شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"لا تتجمّلي لا تتعلمي لا تلبسي القصير... أنتِ امرأة عجوز"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 1 نوفمبر 202004:27 م

"احترمي سنّك" أو "الشيب والعيب" وغيرها من العبارات تسمعها النساء الكبيرات عمراً باستمرار في مجتمعنا، في أبسط المواقف اليومية التي تعترضها، مخطئة كانت أم لا. في اللباس مثلاً تجد نفسها محتارة، بين ما تريد لبسه ويعزّز أناقتها وجمالها وأنوثتها وبين نظرات المحيطين بها من جهة أخرى، وإن تجرّأت ولبست لباساً وفق اختيارها، بستايل شبابي فإنها تتعرض لشتى أنواع التنمر.

تضطر عائدة (49 عاماً) من تونس، تعمل في بنك، لأن تبدل ثيابها داخل مقر عملها، تقول لرصيف22: "مهنتي تحتم عليّ أن أكون أنيقة دائماً، فالبنك مؤسسة تستقبل عملاء من جميع الفئات، وأناقة الموظفين تعكس صورة جيدة عن المؤسسة، وأنا ألبس تنانير قصيرة وكعباً عالياً داخل البنك، لكن خارجه لا أجرؤ".

تعرّضت عائدة للتنمر عدة مرات بسبب لبسها، تضيف: "منهم من يقول لي: استحي أنت لست صغيرة، ومنهم من يسمعني شتائم، ومنهم من ينظر باستغراب".

"تخلّف لا شفاء منه"

لم تستطع نجلاء (50 عاماً) أستاذة تعليم ثانوي من محافظة مدنين، أن تتوقف عن عاداتها المحببة في تغيير نمط زيها "اللوك" منذ شبابها، تقول لرصيف22: "أحب أن ألبس كما يحلو لي ولا يهمني العمر. لا أتذكر أنني قرأت يوماً أن هناك عمراً محدداً للملابس، عدا ملابس الأطفال، فلماذا لا ألبس ما يعجبني في السوق؟ أيجب أن أفكر في ذوق الجميع أيضاً؟ فعلاً إنه ضرب من التخلّف، ولا شفاء منه".

يعتقد كثيرون أن بعض الملابس، ألوان الشعر أو الأحذية هي حكر على فئة الشباب فقط، على غرار الجينز والكعب العالي والملابس الرياضية والقبعات وغيرها، خاصة إذا تعلق الأمر بالنساء، في حين لا أحد يعلق على الرجال الذين يلبسون ملابس شبابية كما يسمونها، بل بالعكس يلاقون استحسان الجميع، يطرون عليهم ويمدحون أناقتهم في غالب الأحيان.

إن تجاوزت الخامسة والثلاثين تأخذ لقب "العانس"، وإن لبست وتزينت في عمر الأربعين تعتبر "متصابية"، وإن خاضت علاقات عاطفية في الخمسين تعد "فاجرة"، ثم تُلام إن ارتبطت برجل أصغر منها سناً

تهتم فائزة، التي تعمل مساعدة استقبال في احدى النزل الفاخرة في محافظة سوسة، بمظهرها الخارجي الذي يعتبر هاماً في هكذا وظائف.

تمارس فائزة الرياضة، تضع مساحيق تجميل، وتحاول دائماً المحافظة على رشاقتها وجمالها.

ترتدي فائزة عند ذهابها للعمل تنّورة قصيرة، وهو ما يتماشى مع نظام العمل، لكنها تتصادم مع عقليات بعض المواطنين الذين يرون إن جسدها "عورة" ومطالبة بـ "ستر جسمها"، خاصة إن عمرها لم يعد يسمح بذلك.

تبلغ فائزة من العمر (47 عاماً) وهي أم لثلاثة أطفال، تقول لرصيف22 إنها تتعرض يومياً للتنمر من المارة، وحتى من جيرانها الذين ينظرون إليها نظرة استنكار، بسبب أناقتها واهتمامها بمظهرها.

تقول فائزة بغضب: "البعض هنا من أصحاب العقليات المريضة لا يؤمنون بوجود المرأة في الشارع، ناهيك على أن تمر أمامهم امرأة في الأربعين بكامل أناقتها، بالطبع سيعتبرونها عاهرة".

نشاطات السوشال ميديا

لا يقتصر الحد من حرية المرأة الأربعينية، أو الأكبر سناً، والتنمر عليهن على لباسهن فقط، بل إن التطور التكنولوجي أيضاً ليس من نصيبهن كما يعتقد البعض، فكلما فتحت إحداهن حساب انستغرام أو تيك توك وأنزلت فيديوهات أو صور، تطالها تعليقات الاستنكار والاستهزاء والتنمر من قبيل الشيب والعيب، وكم عمرك، وغيرها من العبارات النابية، التي تتمحور حول السن بالتحديد، وكأن وسائل التواصل خلقت للشباب فقط.

تقول سامية (53 عاماً) من تونس العاصمة، ربة بيت وأم لثلاثة أطفال: "عندما أنشأت حساباً على فيسبوك وانستغرام تلقيت كماً هائلاً من التعليقات المعارضة، حتى من قبل عائلتي، فحماتي اعتبرت ذلك نوعاً من الصبيانية، وقالت لي: "أبهذا العمر تقلدين أولاد هذا الزمن وتتحدثين مع أناس على فيسبوك؟ ماذا يقول عنا الأقارب؟ إنه عيب".

"أفي هذا العمر تقلدين أولاد هذا الزمن وتتحدثين مع أناس على فيسبوك؟".

وتضيف سامية: "أحس أن الطفلة التي بداخلي لم تكبر بعد، لكنها سجينة في سجن المجتمع المتخلف الذي يحكم على تصرفاتنا حسب الأعمار".

أما زوجها محمد (55 عاماً) فيشاطرها الرأي، ويقول: "أنا زوجها ولم أعلق على الموضوع، ولا أرى فيه أية مشاكل أو عيب، بالعكس أحب أن تكون زوجتي مواكبة للعصر في كل شيء، في لباسها ودراستها ومتابعة أحدث تقنيات التطور التكنولوجي، وأسعد جداً عندما أراها تتصرف بروح الشابة التي عرفتها في العشرين من العمر".

أرقام العمر أغلال

عند احتساب معدل الأعمار، ومراحلها للفرد الواحد من قبل مختصين، لم نسمع يوماً عن تفرقة بين الجنسين، لكن البعض في مجتمعنا التونسي يضع تسميات لمعدل أعمار النساء حسب أهواء ذكورية: إن تجاوزت الخامسة والثلاثين تأخذ لقب "العانس"، وإن لبست وتزينت في عمر الأربعين تعتبر "متصابية"، وإن خاضت علاقات عاطفية في الخمسين تعد "فاجرة"، ثم أنها تُلام وتُنتقد إن ارتبطت برجل أصغر منها سناً، بينما يطنب الجميع على الرجل الذي يفعل ذلك، ويعتبرونه إنجازاً إذا ما تزوج بشابة أصغر منه، حتى ولو كان في "أرذل العمر" كما يصفون.

تقول آمنة (38 عاماً) من مدنين لرصيف22: "رفضت الزواج برجل يكبرني بعشرين سنة لعدم توافقنا فكرياً، لكنني تعرضت لشتى أنواع التنمر من قبيل: أنت الخسرانة وابقي عانس أحسن. لم أسلم من أحد حتى عائلتي، وأقاربي ألقوا اللوم علي".

أما نادية (44 عاماً) طالبة دكتوراة من سوسة، فتشير إلى أن التنمر أحياناً يأتي من نساء، متأثرات بالعقلية الذكورية، تقول لرصيف22: "تزوجت وأنجبت أطفالي قبل أن أحقق حلمي وأحصل على شهادة الدكتوراة، لكن زوجي رفض قطعاً أن أكمل دراستي، وبات يردد على مسامعي بتهكم المثل القائل: بعد ما شاب هزوه للكتاب، أي بعد أن شاب أخذوه إلى المدرسة. لكني تحديته، واتجهت نحو العاصمة لإكمال دراستي. ظننت أنني تحررت، لكني صدمت حين استأجرت بيتاً مع فتاة في العشرينيات، وشتمتني بعمري في أول خلاف بيننا، وقالت لي: أنت عجوز، لو اعتنيت بزوجك وأطفالك أحسن".

حتى المشاهير

من المعلوم أن الفنانات والممثلات يهتممن بمظهرهن الخارجي وجمالهن، يلجأن لعمليات التجميل ويتبعن آخر صيحات الموضة في لباسهن وطريقة تصفيف الشعر والمكياج، ليخرجن بأبهى حلة أمام الجمهور، لكنهن يتعرضن لحملات تنمر واسعة، بسبب الاعتناء بمظهرهن وهن في سن الخمسين أو الستين، على غرار الممثلة المصرية نبيلة عبيد، الراقصة فيفي عبدو، الممثلة جورجينا وغيرهن كثيرات.

تحديت زوجي، واتجهت نحو العاصمة لإكمال دراستي، واستأجرت بيتاً مع فتاة في العشرينيات، ولكنها سبتني بعمري في أول خلاف بيننا، قالت لي: أنتِ عجوز، لو اعتنيت بزوجك وأطفالك أحسن"

في تونس تعرضت الممثلة والإعلامية بية الزردي مراراً للتنمر بسبب عمرها، لا لشيء إلا لأنها أنيقة ومحافظة على جمالها ورشاقتها رغم تجاوزها الخمسين من العمر، فلم يجدوا ثغرة لانتقادها عدا عمرها الذي يعتقدون أنه ذنب أو عيب، رغم أنهم لا يعرفون عمرها الحقيقي، وقاموا بالضغط عليها في البرامج الإعلامية لمعرفته، وحال إفصاحها عن عمرها تداول الجميع الخبر، وكأنه قضية شائكة.

التقدم بالعمر هو إحدى نواميس الحياة ولا مفر منه، لكن في مجتمعاتنا العربية يعد "جريمة"، فقط إذا ما تعلق الأمر بامرأة اهتمت بجمالها ورشاقتها وواكبت العصر والتكنولوجيا الحديثة، حتى لو اقتصر الأمر على تطوير تعليمها ومهاراتها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image