شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"لستُ عاهرة"... مغربيات يتحدين نظرة "الرجل" بقوة شخصياتهنّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 10 سبتمبر 201902:19 م

تحاول المغربيات، اللواتي يعشن في مدنٍ منفتحة مثل الدار البيضاء، جاهدات أن يكن أنفسهن، قويات الشخصية، مستقلات، يدرسن جيداً، يعملن بإخلاص، يرتدين ملابس عصرية، متمردات على نمط أمهاتهن وجداتهن، ويُطلق عليهن لقب "امرأة حداثية".

بشرى (35 سنة)، موظفة في إحدى الوكالات البنكية، تشدّد على أن "لكل امرأةٍ معركتها الخاصة في هذه الحياة، ومعركتها تتلخّص في ألّا تشبه والدتها كلياً، وألّا تترك لأي أحدٍ فرصة إهانتها وهضم حقوقها".

تضيف بشرى خلال حديثها لرصيف22 أنها "ليست امرأة متمرّدة، لكنها ترفض أن تعيش الأدوار التقليدية التي عاشتها والدتها".

تقول بشرى، الشابة المهتمة بأناقتها: "المجتمع لا يرحم النساء المستقلات، اللواتي يعتمدن على إمكانيتهن المادية ومؤهلاتهن العلمية، فالمجتمع بصفة عامة، تستفزّه المرأة القوية التي لا تحتاج إلى مساعدة أي أحد".

"دخان سيجارتي يستفزه"

على الرغم من كون بشرى تعيش برفقة والدتها في شقة استأجرتها في مدينة الدار البيضاء، إلا أنها غير مرتاحة، فهي تشتكي من الأحكام المسبقة ومن نظرة جيرانها وزملائها لها.

توضّح بشرى، أن "الأشخاص الذين يدَّعون الحداثة، هم في الحقيقة أشخاص يدارون شخصيتهم التقليدية وأفكارهم الشرقية".

تتابع بشرى حديثها بنبرةٍ ساخرةٍ: "على سبيل المثال، عندما أمسك سيجارة أمام زميل لي، أشعر بأنه غير مرتاح، يحاول جاهداً ألّا يُظهر ذلك، لكني شعرت أن دخان سيجارتي استفزّه، وهو لا يستطيع قول ذلك في وجهي، لأنه لا يحب الظهور بمظهر الرجل الشرقي المتزمّت".

ومن بين ما يضايق بشرى، ثرثرة زملائها، خصوصاً وأنها محور معظم الأحاديث، تضيف: "غالباً ما أسمع إشاعات تسيء إلى سمعتي، فقط لأنني ألبس لباساً متحرراً، أسهر ليلا برفقة أصدقائي، أسافر لوحدي، أدافع عن مطالبهم وحقوقهم، لكن في المقابل أتعرّض للتحرّش الجنسي من طرف زملاء رجال، ورئيسي في العمل".

"لست مومساً أبيع جسدي الجميل، أنا أود فقط الاستمتاع به كما أشتهي مع حبيبي، لكن أين سأجد هذا الحبيب، لأن الرجال المغاربة يصفقون للمرأة المتحرّرة، ولكن عندما يرتبطون يفضلونها تقليدية".

ومن جهة أخرى، تحكي بشرى، أنها لا ترفض بتاتاً إقامة علاقة جنسية خارج مؤسسة الزواج كما هو متعارف عليه في المجتمع المغربي، لكن بشرط واحد، أن تكون مغرمة بحبيبها، تقول: "لست مومساً أبيع جسدي الجميل، أنا أود فقط الاستمتاع به كما أشتهي مع حبيبي"، تستطرد بانفعال "لكن أين سأجد هذا الحبيب، لأن الرجال المغاربة يصفقون للمرأة المتحرّرة، ولكن عندما يرتبطون يفضلونها تقليدية".

حاول شباب كثر التقرّب من بشرى، فبحسبها، رفضت الكثير من العلاقات، تبرر ذلك: "يعجبهم تحرّري من جميع القيود الذي يفرضها المجتمع، يصفقون لجرأتي، لكنهم يبحثون عن متعةٍ عابرةٍ معي وليس عن حبٍّ صادق".

تقول بشرى إنها تتذكر صديقاً لها يسارياً، منخرطاً في أحد الأحزاب الاشتراكية في المغرب، كانت دائماً معجبة بأفكاره حول التحرّر، واحترامه للعلاقات الرضائية والحريات الفردية، لكن عندما قرر الزواج، ارتبط بفتاةٍ محافظةٍ، وعندما سألته عن السبب، قال لها: "اخترتها محافظة لأنني أريدها أمّاً لأولادي".

الرجال يكافؤون البنات المطيعات

"كل سيدة حداثية، تكون موصومة بالفساد"، بهذه العبارة توجز لنا حياة منشان، ناشطة اجتماعية وحقوقية، في حديثها لرصيف22 عن معاناة النساء اللواتي اخترن النمط المتحرر في المغرب.

تقول منشان: "النساء الحداثيات يعانين من الأحكام الجاهزة المسبقة ومن نظرة المجتمع لهن، خصوصاً في الأوساط الفقيرة والمهمّشة، حيث المرأة المتحرّرة توصم بالفاسدة ولو كانت تدافع عن حقوقهم".

"عندما أمسك سيجارة أمام زميل لي، أشعر بأنه غير مرتاح، يحاول جاهداً ألّا يُظهر ذلك، لكني شعرت أن دخان سيجارتي استفزّه"

وعن معاناتها، ونظيراتها من الحداثيات، تقول حياة: "كيقولو عليها شبعات الخبز وبغات تخرج البنات للطريق"، بمعنى أنها تسعى إلى إفساد النساء، وألّا هم لها سوى ذلك، "فضلاً عن أن المرأة الحداثية تكون عرضة للتحرّش أكثر، ولو من أجل استفزازها فقط، إذ يرى الرجل أنه حتى ولو فشل في إقناع المرأة بإقامة علاقة معه، على أقل سيكون حاول ذلك، كنوعٍ من الاستفزاز لها".

وما يثير دهشة منشان أن المرأة المطيعة، غير المتطلبة، يكافئها الرجل، ويمنحها كافة حقوقها المادية، وأحياناً يقدم لها هدايا قيّمة، كنوعٍ من العرفان على صمتها.

توضح منشان فكرتها: "أجرت جمعية صوت المرأة الأمازيغية دراسةً حول اقتسام الممتلكات بين الأزواج، وتبيّن للجمعية أن النساء غير المتعلمات، أو اللواتي لم يستطعن إتمام دراستهن، يتمتعن بكافة حقوقهن المالية، مقارنةً بالمرأة الواعية والمتعلمة، وكأن الرجال يكافؤون النساء المطيعات غير المتطلبات".

يغازل صديقته ويسبّ أخته

يفضّل العديد من الرجال، أن يفرّغوا غضبهم على النساء بصفةٍ خاصة، لاسيما أولئك الأشخاص الذين يعانون من القمع ومن الفشل في حياتهم، وكأن النساء الحداثيات جزء من معاناتهم، وأحياناً قد تتطوّر الأمور إلى عنفٍ جسدي خطير تتعرّض له المرأة، أو إلى انتقامٍ يشوّه سمعتها، وهذا ما حدث لجميلة.

جميلة شابة جميلة الملامح، اختارت الولوج إلى ميدان التمريض، إيماناً منها أن مهنتها من أنبل المهن، لكنها لم تتصوّر أن تجرَّ عليها هذه المهنة انتقادات وشتائم لا حصر لها، بسبب طلاقها.

بدأت معاناة جميلة (32 سنة) عندما طلقت قبل سنتين، ونتج عن هذا الزواج الذي دام 5 سنوات، طفلاً يبلغ من العمر 3 سنوات، تعيله جميلة بعدما حكمت المحكمة على طليقها بنفقةٍ بسيطةٍ لا تلبي نصف احتياجات طفلها.

لم تتقبل أسرة جميلة طلاقها، لاسيما وأن سبب الطلاق، بحسبهم، "تافه". طلبت جميلة الطلاق بسبب خيانة زوجها لها، والخيانة في ثقافة أسرتها ليست بالأهمية التي تجعل المرأة تنتفض وتخرّب "مملكتها"، لكن جميلة فعلتها، "تطلقت وتحررت"، كما تحب أن تصف نفسها.

"أصيب شقيقي بوسواس أن أقيم علاقة حب مع شخص ما"

تقول جميلة بنبرةٍ هادئة: "بعد طلاقي، أصيب شقيقي بوسواس أن أقيم علاقة حب مع شخص ما، دائماً ما يراقب هاتفي خلسة، ينتقد لباسي العصري، تتطوّر الأمور أحياناً إلى منعي من مزاولة عملي، وأحياناً أخرى إلى تعنيفي".

لم يستوعب شقيق جميلة أنها تعمل كممرضة وبالتالي تعمل ليلاً، لكنه يرفض تقبّل عودتها إلى المنزل في الساعات الأولى من الصباح، يستقبلها بشتائم "لا تطاق"، مثل وصفها بالعاهرة، وما يحزّ في نفسها بأن الجيران يسمعون صراخه، ويشعرون بمعامملته اللسيئة لها.

ما يثير الانتباه، تقول جميلة، هو أن شقيقها شخص مثقف، يعمل كمهندس صوت في إحدى الشركات الخاصة، مظهره يدل على أنه شخص عصري.

تهمس جميلة لنا بأن "شقيقها الجلّاد"، كما اعتادت أن تصفه، له حبيبة، دائماً ما تسمعه جميلة وهو يغازلها على هاتفه ليلاً، تتساءل الشابة: "كيف للسان يغازل امرأة يهين امرأة أخرى؟".

الدولة خلقت "الانفصام"

لا شك أن المغاربة يعيشون انفصاماً خطيراً، يعلق علي الشعباني، الباحث في علم الاجتماع، في حديثه لرصيف22،  "والدولة المغربية ساهمت في خلق هذا الانفصام الذي يعاني منه المغاربة، عبر تبني مفهوم الأصالة والمعاصرة".

ويضيف الشعباني:  أمام هذا التناقض، يمكن أن نجزم بأن المغربي يعيش في بيتين، الأول قديم والآخر حديث، فضلاً عن أنه يعيش برأسين، تجده يفكر بشكل عصري وقديم في نفس الوقت.

وفي النهاية، إذا كان الجميع في المغرب يعيشون  هذا "الفصام"، ويعانون منه، فلاشك أن المرأة تدفع الثمن الأكبر، خاصة إذا قررت أن تحيا حياة واحدة، بعقلية واحدة، وشخصية واحدة، متحررة، مستقلة، وطموحة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image