شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"الصبر أصعب من تحرشات الذكور وكلام الناس"... أحلام بائعات الشارع في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 29 أكتوبر 202003:18 م

أدمن الأخ الأوسط الذي أدّى دوره أحمد عبد العزيز في فيلم "عودة مواطن"، إنتاج 1986، المخدرات، ولعبة الشطرنج، وتوقَّف تماماً عن العمل، وبينما هو مستغرق في حلّ إحدى أحاجي اللعبة، شاهد أخته وهي ترتدي ثيابها، وتخرج لمشروعها الخاص الذي افتتحته، حينها ضحك ساخراً، وقال أن ثمة تغيراً كبيراً طرأ على العائلة، النساء هن العاملات، والرجال لا يعملون.

اُعتبر هذا الفيلم من أكثر أفلام محمد خان تكهُّناً بالمستقبل، إذ شدَّد على الأزمة الاقتصادية التي ستحدث عام 2000، بسبب الزيادة الهائلة للسكان، إضافة إلى التغيرات الاجتماعية، مثل الحيرة التي تنتاب المصريين بين الاستمرار في عملهم بالخليج، وتحول الأخ الأكبر أو الزوج الأب إلى صراف العائلة.


من أبرز تلك التغيرات عمل المرأة، وواقعيتها في التعامل مع أزماتها، ومواجهة تحدياتها الاقتصادية.

على أعتاب العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، لم يبرز دور نساء مصريات في تحمل المسؤولية كمُعيلات فحسب، ولكن بدأن يسعين لتحقيق أحلامهنّ الخاصة، كانت البداية للبعض من الشارع، الذي لا يزال يحتكر أنشطته الاقتصادية الرجال بدرجة كبيرة.

منذ ثلاثة سنوات أو أكثر قليلاً لفت نظر الصحافة المحلية نزول نساء "على استحياء" إلى الشارع، خاصة في الأحياء الراقية، بعربات تبيع منتجات غذائية وغيرها.

مؤخراً، قررت فتيات النزول إلى تلك الشوارع التي تخشى النساء مجرد السير فيها، في مناطق متوسطة أو شعبية، لجس نبض الشارع من جهة، ومحاولة البحث عن فرص للنجاح والتمكين الاقتصادي.

"الخطأ ليس في كلام الناس عني، كفتاة تبيع الطعام في الشارع، الخطأ أن أمدّ يدي للاقتراض من جيراني وأهلي لأسد التزاماتي اليومية"

التقت رصيف22 أربع نساء كسرن الحاجز، هنّ "مي وندى" أصحاب مشروع "سوبر وومن"، و"فيروز سعد" صاحبة أشهر عربة لتوفير وبيع المنتجات الغذائية في مدينة الاسكندرية، وكذلك "نعمة الفرماوي" صاحبة مشروع "نهارك سعيد" التي تقدم وجبات إفطار للموظفين والعاملين صباحاً.

المثير أن الشوارع المصرية ليست هي المحل الأنسب لعمل المرأة، فالقاهرة مصنّفة كأخطر مدينة على النساء حسب تقرير لمنظمة تومسون رويترز في 2017، إذ بلغت نسبة تعرض النساء للتحرش الجنسي 99% في دراسة للأمم المتحدة في العام نفسه، لذا يمكن القول إنّ أوضاع النساء في مصر تزيد من التحديات التي تواجهها مي وندى وفيروز ونعمة.

"أعمل بلا رخصة"

تروي مي مجدي صاحبة مشروع سوبر وومن (28 عاماً) من الجيزة، أن المشروع هو عبارة عن عربة تحضير سندويتشات سريعة وجاهزة، بالشراكة بينها وبين صديقتها ندى السيد (24 عاماً)، وهي متخرجة من كلية نظم ومعلومات بينما صديقتها خريجة كلية تجارة.

ظلت مي وندا يفكران لمدة طويلة في مشروعهما، وترددا بسبب البيئة المحيطة بهما، التي كانت تبث الإحباط فيهم، والتساؤل الدائم، كيف لبنات أن يقفن في الشوارع العامة ليبيعوا شيئاً ما.

تأجل المشروع حتى أصبح واقعاً قبل شهر، ولكن لا يزال يحتاج لموافقات إدارة الحي. تتنفّس مجدي الصعداء، وتقول لرصيف22: "أكثر ما يسعدني أنني حققت حلمي، أنا وصديقتي، وأثبتنا أننا قادرتان على النجاح، وأحلم أن نتوسع ونكبر لنصبح سلسلة مطاعم في مصر كلها".

ترى مجدي أنها محظوظة، لأنها حظيت هي وصديقتها على تشجيع ممن حولها، وقام أصدقاؤهم بمساعدتهما في شراء عربية طعام، ولم تتعرضا لمضايقات كثيرة، وتلك الأمور مجتمعة نادراً ما تجتمع لمشاريع نسائية في الشارع، بعيداً عن الأماكن الراقية.

ما يقلق مي هو الرخصة القانونية، تقول: "ذهبت كثيراً لإدارة الحي، وجهاز المدينة، والهيئات المختصة، ولم نستخرج تراخيصنا حتى الآن، لذلك نطالب بتعاون تلك الجهات في الدولة معنا لتقنين أوضاعنا".

يذكر أن في مصر ما يقرب من ستة ملايين بائع وبائعة في الشارع، متحركين وثابتين، حسب النائبة البرلمانية السابقة هالة أبو السعد، التي تقدمت بمشروع قانون ينظم عمل هذه الفئة العريضة.

"ماذا سيقول الناس عني؟"

أما فيروز سعد، من الاسكندرية، امرأة ثلاثينية، حاصلة على مؤهل متوسط، فتحكي عن مشوارها لرصيف22: "بدأت مشروعي منذ حوالي 10 سنوات أو أكثر، والأمور التي أوحت لي بالفكرة أني كنت أرغب في البدء بمشروع تجاري يفيدني مادياً، وهو ما وجدته في مشروع بيع الخضر الجاهزة للطبخ ، فالأمر قد يبدو صعباً على الناس ولكنه سهل علي".

"فكَّرت فيروز في كلام الناس عنها، وتساءلت: هل ما أفعله خطأ؟".

فكرت فيروز في كلام الناس عنها، ولكنها توصلت إلى أنه من الأفضل ألا تلتفت لنظرتهم، فبالنسبة لها الخطأ هو "أن أمد يدي للاقتراض من جيراني وأهلي لأسد التزاماتي اليومية".

لم يكن مجال تجهيز الخضر، هو أول رحلة فيروز مع الكفاح والعمل، فقد تنقلت بين تطريز الملابس والتجارة في الملابس أيضاً، ثم توزيع المأكولات والحلوى الخفيفة للموظفين والموظفات، ثم ابتكرت طريقة جديدة في تأسيس مشروعها الخاص، عندما ابتاعت عربة قديمة الطراز ذات ظهر مفتوح، وكانت تستغل أوقات انصراف المواظفين لتقف أمام إحدى الشركات نصف ساعة يومياً.

وبعد فترة قررت الوقوف مدة أطول في أحد أحياء الاسكندرية، لتقدم أنواعاً مختلفة من الخضر الجاهزة والطواجن والأطباق الجانبية والمعجنات والمقبلات وعدداً كبيراً من أنواع الحلوى والعصائر الطبيعية.

وتسعى سعد على المدى البعيد إلى أن تكون قادرة على افتتاح مول كبيراً، مثل "فتح الله"، أو "كارفور" يوفر الخضروات والأكلات الجاهزة.

في نهاية الفيلم تمكّنت الأخت الكبرى فوزية من أن تحقّق حلمها بمشروع "مصنع الحلويات"، بينما يظل الأخ الأكبر أسير الحيرة، بين العودة إلى الخليج أو استئناف حياته في مصر، واعتقلت السلطات الأخ الأصغر بسبب نشاطه السياسي

أما "نهارك سعيد" فقد حولتها نعمة الفرماوي (31 عاماً) من القاهرة، خريجة كلية الإعلام، جامعة القاهرة، من تحية صباحية، إلى شعار لمشروعها المتخصص في تجهيز السندويتشات للذاهبين إلى أعمالهم نهاراً، من خلال عربتها بأحد شوارع العاصمة المصرية. تقول: "ما جذبني لتنفيذ هذه الفكرة حبي لمجال العمل في المطاعم، ولكن اختياري وجبة الإفطار هو سبب التميز، خاصة أنها مهملة رغم أهميتها الغذائية".

واجهت الفرماوي ممانعة من الأسرة، لكنها أصرت على الاستمرار، ورغم تعرضها للتحرش والمضايقات، إلا أنها ترى في الصبر والاستمرار التحدي الأقوى لطموحها، تقول: "أكثر ما ساعدني على النجاح هو الصبر والاستمرارية، فقد تعاملت مع عربتي وكأنها نبتة أرويها بمجهود عقلي وبدني وأنتظرها لتكبر، وربما يكون الانتظار من أصعب الأمور في الدنيا، ولكنني طوال الوقت أذكر نفسي بأني لم أنجح بعد".

وتتابع: "أطمح إلى أن يكون "نهارك سعيد" اسماً كبيراً ينافس أكبر المطاعم والأسماء في هذا المجال".

وتنهي الفرماوي حديثها مع رصيف22: "هناك عدد لا حصر له ممن شجعوني ودعموني دون توقف، أولهم والدتي التي دعمتني بكل السبل المتاحة، وصديقتي المقربة التي افتتحت معي المشروع وساعدتني مدة شهرين بهدف تشجيعي".

في نهاية فيلم "عودة مواطن" تمكّنت الأخت الكبرى فوزية (أدّت دورها ميرفت أمين) من أن تحقّق حلمها بمشروع "مصنع الحلويات"، وأصبحت سيدة تجارة مستقلة، لتترك بيت العائلة، وتعيش بمفردها، بينما يظل الأخ الأكبر أسير الحيرة، بين العودة إلى الخليج أو استئناف حياته في مصر، في واقع لم يعد يفهم متغيّراته، أمّا الأخ الأوسط فلم يتوقف عن إدمانه، ولعبة الشطرنج، واعتقلت السلطات الأخ الأصغر بسبب نشاطه السياسي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard