شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
إلى أين يمكن أن يتّجه الفلسطينيون بعدما تركتهم الأنظمة العربية وحدهم؟

إلى أين يمكن أن يتّجه الفلسطينيون بعدما تركتهم الأنظمة العربية وحدهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 27 أكتوبر 202012:22 م

حينما أبرمت مصر اتفاق سلام مع إسرائيل عام 1978، كانت تفكر أنها ستأخذ مكانة الدولة العبرية لدى الولايات المتحدة أو على الأقل مكانة مماثلة، لكن ما حدث مع مرور السنوات، هو العكس، فقد أخذت تل أبيب مكانة القاهرة لدى الدول العربية لتقلل من ثقل القضية الفلسطينية. وأصبح الفلسطينيون في عام 2020 يفقدون كل يوم دولة عربية جديدة إلى جانبهم، بداية من الإمارات والبحرين، وأخيراً السودان.

مع تخلي الأنظمة العربية تدريجياً عن الفلسطينيين بدأ الحديث عن البدائل التي يمكن للسلطة الفلسطينية أن تبنيها، منها البحث عن محور آخر مثل تركيا وإيران أو الاستمرار بالتعامل مع الدول المطبعة بفكر جديد. 

مقاطعة الدول العربية

سحبت فلسطين سفيريها من دولتي الإمارات والبحرين بعد قرار أبوظبي والمنامة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن من الملاحظ أنها لم تكرر الخطوة نفسها مع السودان.

لا يعرف سبب عدم إعلان فلسطين سحب سفيرها من الخرطوم على غرار البحرين والإمارات، لكن وجهت انتقادات عنيفة للسودان، وطالب الأخير بعدم التحدث باسم الفلسطينيين ووصف الاتفاق مع إسرائيل بـ"الطعنة".

وأعلنت الإدارة الأمريكية أن دولاً عربية أخرى سوف تطبع علاقتها مع اسرائيل مثل قطر والسعودية وسلطنة عمان، وهذا ما يعني أن الفلسطينيين إذا سحبوا سفراءهم من كل الدول المطبعة فسيكونون شبه معزولين في المنطقة.   

يرى بعض الباحثين أن انعزال الفلسطينيين عن العالم العربي لم يبدأ الآن، وإنما مع توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد التي غيبت الخيار العسكري ثم جاءت الثورات العربية الذي شغلت الشعوب العربية عن الضغط على الحكومات لدعم فلسطين.  

قال معين رباتي، الباحث والمحلل والمتخصص في الشؤون الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، إن العرب في منتصف السبعينيات لم يكونوا يدعمون الفلسطينيين فحسب، بل اعتبروا أن الصراع عربي إسرائيلي، لكن تغير الموقف جزئياً مع ظهور "القومية المحلية" في معظم الدول العربية. 

واعتبر رباني اتفاقية كامب ديفيد نقطة تحوّل بارزة في العلاقة بين الفلسطينيين والعالم العربي لأنها سحبت الخيار العسكري العربي والمبادرة الدبلوماسية الفلسطينية.

مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة في السعودية، بدأت وسائل الإعلام في المملكة ترفع شعار "السعودية أولاً" الذي أطلقه المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، والذي دعا من خلاله إلى النظر في مصالح الرياض دون اعتبار مصالح باقي العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيون.

وأشار العضو البارز في معهد بروكنز بواشنطن إلى أن الرأي العام العربي شهد تحولاً أيضاً، ولم تعد القضيّة الفلسطينية أولوية للشعوب العربية منذ انتفاضات الربيع العربي ونشأة الصراعات الداخلية في سوريا واليمن وليبيا. 

في 2020 يبدو الفلسطينيون معزولين ووحدهم مع ازدياد الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل، رافق ذلك سحب للسفير الفلسطيني أو مقاطعة لا يُعرف متى ستنتهي، لكن السؤال الأهم: هل هناك محور آخر يمكن أن يكون بديلاً للفلسطينيين عن الأنظمة العربية؟       

أهمية الدول العربية

كانت دول الخليج مصدر تمويل السلطة الفلسطينية، وجاء هذا الدعم من ثلاثة مصادر رئيسية هي الأنظمة الخليجية، والمواطنون الخليجيون، والفلسطينيون الذين يعملون في دول الخليج.

صحيح أن هذا الدعم تراجع على مر السنين، ولكنه كان دائماً حاسماً لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، خاصة في السنوات الأخيرة مع تضاؤل المساعدات الغربية، خصوصاً لدى وصول إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

بحسب تقرير للباحث يوسف منير في "المركز العربي واشنطن دي سي"، فإن السعودية أكبر ممول للسلطة الفلسطينية، إذ تقدم 20 مليون دولار شهرياً منذ عام 2013. كما تساهم الأموال السعودية باستمرار عمليات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة تقدم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في المنطقة.

 في ظل تجميد الولايات المتحدة التمويل المقدم إلى منظمة الأونروا، تعد المملكة ثالث أكبر مانح للوكالة، إذ قدمت 160 مليون دولار في عام 2018.

على مدى عقدين من الزمن، قدمت المملكة للفلسطينيين ستة مليارات دولار على شكل مساعدات إنسانية وتنموية ومليار دولار إضافية للاجئين الفلسطينيين.

وشرعت قطر خلال العامين الماضيين في تقديم منحة قدرها 15 مليون دولار للفلسطينيين في قطاع غزة كل ثلاثة أشهر تقريباً. فضلاً عن منح أخرى من دول الخليج مثل الإمارات  والكويت.   

بينما كان السودان ممراً لنقل السلاح من إيران ومناطق أخرى إلى حركات المقاومة المسلحة في قطاع غزة عبر سيناء.

حتى سوريا التي كانت تستضيف قادة المقاومة الفلسطينية صرح رئيسها بشار الأسد بأن بلاده على استعداد للتطبيع مع إسرائيل لدى عودة الجولان من دون الإشارة إلى القضية الفلسطينية.

بدائل الفلسطينيين

يرى يوسف منير أن استمرار ابتعاد مركز الثقل في الخليج عن القيادة الفلسطينية، وهو تطور ستكون له تداعيات في منطقة الخليج والعالم العربي، يفرض على القادة الفلسطينيين البحث عن بدائل أخرى، لكل منها مزاياها وعيوبها.

برأيه، فإن الخيار الأول هو الاستمرار في العمل كالمعتاد والمضي قدماً وفق النهج نفسه- على أمل الحفاظ على ما تبقى من الإجماع العربي - كشكل من أشكال النفوذ في مواجهة إسرائيل. 

وأشار إلى أن الخيار الثاني هو الانتقال إلى المؤسسات الدولية لمحاسبة إسرائيل على سياساتها غير العادلة، كالاتجاه إلى المحكمة الجنائية الدولية التي يمكن للقيادة الفلسطينية العمل من خلالها. 

لكن العمل في المؤسسات الدولية الأخرى يحتاج إلى عمل وتنسيق مع الحلفاء الدوليين، وعادةً يكون أعضاء جامعة الدول العربية من بينهم، وبالتأكيد فإن التطبيع سيحد من فرص دعم الفلسطينيين في هذه المؤسسات.

الخيار الثالث هو البحث عن خيار مختلف، إذ يمكن للقادة الفلسطينيين الرد على هذا التحول العربي والخليجي تحديداً بالتحول نحو محور مختلف، وخصوصاً محور تركيا وإيران.

مع تخلي الأنظمة العربية تدريجياً عن الفلسطينيين بدأ الحديث عن البدائل التي يمكن للسلطة الفلسطينية أن تبنيها، منها البحث عن محور آخر مثل تركيا وإيران أو الاستمرار بالتعامل مع الدول المطبعة بفكر جديد

مع ذلك، يرى يوسف منير أن مثل هذا التحول سيأتي بمخاطر هائلة على الفلسطينيين، أولاً، سيعزز الفكرة القائلة بأن دعم القضية الفلسطينية هو نتيجة التنافس الجيوسياسي الإقليمي، وهذه فكرة خطيرة بالنسبة للفلسطينيين إذ يمكن لهذه التحالفات أن تتغير بمرور الوقت وتتركها تتدلى بسرعة حتى تجف وتموت القضية.

ثانياً، سوف تتزايد الفجوة بين القيادة الفلسطينية ودول الخليج ودول عربية أخرى مثل مصر. ثالثاً، من شأنه أن يزيد من تعقيد العلاقة الفلسطينية مع واشنطن.

في الشهر الماضي عقدت حركتا فتح وحماس لقاءات في تركيا حيث وضعتا اتفاقاً لحل الانقسام الفلسطيني وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وهو ما أثار غضباً في وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة المصرية. 

في حديث لرصيف22، رأى الأكاديمي والباحث الفلسطيني أيمن الرقب أن الحالة الفلسطينية في الوقت الراهن في أسوأ حالاتها، وكانت هذه فرصة ليذهب من يريد أن يطبع مع الاحتلال الاسرائيلي للبحث عن مصالحه من دون الاهتمام بالرد الفلسطيني.

ولفت الرقب إلى أن الانقسام الفلسطيني لعب دوراً في عدم التعاطي العربي مع الفلسطينيين وتركهم وحدهم. وبرأيه فإن أهم البدائل أمام الفلسطينيين في هذه المتغيرات العربية هي: 

أولاً، ترتيب حقيقي للبيت الفلسطيني يبدأ بمصالحة داخل حركة فتح والالتقاء بين الرئيس محمود عباس والقيادي الفلسطيني المقيم في الإمارات محمد دحلان لتجاوز الخلاف الفتحاوي ثم الانتقال للمصالحة الفلسطينية وإجراء انتخابات في كل المؤسسات الفلسطينية لانتخاب قيادة قادرة على تطوير العمل والأداء بشكل براغماتي بدلاً من حالة الجمود .

ثانياً، عدم التصعيد مع الدول العربية التي وقعت اتفاق مع الاحتلال الاسرائيلي خاصة أنه من المتوقع توقيع دول عربية أخرى اتفاقيات مع الاحتلال الاسرائيلي وذلك حتى لا يتعمق الجرح ويخسر الفلسطينيون البعد الجماهيري العربي.

وطالب الرقب عباس بزيارة الدول العربية لمعاتبتها واستغلال عملية التطبيع مع الاحتلال لخدمة القضية الفلسطينية وإحياء العملية السلمية على أساس المبادرة العربية للسلام وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، لأن جميع الدول العربية لا تستطيع إنكار حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته وعاصمتها القدس.

ثالثاً، الترتيب مع الدول العربية باستقبال الآلاف من الشعوب العربية في زيارة للأراضي الفلسطينية والقدس وعدم ترك زيارات الشعوب العربية للاحتلال ليقوم باستقبالهم وتوجيههم كما يشاء.

ولفت الرقب إلى أن الحليف الحقيقي للفلسطينيين هو مصر ويجب ألا تخسرها القيادة الفلسطينية، خاصة أن بعد الانتخابات الأمريكية قد تطبع دول عربية أخرى مع الاحتلال والدول التي لم تطبع ستبيع شعارات من دون فعل كما حدث في ثمانينيات القرن الماضي.

واعتبر أن الفلسطينيين يجب أن يدفعوا الشعوب العربية لتبني النموذج المصري والأردني في مقاومة التطبيع، ولتكن الاتفاقيات مع الاحتلال الاسرائيلي رسمية بين الدول دون التعاطي معها شعبياً من خلال عدم المشاركة في لقاءات مع الاحتلال حتى الشعبية منها وعدم زيارة مدن الاحتلال إلا بترتيب مع الجانب الفلسطيني لزيارة المدن الفلسطينية والاطلاع على معاناة الشعب الفلسطيني.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard