة في أنحاء مصر، لإجبار الفتيات الصغيرات على ارتداء الحجاب داخل المدرسة.
ووصل الأمر بهؤلاء إلى حد إقناع تلميذات وبعض أولياء الأمور بأن الحجاب جزء أساسي من الزي المدرسي الذي تفرضه وزارة التربية والتعليم.
يعرف المصريون ما يحدث منذ وقت طويل، فهذه الممارسة عمرها سنوات طويلة. لكن حديثاً، أثير الجدل حول الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما بدأ بعض أولياء الأمور يتحدثون عن إجبار فتياتهم على ارتداء الحجاب داخل المدرسة، حتى وإنْ كانت الطفلة تستطيع الاستغناء عنه خارجها.
"البسيه في المدرسة واقلعيه بره"
في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ومع بداية السنة الدراسية الجديدة، شاركت استشارية النوع الاجتماعي والتنمية لمياء لطفي على فيسبوك قصتها مع إجبار إحدى المدرسات ابنتها الصغرى "ريم" على ارتداء الحجاب.
ولم يتوقف الأمر عند استخدام المعلمه أسلوب التعنيف والإجبار مع الفتاة الصغيرة لارتداء الحجاب، وإنما وصل إلى حد التهكم على والدي الطفلة والسخرية منهم عبر حسابها على فيسبوك.
كتبت لمياء: "بنتي امبارح طفلة عندها 13 سنة في الصف الأول الإعدادي اتعمل عليها حفلة في مدرسة بلبيس الرسمية للغات من 3 مدرّسات قدمولها 4 رسايل مهمة: الحجاب جزء من الزي المدرسي؛ البسيه في المدرسة واقلعيه بره المدرسة؛ مش هاندخّلك المدرسة من غيره؛ ماما مش موافقه مش مشكلتنا حلّي مشكلتك مع أمك".
وأضافت في منشورها: "الرسايل دي بتعكس المأساة اللي إحنا عايشنها في مدارسنا: إننا نكدب بخصوص الزي المدرسي، ونتكاتر على طفلة، ونرهبها ونهددها، ونوهمها إن في مشكلة بينها وبين أمّها"، خاتمةً: "ونِعم التربية والتعليم".
هذا المنشور، ردّت عليه إحدى المدرسات بتهكم، ما دفع الأم إلى تقديم شكوى لمدير المدرسة.
"التحقيق لا زال مستمراً في الواقعة التي حدثت مع ابنتي ريم"، تقول لمياء لطفي لرصيف22 وتضيف: "استُبعدَت المعلمة التي تقدّمت بشكوى ضدها ونُقلت إلى مدرسة أخرى"، مشيرةً إلى أن هنالك متابعة لسير التحقيقات من قبل المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة.
وأشارت الوالدة إلى أن هنالك شقاً جنائياً في الأزمة وهو التهكم والسبّ والتشهير الذي تعرّضت له من قبل المعلمة على فيسبوك، "لكنّي حتى الآن لم أتّخذ موقفاً محدداً بشأن تقديمي شكوى قانونية، إذ قد تتسبب في حبسها وفقاً للقانون، وخصوصاً أنها معلمة تعدّى عمرها الخمسين عاماً".
وأضافت أن واقعة ريم ليست "حالة فردية" كما صرّح وزير التربية والتعليم طارق شوقي وإنما هي ظاهرة، و"بحكم عملي رصدت الكثير من الوقائع التي تشابهت مع قصة ابنتي، وخصوصاً في الصعيد وقرى الأرياف حيث يتعاملون مع الحجاب على أنه جزء أساسي من الزي المرسي".
وأشارت إلى أنها رصدت بحكم عملها الكثير من شكاوي أولياء الأمور الرافضين لما يقوم به المعلمون والمعلمات تجاه فتياتهم، و"وصل الأمر إلى إجبار فتيات مسيحيات على ارتداء الحجاب أيضاً، وعندما حاولت هؤلاء الفتيات ارتداء حجاب يحمل رسوماً تخصّ معتقدهنّ الديني رفضت إدارة المدرسة ذلك وأجبرتهنّ على ارتداء الحجاب بدون أي رسومات عقائدية".
وأوضحت استشارية النوع الاجتماعي أن هذه ليست الأزمة الأولى التي تعيشها، فقد سبق ووقعت في نفس الموقف مع ابنتها الكبرى عندما التحقت بالصف الأول الإعدادي في مدرسة أخرى في منطقة أخرى في محافظة الشرقية.
لا الأولى ولا الأخيرة
أيام قليلة فصلت بين شكوى لمياء لطفي وبين شكوى شيماء النجار من محافظة سوهاج، إحدى محافظات الصعيد. كتبت عبر حسابها على فيسبوك عن تعرّض ابنتها للتعنيف لإجبارها على ارتداء الحجاب وقالت: "مش عارفه أعمل إيه ولا أتصرف ازاي. بنتي تاني إعدادي ومش عايزة تلبس الحجاب، والنهاردة في المدرسة اتذنبت (عوقبت) وقالوا لها لازم تلبس الحجاب وأنا عايزاها لما تلبسه يكون عن اقتناع، مش بضغط المدرسة أو الأهل. والمدرسة بتقول مش هتدخل المدرسه تاني لو ملبستش الحجاب".
خلال السنوات القليلة الماضية، تناولت وسائل الإعلام وقائع عنف مختلفة ضد الطالبات غير المحجبات من قبل بعض المعلمين، ما أثار غضب الرأي العام لكن دون جدوى.
"وصل الأمر إلى إجبار فتيات مسيحيات على ارتداء الحجاب أيضاً، وعندما حاولت هؤلاء الفتيات ارتداء حجاب يحمل رسوماً تخصّ معتقدهنّ الديني رفضت إدارة المدرسة ذلك وأجبرتهنّ على ارتداء الحجاب بدون أي رسومات عقائدية"
فعام 2012، فى إحدى قرى محافظة الأقصر، قامت معلمة بقص شعر طالبتين أمام الفصل المشترك، بسبب عدم ارتدائهما الحجاب، وقضت محكمة الأقصر بحبس المعلمة ستة شهور مع إيقاف التنفيد.
وفي 2015، قام مدرّس في إحدى مدارس الفيوم بحلق شعر تلميذة بالموسى لعدم ارتدائها الحجاب أيضاً، ما أدى إلى السخرية منها وتعرّضها لأزمة نفسية سيئة.
"كرهتُ التديّن بالقوة"
لإجبار الفتيات على ارتداء الحجاب منذ الصغر آثار نفسية جسيمة تستمر معهن حتى مع الكبر، ومع كل واقعة لاحقاً يتذكرون ما حدث معهن أثناء فترتهن الدراسية.
تروي الصحافية فاطمة عبد الله (23 عاماً) لرصيف22: "أعيش في قرية العياط، إحدى قرى محافظة الجيزة. وفي الصف الأول الإعدادي أُجبرت على ارتداء الحجاب من قبل المدرسين والمدرسات داخل المدرسة. أقنعونا أنه جزء أساسي من الزي المدرسي، بل قاموا بمنعنا من ارتداء البنطلون لأنه ملفت للأنظار. لم أكن أرغب في ارتداء الحجاب، لكنّي لم أستطع إيقاف التعنيف والإجبار اللذين مورسا ضدنا لارتدائه، وبالفعل خضعت للأمر وارتديت الحجاب لكن دون رغبتي، الأمر الذي ترك أثراً كبيراً جداً في نفسيتي، أعاني منه حتى الآن".
وأضافت: "كثيراً ما كنت أسخط على شكل وجهي بالحجاب، وخصوصاً أن والدي رفض أن أرتديه في المدرسة فقط، كما تفعل بعض الأسر. قال لي: ‘ما ينفعش تلبسي الحجاب في المدرسة وتقلعيه بره’ وفرض عليّ ارتداءه داخل المدرسة وخارجها".
"كرهتُ التديّن بالقوة، وكان لفرض الحجاب عليّ أثر ظل يكبر معي حتى أصبح كالجدار بيني وبين أهلي الذين يتعاملون بنفس مبدأ المدرسة: السمع والطاعة"
تضيف عبد الله قائلة: "أكره هؤلاء المدرسات والمدرسين الذين أجبروني على ارتداء الحجاب وكرهت المدرسة التي كانت ساحة لعتنيفنا وإجبارنا على أفكار لم نعلم عنها شيئاً. وحتى الآن، ترادوني أفكار بخلع الحجاب لكن ما يمنعني هو رد فعل أسرتي الذي قد يصل إلى العنف، كرهت التديّن بالقوة، وكان لفرض الحجاب عليّ أثر ظل يكبر معي حتى أصبح كالجدار بيني وبين أهلي الذين يتعاملون بنفس مبدأ المدرسة: السمع والطاعة".
"لا زلت أحمل كرهاً في داخلي"
لدى علياء جمال (23 عاماً) قصة أخرى مشابهة. تروي لرصيف22: "نشأت في إحدى قرى محافظة الجيزة، وفي عامي الأخير من المرحلة الابتدائية بدأ المدرسون في المدرسة بإجبارنا على ارتداء الحجاب، ليس بالنصح وإنما باستخدام وسائل أخرى مثل التنمر والترهيب والإرهاب النفسي، وكان الأمر يصل أحياناً إلى استدعاء ولي الأمر".
وتضيف الشابة المتخرجة من كلية الآداب: "للأسف، ارتديت الحجاب وعملت بنصيحة المدرسين الذين قالوا لنا ‘البسوا الحجاب داخل المدرسة واقلعوه بره’ وخصوصاً أنني كنت أرفض داخلياً إجباري على ارتدائه، الأمر الذي زادني عنداً وكرهاً للمدرسة والمدرسين وللحجاب أيضاً، بسبب سياسية التعنيف والإجبار التي اتبعهوها معنا".
وصل الأمر إلى قيام المدرسات بإحراج مَن تذهب إلى المدرسة دون حجاب ومعاقبتها أثناء الوقوف في طابور المدرسة "لأنها خالفت ما أسموه بالزي المدرسي"، تتابع.
وتختم حديثها بالقول: "رغم مرور السنين الطويلة وارتدائي الحجاب الآن عن قناعة، لكنّي لا زالت أحمل في داخلي كرهاً لهؤلاء المدرسين والمدرسات الذين لم يتركونا نعيش طفولتنا أثناء الدراسة كما نريد".
مرفوض شرعاً وله آثار نفسية كارثية
تعليقاً على هذه الوقائع، وصفت الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر بالإسكندرية، سلوك المعلمين والمعلمات بـ"الخاطئ تماماً"، مضيفة أنه لا يوجد أي ركن في الشريعة يدعو إلى هذا السلوك.
وأشارت إلى أنه إذا أردوا أن ينصحوا التلميذات بارتداء الحجاب فالوسيلة لذلك يجب أن تكون الكلمة الطيبة والنصح والإرشاد وليس التعنيف والإجبار والإكراه عملاً بالآية القرآنية: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
وأوضحت نصير أن سلوك المدرسين والمدرسات في استخدام التعنيف والإجبار لتحجيب التلميذات ينفرهن من الحجاب والدين وعقائده".
والجدير بالذكر أن قرار وزارة التربية والتعليم رقم (113) بتاريخ 17/5/1994 بشأن الزي المدرسي يحدد في مادته الأولى مواصفات الزي المدرسي الموحد وفقاً للمواصفات الآتية:
في الحلقة الابتدائية (للجنسين): مريلة تيل باللون الذي تختاره المديرية التعليمية. ويمكن ارتداء بنطلون في فصل الشتاء بلون موحد مناسب طبقاً لما تحدده المديرية التعليمية ويجوز استبدال المريلة بقميص وجونلة (تنورة) بطول مناسب بالنسبة للبنات وقميص وبنطلون بالنسبة للبنين مع ارتداء بلوفر أو جاكيت في فصل الشتاء، وحذاء مدرسي وجورب مناسب للون الزي المختار.
وفي المرحلة الإعدادية يرتدي التلاميذ بنطلوناً طويلاً وقميصاً بلون مناسب، وفي فصل الشتاء يمكن ارتداء بلوفر أو جاكيت وفق ما تقرره المديرية التعليمية، أما التلميذات فيرتدين بلوزة بيضاء ومريلة من قماش تيل (دريل) بحمالات باللون الذي تختاره المديرية. وفي فصل الشتاء يمكن أن تكون المريلة من قماش صوف كما يمكن أن ترتدي التلميذه بلوفر أو جاكيت بلون المريلة ويجوز استبدال المريلة بقميص وجونلة بطول مناسب، وحذاء مدرسي وجورب بلون مناسب للزي المختار.
كما أكد القرار على أنه يمكن، بناءً على طلب مكتوب من ولي الأمر، أن ترتدي التلميذة غطاء للشعر لا يحجب الوجه باللون الذي تختاره المديرية التعليمية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون