على الرغم من خضوعها لحكم نظام قمعي لفترة طويلة من الزمن، امتدت منذ عام 1956 وحتى 2011، ينظر إلى تونس على أنّها "منارة" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهذا يعود بشكل رئيسي للحقوق التي تتمتع بها النساء التونسيّات.
صدر قانون الأسرة في تونس أو ما يعرف بمجلة الأحوال الشخصيّة في 13 أغسطس عام 1956 -بعد الاستقلال عن فرنسا- وقد حقق انتصارات عديدة لنساء تونس. والمجلة هي جملة من الأحكام القانونيّة التي جاءت لتعزّز مكانة المرأة في المجتمع التونسي. تحتوي على 12 باباً يراوح بين الزواج والطلاق والعدّة والحضانة والنسب والميراث...
ساهم هذا في تحسين حقوق المرأة خاصة فيما يتعلّق بمؤسسة الزواج. ولم تطبق مملكة المغرب المجاورة قانوناً مشابهاً حتى عام 2003. كما كانت تونس أوّل بلد " دينه الإسلام " يقنّن الحقّ في الإجهاض عام 1973 والثاني بعد تركيا يجرّم تعدد الزوجات. لخص تقرير فريدم هاوس لعام 2020 ذلك حين أفاد بأن "تونس اليوم تتمتع بحريات سياسيّة ومدنيّة غير مسبوقة".
فهل نهنئ المرأة التونسيّة اليوم على هذه الحقوق الرائدة في العالم العربي طيلة الـ64 عاماً، هل نهنئها على منع تعدد الزوجات، والسماح لها بالعمل، وحرية اللباس، والنفاذ إلى عالم السياسة؟ وهل أصبح العيش في تونس يعني النسب إلى كوكب "الإنسان" أخيراً؟
هل ننعم بالحرية فعلاً؟
تزامن موعد "العيد الوطني للمرأة التونسيّة" الذي أقرّه الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، منذ عام 1956 ، مع تاريخ إصدار مجلة الأحوال الشخصيّة ، واليوم، بعد مضي 64 سنة على هذا التاريخ وتسع سنوات على ثورة " الياسمين " أو ثورة "البرويطة " كما يحلو للبعض تسميتها، نسأل ماذا تغيّر؟
نَنعَم بحرية التعبير؟ صحيح، ولكنّ الكثير يتجاوزها الى الشتم والإهانة خاصة إذا ما تخطّى الموضوع دائرة النساء. نَنعَم بحرية اللباس؟ صحيح، ولكنّ تشبيه المرأة المتبرّجة بالحلوى لازال يلوّث الصفحات الأولى لمواقع النفاق الاجتماعي. نَنعَم بالقيادة النسائيّة؟ صحيح، ولكنّ المرأة هي الفريسة الأولى للاتهامات والتهكم والاستهزاء. نَنعَم بمجانية وإجباريّة التعليم؟ صحيح، ولكن الجنس "رقم 1" (الجنس 01 : ذكر / الجنس 02 : أنثى) ، حسب تصنيف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التونسي، هو من يستحوذ على مناصب القرار. نَنعَم بعيد المرأة؟ صحيح، ولكنّ "سيدة تونس الأولى" بفستانها الأزرق الفاخر، حجبت منديل الكادحات أخضر اللون.
صحيح أننا ننعم بحرية اللباس في تونس، ولكن تشبيه المرأة المتبرجة بالحلوى لازال يلوث الصفحات الأولى لمواقع النفاق الاجتماعي. صحيح أننا نَنعَم بالقيادة النسائية، ولكن المرأة هي الفريسة الأولى للاتهامات والتهكم والاستهزاء
"تونس دولة مدنيّة دينها الإسلام"، هكذا جاء في الدستور، ولكن هل للدولة دين؟ هل هناك يوم حشر للدولة؟ هل ستدخل الدولة الجنة أو النار؟ تساؤلات طرحها رئيس الجمهوريّة التونسيّة، قيس سعيّد، في كلمة مشفّرة ألقاها بمناسبة العيد الوطني للمرأة لهذه السنة.
كلام جميل، منمّق، لا تملك القدرة على فكّه في قراءته الأولى، كلام يعاني من الشيزوفرينيا. فهل تراجعت عن تساؤلاتك سيد الرئيس؟ بين الفكرة الأولى التي تدافع فيها عن مدنيّة الدولة، وبين الفكرة الثانية التي تقول فيها صراحة إنّ "النص القرآني لا لبس فيه" فيما يتعلق بالمساواة في الميراث، ليس هناك سوى بعض الدقائق. بصفتي مواطنة لا أطلب منك " سيّد الرئيس" سوى التمهّل في الانتقال بين فكرتين متناقضتين فعقلي الناقص غير قادر على سرعة الاستيعاب. طبعاً وهل يجوز لناقصة الدين المطالبة بالمساواة في الميراث مقابل رجال قوامين عليها؟
على أرض الواقع
أتعلمون أنّ 53.5% من التونسيات يتعرضن للعنف في الفضاء العام؟ ونحن غاضبات، لكننا متفائلات بسبب كل النساء اللواتي عملن من أجل نساء تونس. ولأن انتصار المرأة يعني انتصار الإنسان في تونس
في 13 آب/ أغسطس 2020، في الساعة الرابعة بعد الزوال، يوم العيد الوطني للمرأة التونسية، استقليت القطار متوجهة الى العاصمة، لتعترض طريقي امرأة أسمعها من بعيد تقول: "أمي مريضة"، اقترب الصوت شيئاً فشيئاً، هي متسولة أو ممتهنة التسوّل، أعرفها منذ ثلاث سنوات تقريباً، تقوم بنفس العمل ولكن بقصص مختلفة، فتارة أمّها مريضة وتارة زوجها مسجون وتارة أمراضها المزمنة على وشك أن تذهب بحياتها، تعددت السيناريوهات والشخصيات والهدف واحد: استغلال عاطفة الناس وجني بعض النقود.
الأيام متشابهة، 13 أغسطس، 1 يناير، 20 فبراير... بالنسبة لهذه المرأة لا يهمّ، فعن أي عيد نتحدث؟
وبعيداً عن هذه القصة، أتعلمون أنّ 53.5% من التونسيات يتعرضن للعنف في الفضاء العام، حسب دراسة قام بها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة سنة 2016، وأنّ 47% يتعرضن له في الفضاء الخاص، حسب دراسة قام بها الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري سنة 2010، وأنّ عدد الإشعارات الواردة على الرقم الأخضر التابع لوزارة المرأة التونسية، تضاعف 7 مرات خلال فترة الحجر الصحي، وأنّ مجلة الأحوال الشخصية لازالت تنعت الطفل/ة المولود/ة خارج إطار الزواج بــ"اللقيط" (من الفصل 77 إلى الفصل 80)، وأنّ واحداً من مثقفي البلاد يشبّه المرأة بالفيلة، ويعتبر أنّ الإبداع ذكوري أو لا يكون؟ لا يسعني إلاّ أن أقول له: صغيري المبدع، حتى الفيلة لم تتحمل وتوفيت بمتفجرات ذكور.
"غاضبات لكننا متفائلات"
برغم الإشادة بالقوانين التونسيّة التي تتسم بالتقدميّة نسبياً إلاّ أنّ مسافة الفصل بين التشريع والتطبيق كبيرة. القانون عدد 58 لمناهضة العنف ضدّ المرأة، مثلًا، يعاني عدداً من الهنات فهو لا يتمتع بالجرأة اللازمة للتنصيص علناً على جريمة الاغتصاب الزوجي ولا يطرح مسألة المساواة في الميراث بشكل مباشر .. هو يتخفى وراء حجاب مؤسساتي مجتمعي ويتخبط بين المصطلحات ليجد مخرجاً.
لكن وعلى حدّ تعبير رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات، يسرى فراوس: "غاضبات لكننا متفائلات".
وكما قالت ملهمتي، ألفة يوسف: "لا أرى مانعاً من أن أحيي كل النساء اللواتي ساهمن في حلحلة مشاكل البلاد. كل واحدة عملت ولو نقطة صغيرة من أجل نساء تونس تستحق التحية... أسماء النساء في حد ذاتها ليس لها معنى، بل المعنى يكمن في تراكم الأفكار والمواقف رغم الاختلافات... ليس هناك بطلة، البطولة أوهام... هي فقط عجلة الحياة تدور وتتطور وتتغير بنا جميعاً. نحن كأفراد لا شيء، ونحن كأثر كل شيء....".
أما أنا، فلكلّ تونسيّة أقول: فات عيدك حبيبتي فماذا الآن ؟ " ما قضيتك إلاّ نقطة في محيط، هناك قضايا أهم : الاقتصاد، السياسة، كاس العالم، الفقر، البطالة .. " هذا ما يردده البعض ولكن لا تقلقي أنت لست نقطة في محيط، أنت المحيط في نقطة والمحيط لا يهتزّ، لينتصر الإنسان في تونس، دمتِ منتصرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...